ــ
إلى
أين تتدحرج كرة النار في الشرق
الأوسط ؟!
(1-2)
د.نصر
حسن
يشهد الشرق العربي
حالة استعصاء عامة خطيرة ,
خطورتها تكمن في فلتانها
وفوضاها وخروجها عن سيطرة القوى
الدولية والإقليمية الفاعلة
فيها , وفقدان البوصلة العربية
اتجاهها , واهتزاز أنظمتها عشوائياً
بخوف وقصور ووهن غريب , والأخطر
هو استمرار المكابرة والمقامرة
على " تظبيط " استقرار
هنا وهدوء هناك ...! فلبنان الذي
أصبح كله بمعارضته وموالاته
ومستقبله رهينة إقلمية ضمن
طابور الرهائن العربية الكثيرة
بسبب دور النظام السوري فيه,
يعيش مرحلة مبهمة على أبواب
استحقاق انتخاب رئيس جمهورية
جديد , حيث يصر الجنرال العماد
لحود المقرفص على عتبة النظام
السوري بعدم تسليم الصرة
اللبنانية إلى رئيس لا توافق
عليه سورية رغم كل الأغطية التي
يحاول أن يدثر بها موقفه
المتهافت , والعراق يتشظى
بفعل مفخخات طائفية مذهبية
تقسيمية داخلية وإقلمية
وخارجية ووعود بالحروب الأهلية
! , العراق يعيش حالة مجهولة
ملتبسة بين ديموقراطية موعودة
وديكتاتورية مذهبية مشهودة ,
وبين وجود احتلال يدير الأزمة
وغير قادر على حلها بسبب الفوضى
وتناقض الأجندة بينه وبين القوى
الداخلية التي لم يحسن قراءتها
ومعرفة نواياها , وبين تأثير قوى
إقليمية لم يستطع تحييدها
وإبعادها عن التدخل المباشر
الدموي في نسيج العراق , وفلسطين
هي الأخرى تعيش نفس الحالة من
التقسيم والمحاصصة تحت
الإحتلال والفقر والظلام ,
والشعب الفلسطيني لم يبق له غير
العوز والمعاناة واليأس
والإحباط ومأوى التطرف
الإقليمي الذي يفتح بابه على
مصراعيه لكل اليائسين من
شعارات التحرير والصمود
والديموقراطية وحقوق الإنسان
التي أصبحت هي الأخرى أكثر من
نكتة في هذا الشرق المنكوب
بغياب حق الحياة , وسورية التي
كانت قلب العروبة النابض , تعيش
نفس الحالة ولو بسياق مختلف
واحتلال محلي يطبق على أنفاسها
,سياق يصر النظام على دفع الشعب
السوري إلى الخيار الوحيد ,خيار
التطرف والعودة إلى الوراء بظل
معزوفات الحرب الباردة وفقرها
وبؤسها وفرديتها ,بدون فهم
ميكانيزمات المرحلة الحالية
وبدون أدنى العقلانية والشعور
بالمسؤولية ,باختصار أصبح خيار
اليأس هو خيار الجميع بالفرض ,
بالقوة ,بالإحتلال ... بالفقر ,
بالتمذهب ...بالوهن , بتحصيل حاصل
توصيل المنطقة إلى حالة استعصاء
مركبة , خرجت عن قدرة
اللاعبين على تحديد خطى
الخروج من هذا السيرك الدموي ,
ومراوغتهم وعدم قناعتهم
واستعدادهم لدفع رسمه مرةً
واحدة مهما غلا ثمنه , والخلاص
من دراما اللحظة الراهنة
وتراجيديا المجهول الذي يطرق
أبواب الجميع بدون استثناء .
و شريط الأحداث
النازف الذي يصور المنطقة من
العراق إلى لبنان إلى فلسطين
إلى الصومال إلى السودان إلى
الخليج الذي أصبح معرضاً مخيفاً
لأدوات الحرب والدمار ...إلى
أفغانستان إلى هذا المربع
المسكون بالنفط والبارود
والموت والمجهول , شريط يتكرر
عرضه تقريباً بنفس المحددات مع
اختلاف اللاعبين والمتلاعبين
بمصيره , وبتشابه حالة العجز
والقصور المهين من قبل أنظمة
عاصرت المرحلتين وعصرت شعوبها
فيها , ولم تستخلص منها عبراً
ولم تتعلم منها درساً , ولم تفهم
منها واقعاً ولم تحفظ استقلالاً
وثروةً , ولم تستطع فيها احترام
كرامة ً , ولم تنجز فيها غير
التخريب والفساد والفقر
والتطرف , أنظمة خائرة تعلقت
بحبال الغرب والشرق وبقيت معلقة
على تناقضاتهما وتوافقهما
ومصالحهما وخيرهما وشرهما معاً
, ولعبت بمصير شعوبها وتقدمها
واستقرارها على تباعد وتقارب
الستراتيجيات الخارجية التي
فقدت فيها مصالحها ومصالح
شعوبها , وربطت مصير شعوبها
بيد الغرب والشرق ففقدت
استقلالها وقدرتها على فعل شيء ,
سوى الدوران المهين في مدار
القطبين المتناقضين , وعلى
امتداد أكثر من نصف قرن ضيعت
فلسطين ولم تستطع أن تجد مقاربة
عملية ممكنة لإرجاع الحق , وضيعت
فرص الحياة في العصر , وضيعت
العراق ...وطابور المضيعين
يتزايد باستمرار..! فكم ياترى من
السنين ستحتاج إلى تأمين
الإستقرار في العراق ؟وكيف
ستواجه الأمور إذا حدث اختراق
آخر على جبهة من الجبهات
العديدة المنهارة والتي
لاتحتاج سوى إلى هزة بسيطة
لتضاف إلى فلسطين والعراق
والسودان والصومال و...في مزيد
من إنتاج دراما المنطقة ؟
وكيف ستواجه أمرها إذا انهار
لبنان فجأة ً في طريق الهاوية ؟
وإذا انهار النظام السوري الذي
يعيش تحت ضغوط داخلية وخارجية
لاقدرة له عليها ؟ وكيف ستتعامل
مع ضربة عسكرية خارجية مفاجئة
هنا أو هناك ؟ وكيف يمكن
تحديد الإتجاه الآمن في مفترق
الطرق اللعين هذا ؟,المنظور منه
وعراً , وغير المنظور فيه
مجهولاً , والنظام العربي فقد
صوابه وقدرته وتعطلت لديه آلية
العقل والرصد والفعل الصحيح
؟هنا لابد من إعادة قراءة
المشهد بقدر كبير من الموضوعية
والعقلانية والمسؤولية التي
باتت مفقودة هي الأخرى .!.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|