ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 15/08/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ــ

فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التركية ..

أسبابه ودلالاته

محمود عثمان*

أثار الفوز الكبير الذي حققه حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة ردود فعل مختلفة على الصعيد المحلي والدولي .. فما هي أسباب هذا النجاح ؟ وما هي دلالاته وانعكاساته السياسية ؟ ..ما هي التحديات والعقبات التي سيواجهها الحزب مستقبلا ؟ وما هي الملامح السياسية التي ستميز المرحلة المقبلة ؟ ..

بداية تجدر الإشارة إلى أن نجاح الحزب بنسبة % 47 , أي حصوله تقريبا على تأييد نصف الشعب التركي في انتخابات حرة نزيهة شفافة مختلفة عن تلك التي تطبخ مسبقا في الأنظمة الشمولية أمر يصعب حصره في سبب واحد أو سببين ,وإنما يعود –هذا النجاح - إلى تضافر مجموعة من الأسباب والعوامل نذكر أهمها :

1- الشخصية الكاريزمية لرئيس الحزب رجب طيب أردوغان :

تأتي شخصية رجب طيب أردوغان في مقدمة أسباب النجاح الكبير الذي حققه حزبه .. فقد استطاع توسيع القاعدة الشعبية للحزب لتضم منتسبي مختلف التيارات الفكرية والسياسية والعرقية والمذهبية بعد أن  كانت نواة تأسيسه مقتصرة إلى حد كبير على السياسيين ذوي الأصول الإسلامية خريجي المدرسة الأربكانية .. هذا التوسع الذي أكسب الحزب قاعدة تأييد شعبي عريضة جعله يتربع على عرش المركز السياسي لتركيا دون منازع ,وقد خفتت الأصوات التي تتحدث عن يمين الوسط ,ويسار الوسط ,كما أنه أفقد خصومه السياسيين سلاح استعمال الدين في السياسة .. أهم سلاح كانوا يتذرعون به ويشهرونه في وجهه بل يدعون الجيش لفصل النزاع فيه .. حيث أن غالبية النواب والشخصيات الحزبية الجديدة المعروفة والمقبولة من طرف النظام السياسي يستعصي على خصوم الحزب اتهامها بمعاداة العلمانية بله الانقلاب عليها ..

2- تعرض الحزب إلى الغبن وازدواجية المعايير :

استطاع حزب العدالة والتنمية في خطابه السياسي توظيف الغبن الذي لحق به , وازدواجية المعايير التي مورست ضد مرشحه عبد الله جول أثناء عملية انتخاب رئيس الجمهورية .. فرغم حصوله على نسبة أصوات فاقت بكثير تلك التي حصل عليها سابقوه ,ورغم سريان نفس القوانين  إلا أنه تم ليُ عنقها بطريقة فجة أثارت عند الشعب التركي عاطفة الانتصار للمظلوم لأن عبد الله جول إنما حرم من رئاسة الجمهورية  ليس لعدم لياقته لشغل هذا المنصب - إذ يؤكد القريب والبعيد وحتى خصومه السياسيون على أنه الشخص الأنسب- وإنما لسبب خارج عنه ألا وهو حجاب زوجته ..

3- مذكرة الجيش وتدخله بشكل مباشر في السياسة :

اعتبر معظم المحللين  السياسيين أن ردة فعل الناخبين ضد مذكرة الجيش التي وجهها للحكومة ليلة السابع والعشرين من نيسان أبريل من هذا العام والتي اتهم فيها قصور الحكومة في المحافظة على قيم العلمانية ,وتقاعسها في محاربة الرجعية .. كانت من أهم أسباب فوز حزب العدالة والتنمية بهذه النسبة التي لم تكن متوقعة , واعتبرت النتيجة بأنها مذكرة شعبية ردا على مذكرة الجيش ..

4- الحملة الانتخابية الناجحة:

اتبع حزب العدالة والتنمية إستراتيجية انتخابية ناجحة استطاع من خلالها تقديم أصنافا كثيرة للمواطن وبأطباق شتى , فخاطبته من خلال حياته اليومية , من حيث التغييرات الجذرية في كثير من المجالات, منها الخدمات التي حصل عليها في مجال الصحة , وزيادة الأجور للعمال والموظفين , وتقديم الدعم للمزارعين وتأجيل ديونهم ,كذلك تطوير قطاع التعليم ,وخدمات البلديات التي شهدت تحسنا نوعيا منذ أن كان رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان رئيسا لبلدية استانبول ,وتوزيع المساكن على الفقراء بأسعار مجزية وأقساط زهيدة تقل عن الكراء ,ومحاربة الفساد والرشوة وسرقة المال العام .. كذلك على صعيد السياسة الخارجية وتحسين العلاقات مع دول الجوار ..خاصة الجهود الكبيرة التي بذلتها حكومة العدالة والتنمية في سبيل الانضمام إلى نادي الدول الأوربية ..

فقد كان مطبخها زاخرا بشتى أنواع الأطعمة ولمختلف الأذواق .. فالمتدين يجد له مكانا في الحزب , والاقتصادي الذي رأى صعود دخل الفرد ,وعاش هبوط معدل التضخم من نسبة الستينات في المائة إلى ما دون العشرة بالمائة .. والعامل والتاجر , والليبرالي والاشتراكي .. كل من هؤلاء وجد له صدى عند حزب العدالة والتنمية ..

