ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 27/08/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ــ

الساقطون على الطريق

الدكتور عثمان قدري مكانسي

إني ليعجبني الرجل إذا سيم خسفاً أن يقول بملء فيه : لا ..

جملة رائعة تدل على أن قائلها حر كريم ، لا يرضى الذل ، ولا يقبله ، فقد خُلق حراً ، وينبغي أن يعيش حراً . وعلى هذا ربى الإسلام المسلمين . وقد كان الفاروق رضي الله تعالى عنه يقول للمسلمين : إذا رأيتم فيّ اعوجاجاً فقوّموه ، ومَن في القادة هذه الأيام من يقول لمرؤوسيه ما قاله أمير المؤمنين عمر ؟! بل من يرضى منهم أن يتقبل نصيحة ؟، وهم الذين يرون أنفسهم فوق النصح وأكبر من الصواب ، بل إن الصواب بعينه يستمطر الكمال منهم ! وما يقولونه أو يفعلونه الحكمة نفسها والسداد عينه ! .

إن عمر حين طلب النصيحة وتقويم الاعوجاج كان يريد للأمة العزة والكرامة ، فما من قائد مهما أوتي الحكمة وفصل الخطاب أن يكون معصوماً عن الخطأ ، والقائد الفذ من يستشير أولي الألباب وأصحاب الخبرة ، ثم يعمل ويطلب إلى الناس جميعاً أن يقوّموا عمله ، ويقيّموا صنيعه ، فالإنسان قوي بغيره ، ضعيف بنفسه ، وقديماً قال الحسن البصري رحمه الله تعالى  :

الرجال ثلاثة : فرجل رجل ، ورجل نصف رجل ، ورجل لا رجل .

قيل : كيف ذلك يا إمام ؟

قال :  1- الذكي الفطن الذي يستشير الناس فيضيف ما يسمع منهم إلى ذكائه وفطنته هو الرجل الرجل .

2- والذكي الفطن الذي لا يستشير أحداً ويعتمد على فهمه وذكائه نصف رجل .

3- والغبي الذي لا يسعفه فهمه ولا عقله ، ويأبى استشارة الخبراء وأصحاب الرأي هو الرجل اللا رجل .

فمن أي صنف يا ترى من يسوم أمته الخسف ، وينكل بالأحرار ، ويقتل الكلمة المضيئة ، ويعتقل الفكرة النيّرة ، ولا يرى سوى نفسه ، ويفعل ما يشاء ، وشعاره "  أنا ربكم الأعلى " وطريقته في الحكم " ما أريكم إلا ما أرى ، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد " ؟!

يقوم أحد الحاضرين فيجيب أمير المؤمنين : لو رأينا فيك اعوجاجاً قوّمناه بحد سيوفنا . .. نعم يقولها دون خوف ولا وجل  ، فهو يمارس حقه في الحياة ، وله أن يحاسب الرئيس والمسؤول لأن مهمة هذا الأخير خدمته والعمل لإسعاده ، فإن وفىّ بذلك حقت له الطاعة ، وإن تهاون في مهمته خُلع وحوسب .. يقول كلمته هذه معتقداً تمام الاعتقاد أنه يمارس حقه القديم الذي كفلته له الشرائع الإلهية والقوانين الإنسانية ، ومن كان كذلك لا يخشى لومة لائم ، ولا يخاف الخسف والهوان . وهكذا يجب أن يكون الإنسان السويّ والمواطن الحر ، لكنّ الحاكم في بلادنا صادر هذا الحق ، وجعل من نفسه الوصيّ على الأمة والقيّم على أفكارهم وآرائهم ، فلا يحق للمواطن  السوري سوى الرضا بما قدّر له الحاكم الفرد .

أين الرجال الذين قالوا للمتأله في سورية كلمة الحق ؟ عشرات الآلاف منهم قتلوا ، واعتقل أضعافهم عقوداً يأكلون العذاب والهوان ، ويشربون الذل والاستعباد ، وهرب عشرات الآلاف بل مئات الآلاف من جحيم العبودية إلى أرض الله الواسعة . وحكم بالموت على كل الشرفاء المعتقلين والهاربين ، فالظالم لا يستطيع أن يرى ويسمع إلا التسبيح بحمده والتقديس له .

ماذا قال الفاروق رضي الله عنه حين سمع مقولة ذلك الأعرابي في المسجد يرد عليه ؟ طبعاً لم يعتقله ، ولم يعذبه في أتون سجن تدمر ، ولا مجاهل الأقبية المنبثة في الوطن الأسير التي جُنّد لها وحوش آدمية  تشرب الدماء ، وتدق العظام ، وتنهش اللحوم  ، وتتعطش للقتل والتعذيب ، ولا تستسيغ الحياة إلا على الظلم وفي الظلام . بل قال : الحمد لله أن في أمة محمد عليه الصلاة والسلام من يقوّم عمر بحد السيف . .. هكذاالحاكم العادل . وهكذا القائد الملهم .نعم هكذا القائد الملهم .

ومن العجيب والمحزن أننا رأينا بعض من ينتسب إلى الدعوة ، أو كان ينتسب إليها ، وما يزال رأسه مطلوباً للنظام بشدة حين قامت سفارات النظام بمهزلة الاستفتاء للتجديد للطاغية رأيناه يرقص ويدبك ، ويشارك أزلام النظام فرحتهم المزعومة في التجديد لهذا الطاغية وقد كان هؤلاء يعلمون علم اليقين أن لا أحد من أزلام النظام يصدقهم سوى أنهم انزلقوا إلى وهدة النفاق والتملق ، كما أن هؤلاء المنافقين وصلوا إلى هذا الانحدار حين طال الأمد عليهم فضعفت نفوسهم  ، وهم يعلمون تمام العلم كذلك أن النظام لن يصدقهم ولو خرجوا من جلودهم ، فسقطوا في أعين إخوانهم ، وأعين جلاوزة النظام وسقطوا كذلك في أعين أنفسهم ، وصدق عليهم قول الشاعر :

من يهُن يسهُل الهوان عليه      ما لجرح بميّت إيلام

الكثير من المواطنين في السجن الكبير سورية الحبيبة قالوا لبشار : لا لا .. هؤلاء وهم في قلب الأتون كانوا رجالاً ، لم يخافوا ظلم الظالمين ، ولا بطش المجرمين . أما ذوو النفوس الضعيفة والهمم القاصرة ، والقلوب الصدئة ، والعقول الفارغة فقد باءوا بالخسارة الكبرى  إذ ضاعوا فلم تبك السماء عليهم ،  وسقطوا فلم يرحمهم أحد ، فسقط المتاع مدفوع بالأرجل لا يأبه به السائرون على الطريق ، العارفون هدفهم ، المنطلقون نحوه بهمة وعزيمة لا تلين .

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