ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 05/08/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ــ

الوحوش الرقمية ونشوء نظرية اللامركزية الكونية

محمد بن سعيد الفطيسي*

إن السنوات القادمة من عمر القرن الحادي والعشرون , ستحمل معها الكثير من المفاجآت , وعلى رأس تلك التغيرات المفاجأة في بنية النظام العالمي , تحطم نظرية القطب الأوحد , وانهيارها بشكل تدريجي , فبداية لن تستطيع الولايات المتحدة الاميريكة , وهي المعني بهذا الشأن , أن تستمر وحيدة في تقمص دور السيد المتفرد بكل شي , وخصوصا في ظل تشكل وبروز نظام دولي جديد صنعته بنفسها دون أن تشعر, قائم على توزيع القوة بشكل أكثر تعقيدا , وذلك من خلال اتساع منظومة شبكات الاعتماد المتبادل , أو العولمة بجميع أشكالها وأنواعها وأحجامها وألوانها , هذا إذا ما اعتبرنا أن مركز العولمة الرئيسي في الوقت الراهن هو الولايات المتحدة الاميريكة , كما يؤكد ذلك الأستاذ والتر لافيبر في كتابه " مايكل جوردن ورأس المال العالمي الجديد " , حين يشير إلى أن ( العولمة اليوم اميريكة المركز , بمعنى أن جزء كبيرا من ثورة المعلومات يأتي من الولايات المتحدة الاميريكة , كما أن قسما كبيرا من محتويات شبكات  المعلومات العالمية يتم تكوينه حاليا في الولايات المتحدة ) , وبالتالي فان لهذه الأخيرة دور رئيسي ومسؤولية لا يمكن تجاهلها في فقدانها لقدرتها الإستراتيجية , وقوتها العالمية , وبمعنى آخر , إنها صنعت الأداة التي ارتدت عليها , وقد تؤدي مع الزمن إلى انهيار قدرتها على التحكم برقعة الشطرنج الدولية 0

      وانطلاقا من هذا المبدأ في بناء الشكل القادم للنظام العالمي الجديد , يتأكد لنا بان الاعتماد على القوة العسكرية والدبلوماسية الصلبة , والتوغل الجيواستراتيجي في كل أنحاء العالم , كعامل شبه أساسي  للهيمنة والسيادة الدولية , سيتقلص بشكل تدريجي , وذلك نتيجة للتبعات الاقتصادية الكبيرة , وعدم القدرة على تحمل الأعباء المادية الناجمة عن ذلك كما هو الحال في القرن العشرون , وخصوصا إذا ما أخذنا  بالاعتبار وجود وسائل اقل تكلفة , وابلغ في الوصول إلى الأهداف سالفة الذكر , حيث  لن يكون العامل الأهم والرئيسي في اعتلاء سدة القيادة الدولية خلال هذا القرن , مما سيدفع الولايات المتحدة الاميريكة  إلى التنازل شي فشي عن تلك المكانة العالمية المبنية على القواعد القديمة والمستهلكة للسيادة , الأمر الذي سيؤدي إلى إنسلال هيمنتها وسيطرتها على العالم  في نهاية المطاف , وذلك نتيجة أن العامل المستهدف كعامل رئيسي , غير قابل للسيطرة الشخصية , والتفرد المكاني وألزماني , - أي – أن امتلاكه قائم على القدرة  على الجذب والانفتاح والاعتماد على الآخرين , والتبعية لبقية الأطراف الفاعلة في المنظومة العالمية , منه إلى الانغلاق والتقوقع , أو الاعتماد على وسائل السياسة الصلبة , وبالتالي إمكانية امتلاك العديد من الأطراف لتلك القوة اللامركزية , وهو ما يجعل استحالة تركيز القوة في يد واحدة , أو امتلاك السيطرة في قطب أوحد 0 

