ــ
الجبر
السياسي
وفريضة
الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر
طريف
السيد عيسى
جلست ذات يوم أستمع الى خطبة
الجمعة المنقولة عبر الفضائية
السورية – أيام كانت تنقل وقائع
صلاة الجمعة –
فلقد ركز الخطيب في خطبته
على محورين رئيسيين هما :
المحور الأول ركز فيه الخطيب على
رئيس الجمهورية بشار الأسد , ولم
يتعدى كلامه المدح والثناء
والتملق , حتى كاد أن يجعله في
مصاف رسل الله وأنبيائه .
المحور الثاني وجعله الخطيب
ترغيبا بالأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر , وكعادة خطباء
السلطان الذين يتلقون خطبة
الجمعة من قبل أحد فروع
المخابرات , فلقد تحدث الخطيب عن
الذنوب والمعاصي وهذا مطلوب ,
لكنه لم يتطرق للمنكرات
السياسية التي ترتكب من قبل
السلطان الجائر وزبانيته بحق
الشعب !!!
فلقت في نفسي ومنذ متى كانت خطبة
الجمعة مخصصة لمدح الحاكم
المستبد ؟
والى متى ستبقى هذه النوعية من
الخطباء الذين يجيرون ويلوون
أعناق النصوص خدمة ومداهنة
وتملقا للحاكم الظالم المستبد ؟
لماذا يصرخطباء السلطان الظالم
على حصر الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر فقط ببعض الذنوب
والمعاصي المعروفة من زنى وشرب
الخمر والسرقة , بينما هناك
منكرات سياسية تنهد منها الجبال
.
ثم بدأت الأسئلة تنهال علي :
أين هؤلاء
الخطباء والعلماء من توسيد
الأمر لغير أهله ؟
أين هؤلاء
عن توريث الحكم بمسرحية هزلية
سخيفة ؟
أين هؤلاء
من انتهاك حقوق الانسان ؟
ماذا يقول هؤلاء عما يحصل داخل
السجون والمعتقلات والزنازين
من فنون وأساليب التعذيب التي
تمتهن فيها كرامة الأدمي , وتسب
الذات الالهية ؟
ماذا يقول هؤلاء عن سرقة المال
العام ؟
ماذا يقول هؤلاء عن تفرد الحاكم
بحكمه الشمولي ؟
ماذا يقول هؤلاء عن تزوير ارادة
الشعب ؟
ماذا يقول هؤلاء عن سوق الشعب
بقوة البسطار المخابراتي
لتأييد القائد المفدى ؟
ماذا يقول هؤلاء عن تملق الحاكم
المستبد بالباطل ؟
أين هؤلاء من الأرواح التي أزهقت
وقدمت قربانا للطاغية المستبد ؟
أين هؤلاء من مئات الألوف من
المواطنين المشردين عن بلادهم ؟
أين هؤلاء من اعتقال الناس لمجرد
أنهم قالوا لا للظلم , لا للقهر ,
لا للأستبداد؟
ماذا نقول عن هؤلاء الذين يحرقون
البخور بين يدي الحاكم المستبد
وزبانيته ؟؟؟
ماذا دهاكم ,وأنتم ترقصون مع
الظالم على جراح هذا الشعب
المكلوم .
كل هذه المنكرات لم تحرك ضميركم ,
ولم تلفت انتباهكم الى تلك
المآسي !!!
هل هذا من الدين أيها العلماء
والخطباء ؟؟؟
( لعن الذين كفروا من بني اسرائيل
على لسان داود وعيسى بن مريم بما
عصوا وكانوا يعتدون كانوا
لايتناهون عن منكر فعلوه لبئس
ما كانوا يفعلون ) سورة المائدة
78-79.
الى متى سيبقى هؤلاء العلماء
والخطباء ينافقون للحاكم
ويخدعون الشعب , ويسكتون عن كل
هذه المنكرات .
( روى الامام أحمد في مسنده . قال
صلى الله عليه وسلم : اذا رأيت
أمتي تهاب أن تقول للظالم :
ياظالم فقد تودع منها ) .
كيف يرضى هذا الخطيب لنفسه لعب
دور المزور الذي يزور الحقائق
فيقلب الحق باطلا والباطل حقا ,
وهو يعلم علم اليقين أن قلوب
المصلين والناس تكره وتلعن هذا
الحاكم وكل من يتملقه وينافق له
, ألا يعتبر هذا الدور الذي
يلعبه هؤلاء الخطباء وبعض علماء
السلطان هو اسهام مع هذا الحاكم
في تضييع الأمانة :
( ففي الحديث الصحيح .اذا ضيعت
الأمانة فانتظر الساعة قيل:
وكيف اضاعتها ؟قال : اذا وسد
الأمر لغير أهله فانتظر الساعة )
.
