ماذا
يريد الإخوان المسلمون في سوريا
؟
الدكتور
: خالد الأحمـد*
من
مشكلات العالم العربي أن حوار
الطرشان يسـود فيه حتى بين
الفئات المثقفـة ، ولاتجد إلا
القليل ممن يعرف ماذا يريد
الآخرون ، وفي هذه الحالة يؤدي
الفهم الخاطئ إلى الرمي بالتهم
، والتراشق بالشتائم ، بدلاً من
الحوار الهادئ العاقل .
من أوضح
الأمثلة على ذلك ما يكتبه بعض
العلمانيين ، والملحدين ، عن
الإخوان المسلمين ، تجدهم
يتهمون الإخوان المسلمين بأنهم
طلاب كراسي ، يتاجرون بالدين من
أجل الوصول إلى الكراسي ،
وعندما يصل الإخوان إلى السلطة
سيكونون أكثر ديكتاتورية من
غيرهم ، وأخيراً
يرى علي الشهابي أنهم سيكونون
أكثر استبداداً من النظام
القائم في سوريا حالياً ؛ كما
كتب في موقع كلنا شركاء تحت
عنوان ( الديموقراطية
وديموقراطية الحزب الديني )
وخلاصته أن الحزب الديني
لايستطيع أن يكون ديموقراطياً ،
بل لابد أن يكون ديكتاتورياً ،
لأنه سيمنع الملحدين والمفسدين
وناشري الانحلال والمجون
الأخلاقي من ( حقهم في الحرية
وممارسة التعبير كما يقول
الشهابي ) . ولفت انتباهي أن هذا
الكاتب وكثيرين غيره لايعرفون
شيئاً عن الإخوان المسلمين إلا
ما يقوله أعداؤهم من عملاء
الصهيونية والصليبية .
ومن
أسباب جهل الآخرين بالإخوان
المسلمين ؛ تقصير الإخوان
المسلمين في نشر فكرتهم ،
وتحديد مطالبهم بدقـة ، و يحاول
الإخوان اليوم تدراك ذلك
التقصير ، ومن أجل ذلك جاء
المشروع السياسي لسوريا
المستقبل الذي أصدرته جماعة
الإخوان المسلمين في سوريا
أخيراً ، وسوف توزع منه نسخ
كثيرة في القريب إن شاء الله
تعالى . من أجل ذلك أردت أن ألخص
بوضوح وصراحة تامين ماذا يريد
الإخوان المسلمون في سوريا ؟
الإخوان
المسبلمون حركة تدعو الناس كافة
إلى الإسلام ، وتدعو المسلمين
إلى الالتزام بالإسلام ، حتى
يصلون إلى تطبيق الشريعة
الإسلامية ، وسبيلهم إلى ذلك
التربية ، وإعداد الفرد المسلم
، ثم الأسرة المسلمة ، ثم
المجتمع المسلم ، ثم الدولة
المسلمة ، ثم الأمـة المسلمة .
لتكون خير أمة أخرجت للناس
يأمرون بالمعروف وينهون عن
المنكر ويؤمنون بالله .
ووسيلة
إعداد ذلك كله هي الدعوة
بالحكمة والموعظة الحسنة ،
والمجادلة بالتي هي أحسن ،
وتربية المسلمين الذين
استجابوا لهذه الدعوة ، تربيتهم
على الإسلام ، أو قل مساعدتهم
على تفهم الإسلام والالتزام بـه
.
وقد
عايشنا نصف القرن الماضي في
سوريا ، وتأكد لنا أن الآخرين
يمنعون الإخوان المسلمين من
الدعوة إلى الإسلام ، يمنعونهم
من ( حق التعبير ) ؛ الذي يمارسـه
الملحدون والمفسدون والمنحلون
أخلاقياً ، ويدعون الآخرين إلى
فسادهم ومجونـهم ، أما الإخوان
فقد منعوا
من حق التعبير ، بل منعوا من
حريتهم الشخصية ،
ووضعت العقبات الكثيرة
أمامهم ومن
هذه العقبات على سبيل المثال لا
الحصر :
1 ـ
محاربة الداعية المسلم في لقمة
عيشـه وعيش أولاده ، وقد تخرج
كثير من الدعاة من الجامعة ، ولم
يسمح لهم بممارسة التعليم ،
وبالتالي منعوا من حق التعبير ،
ومن حق الحياة الكريمة ، واضطر
كثير منهم إلى الهجرة خارج
سوريا بحثاً عن لقمة العيش .
