ــ
الإخوان
المسلمون في سورية ... وجدلية
الحكم والدين
الطاهر
إبراهيم*
لم يتح لأي حزب –باستثناء حزب
البعث الذي وصل إلى حكم سورية
بانقلاب في آذار عام 1963- أو تيار
سياسي في سورية أن يضع مبادئه
موضع التطبيق، فيعرف فيما إذا
كانت هذه المبادئ قابلة للحياة،
أو أنها مجرد عناوين لا روح
فيها، وأنها كانت للاستهلاك
المحلي في مواجهة باقي الأحزاب
الموجودة على الساحة.
وبدلا من تحسين بضاعتهم، فقد كان
الأسهل على الأحزاب الهجوم على
الأحزاب الأخرى وبيان ما فيها
من قصور وطني، بل واتهامها
بالاتصال بالأجنبي إذا لزم
الأمر. وكان أكثر اتجاه تعرض
للنقد والهجوم عليه هو جماعة
الإخوان المسلمين. ربما كانت
الأحداث التي اندلعت في سورية
أوائل عام 1979 ذريعة لاتهام هذه
الجماعة بأنها تريد أن تستولي
على الحكم بقوة السلاح، -كل
الانقلابيين الذين وصلوا إلى
حكم سورية، ومنهم حزب البعث،
استولوا عليه بقوة السلاح-
وأنها جماعة إرهابية تريد أن
تفرض نفسها بالقوة. ورغم تلك
الاتهامات الكبيرة، لم يسمح لأي
تحقيق محايد التأكد من صدقها أو
ضلالها.
كانت أحداث الثمانينات
والتسعينات فترة مخاض عسير تعرض
له الإخوان في مواجهة مع النظام
ومن يناصره من الشيوعيين بقيادة
"خالد بكداش" الذي ربط نفسه
مع الحكم بحبل "سري" يمده
بالحياة، مع استثناء جناح "المكتب
السياسي" بقيادة "رياض
الترك" الذي رفض أن يكون شاهد
زور على تلك الأحداث، فاعتقل هو
وعشرات من أنصاره, وقضى فيه لمدة
17 عاما. أما
داخليا فقد تعرضت جماعة الإخوان
المسلمين إلى عملية اقتلاع من
سورية، بعد أن صدر القانون 49
لعام 1980 الذي يقضي بإعدام كل من
ينتمي للإخوان المسلمين. وكان
أن اضطر جميع أعضاء التنظيم
لترك سورية والعيش خارجها،
بعدما اعتقل عشرات الآلاف منهم
وأعدم مثلهم بموجب القانون 49 .
وخلافا لما اعتقده خصوم الإخوان،
بأن الجماعة سوف تختفي من
الساحة بسبب الضربات التي تعرضت
لها، لأن من بقي منهم قد تفرقوا
في شتى أصقاع الأرض، فقد أعاد
الإخوان إحياء مؤسساتهم. ورغم
انشقاق عام 1986 فقد أعادوا
اللحمة من جديد عام 1992. وبعد أن
استقر بهم الحال خارج سورية،
أعاد الإخوان النظر في كل ما مر
بهم خلال أكثر من عقدين، في حركة
نقدية داخلية في النواحي التي
أصاب فيها الإخوان أوأخطأوا.
وكانت هذه المراجعة كافية كي
تضعهم في مستهل القرن الحادي
والعشرين كقوة يحسب لها حسابها
في أي إعادة لترتيب القوى في
سورية عند حدوث أي تغيير في
الحكم.
في 3 أيار من عام 2001 نشر الإخوان
المسلمون في سورية، رؤيتهم في
السياسة والحكم فيما أسموه "ميثاق
الشرف" شرحوا فيه الأسلوب
الذي يفضلونه للوصول لتحقيق هذه
الرؤية من خلال الآليات
الديمقراطية. كان واضحا أنهم
يردون بذلك على اتهامات من
اتهمهم أنهم جماعة لا تؤمن
بالديمقراطية، وتعتبرها منتجا
غربيا يتعارض مع الثوابت
الإسلامية. وبغض النظر عن سؤال
الخصوم من أين استقوا تلك
الاتهامات، فقد جاء "ميثاق
الشرف" ليقول –ابتداء أو
جوابا- بما يقطع الشك باليقين:
هذه سياستنا، وأن التجربة ستكون
الحَكََم، وأن التشكيك من دون
دليل هو نوع من اتهام النوايا لا
يُقبل عقلاً ولا سياسة.
