ــ
الاعتقـال
الإداري ...
انتهاكاً
فاضحاً لحقوق الإنسـان
*
بقلم/ عبد الناصر عوني فروانة
ferwana@gawab.com
دولة
الإحتلال الإسرائيلي دولة تجيد
التتفنن في إبتداع السبل
والأساليب اللاإنسانية ، و هي
تتصدر قائمة الدول التي تنتهك
حقوق الإنسان على الرغم من كل ما
يشاع عن الديمقراطية "
الاسرائيلية " المزعومة ، فهي
وعبر تاريخها الأسود الدولة
الأكثر إرهاباً وانتهاكاً
لحقوق الإنسان وللمواثيق
والإتفاقيات الدولية في العالم
، فلم تُبقِ شيئاً ساكناً أو
متحركاً ، بشراً أو شجراً أو حتى
حجراً إلاّ وأن أذاقته من كأس
إجرامها ومرارتها ، فدمرت
البيوت وسوتها بالأرض
! واقتلعت الأشجار من الجذور
! وقتلت الأجنة في البطون ! .
ولم
تكتفِ بكل هذا
فأقامت ودشنت العديد من
السجون والمعتقلات والتي قلما
شهدها العالم إلاّ في معتقلات
النازية والفاشية في أوروبا ،
فهي تفتقر للحياة الآدمية
ولأدنى الشروط الإنسانية ، وزجت
بها مئات الآلاف ، وتنوعت أشكال
وأساليب الإعتقال وتحت مبررات
وذرائع عديدة ومنها كان
الإعتقال الإداري .
فما هو
الإعتقال الإداري :
هو عملية
قيام السلطة بإعتقال شخصٍ ما
دون توجيه أية تهمة محددة إليه
بصورة رسمية ودون تقديمه إلى
المحاكمة وذلك عن طريق استخدام
إجراءات إدارية .
و
هو يعني إبقاء الفلسطينيين رهن
الاعتقال دون عرضهم على محكمة
أو محام لمدة ثلاثة أشهر أو ستة
شهور أو سنة كاملة قابلة
للتجديد بسبب إعتناقهم أفكاراً
وآراءاً سياسية مناهضة
للاحتلال ، أو أنهم تعرضوا
لفترات طويلة من التحقيق ولم
تثبت ضدهم أية تهم أمنية أو مخالفات يعاقب عليها قانون
الإحتلال .
و سياسة
الاعتقال الإداري هي سياسة
قديمة حديثة انتهجتها سلطات
الإحتلال الإسرائيلية منذ
اليوم الأول لاحتلالها للضفة
الغربية وقطاع غزة ، ولا زالت
تستخدمها ضد المواطنين
الفلسطينيين ، كإجراءٍ عقابيٍ
ضد من لا تثبت إدانتهم أو توجيه
أي اتهام ضدهم ، مستندة بذلك إلى
المادة (111) من أنظمة الدفاع
لحالة الطوارئ التي فرضتها
السلطات البريطانية في سبتمبر /أيلول
1945 ، ثم قامت إسرائيل بسن
تشريعها الخاص
بالاعتقال الإداري ضمن
تشريعات الأمن لعام 1970 وذلك من
خلال الأمر العسكري رقم 378
متضمناً نفس البنود التي جاءت
في أنظمة الطوارئ البريطانية ،
ومن ثم طرأ العديد من التعديلات
على الأمر العسكري هذا ، ولكن
هذه التعديلات كانت في مجملها
شكلية تطال صلاحيات قائد
المنطقة والنواحي الإدارية لا
الموضوعية ، ولقد أصدرت السلطات
العسكرية الاسرائيلية (12) أمرأ
عسكرياً تتعلق بالاعتقال
الإداري ، ويتولى وزير الدفاع
إصدار أوامر الاعتقال الإداري
في المناطق التي إحتلت عام 1948م
والقدس المحتلة عام 1967م ،
وذلك بموجب نظام الطوارئ لعام
1945 ، وليس له صلاحية بتفويض
صلاحياته ويحق للمحكمة
المركزية بالقدس النظر في الأمر
والاستئناف به على أن يصدق من
قبل محكمة الصلح .
بينما
يتولى القادة العسكريون إصدار
هذه الأوامر في الضفة الغربية
بموجب الأمر العسكري (378) لمدة 96
ساعة بعدها يتأكد الأمر من قائد
المنطقة.
