ــ
الإخوان
المسلمون
والأحزاب
الإسلامية المعاصرة
بقلم:
أ. د/ محمد مرسي
لقد أصبح معلومًا من التاريخ
والواقع أن جماعة الإخوان
المسلمين هيئةٌ إسلاميةٌ
جامعةٌ تنتهج منهجًا واضحًا
ومحدَّدًا هو منهج أهل السنة
والجماعة، في كل ما تقوم به من
أعمال، وما تنفِّذه من وسائل
لتحقيق الإصلاح والتغيير في
المجتمع؛ ليصبح قادرًا على
تحمُّل مسئوليته في مسيرة
الدعوة بالحكمة والموعظة
الحسنة على طريق النبي محمد- صلى
الله عليه وسلم-؛ الأمر الذي
يُوجِد حالةً من الاستقرار
والرضا والإحساس بالأمن
والحرية لكل أفراد المجتمع
ومؤسساته على اختلاف
توجُّهاتها ووسائل عملها.
والجماعة في مسيرتها إذ تقوم
بدورها الأساسي في إرشاد
المجتمع وتكوينه فإنها تستهدف
بناءَ الفرد المسلم والبيت
المسلم والأمة والمسلمة،
وتُوقن أنه لو وُجد المسلم صحيح
الإسلام توجَد معه كلُّ أسباب
النجاح، وهو بالضرورة مواطن
صالح، وتدرك بأن الأسرة الصالحة
المسلمة هي اللبنة الأساسية في
بناء المجتمع الصالح، وتعلم بأن
الأمة المسلمة عندما تكون
قادرةً- بإذن الله- على رفع لواء
الحق والعدل في الحكم بما أنزل
الله فلا تضل ولا تشقى ﴿..
فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا
يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123)
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي
فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا
وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)﴾ ..
(طه).
والجماعة بذلك تقوم بواجبها
وتتوجه إلى الأمة بالمنهج
الإسلامي الوسطي المعتدل؛ لكي
تحقق بذلك الأهداف والغايات،
وتُوجِد الدولة الإسلامية التي
تطبِّق الإسلام في كل شئونها
وفي جميع نواحي حياتها، فإن رضي
بذلك الناس سعدوا وعَزُّوا
وسادوا، وإن أبَوا فإن الله هو
الغني عن عباده، على حرصه
سبحانه وتعالى عليهم وعلى
غفرانه لهم، إن هم تابوا
وأنابوا ودعَوا الله مخلصين،
وعملوا الصالحات، وتواصَوا
بالحق وتواصوا بالصبر.
وخلاصة القول في ذلك:
إن جماعة الإخوان المسلمين تتوجه
بدعوتها ومنهجها وحركتها إلى
الأمة، فنحن ندعو الناس إلى
الإسلام، والحكومة جزءٌ منه،
والحرية فريضة من فرائضه،
ونعتقد أن الإسلام دين الله
الحق للناس كافةً، وهو ليس
ملكًا لأحد ولا حكرًا على أحد،
إنما بعث الله محمدًا- صلى الله
عليه وسلم- إلى خلقه كافةً
بالرحمة.. ﴿وَمَا
أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً
لِلْعَالَمِينَ (107)﴾ .. (الأنبياء)،
ومهمتنا تعريف الناس بالإسلام
الصحيح الكامل لا المجتزَأ ولا
المنقوص ولا المزيد ﴿الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ
نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ
الإِسْلامَ دِينًا﴾.. (المائدة:
من الآية 3).
ونعتقد أيضًا أن الأمة هي مصدر
السلطة، أي صاحبة الحق وحدها في
اختيار رؤسائها وممثليها وأولي
الأمر منها، وننزل على رأي
الأمة حتى وإن خالف رأيَنا، ما
لم يصطدم بأصلٍ في الشرع،
وطالما أن الأمةَ مارست حقَّها
كاملاً في اختيار مَن تريد
وبحريةٍ تامة، دون ضغطٍ أو
تخويفٍ أو اضطهادٍ من أحدٍ أو من
جماعةٍ أو حكومة.
