ــ
نظرة
في القومية والدين
والمعاصرة
(2،1-4)
(1-4)
د.نصر
حسن
تبدو المرحلة
الحالية التي تمر بها المنطقة
العربية تائهة بدون دليل فكري
ثقافي وحتى سياسي , إذ تغيب عن
الأحداث المنظومة الموجهة
سواءً الإجتماعية العامة أو
الفردية الخاصة لحركة الشعوب ,ويحضر
الخلط واللبس والتخبط على كافة
مناحي الحياة , وفي هذه اللحظة
التاريخية الحرجة التي تطغى
عليها ثورة المعلومات وسرعة
الإعلام وسهولة انتشارها
ووصولها إلى عقول الناس
وتوليفها قسراً كما يخرجها
أصحابها بدون تصفية وبدون قدرة
على التأثير في رسم الحدث من قبل
كافة النظم الفكريةالسياسية
والإعلامية العربية (إن وجدت)
التي فقدت صلتها بالأحداث , سوى
مايزيده الإعلام الرسمي
ومنظروا الأوهام والفساد من
خبراء الفردية والديكتاتورية
التي تساهم هي الأخرى في حصار
الشعوب ضمن حالة الضياع واليأس
والإحباط , وفي عصر شئنا أم
أبينا يشهد اندماجاً كونياً في
الفكر والسياسة والإقتصاد
ويتميز بحركية شديدة بهذا
الإتجاه , تعيشه المنطقة
العربية حكاماً ومحكومين
بمنتهى الوهن القومي والديني
والسياسي , مماجعلها عرضة ً
لتقاذف المشروعات الخارجية
ولسوء الحظ أنها بضعفها وخوائها
وفراغ عقولها تساهم بشكل كبير
في خدمة المشاريع العولمية من
حيث تدري ولاتدري.
وفي نظرة سريعة إلى
التاريخ العربي في مراحله
المختلفة نرى أنه محدداً بقوتين
رئيسيتين عندما تعملان
إيجابياً وتتفاعلان معاً ,أو
تتناوبا القيادة بتناغم , تعطيه
وجوداً في الزمان والمكان
وعندما تضعفان أو تتخاصمان
تتنافران وتعكسان حالة من
الضياع والخروج من ساحة الفعل
بل وحتى الخروج من التاريخ ,
العرب اليوم هم في اللحظة
الفاصلة بين الإستمرار أو
الخروج من الزمن , وهاتان
القوتان هما القضية القومية
وقوة الإيمان أي الدين وبشكل
أساسي الإسلام , ورغم أن مساحة
التفكير في هذا الإطار ليست
حميدة دائماً والحركة ضمن هذه
المساحة محفوفة بالمخاطر
والألغام , سببها الأساسي هو
التخلف والقصور الكبير في كلا
المنظومتين السياسيتين اللتان
تقودان ظاهرياً الشعوب في مرحلة
فائقة التعقيد والخطورة
والتداخل الفكري والديني
والإثني والحقوقي ومحصورة
في إطارالعولمة الذي هو في أهم
جوانبه يعمل على تغريغ الشعوب
من محتواها التاريخي القومي
والديني والفلسفي وتفكيكها
وإعادة تركيبها على قياس العصر
والفاعلين فيه خدمةً لمصالحهم
وأهدافهم ,وهذا عمل مشروع
ولانقول (حق) , والتاريخ البشري
هو هكذا كان وسيبقى كذلك ,يحكمه
الصراع الإيجابي حيناً والسلبي
حيناً آخر, وحب السيطرة
والمصالح والبقاء في معظم
الأحيان.