ولقد استخدمت سلطات الإحتلال هذه
السياسة وبشكل متصاعد منذ
السنوات الأولى لاحتلالها
الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967م
، إلاّ
أن الخط البياني للاعتقال
الإداري أخذ شكلاً متعرجاً حيث
إرتفع في سنوات الإحتلال الأولى
، ثم سجل إنخفاضاً ملموساً عام
1977 ، وفي عام 1980م يمكن
القول بأن السلطات الاسرائيلية
توقفت فعلياً عن استخدام هذه
السياسة .
وفي
منتصف الثمانينات عادت
لاستخدامها ، و مع دخول
الانتفاضة الفلسطينية في
ديسمبر عام
1987 م
ومع تصاعد
المقاومة الجماهيرية وإتساع
رقعتها ، أصدرت سلطات الإحتلال
الاسرائيلية العديد من الأوامر
العسكرية لتسهيل عملية
الاعتقال الإداري كان منها
القرار 1228 والصادر بتاريخ 17/3/1988
، والذي أعطى صلاحية إصدار قرار
التحويل للاعتقال الإداري
لضباط أقل
رتبة من قائد المنطقة ، وتبع ذلك
تصعيد خطير في استخدام هذه
السياسة ليطرأ ارتفاع ملحوظ على
عدد المعتقلين الإداريين
الفلسطينيين حتى وصل عددهم خلال
الإنتفاضة ( 1987-1994 ) الى حوالي
عشرين ألف معتقل إداري ، وزج
بهؤلاء المعتقلين آنذاك
في معتقل أنصار 3 في صحراء
النقب والذي افتتح خصيصاً
بتاريخ 17مارس
1988 م
لاستيعاب الأعداد
الكبيرة من المعتقلين
الإداريين وغير الإداريين ،
وبشروط حياتية قاسية جداً ،
كما صدر بتاريخ 10/8/1989م القرار
العسكري رقم ( 1281 )
الذي حدد فترة الإعتقال
الإداري للمرة الواحدة لسنة
واحدة .
وبعد
توقيع اتفاقيات التسوية بين
منظمة التحرير الفلسطينية و"
إسرائيل " وما واكبها من حالة
هدوء نسبي أطلق سراح الكثير من
المعتقلين ، و تقلص بشكل كبير
جداً عدد المعتقلين الإداريين ،
كما وتقلص إستخدام هذه السياسة
إلاّ أنها لم تتوقف ، و مع
إندلاع انتفاضة الأقصى كان في
السجون الإسرائيلية ستة
معتقلين إداريين فقط .
و خلال
انتفاضة الأقصى صعّدت سلطات
الإحتلال من حملاتها
فاعتقلت الآلاف ولم تتسع
السجون لساكنيها فأعادت إفتتاح
سجون ومعتقلات سبق وأن تم
إغلاقها كالنقب ، و فتحت
معسكرات اعتقال جديدة مثل معسكر
عوفر غربي مدينة رام الله ومعسكر
حواره جنوبي مدينة نابلس، وفي
إطار ذلك صعّدت العمل بسياسة
الإعتقال الإداري وبشكل كبير و
ازداد هذا العدد بشكل مضطرد .
ولم
تكتفِ السلطات الإسرائيلية
باعتقال الفلسطينيين إداريا
لمرة واحدة (تتراوح بين 3-6 شهور
أو حتى سنة) بل استخدمت سياسة
التجديد سيفاً سلطته على رقاب
المعتقلين، فبالوقت الذي يعد
فيه المعتقل نفسه بعد إنتهاء مدة
اعتقاله للعودة إلى أهله وذويه ومزاولة أعماله ودراسته تقوم إدارة
المعتقل بتمديد فترة اعتقاله
لفترة جديدة وصلت ضد بعضهم لنحو أربع عشرة مرة متتالية ،
ومنهم من تم التمديد له ليلة
الإفراج عنه أوقبيل المغادرة
بدقائق عندما يعد الأسرى
أحزمتهم وتستعد عائلاتهم
لاستقبالهم ويهمون بالخروج ،
وذلك بشكل عشوائي وبحجج واهية
في مقدمتها الإدعاء بأن هناك
معلومات سرية في ملف المعتقل
ولا تسمح لا
للمعتقل ولا لمحاميه بالاطلاع
عليها ، الأمر الذي يشكل ضغطاً
نفسياً على المعتقل وذويه ،
وأصبح حجم التجديد خلال إنتفاضة
الأقصى كبير جداً ويتم
التمديد شهرياً لعشرات
المعتقلين ، وتستند
السلطات الاسرائيلية في ذلك
الى البند " ب "
المادة (87 )
من الأمر العسكري 378 لعام
1970 م
، والتي تجيزإمكانية
تجديد الأمر بالتتابع لفترات .