مقابل هذا كله لم تستطع أحزاب المعارضة من طرح رؤى جديدة أو عرض مشاريع بديلة , بل لم تقدم للمواطن سوى لون واحد من الطعام ..طبعته بالأيدلوجية التي عافها المواطن ومل سماعها .. فحزب الشعب الجمهوري  لم يقدم للناخب سوى طبق العلمانية !. أما حزب الحركة القومي فقد قدم له طبق القومية مصحوبا بالتهديد والوعيد ولغة التصعيد !.. لذلك لا نجد غرابة في نتيجة الاستطلاع التي أجريت على مدراء كبار الشركات التركية حيث قالوا بأنهم سيصوتون لحزب الشعب الجمهوري لكنهم يتمنون أن يقوم حزب العدالة والتنمية بتشكيل الحكومة !.

5- الاتصال المباشر مع الشعب والاهتمام بقضايا المواطنين :

قد لا نبالغ إذا قلنا إن اليد الطولى في نجاح الحزب تعود بعد شخصية رئيس الحزب رجب طيب أردوغان الكاريزمية إلى النائب نجاتي جاتين قايا والبروفسورة أديبة سوزان نائبة رئيس الحزب و مسؤولة العلاقات العامة الذين قادا الحملة الانتخابية ووجهاها بطريقة علمية فريدة..

فقد قاما بدراسة حول التوجهات الاجتماعية لسكان جنوب شرق تركيا ذي الأغلبية الكردية .. وحللا شخصية وتوجهات المواطنين هناك من خلال إعجابهم بشخصيات بعض المسلسلات التلفزيونية .. كما قام ممثلو الحزب بزيارات ميدانية إلى جميع طبقات المجتمع ..زيارة البيوت وتقديم بعض الهدايا الرمزية لمن رزق بمولود جديد , وتعزية من كان لديه فقيد ,وزيارة المقاهي والحدي إلى الناس ,ودور العجزة والمستشفيات وتفقد أحوال المرضى .. بل قاموا بزيارة مستشفى الأمراض العقلية بالرغم من أن ساكنيه لن يدلوا بأصواتهم في الانتخابات !.. هذه الزيارات تركت أثرا لا يقل عما تركته المهرجانات الخطابية .. 

كما تجدر الإشارة هنا إلى أهمية القرى البعيدة والمزارع النائية .. فقد قام الحزب منذ أكثر من عام بضم بعض رؤساء البلديات الصغيرة النائية في أنحاء الأناضول ,وشارك رئيس الوزراء  في احتفالات انضمامهم للحزب ,وقام بنفسه بتعليق شارة الحزب على صدورهم في خطوة غابت عن أنظار الكثيرين آنذاك .لكن آتت ثمارها وقت الحاجة على أكمل وجه..

*  *  *

الشعب التركي فضل الاستقرار السياسي على الشعارات الأيدلوجية :

على الرغم من الوعود المغرية التي قدمتها أحزاب المعارضة ,وحملات الاتهام والتشهير التي مارستها ضد حزب العدالة والتنمية في حملة انتخابية حادة صاخبة لم يشهد ناخبو الجيل الجديد الشاب لها مثيلا, وخلو البيان الانتخابي لحزب العدالة والتنمية من أية وعود تذكر وإنما اكتفاؤه بشرح انجازاته خلال فترة حكمه .. غير أنه ركز على أهمية الاستقرار السياسي الناتج عن تشكيل حزب واحد للحكومة والذي ميز فترة حكم حزب العدالة والتنمية , وما صاحبها من استقرار اقتصادي أدى إلى ارتفاع معدل النمو إلى مستوى أعلى على صعيد الدول الأوربية مما أدى إلى تدفق رؤوس الأموال الأجنبية  ..كما قارن بين فترة حكمه وفترات النزاع والتخبط والتجاذبات السياسية التي ميزت فترات الحكومات الائتلافية ..

كذلك قام الشعب التركي برد الاعتبار لعبد الله جول جراء الغبن والظلم الذي لحق به من خلال ازدواجية المعايير ..كما أكد الناخب على اهتمامه بالحاضر وعزوفه عن الماضي ومشاكله .. فالاستقرار السياسي الذي حصل عليه خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية أهم بالنسبة له من الشعارات الأيدلوجية التي ما فتأت أحزاب المعارضة العزف على وترها.. ويبدو أن محاولات حزب الشعب الجمهوري التباكي على ضياع العلمانية وتصوير حزب العدالة والتنمية بأنه خطر محدق بالجمهورية ومكتسباتها الديمقراطية قد باءت بالفشل ,ولم يعر المواطن لها بالا ..

من الأمور اللافتة للنظر أيضا هو امتداد الرقعة الجغرافية التي ينتمي إليها مؤيدو الحزب وشمولها لكافة تركيا تقريبا !.ومضاعفة لنسبة أصواته في منطقة جنوب شرق تركيا ذات الأغلبية الكردية , وتفوقه على مرشحي الأحزاب الكردية الذين خاضوا الانتخابات كمرشحين مستقلين لعجزهم اجتياز حاجز العشرة بالمائة من أصوات تركيا في الانتخابات الماضية .. كذلك انحسار حزب الشعب الجمهوري من تلك المنطقة كلها تدل على أن الشعب التركي بكافة أطيافه لا يريد التوتر والاقتتال ..

*  *  *

الشعب التركي أعطى حزب العدالة والتنمية فرصة ثانية لإدارة شؤونه .لكن الأيام القادمة حبلى بتطورات وسيناريوهات قد تعكر عليه نشوة النصر .. وقد يضطر المواطن التركي إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع مرة ثانية وربما ثالثة خلال عام واحد .. عندها تصبح عملية تخمين النتيجة ضربا من الخيال ..

*باحث في الشؤون التركية

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