وفي عالم اليوم
الذي قطع شوطاً حضارياً كبيراً
على مستوى العلوم والنظرة إلى
الإنسان وحقوقه وعلاقاته
الإنتاجية الجديدة وتشابكهه
الإقتصادي بما يمهد لنشوء تكوين
اجتماعي كوني جديد ,أي مرحلة
مابعد الأمة وحتى الدولة وأول
مظاهره هو الكتلة البشرية التي
تمثل الإتحاد الأوروبي
والشركات الكونية , ورغم دلالة
وملامح التسمية الجغرافية فهو
في حقيقته انعكاس لفلسفة جديدة
قيادية وريادية على مستوى
الإقتصاد والإنتاج والإستهلاك
والعلاقات الإجتماعية الأوسع
أي منظومة قيم جديدة, نرى أن
المجتمعات والشعوب العربية
ارتدت إلى الوراء إلى كهوف
الماضي ,أي لازالت تجتر
العلاقات الإجتماعية
والإقتصادية ماقبل مدنية
وماقبل وطنية وبضمور قومي وديني
واضح على مستوى الفهم والفعل ,مما
يعني أن مقومات الإستمرار في
التاريخ قد تضاءلت إلى أبعد
الحدود , ومع الإعتراف الكامل
بأن التاريخ العربي وتاريخ
المنطقة بكل محتوياته القومية
والدينية والإثنية قد بني على
دعامتين اثنيتين : القومية
والدين والإسلام تحديداً , ولم
نعرف في التاريخ الحديث سوى
الدولة الإسلامية والتي عمودها
هو الإسلام بفقراته القومية ,شكلا
جسماً واحداً ونهضة حضارية
ومدنية لازلنا نتغنى فيها ,لكن
من خارجها مئات السنين ,حتى
أصبحت أشبة بخرافة يؤشر عليها
الضعف الحالي الذي لايمكن
تصوره بأي حال على أنه
امتداد لذاك المحرك الحضاري
والإنساني القيادي في الماضي.
وعليه فالشعوب
العربية ومعها مكونات هذه
المنطقة الجغرافية التي تشكل
كيان ثقافي متجانس , تعيش حالة
استعصاء تاريخي أهم مسبباته هو
في التاريخ أولاً , أي في لحظات
الضعف والوهن القومي والديني ,
التي حولت القومية إلى شعور
وحلم ووهم , والدين إلى مصالح
سياسية طغت على دوره الرسالي
العام الذي بشر به الرسول محمد (ص)
ثانياً, ومخلفات تفكك الدولة
الإسلامية وبعدها مرحلة
الإستعمار ثالثاً , والنظم
الفكرية والسياسية التي أنتجها
وجود الإستعمار ورفعت شعارات
الإستقلال كهدف مرحلي بدون
برامج للمستقبل رابعاً , وتصدر
مرحلة مابعد الإستقلال نظم
فكرية وسياسية هجينة ليست
بمستوى المرحلة التاريخية التي
تمر بها الشعوب العربية
والمنطقة بشكل عام خامساً,
وبقيت الشعوب تراوح في ظل أنظمة
فاقدة العلم والعقل والدين
والبرنامج من جهة , وظالمة
ديكتاتورية فردية فاقدة
الشرعية والمسؤولية ,وهمها
الوحيد هو الإستمرار في الحكم
دون امتلاك أدنى المؤهلات
الفكرية والدينية , وبشخصيتها (الكثة)
هذه التي غدت مأوى للفساد , لم
تجد أمامها سوى التعامل مع
المشاريع الخارجية لتدخل
المنطقة في دوامة الوصاية
والجهل والعنف والتطرف وحالة
الإستعصاء العام التي هي فيها .
أخيراً نختصر
وننظر إلى الواقع الحالي بدون
القفز أو الهرب من الماضي ونسأل
: هل الضعف هو في عزل القومية عن
الدين ودفعهما للمواجهة ؟!,
والتي عبرت عنه مايسمى
العلمانية العربية بمقولة
نظرية سليمة ( فصل الدين عن
الدولة ) وملغومة واقعياً
وعملياً بكل سهام التفكيك
والتفتيت , أهو خطأ في المفهوم ,أم
عجز في أدواته وتجلياته العربية
؟! ....يتبع.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
نظرة
في القومية والدين
والمعاصرة
(
2-4)
مقاربات
ملتبسة !
د.نصر
حسن
في نظر الكثير من
الحركات والأحزاب السياسية
ومثقفي ( اليسار العلماني)
التقليدي لمسألة القومية
العربية , قسطاًكبيراً من
التجريد وأكبر منه عجزاً في
قراءة الواقع الحي للمفهوم
نفسه من قبل هذه الفلسفة أو تلك
النظرية , ولم تستطع تلك الأحزاب
والحركات أن تجيب بوضوح ومباشرة
على الكثير من الأسئلة التي
يطرحها الواقع , من شاكلة هل
العرب قومية واحدة ؟ ماهي
جذورها التاريخية ؟ ماهي
محدداتها وهل يمكن تحقيق كيان
القومية العربية الواحدة ,
والدولة العربية الواحدة ؟ وضمن
أية شروط وأية هيكلية ؟, وماهو
دور الدين في ذلك ؟وماهي
محدداتها الفعلية في الواقع
الحالي ؟ وتأسيساً هل الوحدة
العربية حقيقة موضوعية يمكن
تحقيقها ؟ أم هي مجرد حلم وتعبير
عاطفي عن هواجس ورغبات مثالية
فرضها الإستعمار في مرحلة ما
واليأس في معظم المراحل ؟!.