وقد بلور إخوان سورية رؤيتهم في
"المشروع السياسي لسورية
المستقبل" الذي أشهروه في
ديسمبر عام2004، وقد جاء في
مقدمته: (الدولة الحديثة التي
نتبناها وندعو إليها تقوم على
جملة من المرتكزات –التي-
نعتبرها الأساس الركين لبناء
دولة قادرة على القيام بأعباء
أي مشروع حضاري، أهمها أنها
دولة ذات مرجعية تنبثق من هوية
الأمة العربية الإسلامية
وثوابتها. ثم هي ترتكز بعد ذلك
على: "تعاقدية ومواطنة
وتمثيلية وتعددية وتداولية
وقانونية ومؤسساتية". وهذا
يقتضينا أن نشرح رؤيتنا عن
مكونات الدولة الحديثة: "الوطن
والإنسان والمجتمع والسلطة
والنظم والمناهج"، في دراسة
مجملة تجمع بين التأصيل
والتجديد).
أطلت في الاقتباس من مقدمة "المشروع
السياسي" المشار إليه لأن
مفرداته تعطي فكرة ذات دلالة
عما أراد قوله أصحاب المشروع.
ولاشك أن تلك المفردات اقتضى
الوقوف عندها طويلا ممن شارك في
صياغة المشروع.
صحيح أن مرجعية الدولة التي
تبناها الإخوان تنبثق من الهوية
العربية الإسلامية، وهو أمر
هاجمه أحزاب ترفض هذه المرجعية،
إلاأن الصحيح أيضا أن آليات هذه
الدولة هي الآليات الديمقراطية
التي تعتمد على التعددية وتداول
السلطة من خلال صناديق الاقتراع.
لقد كانت المواجهة الأولى أن
البعض شكك في نوايا الإخوان
المسلمين عندما كان رموزهم
يُسألون فيما إذا كانوا لن
ينقلبوا على الديمقراطية إذا
فازوا عبر صناديق الاقتراع؟
بينما لم يسأل أحد هذا السؤال
لغيرهم من التيارات الأخرى،
وكأن الحكم حلال على غيرهم حرام
عليهم حتى لو فازوا في اقتراع حر
نزيه شفاف، مع أن الإخوان
السوريين أكدوا في أكثر من مكان
في المشروع على التعددية
والتداولية، من خلال صناديق
الاقتراع الشفافة.
ولأن التغيير في سورية لن تساهم
به القوى والأحزاب السورية
فحسب، بل تتحكم فيه قوى إقليمية
ودولية بسبب موقع سورية المؤثر،
فقد حاول نظام الحكم في سورية –كما
اتجاهات محلية لا يتوقع أن تحرز
نتائج مؤثرة في أي انتخابات-
التهديد بأن البديل منه هو
الإسلام الأصولي. وكثيرا ما كان
يخوّف بأن البديل من سورية
مستقرة في عهده هو سورية شبيهة
بالعراق الآن، مع أن التغيير في
العراق تم بأيدٍ أجنبية، وهو
أمر ليس مرغوبا فيه سورياً.
وردا على هذا الادعاء فإن رموزاً
من الإخوان المسلمين في سورية
يؤكدون في كل مناسبة أنهم لن
يكونوا وحدهم في الحكم بل من
خلال توليفة تشمل أكثر الأطياف،
وأن حصتهم في مقاعد البرلمان في
أي انتخابات برلمانية مستقبلية
لن تصل، في أحسن أحوالها، إلى
نصف المقاعد. وهم يعيدون -في
مقابلاتهم وتصريحاتهم الصحفية-
إلى الأذهان دائما "سباعيتهم"
التي وردت بمقدمة مشروعهم
السياسي بأن رؤيتهم للدولة
الحديثة ترتكز على: تعاقدية
ومواطنة وتمثيلية وتعددية
وتداولية وقانونية ومؤسساتية.
حكم الأغلبية أحد أهم مفردات
الديمقراطية. وباعتقادنا أن
استقرار الحكم في أي بلد، يعتمد
إلى حد بعيد، على أن تّمَكّن
الأكثرية البرلمانية من الحكم
بمفردها، أو بمن يأتلف معها في
حكومة ائتلافية متفاهمة. وقد
رأينا ما حصل في فلسطين عندما لم
تُمَكّن "حماس" من الحكم
بمفردها. وعندما أرغمت على
تشكيل حكومة وحدة وطنية أفشلها
بارونات السياسة ووصلنا إلى
كيانين لا دويلتين، واحد في
غزة، وآخر في الضفة الغربية.
يبقى أن نقول أن فوز الإخوان
المسلمين بثقة الشعب السوري هو
شهادة لهم. ويجب أن لا يتخذها
خصومهم الآخرون ذريعة لهم
للتشويش عليهم محليا وإقليميا
ودوليا. بل يُسأل خصوم الإخوان
لماذا رفضهم الشعب؟ كما ينبغي
أن لا يتوسلوا إلى مآربهم
بالقول إن الإخوان المسلمين قد
يتخلون عن الديمقراطية بعد أن
يصيروا في الحكم، بل الإرهاب هو
الوقوف في وجه من يختاره الشعب
لينوب عنه في الحكم.
*كاتب سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|