الإخوان والحزب السياسي
نقول ذلك وقد كثُر الكلام هذه
الأيام عن دور الأحزاب في
المجتمع وعلاقة الأحزاب
الإسلامية على وجه الخصوص
بالجماعات التي انبثقت عنها
وخرجت لتُعبِّر عن مناهجها
ومرجعياتها، وكذلك يطرح
الكثيرون الآن أن يكون لجماعة
الإخوان المسلمين حزبٌ كهذه
الأحزاب المتعددة، ليُعبِّر
عنها ويتكامل معها في أداء
الدور، وهو في مجمله شعبي
واجتماعي وسياسي يتكامل مع
الأدوار الأخرى التي تقوم بها
الجماعة في المجالات المتعددة
والأنشطة الكثيرة، كتربية
النشء وتكوينه على الإسلام
والوعظ والإرشاد لكل فئاتِ
المجتمع، وأعمال البر،
والتكافل بين أبناء الأمة
الواحدة من خلال الجمعيات
والنوادي ومراكز حقوق الإنسان
ولجان الإغاثة وكافة مؤسسات
المجتمع المدني والمنظمات غير
الحكومية.
وموقف الإخوان من ذلك واضحٌ، وقد
تمَّ إعلانه قبل ذلك، فالجماعة
ليس لديها مانع من قيام حزبٍ
يُمثِّل جناحًا من أجنحةِ نشاط
الجماعة المتعددة، ولكنَّ هذا
الحزب لا يقصد إلى الصراع على
السلطة التنفيذية في المقام
الأول، وإنما الأولوية الأولى
له أن يكون الوعاء الذي يحمل
الدعوةَ في مجالاتِ العمل العام
المختلفة؛ سعيًا نحو تكوين
الأمة صاحبة الرسالة.
والإخوان يرون أن التقدَّم
للحصول على ترخيصٍ لهذا الحزب
الآن غير ذي جدوى؛ حيث إن
النظامَ يُمارس كل أنواع
العدوان والعنف ضد شعبه، ومنه
الإخوان المسلمون، ولن يسمح
بقيام مثل هذا الحزب في ذات
الوقت، فإن الإخوان لن يتحركوا
للإعلان عن حزبٍ من جانبٍ واحد،
ولكن البرنامج الإصلاحي للحركة
الذي يهدف لإصلاح الأمة يجري
إعداده كي يكون أحد الأدوات
الفعَّالة من خلال الحزب- إن قام-
لإيجاد المجتمع المسلم والأمة
العادلة.
من أجل ذلك فإن العمل العام- ومنه
العمل السياسي الذي يمارسه
الإخوان- لا يخرج بأهدافه
ووسائله "ولا ينبغي له أن
يخرج" عن الأصول والثوابت
الإسلامية، ولا يستطيع الإخوان
أن يقرروا من عند أنفسهم- "كما
يُقال تكتيكيًّا"- غضّ الطرف
أو التقاعس عن أو إهمال أو تجميد
بعض أجزاء منظومة العمل
المتكاملة، بزعم أن ذلك- إن حدث-
يمكن أن يُوجِد حالةً من القبول
للإخوان عند النظم الحاكمة في
بلادنا وفي الغرب ولدى
الصهاينة؛ سعيًا إلى تحقيق
إنجازاتٍ سريعة في بعض مجالات
العمل وخاصةً السياسية منها،
ولو حدث ذلك التغاضي وغضّ الطرف
فإن هذا يعني الحديث عن كيانٍ
آخر غير جماعة الإخوان المسلمين.
موقف الإخوان من الصعود السياسي
لبعض
الأحزاب في العالم الإسلامي
إن الإخوان المسلمين وهم يسعون
إلى إيجاد المجتمع المسلم الذي
تخرج منه الحكومة التي تُعبِّر
عن الأمة الراشدة وتحكم بما
أنزل الله يضعون نصْبَ أعينهم
أن الطريق طويل ومحفوفٌ
بالمكاره، وأن الجهود المطلوبة
عظيمة وكبيرة؛ لأن الأهداف
عظيمة وكبيرة.. ﴿إِنْ
الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ
أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا
إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ
الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لا
يَعْلَمُونَ﴾ .. (يوسف: من
الآية 40)، وعندما يحدث في بعض
البلاد الإسلامية فوزُ حزبٍ من
الأحزاب الإسلامية المعاصرة-
كما وقع أخيرًا لحزب العدالة
والتنمية في تركيا المسلمة- فإن
ذلك يُسعدنا من منطلق الأخوَّة
العامة، وانتشار الحرية،
وتحقيق العدل في تلك البلاد.