والكثير من أسئلة أخرى لازالت
بدون فرز منهجي وبدون إجابات
فكرية وسياسية واضحة ,شأنها شأن
ماعاشه الواقع العربي في السابق
,ومايطرحه الواقع العربي اليوم ,
حيث لازالت الأطر الفكرية
والسياسية غير قادرة من الإجابة
الموضوعية الصريحة عليه ,تتجلى
في اللحظة الراهنة بيأس مطبق
يطغى على الفهم والمفهوم على حد
سواء.
وبديهي أن نزعة
الإنتماء لدى الإنسان هي حاجة
فطرية ولدت معه وتستمر معه في
سنة من سنن التاريخ , والتعبير
عن هذا الإنتماء يأخذ أشكال شتى
ومستويات متعددة حسب مستوى
المواجهة مع الواقع ومستوى
التطور العام والوعي الفردي
والجماعي والقدرة على صياغته في
مفاهيم نظرية عملية, وحسب
التشكيلات الإجتماعية
والإقتصادية التي تتصدر عملية
الوعي وترجمته إلى مشروع سياسي
معين هدفه العام هو التحرر
والإستقلال وتحقيق العدالة
الإجتماعية والمساهمة
الإيجابية في حفظ التوازن
الحضاري والإنساني , لكن اللبس
الكبير الحاصل هو في فهم البعض
على أن القومية عرق وهذا غير
صحيح , أو أن القومية العربية هي
ذات مواصفات خاصة تكوينية
تمييزية عن الآخرين وهذا أيضاً
غير صحيح , أو أن القومية
العربية هي نفي للأخر القومي
والديني والثقافي والحضاري
وهذا منتهى الإجحاف والجهل
بالمفهوم القومي العربي نفسه
والقصور في فهم حركة التاريخ
العربي وتجلياته السياسية
والحضارية , قد يكون الإسقاط
النظري الهجين على الواقع
العربي هو مصدر الخلل المنهجي
في فهم القضية القومية , الذي
عبر عنه الإنفصال بين النظرية
القومية والتجربة القومية
السياسية الفاشلة في الفترة
الماضية ,الأمر الذي انعكس
سلباً على المفهوم القومي
العربي وعلى الواقع العربي ,أي
الشعوب العربية كلها , بتعبير
أكثر وضوحاً هو الإنفصام بين
الأحزاب السياسية القومية
واليسارية وبين حاضنتها
الإجتماعية المباشرة التي هي
الشعوب العربية وواقعها
وطموحاتها.
لسنا في معرض
التقرير المنهجي للمفهوم نفسه
بقدر ماندلي بوجهة نظر في هذا
الموضوع ,وبعيداًعن الدخول في
التحديدات المدرسية
والأكاديمية النظرية , نستند
للتاريخ العربي في الماضي
والواقع العربي الآن لنستخلص
بعض المحددات الموضوعية التي
تساعد على فهم ومقاربة المفهموم
بشكله العملي كما يعكسه الواقع
لاكما يركبه التفكير المجرد
ويسقطه على الواقع , إذ لاأحد
يشك بأن هذه المجموعة البشرية
التي تتكلم نفس اللغة ولها نفس
التركيب الإجتماعي وتملك هوية
ثقافية واحدة تقريباً هي الأكثر
تجانساً في التجمعات البشرية في
التاريخ , وتعيش على مساحة واحدة
من الأرض ولها آلية تفكير واحدة
تقريباً, ويوحدها شعور الإنتماء
المشترك إلى الآن رغم كل ماتعرض
له عبر التاريخ من محاولات
الطمس والتشويه والإحتلال ,
وتشترك في إيمان عميق بالدين ,
باختصار هذا هو التحديد العملي
الواقعي والعلمي لمفهوم الأمة ,
وأما مشروع الدولة الواحدة فهو
رهن بالأداة السياسية وموازين
القوى المادية التي تتصدر العمل
في هذا الإتجاه , في النصف
الثاني من القرن العشرين كانت
تلك الأدوات السياسية ليست
بمستوى الصراع القومي
بمستوياته الداخلية والخارجية ,وهذا
هو أحد مسببات الإستعصاء الذي
تعاني منه معظم الدول العربية
اليوم .