2 ـ كانت
الحكومة تبعد المدرس الداعية عن
الشباب المسلم ، حيث يجد المدرس
طلاباً يتقبلون دعوته إلى
الالتزام بتعاليم الإسلام ،
فكانت تعين أمثال هؤلاء في
ثانويات البنات ، ولما وجدت
الدولة أن هؤلاء المدرسين
انتشرت دعوتهم بين البنات ،
وساد الحجاب في مدارس البنات في
حماة وحلب وغيرهما ،خلال بداية
الستينات ، عندما عينت الحكومة
عدداً من مدرسي التربية
الإسلامية الدعاة في ثانويات
البنات ، فقررت الحكومة عندئذ
إبعاد هؤلاء المدرسين فنقلتهم
إلى أماكن بعيدة ، وشرائح من
الشعب السوري لاتقبل دعوتهم ،
وبذلك حرموهم من حق التعبير .
3ـ لم
يقف الحرب عليهم عند هذا الحد بل
سـرحت الحكومة السورية أعداداً
من المدرسين الدعاة (1979) ،
بعد أن سلكت السلطة طريق
نقل المدرسين الدعاة من
وزارة التربية إلى وظائف كتابية
في شتى الوزارات ، كي تمنعهم من
ممارسة حقهم في التعبير والدعوة
إلى الله عزوجل . ومن هذه
المحاربة ، التضييق في لقمة
العيش على المسلمة المحجبة ،
وعلى زوجها ، ووصل الأمر كما
يعلم الجميع إلى قتلهم وتصفيتهم
الجسدية في عقد الثمانينات .
وخلاصة جريمتهم أنهم يدعون
الناس إلى الإسلام ، ويدعون
المسلمين إلى الالتزام
بالإسلام .
4 ـ ومن
البدهي أن الدولة في سوريا تمنع
قبول الشباب المحافظين على
الصلاة في الكليات العسكرية منذ
(1963) ، بل أنها سرحت الدفعة التي
دخلت الكلية العسكرية في عام
(1962) زمن عهد الانفصال ، والتي
كان فيها قليل ممن يؤدون الصلاة
ويحافظون عليها ، لذلك سرحت
الحكومةالدفعة كلها .
5 ـ بل
حورب الإخوان المسلمون عامة في
حريتهم الشخصية ، فالفتاة التي
تختار الحجاب بعد أن عرفت أن
الله عزوجل فرض عليها الحجاب
لتصون نفسها ، وتصون غيرها ، لكن
السلطة وبعض المثقفين خارج
السلطة حاربوا هذه الفتاة ، فلا
يقبلونها في دور المعلمات مثلاً
، وإذا كانت متخرجة من الجامعة
لاتقبل في مسابقة المدرسين
والمدرسات لتكون مدرسة ، وهكذا
بدأت محاربة الحجاب في سوريا
وتونس والجزائر والعراق خلال
الستينات ، قبل أن تبدأ محاربته
في أوربا خلال هذا العقد من
القرن الحالي . وحورب الشباب
المسلم لأنهم أطلقوا لحاهم أسوة
بالنبي صلى الله عليه
وسلم ، الذي أمرهم
بإعفاء اللحى وحف الشوارب ،
استجاب هؤلاء الشباب
وأطلقوا لحاهم فحوربوا ، ومنعوا
من دخول دور المعلمين أو
الالتحاق بالوظائف التعليمية ،
أو دخول الكليات العسكرية ،كل
ذلك لمنعهم من ممارسة حريتهم
الشخصية ، في التعامل من شـعر
وجوههم ، كما منعت الفتيات من
ارتداء الحجاب ، وهذا أقصى
الاستبداد والاستعباد
والاستعمار .
5 ـ ومن
الملاحظ سرعة استجابة المسلمين
إلى الالتزام بدينهم ، رجالاً
ونساء ً إذا ما توفر الداعية
المسلم الذي يتقن فن الدعوة إلى
الله بالحكمة والموعظة الحسنة ،
ولكن السلطة في سوريا منذ (1963)
تحارب هؤلاء الدعاة وتمنعهم من
حق التعبير ، وواجب الدعوة إلى
الله ؛ إذ أن المسلم يعتقد أن
الدعوة إلى الله فريضة ، يجب
عليه أن ينفذ هذه الفريضة ، وإلا
كان آثماً .