ولكن المقارنة بين حالة النجاح
لذاك الحزب في أيٍّ من تلك
البلاد ووضع ومسيرة الإخوان
المسلمين عندنا مقارنةٌ
مغلوطةٌ وقسمةٌ ضيزى ولا مكانَ
لها؛ لأننا لا يمكن أن نُقارن
بين حالتي النجاح لحركتين
مختلفتين اختلافًا بيِّنًا في
الأصول والثوابت والأهداف
والغايات وكذلك في الوسائل
والآليات.
الحالة المصرية مقارنةً بالحالة
التركية
جماعة الإخوان المسلمين لَمْ
ولنْ تُغيِّر مبادئها.. المنهج
الإسلامي كله غير منقوص وهو
غاية عملنا، وحالة النجاح الذي
نريد بنشره وتعليمه وتطبيقه
والعمل بما جاء به في شتى مجالات
الحياة بالنسبة للأفراد
والجماعات والجمعيات والمؤسسات
والدولة وأولي الأمر جميعًا.
وحزب العدالة والتنمية التركي
يعلن موافقته ورضاه على علمانية
الدولة بالمفهوم الغربي
المعروف ويختلف عن هدفنا
الأساسي الكبير، وهو أن يكون
للمسلمين دولةٌ مسلمةٌ (Islamic
State) وليست دولةً دينيةً بالرؤية
الخاطئة المحدودة كما يفهمها
أهل الغرب على وجه الخصوص، وهنا
يجب ملاحظة الفروق الحالية بين
الدولة المصرية التي يعيش فيها
الإخوان المسلمون بدستورها
الذي ينصُّ على أن دينَ الدولة
الرسمي هو الإسلام، وأن مبادئ
الشريعة الإسلامية هي المصدر
الرئيسي للتشريع، الأمر الذي
يؤكد على إسلامية الدولة
المصرية؛ حيث لا تستطيع حكومة
ولا سلطة أن تُغيرها أو تقترب
منها؛ لأنها تُمثِّل هوية الأمة
بتاريخها وحاضرها على اختلافِ
مكوناتها الفكرية والثقافية،
في حين أن حزب العدالة والتنمية
الذي يحكم الآن أحد المكونات
السياسية للدولة التركية
بدستورها الحالي وبعد سقوط
الخلافة الإسلامية وصعود
القومية والأتاتوركية ما زالت
حتى الآن تقرر علمانية الدولة
بدستورها وقانونها وتوجهها نحو
أوروبا وسعيها الحثيث لتصبح
جزءًا منها على الرغم من
الاختلاف البيِّن بين الشعب
التركي المسلم والشعب الأوروبي
العلماني في الفكر والسلوك،
وحيث يمتد هذا الاختلاف أيضًا
إلى منظومة القيم التي تحكم
كلاًّ من الطرفين؛ حيث الحق
والعدل على قمة منظومة القيم
الإسلامية في حين لا تجد ذلك في
المنظومة القيمية الغربية.
من كل ذلك يتضح أن مَن أراد أن يصف
حركته أو حزبه بأنه إسلامي فلا
بد من أن يكون الإسلام،
والإسلام فقط هو صاحب الكلمة
الأولى والأخيرة في منهجه وفي
تطبيقه وسلوكه وفي أهدافه
وغاياته وفي متابعته ومراجعته،
وإلا فإنَّ العبرةَ ليست
بالألفاظ والمباني ولكنها
بالمقاصد والمعاني وليختر كل
لنفسه ما يشاء، ولكن ليعلم
الجميع أن الإسلامَ الصحيحَ
بمنهجه الحق هو الذي يبقى وأنَّ
ما عدا ذلك لا يقوى على الثبات
والاستمرار.. ﴿فَأَمَّا
الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً
وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ
فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ
كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ
الأَمْثَالَ﴾
.. (الرعد: من الآية 17).
ــــــــــــ
* عضو مكتب الإرشاد
بجماعة الإخوان المسلمين
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|