إذ مامن شك أن رواد
النهضة القومية الذين عاصرا
السيطرة الخارجية كانوا نواة
الدعوة القومية , بدءاً من
الإحتلال العثماني الذي تم تحت
غطاء الإسلام إلى الإستعمار
الذي تقاسم الدولة الإسلامية
بعد تفككها , أي أن الآخر الذي
يحتل الأرض وينهب الثروات
ويصادر الحقوق الثقافية
والقومية ويصادر رغبة
الإستقلال هو الذي دفع إلى بروز
المفهوم القومي من جديد في
محاولة للحفاظ على الشخصية
والحقوق والإستقلال , رغم أنه
كان موجوداً بأوضح صوره في عصر
الدولة الإسلامية وعبر عن دور
أساسي في رفد الحضارة البشرية
بأسس العلم والعدل والمساواة
والقيم الإنسانية , حينها توحد
الهدف والأداة وأنتج بناء عربي
إسلامي إنساني وحضاري معروف في
التاريخ , وعندما ضعفت الدولة
الإسلامية وبرزت التيارات
الإنعزالية من الصفوية إلى
الطورانية ...وأخذت شكل التناقض
مع القومية العربية أولاً ومع
الإسلام ثانياً وبدأ صراع
المصالح الذاتية يتعارض مع
الإسلام ورسالته وأصبح الصراع
على السلطة وتحقيق المصالح هو
المعيار , من هنا بدأ الصراع مع
الإسلام وضمناً مع العروبة يأخذ
طابع الإحتلال بأكثر مظاهره
سوءاً وهو إلغاء الشخصية
العربية واللغة العربية (
التتريك) وماعنى من مواجهة بين
العرب والإحتلال الخارجي,
من رحم الإحتلال
والمعاناة والتجريد من الحقوق
ظهرت بواعث المفهوم القومي
العربي الحديث,وهو امتداد لفعل
حضاري عربي اسلامي له جذوره
الواضحة في التاريخ ,لكن أخذ في
مرحلة تفكك الدولة الإسلامية
ومجيء الإستعمار صورة رد فعل
مشروع حدد بعده القومي الواضح
ومحتواه في الحرية والخلاص من
الإحتلال والإضطهاد وحق الشعوب
في تقرير مصيرها ,وهذا ماأعطاه
شكلاً مختلفاً عن المفهوم
القومي الأوروبي بل كان مناقضاً
له لأن مفهوم القومية العربية
أخذ منحى تحرري وإنساني وحضاري
عبر عنه بوضوح رموز القومية
العربية بإعادة التركيز على
مفهوم الهوية والحرية والتنمية
,ومع استمرار نمو الشعور القومي
الذي تجسد بشكل عملي بالنهضة
والتحرر من الإستعمار وتحقيق
الإستقلال السياسي لمجمل أجزاء
الدولة الإسلامية التي أخذت
أشكال إدارية سياسية مستقلة
أنتجت واقع التجزئة الحالي
وبروز الدول القطرية, وأول مرة
في التاريخ العربي يتراجع دور
الإسلام الذي صاغ كل مكونات
الأمة بشكل فريد وكان هذا أحد
أهم الأسباب التي أدت إلى تفتيت
الأمة العربية إلى كيانات هزيلة
وتغييب العامل الجامع ودفعها
إلى التحرك بناءً على حوامل
نظرية وفكرية جزئية ,ومع تجزئة
الواقع الجغرافي تجزأ الواقع
الفكري والسياسي,واختلطت
الأمور بين تيارات سياسية طبعها
الصراع والتنافر والقصورعن
المقاربات الصحيحة وبالتالي
الدوران حول محاور خارجية جعلت
من الواقع العربي حقل تجارب
لنظريات ملتبسة خارجية ليس لها
صلة بالواقع العربي وتناقضات
الشعوب الإجتماعية والإقتصادية
,ففقدت المشروع المستقبلي
الواضح وأدخلت المنطقة في دوامة
الضياع التي لازالت فيها...هل
وقعنا في" سخرية التاريخ" ؟!...يتبع
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|