ــ
زبانية
التعذيب في معتقلات النظام
الأسدي .....
لنا
فيهم كلمة:
سالم
أحمد*
في أحد لوحات المرايا التي
يقدمها الممثل السوري اللامع
"ياسر العظمة"، شعر
المشاهدون العرب –ولا أقول
السوريين فهم يعيشون مشاهد
اللوحة واقعا وليس تمثيلا-
بالإحباط بعد أن عاشوا ساعة مع
أحداث اللوحة المرعبة التي نقلت
صورة معتقلٍ أطلق سراحه،وصورة
سجانه الذي سرح من عمله بعد 30
عاما عاشها في التنكيل
بالمعتقلين.
في تفاصيل اللوحة نشاهد المعتقل
المطلق سراحه لم يستطع التكيف
مع حياته الطبيعية، لأن مشاهد
التعذيب اليومية لا تغادر
مخيلته وهو بين زوجته وأولاده.
فهو يخاف أن يغلق عليه باب
الحمام خوفا من أن يفاجئه كرباج
الرقيب الذي يقتحم عليه "الزنزانة"
التي تقرب سعتها من سعة الحمام.
ويرفض أن ينام على سريره لأنه
كان ينام بمعتقله على بلاط
الزنزانة. لا يأكل الطعام الذي
تتفنن زوجته بطبخه تعويضا له عن
أيامه الكئيبة، ويفضل عليه الرز
مع العدس –مجدرة- الذي كان
يأكله في زنزانته، بل يعتبر "مجدرة"
زوجته أردأ طعما، لأنها تخلو من
حشرة "السوس" التي كانت
تتحرك فوق صحن العدس، بعدما
فشلت حرارة الطبخ أن تقتلها.
وأخيرا انتهى به الأمر إلى
مستشفى المجانين.
أما السجان الرقيب الذي أنهيت
خدماته، لم يستطع هو الآخر أن
يعيد تكيّفَه مع أفراد أسرته ،
فهو يعاملهم كأنهم بعض المعتقلين، عليهم أن
يقدموا برنامجا لخروجهم
وعودتهم. حتى أن الشاب الذي تقدم
لخطبة ابنته رفض مقابلته حتى
يستحضر "الفيش والتشبيه"
له ولأقربائه.
فكان أن هربت زوجه وأولادها إلى مزرعتهم.
وعندما علموا أنه قادم إليهم
تركوا المزرعة إلى حيث لايدري.
فلم يجد أمامه إلا مشرف
المزرعة، فيصب عليه غضبه لأنه
وجد بعض الفواكه وقد نقرتها
العصافير رغم أن المشرف وضع "فزاعة"
لتخويف العصافير، وعلى ما يظهر
لم يعجب شكلها الرقيب فعمل من
نفسه فزاعة، فبسط ذراعيه وصلّب
ملامحه على
شكل الفزاعة، لينتهي هو
الآخر إلى مستشفى المجانين.
رغم الفن الرفيع الذي قدمه "ياسر
العظمة" في لوحات المرايا،
فإن ما شاهدناه كان صورةً مصغرة
مئة مرة عما يجري في المعتقلات
السياسية السورية. فمن بين
خمسين ألف معتقل أطلق سراح بضعة
آلاف منهم وأعدم الباقون. وإذا كان
من أطلق سراحهم لم يصلوا إلى حد
الجنون، إلا أن ما أصابهم كان
أسوأ. فقد خرج أكثرهم وهم يحملون
في أجسادهم وأنفسهم عاهات يصعب
شفاؤها تنكد عليهم وعلى أسرهم.
أكثرهم فقد عمله، والبعض الآخر
خرج ليجد زوجه تزوجت بعد أن فقدت
المعيل فتشرد أطفاله. واحتمل إن
كان عندك صبر!
أن ما كان يخضع له المعتقل السوري
من صنوف التعذيب والهدم للشخصية
الآدمية –جسدا وروحا- بلغ من
الاحتقار والإهانة المزرية
بالمواطنة حينا، والقسوة
المحطمة للجسد لدرجة تكسير
العظام والإصابة بالعاهات
أحايين كثيرة، حتى يكون الموت
هو الدعاء الذي يلهجه كل من يخضع
للتعذيب في أقبية الهلاك بين
أيدي أناس انخلعوا من آدميتهم،
وانحطوا تحت مرتبة الحيوانات
المفترسة التي تتوقف عن عدوانها
إذا ما شبعت.
أما هؤلاء فلا يملون من عدوانهم
على ضحاياهم أثناء التعذيب، ولا
يشعرون بأي خجل مما يفعلون مع أن
ضحاياهم هم أبناء وطنهم. بل إن
"إلياهو كوهين" الجاسوس
الإسرائيلي الذي اخترق حزب
البعث حتى وصل إلى رتبة بعثية
كبيرة، لم يعذب كما عُذِّب
المعارضون في سجون نظام حافظ
أسد، بعد أن انكشف أمره.
المعتقلون الذين أطلق سراحهم
يتحاشون الحديث عما مر بهم أمام
أطفالهم حتى لا يصيبهم الفزع
والرعب من هول ما يسمعون. ويبدأ
الفزع والتعذيب من لحظة
الملاحقة ومهاجمة البيوت عند
الفجر، ثم إلقاء القبض على
المطلوب، وجره مقيدا أمام
أهله وأطفاله. ولو أن رجلا قتل
أو سرق أو اقترف الخيانة العظمى
لما تعرض لما يصيب المعارض من
تعذيب. وبعد أن تتوارى كتيبة
الاقتحام بعد أخذ الضحية معها
لا يعرف عنه أهله شيئا.
للتذكير فقط، لأن الكل يعرف،
أذكر بعض وسائل التعذيب، مع أن
هناك دائما وسائل جديدة تدخل
الخدمة بين حين وآخر. فهناك حشر
الضحية في دولاب سيارة جنط14،
فلا يستطيع المسكين الحراك
أثناء ضربه ب "كابل كهرباء
25 مم
".
وكان قد أخرج كرباج السنديان من
الخدمة، لأن الرجلين تتخدر بعد
50 كرباجا، بينما يزيد الألم بعد
كل ضربة كابل جديدة.
وهناك "بساط الريح" الذي
تشكل فيه الرجلين زاوية قائمة
مع الجسم، وكون الجلد بالكابل.
الصعق بالكهرباء أقل إيلاما من
الجلد بالكابل، إلا أن الألم
النفسي عند البعض يكون أشد. ويتم
بتعريض المعتقل للصعق بمنبع
كهربائي 12 فولط.
وهناك المنفاخ الذي ينفخ به
الهواء في فتحة شرج المعتقل حتى
تتمزق أمعاءه ويموت من فوره.
وهناك التعليق من الرجلين،
ويدلى الرأس فوق إناء يغلي فيه
الماء، فيمنع من التنفس ويشوى
وجهه، ويكرر الرفع والتدلية حتى
يخبرهم بما فعل وما لم يفعل.
أما في سجن تدمر فقد كان المعتقل
يتعرض إلى ما لا عين رأت ولا خطر
على خيال بشر، لأن المشرفين فيه
على التعذيب قد انخلعوا من
آدميتهم. عافانا الله وإياكم.
*سوري
معتقل سابقا
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|