ــ
دمشق
: بين ربيع المعارضة وشتاء
النظام !
(1
- 2)
د.نصر
حسن
كان ربيع دمشق عام
2000, هو التعبير الواضح عن بداية
نهوض حركة المجتمع المدني في
سورية ضد سياسة النظام السوري ,
وشكل ميلاداً عسيراً للحراك
السياسي الديموقراطي المقموع
والممنوع على الساحة السورية ,
الساحة التي أغرقها النظام
بالقمع والإقصاء والتغييب
والترهيب خلال عشرات السنين,
وسيطرعليها حكم شمولي أصولي
غاية في التطرف والإستبداد , حيث
ألغى كل مظاهر الحياة السياسية
الديموقراطية والمدنية وعسكر
كل شيء في حياة المجتمع وصادر
أدنى حداً من الحريات الفردية
والسياسية والإجتماعية ,
وبالتالي أجهض عمليات ولادة
الديموقراطية وشوهها وحارب
رموزها عبر سلسلة طويلة من
الممارسات الأمنية التي تجذر
النظام فيها ونمت بشكل سرطاني
وطغت على الحياة السياسية
والمدنية وأصبح النظام هو خلاصة
أجهزة أمنية لايهمها شيء سوى
الحفاظ على النظام ومصالحها
وقمع الشعب ووقف كل بوادر تطور
الحركة السياسية والإجتماعية
والديموقراطية, واستمر هذا
الحال الأسود حتى وراثة
بشار أسد للسلطة , حيث بدى
للوهلة الأولى أنه يخبئ في
جعبته رؤية إصلاحية لوضع سورية
المتردي بشكل عام , وضلل الشعب
في إصلاح وهمي لفظي استخدمه
ممراً للعبور إلى تثبيت سلطته
وسيطرته على الحياة السياسية من
جديد , وتظاهر برفع لافتة
الإصلاح والإنفتاح عالياً على
أنقاض مجتمع أهلكته الأجهزة
الأمنية , وبالتالي كان فقاعة
باسم حرية نشاط المجتمع المدني
استظل بظلها لحين توليف أجهزة
النظام على تردد ونغمات الرئيس
الجديد القديم , وأظهرت الأحداث
اللاحقة أن جعبة الرئيس الجديد
مليئة بالأدوات الجارحة وليس
فيها أي برامج انفتاح أونوايا
إصلاحية .
قد تكون الصورة
التي صيغت بمهارة للرئيس الجديد
على أنه حامل لواء الإصلاح
والتطوير وحرية الإعلام
والمعلومات , هي التي حرضت
الحراك السياسي في سورية على
الظهور العلني, وأوهمها النظام
وأجهزته أن مرحلة جديدة بدأت
وزينها بالسماح قليلاً بحرية
التعبير وفتح باب الإعلام الخاص
( صحيفة الدومري ) والسماح
لأجهزة النظام الإعلامية بقليل
من ممارسة النقد والإفراج عن
بعض السياسيين الذين تم
احتجازهم لعشرات السنين وغض
النظر قليلاً عن نشاط بعض
المنظمات التي تعمل في مجال
حقوق الإنسان ,مما أشاع لدى عامة
الشعب وقوى المجتمع المدني أن
مرحلة جديدة قد بدأت , وعلى
خلفية هذه الإشارات المشوشة
والملغومة ظهر بيان ربيع دمشق
وبيان التسعة والتسعين الذي لخص
حالة مطلبية سياسية عامة
بالسماح لنشاط شرائح المجتمع
السوري في الحياة والمشاركة
السياسية والتركيز على الإصلاح
والديموقراطية التي تنقذ سورية
من الوضع الكارثي سياسياً
واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً.