وخلال
فترة الإعتقال تلك
يعرض المعتقل على محاكم
الإستئناف أو الإعتراض كما
يسمونها ، ولكن على ماذا تعترض
ولمن تعترض ؟؟ فسرية المواد
والتي تشكل أساس الاعتقال الإداري لا تتيح للمتهم ولا لمحامي الدفاع
الإطلاع على محتواها وبالتالي
تصبح المحكمة شكلية وتفتقر
للموضوعية والإستقلالية
القضائية ، الأمر الذي دفع
بالمعتقلين الإداريين مرات
عديدة ولفترات طويلة الى مقاطعة
تلك المحاكم .
وسياسة
الإعتقال الإداري لم تستخدم ضد
المعتقلين الجدد والذين
يعتقلون دون تهمة أو محاكمة ، بل
لجأت سلطات الإحتلال إلى تحويل
عدد من المعتقلين الفلسطينيين
إلى الاعتقال الإداري بعد
انتهاء مدة محكوميتهم في سجونها
، وهناك من يتم اعتقالهم
إدارياً بعد الإفراج
عنهم بأيام قليلة.
ويعتقل
الغالبية العظمى من الأسرى
الإداريين في معتقل النقب
الصحراوي الذي أعيد افتتاحه
خلال إنتفاضة الأقصى ، ويخضع
هذا المعتقل لإدارة وإشراف جيش
الاحتلال بعكس السجون المركزية
التي تشرف عليها مصلحة السجون
الإسرائيلية ، كما ويتم التعاطي
مع الأسرى في هذا المعتقل من
خلال أرقام خاصة تعطى لهم وليس
بالأسماء، في صورة تعيد للأذهان
ما كان يجري في معسكرات النازية
إبان الحرب العالمية الثانية ،
وهؤلاء المعتقلون الإداريون
يعيشون ظروفاً مأساوية
وأوضاعاً معيشية قاسية.
وبالاجمال
فإن الوضع العام للاعتقال
الإداري في تدهور مستمر حيث أن
عدد المعتقلين في ازدياد دائم ،
ويبلغ عدد المعتقلين إدارياً
الآن حوالي (
950 ) معتقل ، وهم نخبة من
المثقفين والأكاديميين من
أطباء ومعلمين ومحاميين
وصحفيين وطلبة جامعات ورجال دين
وعدد كبير منهم من المرضى وكبار
السن و منهم العشرات من الفتيان
دون سن الثامنة عشر ولم تقتصر
على ذلك بل طالت أيضاً عدداً من
النساء الفلسطينيات.
الخلاصـة
:
إن
استخدام إجراء الاعتقال
الإداري يعد انتهاكاً فاضحاً
لحقوق الإنسان الأساسية، ما لم
توجه إحدى التهم الأمنية التي
يعاقب عليها قانون الإحتلال
ويتم تقديمهم للمحاكمة العادلة
خلال فترة زمنية محددة كما نصت
المادة (9) من العهد الدولي الخاص
بالحقوق المدينة والسياسية ،
ويعتبر سجن أي شخص دون توجيه
تهمة له أو تقديمه للمحاكمة،
خرقاً خطيراً لحق الفرد في
الحماية من الاعتقال التعسفي
والحماية على شخصه ، وكافة
المواثيق والأعراف الدولية
الإنسانية والحقوقية نصت بشكل
صريح على ذلك ، ليس هذا وحسب بل
ونصت على أنه يحق لكل شخص كان
ضحية توقيف أو اعتقال غير
قانوني حق في الحصول على تعويض.
وبالرغم
من تلك النصوص
التي حرمّت الإعتقال الإداري
إلاّ أن الموقف الدولي غير
الجاد والصمت في أحيانٍ كثيرةٍ
شكّل عامل تشجيع لحكومة
الإحتلال للاستمرار
في انتهاج هذه السياسة ، والتي
تشكل مخالفة صريحة
للقوانين والأعراف
الدولية، وخاصة للإعلان
العالمي لحقوق الإنسان، وللعهد
الدولي الخاص بالحقوق السياسية
والمدنية، ولاتفاقية جنيف
الرابعة بشأن حماية المدنيين
وقت الحرب لعام 1949م ، الأمر الذي
يستدعي التدخل من المجتمع
الدولي وكافة المؤسسات
الإنسانية والحقوقية لوقف
سياسة الإعتقال الإداري
والإفراج الفوري عن كافة
المعتقلين الإداريين .
ـــــــــ
*أسير سابق وباحث متخصص بقضايا الأسرى ومدير
دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|