      وبالطبع فإننا هنا لا نشير إلى أن الجغرافيا السياسية , والقوة العسكرية , لن يكون لهما دور في  المستقبل , أو أنهما من ناحية أخرى , كانا العاملين الوحيدين اللذين مكنا الإمبراطورية الاميريكة من الوصول إلى تلك المكانة العالمية خلال السنوات الماضية , وبالتالي فان افتقادهما سيؤدي إلى انهيار كلي ونهائي للقوة الاميريكة , بل نحاول تأكيد أن هناك عوامل أخرى , كانت الولايات المتحدة الاميريكة ممسكة بزمامها منذ البداية , وهو ما مكنها من الوصول إلى ما وصلت إليه اليوم , وعلى رأسها أعمدة العولمة الأربعة , فأولا العامل الاقتصادي الذي تتسيده من خلال اكبر سوق رأسمالي في العالم , فالعسكري الذي تصل يديها عن طريقه إلى مختلف أرجاء الأرض , فالاجتماعي الذي تملك من خلاله الثقافة الشعبية المتمثلة بكل أيقونات الولوج إلى منافذ المجتمعات الأخرى , فالبيئي الذي تعتبر الولايات المتحدة الاميريكة على رأس الدول المؤثرة والمتأثرة به , وعليه فان الولايات المتحدة الاميريكة تلعب دورا مركزيا في جميع أبعاد العولمة المعاصرة , وتستمد قوتها وجبروتها من خلالها , ومن هذا المنطلق فإننا نتصور بان انسلال واحدة من هذه العناصر الأربعة من تحت سيطرتها , هو افتقاد مؤثر في قوتها القائمة على تلك العناصر الرئيسية , وهذا ما نشير إليه من خلال دور العولمة في فقدان الإمبراطورية الاميريكة مكانتها الراهنة كقوة أحادية لا منافس لها , فما صنعته قوة اجتماع تلك العوامل معا في قبضتها , ستفقده من خلال فقدانها لواحد منها , وبالتالي فان ما صنعته العولمة ستسهم هي بنفسها – أي – العولمة في سلبه من قبضتها  الحديدية 0

      أمر آخر لابد أن نعرفه قبل التوغل في سبر أغوار تحطيم نظرية القطب الأوحد , ألا وهو أن  الولايات المتحدة الاميريكة ستبدي مقاومة شرسة حيال ذلك التحول في بداية الأمر, - ونقصد هنا – انسلال  واحد من تلك الأعمدة الرئيسية للقوة من تحت يديها , حيث انه من الصعب أن تتنازل تلك القوة التي لم يشهد مثلها العالم في الامتداد الجيواستراتيجي من قبل , عن تلك المكانة والمنزلة التي تفردت بها على مدى سنوات طويلة بسهولة , وبالطبع فان تلك المقاومة ستكون على حساب مناعتها المكتسبة من تبعية    الآخرين لها , الأمر الذي سيزيد من أخطائها السياسية , وسيضعف مكانتها العسكرية , ويرهق ميزانيتها    المالية والاقتصادية , مما سيؤدي في نهاية المطاف إلى الاستسلام لحتمية التغيير في هيكلية النظام العالمي الجديد , المبني على تعددية الأقطاب , وليس أحاديتها أو ثنائيتها 0

       بل ربما أن الخيال سيجمح بنا ابعد من ذلك بكثير, فنتوقع انهيار عالمي استثنائي في المنظومة  السياسية الدولية الراهنة , وذلك من خلال نهاية عصر الأحادية والتعددية ككل , وبداية عهد اللادولة , - أي – أن العالم سيكون بمثابة الدولة الواحدة , التي تتحرك وفق منظومة الكترونية تسيرها ملايين الحواسيب وأجهزة الاتصالات , وبالتالي تحول تاريخي في نظام الإدارة العالمية , قائم على التحرك في  دائرة مفرغة لا متناهية , الأمر الذي سيؤدي إلى بداية عصر الآلة , أو " الريموت كنترول " , والذي      ستتحكم من خلاله أسلاك السيلكون بتلك المنظومة من خلال شبكات الاعتماد المتبادل عن بعد , الأمر الذي سيؤدي إلى افتقاد العديد من الدول والحكومات في مختلف أرجاء العالم القدرة على السيطرة والتحكم  في أطرافها المتصلة بمركزية ذلك النظام الكوني , وخصوصا الدول الفقيرة التي لا تملك من الموارد والإمكانيات ما يؤهلها للدخول أو مسايرة تلك المنظومة التكنولوجية والالكترونية الرقمية المتوقع بروزها كمركزية للنظام العالمي الجديد 0