هذه
الأعمال التي منع الإخوان
المسلمون من ممارستها بحرية
تامة ، هذه الأفعال هي مايريده
الإخوان المسلمون في سوريا وفي
غيرها .
ومن هذا
العرض أنتهي إلى أن الإخوان
المسلمين يريدون أن يسمح لهم
بممارسـة الدعوة إلى الله ،
دعوة الناس إلى الإسلام ، ودعوة
المسلمين إلى الالتزام
بالإسلام ، وتربية أبناء
المسلمين وبناتهم على الإسلام ،
كل ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة
، والمجادلة بالتي هي أحسن .
إن
أصحاب الباطل ( من وجهة نظر
الإخوان ) يسمح لهم بالدعوة إلى
باطلهم ، وتضع الدولة بين
أيديهم وسائل حديثة في الدعوة
كالمجلات والصحف والإذاعة
والتلفزة ، ونشر الكتب والأفلام
السينمائية ....وغيرها كثير .
بينما يحرم الإخوان من ممارسة
حقهم في التعبير عن أنفسهم وعن
الدعوة إلى الله التي يؤمنون
أنها فريضة عليهم ، الدعوة إلى
الله بالحكمة والموعظة الحسنة ،
والمجادلة بالتي هي أحسـن ، حتى
الدعوة بالكلمة الشفوية التي
يخاطب الدعاة بها غيرهم من
المسلمين .
ولعل
الكثير من الناس لايعرف أنه في
عام (1962) تقدم العميد ( .... ) إلى
المراقب العام للإخوان
المسلمين ، وعرض عليه أن يقوم
هذا الضابط ومجموعة من زملائه
بانقلاب عسكري ، ومن ثم يسلمون
دفة الحكم للإخوان المسلمين ،
فرفض الأخ المراقب العام ، بعد
أن شكره على حسن الظن بالإخوان
والثقة بهم ، ومماقاله : لانستلم
الحكم الذي تأتي بـه الدبابة .
ومما هو جدير بالذكر أنه بعد هذه
المقابلة ببضعة شهور قام انقلاب
الثامن من آذار (1963) ؛ الذي استلم
الحكم وهو على ظهر الدبابة ،
ومازال يركب الدبابة ويحكم
سوريا منذ أربعين سنة بالدبابة
والمدفع وراجمات الصواريخ .
ياقــومـــنا
... لسنا طلاب كراسي ولاحكم ،
اسمحوا لنا بحرية التعبير عن
أنفسنا ، لنربي أولادنا وبناتنا
، على شريعة الله عزوجل ، وندعو
المسلمين في بلدنا إلى طاعة
الله ورسوله والتزامهم بشريعة
الله ، كل ذلك نفعله بالحكمة
والموعظة الحسنة ، واسمحوا لنا
بنشر دعوتنا بالصحيفة والمجلة
وعبر الفضائيات والانترنت ،
وأؤكد لكم أن الإخوان لايريدون
غير ذلك ، اسمحوا لنا أن نفعل
ذلك بحرية وبنشاط علني ؛ كما كنا
في الخمسينات ، ونؤكد لكم أننا
لانريد غير هذا ، ونحن ممن
يزهدون في الإمارة ، ويعرضون
عنها ، تأدباً بأخلاق الإسلام ،
فلسنا طلاب كراسي ولامناصب ،
لأن هذه الكراسي والمناصب ( حسرة
وندامة يوم القيامة ) ، ونحن
نخاف كثيراً من يوم القيامة
ومابعد القيامة ، ونسأل الله
عزوجل أن
يتلطف بنا ويهون حسابنا ،
ويعيننا يوم الحشر ، وعند
المرور على الصراط ونحن نتأسى
بمقولة عمر رضي الله عنه ( لو أن
بغلة أو شاة عثرت على شاطئ
الفرات لخشيت أن يحاسبني الله
عنها لمَ لمْ أمهد لها الطريق !!!)
. لذلك لسنا طلاب كراسي ومناصب ،
ولانريد غير السماح لنا بدعوة
الناس إلى الإسلام .
أسأل
الله عزوجل أن يهدي قومنا
ليسمحوا لنا بممارسة الدعوة إلى
الله في بلدنا ، وأن يعود بلدنا
حراً لجميع أبنائه بلا استثناء
، فكلنا شركاء في هذا الوطن .
والحمد لله رب العالمين .
*كاتب
سوري في المنفى
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|