وكانت نقطة التحول
الكبرى التي أفرزها الحراك
السياسي على مستوى الشعب هي
ظهور بيان الأف الذي شكل خطاباً
أكثر وضوحاً وعلنية واستعداد
لدفع ضريبة الإصلاح المطلوب , إذ
دعى لأول مره بإقرار التعددية
السياسية والإنتقال إلى دولة
ديموقراطية متعددة الأحزاب أي
إلى انهاء سيطرة الحزب الواحد
على الحياة السياسية في سورية ,
هنا بدأ التحضير من قبل
النظام وأجهزته إلى محاصرة
القوى السياسية الناشئة ودفعها
باتجاه شتاء النظام الذي ليس له
نهاية , فحد وبسرعة من نشاط
المجتمع المدني وأغلق
المنتديات الثقافية وتم منع
صدور (صحيفة الدومري ) وبدأ
بسلسلة اعتقالات لرموز ربيع
دمشق ودعاة المجتمع المدني
ولجان حقوق الإنسان وفرضت حالة
القمع من جديد وكانت خيبة أمل
كبيرة لقطاعات واسعة من الشعب
والقوى السياسية التي توهمت
ووقعت في فخ النظام وأجهزته ,
واتضح لها أن ربيع دمشق
العابر الذي سمح به النظام هو
حاجة أكثر منها مشروع , ومرحلة
مؤقتة عبرها الرئيس الجديد
وسيطر على الأجهزة الأمنية
وأعاد تشكيلها لتصبح أكثر قمعاً
ومصادرةً لحقوق المواطنين
وإلغاء دورهم في الحياة العامة ,
وسريعاً أعاد إلى السجون الكثير
من الناشطين السياسيين
والمقفين الذين أفرج عنهم
مكرهاً في السابق مضيفاً لهم
أعداد جديدة من نشطاء حركة
المجتمع المدني , لتزيين
ادعائاته الكاذبة بالإصلاح ,
وعادت أجهزة النظام لتكون هي
السيف والحكم في حياة المواطنين
, وأدخل سورية في حلقة جديدة من
الشمولية الحديثة والشعب , هي
أشبه بشتاء غير واضح المعالم
بعد .
هل سيستمر النظام
طويلاً بفرض سياسته الأمنية
ومصادرة حرية الشعب وحياته
وحلمه بالإصلاح ؟ولماذا نجح
ربيع براغ في حين أخفق ربيع دمشق
في النقلة المطلوب لحسم
الصراع؟هل هو اختلاف النظام
القمعي هنا وهناك , واختلاف
آليته ؟أم هو الإختلاف في كلا
القيادتين بين ربيع براغ وربيع
دمشق؟أم هوالإختلاف في البنية
السياسية لكلا المجتمعين؟أم هو
ضعف الإرث السياسي
والديموقراطي لقوى المعارضة
السياسية السورية؟أم غياب
المشروع السراتيتيجي نحو
التغيير في سورية ؟أم هي حالة
الوهن السياسي والحقوقي
والإجتماعي والإقتصادي والنفسي
التي تحاصر الشعب ؟أم الكل
مجتمعين ؟ وهل النتيجة هي أن
آمال التغيير في سورية أصبحت في
الماضي وليس لها وجود في
الحاضر؟ وهل مستقبل سورية أصبح
رهناً بإنتاج النظام
الإستبدادي وأطواره بدون نهاية
؟!.
أسئلة تحتاج إلى
أجوبة سريعة ومباشرة وغير
مواربة , على أرضية وطنية
ديموقراطية صحيحة مصدرها تطوير
القدرة على الحوار وتنشيط حركة
المجتمع المدني باتجاه الفعل
الديموقراطي والممارسة
السياسية التي ترتبط بمشروع
سياسي واضح , وبأفق وزمن منظور
وآلية عملية محددة للتغيير ,
يكون أساسها الفعل وتجاوز رد
الفعل على إفرازات سلوك النظام
الداخلي والخارجي , سياسة تضع
مطلب التغيير الديموقراطي موضع
التنفيذ المدروس , وليس مسايرت
النظام بحالة الضعف على هذا
النحو الذي يخدمه , والإستقلال
عن النظام وتخبطه وعشوائيته ,
والإنتقال إلى التفاعل
الميداني مع الشعب وهمومه , وليس
محاكاة النظام سياسياً
ومساجلته إعلامياً , وهي حالة
استمرار قوى التغيير على ماهي
عليه... عندها نصبح أسرى حالة عد
العصي التي تنهال على الشعب
أشكالاً وألواناً وأحجاما...!.يتبع
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|