ان هؤلاء يساهمون مع الحاكم
المستبد في طي صفحة الشعب وجعله
شعب بلا ارادة ولا عزة ولاكرامة
, لأنهم يمدحون من لايستحق المدح
ويثنون على من لايستحق الثناء :
( قال صلى الله عليه وسلم : احثوا
التراب في وجوه المداحين ) .
لكنهم ارتضوا أن يكونوا ضمن
مواكب النفاق والتملق
والمداهنة والسكوت عن الظلم
والقهر .
ألا يعلم هؤلاء دورهم الحقيقي :
في رفض الظلم والقهر والاستبداد
وتوعية الشعب على ذلك .
ألا يعلمون أن واجبهم هو الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ورفض
كل صور الجبر السياسي ألا
يعلمون أن الساكت عن الحق شيطان
أخرس .
ألا يعلمون أن الساكت عن الحق
كالناطق بالباطل .
أليس من واجبهم أن يعلموا الناس
حقيقة تلك الفريضة , بأنها تتعدى
النهي عن الذنوب المعروفة لتشمل
انكار كل منكر يرتكبه الحاكم
المستبد بحق الشعب .
أليس من واجبهم توعية الناس على
قول الحق , وأن يقولوا : لا لا لا ,
اذا أخطأ الحاكم .
أم أن واجبهم تعليم الناس هز
الرؤوس ينعم :
فاستخف قومه فأطاعوه انهم كانوا
قوما فاسقين ) سورة الزخرف
54.
أليس واجبهم أن يقولوا للناس
كونوا مثل نبي الله صالح عليه
السلام :
( فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا
أمر المسرفين الذين يفسدون في
الأرض ولا يصلحون ) سورة الشعراء
151.
ألا يعلم هؤلاء ومن هم على
شاكلتهم أن أعوان الظلمة تسمهم
النار :
ولا تركنوا الى الذين ظلموا
فتمسكم النار ) سورة هود 113.
( روي عن الامام أحمد بن حنبل رحمه
الله تعالى حين سجن وعذب في محنة
القول بخلق القرآن ,سأله سجانه
عن الأحاديث التي وردت في وعيد
أعوان الظلمة : فقال هي صحيحة ,
فقال السجان : وهل تراني من
أعوان الظلمة ؟ قال الامام : لا .
أعوان الظلمة من يخيط لك ثوبك ,أو
يقضي لك حاجتك , أما أنت فمن
الظلمة أنفسهم !!!).
أليس من واجب هؤلاء العلماء
والخطباء توعية الناس عن
الانتخابات وأن تأدية هذا
الواجب شهادة وأمانة لايجوز
كتمانها ولا يجوز أعطاء الصوت
الا لمن يستحقه والا يعتبر عكس
ذلك شهادة زور , وشهادة الزور من
أكبر الكبائر :
( ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها
فانه آثم قلبه ) سورة البقرة 283.
( فاجتنبوا الرجس من الأوثان
واجتنبوا قول الزور ) سورة الحج
30.
فأين قول كلمة الحق أيها الخطباء
والعلماء ؟
وأين الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر ؟
( روى أبو داود والترمذي . قال صلى
الله عليه وسلم : أفضل الجهاد
كلمة حق عند سلطان جائر )
لكن هؤلاء قلبوا الحديث فجعلوا
أفضل الجهاد مدح وتملق والثناء
على الحاكم الجائر .
ولكن ان هؤلاء ليسوا أحرار ولا
يملكون قول الحق الا اذا تجردوا
بالعبودية لله وحده لاشريك له ,
وأنه هو الخالق وهو المحي
والمميت ,وهو النافع والضار ,
وهو الرزاق ذدو القوة المتين ,
وهو المعطي والمانع , وليس لبشر
مهما علا قدره وعظم شأنه أن يعطي
أو يمنع الانسان شيئا دون قدرة
الله ومشيئته :
( لايملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا
ولا يملكون موتا ولا حياتا ولا
نشورا ) سورة الفرقان 3.
فلا نجعل من الخوف على الرزق ,
والخوف من الايذاء ,والخوف من
غضب السلطان وزبانيته مبررا
للاحجام عن قول كلمة الحق بوجه
سلطان جائر .
( قل لن يصيبنا الا ماكتب الله لنا
هو مولانا وعلى الله فليتوكل
المؤمنون )
( قال صلى الله عليه وسلم : من أسخط
الله برضا الناس سخط الله عليه
وأسخط الناس)
( وقال صلى الله عليه وسلم : ان روح
القدس قد نفث في روعي أنه لن
تموت نفس حتى تستوفي رزقها
وأجلها , ولكن أجملوا في الطلب ) .
فاتقوا الله أيها العلماء
والخطباء فالشعب ينتظر منكم غير
هذا الذي تفعلون .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|