      هذا من ناحية , أما من ناحية أخرى , فسيتحول النظام الناشئ إلى نوع من أدوات الفلتان على جميع الأصعدة , بداية بالأمن العالمي ومرورا بما يمكن أن نطلق عليه بفوضى الصناعات العسكرية , أو اللجوء إلى الاعتماد على القوة الصلبة كوسيلة احتواء للمحيط العدائي , وليس انتهاء بالفوضى المتوقعة في الاقتصاد العالمي , وعليه فانه في ظل نظام حكم الكثرة , الذي تتبـارى الدول القومية و( والجماعات دون  القومية , والمصالح والروابط الخاصة العابرة للحدود القومية , والمؤسسات متعددة القوميات فيما بينها على الموارد والتأييد والولاء في قواعدها التي تكون كثرة منها أعضاء في كثير من هذه الكيانات المختلفة في الوقت نفسه , وتتم متابعة الصراعات في ظل حكم الكثرة في المقام الأول عبر عمليات عرض العضلات الآنية والمساومات بين تراكيب جملة هذه الجماعات , تراكيب وتشكيلات من قضية إلى أخرى ) , كما هو حاصل هذه الأيام بين الولايات المتحدة الاميريكة وروسيا من جهة , وبريطانيا وروسيا من جهة أخرى على سبيل المثال لا الحصر , سيدفع تلك الدول إلى صراعات لا متناهية بهدف الحصول على موضع قدم لها في ظل ذلك النظام اللامركزي , حيث من المفترض أن تفقد الثقة فيه بالآخرين , وبالتالي الاعتماد بشكل اكبر على القدرة الشخصية والذاتية , فإذا ما اعتبرنا ذلك انطلاقا من مركزية التكنولوجيا الرقمية والاعتماد على شبكة الانترنت العالمية , فانه سيؤدي ذلك إلى الثقة بنظام معلوماتي يمكن اختراقه أو العبث به , وبالتالي عدم القدرة والسيطرة بشكل أكثر دقة وأمان على مستقبل العلاقات مع الآخرين 0

      وهو ما يخيفنا في هذا النظام العالمي المتكون من جيل لا متناهي من الأرقام والمعلومات  والحواسيب والأزرار, وغيرها من أشكال التكنولوجيا الرقمية , وشبكات المعلومات العابرة للقارات , والذي بدوره سيكون الحاضنة المتوقعة لبروز نظام متعدد الأقطاب , أو آخر قائم على نظام اللادولة كما سبق واشرنا إليه , وبالتالي ولادة النظام اللامركزي , وهو( النظام الأشد نزوعا إلى الحرب , وذلك ليس بسبب عدد لاعبيه ونوعياتهم , أو جراء تركيبته المتناقضة جذريا مع الاستقطاب فقط , بل لان سرعة تقلبات صداقاته وعداواته تجعل أمر تشكيل التحالفات المقنعة وديمومتها أمر بالغ الصعوبة , لذا فان احتمال ردع الحرب اقل ورودا مما هو في ظل الأنظمة القائمة على قدرة اكبر من الاستقطاب , وفي غياب شركاء تحالف يعول عليهم , تبقى الأمم المنفردة بحاجة إلى أن تستعد للدفاع عن نفسها , متحررة في هذه الأثناء من قيود التحرك الأحادي التي تفرضها العضوية في هذه الأسرة الأمنية الدولية أو تلك )0

      وعليه فإننا نبني على واحدة من أهم الظواهر التي نشهد معالم تضخم قوتها مع كل ثانية من الزمن , وقدرتها على الإفلات من السيطرة , وبروزها كواحدة من أسباب انهيار المركزية والأحادية العالمية , كل يوم وبشكل متسارع وعميق , - ونقصد – ظاهرة العولمة , نظرية انهيار نظام القطب الأوحد من خلالها , وذلك بالشكل الذي سبق واشرنا إليه , والبدء في الولوج إلى عصر التعددية القطبية , أو اللامركزية الكونية , مع الإشارة إلى وجود معطيات أخرى , لا تقل أهمية عن عامل العولمة كأساس لانهيار النظام المقصود , وبالتالي دخول العالم إلى قرن جديد , سنطلق عليه تسمية عصر الوحوش الرقمية 0

*كاتب وباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية / سلطنة عمان

azzammohd@hotmail.com

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