ــ
إلى
أين تتدحرج كرة النار في الشرق
الأوسط ؟!
(2-2)
د.نصر
حسن
بات المشهد العربي
مركزاً ومكثفاً في فلسطين
والعراق بشكل كبير , مع اختلاف
بين احتلالين , احتلال فلسطين
الذي أصبح واقعاً يتعامل معه
النظام العربي كله على هذا
الأساس , ومقاربات حله ليست في
أيديهم الآن , وكل ما بوسعهم
فعله هو تقديم الشعب الفلسطيني
ضحية عجزهم !, واحتلال آخر في
العراق , أخطر مافيه أنه أفرز
وضعاً أسوأ من الإحتلال بمرات
ومرات , أدى إلى تحطيم العراق
كدولة وتاريخ وتعايش ووحدة
سياسية وجغرافية , احتلال يصارع
خائراً هو الآخر على أكثر من
جبهة ,محاولاً الخلاص
والخروج بقدر ما من حفظ أرواح
جنوده وتقليل خساراته المادية
والسياسية , والمعنيون العرب
بالأحداث كالعادة يتفرجون
ويرتجفون علناً , ويرمون سراً
مزيدا ً من الحطب على النار
,وماتبقى من أجزاء كلها تعاني من
نفس الداء وتنتظر بضعف غير مبرر
ليصلها الحريق المشتعل بضراوة
أمامها , فالمنطقة تعيش تكرار
المأساة بين حربين , الحرب
الباردة والحرب الساخنة , الحرب
على الإرهاب ودفعت وتدفع شعوب
المنطقة ظلماً تكلفتهما
الدموية والمادية والإنسانية ,
وتحصد نتائجهما تخلفاً وتمزقاً
داخلياً لامثيل لهما في
التاريخ .
لعل سبب الإستعصاء
الرئيسي هو في بنية النظام
العربي كله , وفي النظام السوري
تحديداً بسبب الدور الإقليمي
الذي وهبته له القوى الخارجية
من سورية إلى لبنان إلى فلسطين
إلى العراق , وأهم تجلياته هو
أنه يعمل بميكانيكية الحرب
الباردة السياسية والعسكرية
وغبائها , وورث قسطاً كبيراً من
مكابرة السوفيات وجمودهم في
احتلالهم لأفغانستان , حينها صف
العرب مع الأفغان ضد الإحتلال
السوفياتي "الكافر " وأفتو
بتقديم الدعم المادي والبشري
المتعدد الأشكال , على قاعدة
الجهاد في سبيل الله , الذي أصبح
ملاحقاً اليوم في ظروف احتلال
العراق واختلط الجهاد بالإرهاب
, واختلط الظالم بالمظلوم ,
يومها كان العرب فاعلون في
المشهد الأفغاني بعد الغزو
السوفياتي عام 1979 ولغرابة الأمر
أن منحى الإحتلال واحد رغم
اختلاف المحتوى الفلسفي
والسياسي لكلا النظامين
العالميين " الرأسمالي
والإشتراكي " ومن تجليات
التاريخ أنهما وقعا في المطب
نفسه وتعاملا مع نفس الموضوع
" الإحتلال " بنفس
السيناريو وبدون أي تنسيق .
إذ وجد السوفيات
أنفسهم في احتلال أفغانستان
غرقى , وبدل أن يحاولوا النجاة
باالتحرك باتجاه الشاطئ كانت
المكابرة وعدم الإعتراف بالخطأ
ووقف الخسارة , تدفعهم إلى
التحرك عكس اتجاه الشاطئ , رغم
أنهم كانوا على مسافة قريبة منه
, ولو تعقلوا قليلاً لتمكنوا
بخسارة أقل إنقاذ الأمور , لكن
بعد مايقرب من عشر سنوات على
الإحتلال توصل السوفيات إلى
القناعة بأنهم غير قادرين على
تحمل الخسارة البشرية والمادية
هناك وجربوا كل طاقاتهم من بناء
" اشتراكية " ورقية على
هواهم في أفغانستان , إلى وضع
دساتير جديدة ,إلى تبديل زعماء
إلى خلق أحزاب ,إلى سياسات
ومصالحات وطنية وفشلوا في
النهاية , واعترفوه فيه وهم
هاربين بعد فوات الأوان ,
وتجاوزوا كل هذه الأحلام
والأوهام وأصبح همهم الوحيد
تقليل خسائرهم البشرية
على طريق الإنسحاب والهروب
وتضميد الجراح ووقف النزيف
المستمر , ولحسن حظهم أنهم
انسحبوا رغم الكثير من الأصوات
المتطرفة التي كانت تعارض ذلك
حفظاً على الهيبة والمصالح
والإشتراكية وتجنيب أفغانستان
الفوضى والتقسيم والإنهيار !,
لكنهم انسحبوا تحت ضغط خسائرهم ,
والبشرية منها على وجه التحديد ,
وسقطت أفغانستان في حرب أهلية
كانت هي الأسوأ في تاريخها !, أهو
تأخر الإدراك وطغيان المكابرة
والتردد الذي أنتج الخسائر
والفشل والهزيمة والحرب
الأهلية التي شهدتها
أفغانستان ولاتزال ؟!.
في درس الإحتلال
السوفياتي عبر كثيرة لمن يريد
أن يعتبر! على مستوى الأنظمة
العربية وفي طليعتها النظام
السوري , وعلى مستوى القوى
الخارجية وفي طليعتها قوى
الإحتلال , عبر أنتجها ليس
الإحتلال فقط , بل فقدان الحل
السياسي للصفحة التي تلته , وعبر
أنتجها النظام العربي والسوري
تحديداً وأبرزها وأخطرها أنه
أصبح يدير أزماته من موقع
الخاسر المغفل الذي يزداد خسارة
ويستمر بالمراهنة الخيالية على
الصدف والظروف والزمن الذي لم
يعد لصالحه على الإطلاق , وفي
تجربة العراق عبر حية ملموسة
ومحسوسة ولازالت ترخي بظلالها
على النظام السوري , خلاصتها هو
الرجوع إلى الشعب وإقرار حقوقه
والإنفتاح عليه وقليل من الحرية
والديموقراطية كافية لإنقاذ
السفينة الوطنية بكل حمولتها
, في حين يصر النظام رغم كل ذلك
على قيادة السفينة عكس التيار ,
وعكس مصالح الشعب وعكس اتجاه
الزمن والتاريخ ... لم يستنتج أن
هذا القليل القادر عليه وعلى
فعله في الوقت المناسب يجنب
البلاد كوارث قادمة لايعرف
مداها وأطوارها , ومايحدث في
العراق ينطبق على النظام السوري
والقوى الداخلية قبل انطباقه
على قوى الإحتلال .
هنا تفرض الحاجة
رجوعاً مسؤولاً إلى قراءة
الإحتلال السوفياتي ودرس
أفغانستان بصوت مرتفع ,
ومقارنتة بالوقائع التي تجري في
المنطقة الآن , وأول ماتفرض
المقارنة هو وضع الإصبع على
الزناد وكسره والتحرك لبداية
الحل ,والخطوة الأولى والسريعة
للنظام السوري و معه كل
الفاعلين الفاشلين والمنتقمين ,
هي أن الإستقالة والإنسحاب
في وقت الخسارة هو أفضل إجراء
فوري للربح ...هذا درس عام للنظام
السوري والعربي وكل القوى
الفاعلة على الساحة يتوجب
استيعابه بالضبط في هذه اللحظات
المفصلية الكارثية ...ويفرض
نتيجتين اثنتين لاثالث لهما :
الأولى هو تسليم الأمور للشعوب
لتنزع أشواكها بأيديها , وفيه
وقف الخسارة بل الربح وقدر من
الإحترام والسلام , والثانية هي
استمرار المكابرة والرهان على
الفشل وخطط وخرائط ومشاريع
ورقية نظرية مجردة افتراضية
لنظام أو شبيهه يستمر عاجزاً عن
أداء وظيفته , أو لقوى خارجية
فشلت في تحقيق أهدافها واستنفذت
كل احتمالاتها , وكلاهما وجود
افتراضي والواقع أصبح شيئاً آخر
تماماً , ومفاعيله خرجت عن إطار
السيطرة الخارجية , وأصبحت
محدداته الداخلية وارتباطاتها
الإقليمية المتناطحة كالثيران
هي الفاعل الأساسي فيه , وبات
دور القوى الخارجية هي تأمين
ظروف تقوية الأطراف الداخلية
المتصارعة والمتناقضة إلى الحد
التي تمهد لحرب بل لحروب أهلية
وتقسيمات وانقسام وتمذهب
سرطاني اخطبوتي لاأحد يتكهن
شكله ومداه...!,
هل ستستمر كرة
النار بالتدحرج عشوائياً
لتحرق الجميع ؟!
حان وقت الإجابة
الصريحة الجريئة , ووقف كرة
النار على طريق إطفائها ...!.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|