ــ
أجيالنا
القادمة في بؤرة الاستهداف
الأمريكي الصهيوني
(ج2)
ثقافة
الجهاد والاستشهاد
أ.د.
محمد اسحق الريفي
يرى
المحللون الغربيون أن انتشار
ثقافة الجهاد والاستشهاد بين
الأجيال المسلمة القادمة يفرض
على الغرب تحديات أمنية هائلة،
ورغم الجهود الكبيرة التي
يبذلها الغربيون المعنيون
بدراسة هذه الظاهرة، فإنها تبقى
عصية على عقولهم أفهامهم بسبب
إصرارهم على تجاهل أسبابها
الحقيقية ومحاولة قمعها وتجفيف
منابعها بدلاً من معالجتها.
وانعكس
هذا القلق العميق الذي يبديه
الغربيون والصهاينة تجاه
انتشار ثقافة المقاومة بين
الأجيال المسلمة القادمة على
الاهتمام الكبير الذي يولونه
لثقافة الجيل الناشئ، فقد تم
تخصيص مجموعات لمتابعة
اهتمامات الأطفال ومراقبة
المؤسسات التي تهتم بتربيتهم،
وعكف العديد من مؤسسات الدراسات
السياسية والاستراتيجية
الغربية على البحث عن وسائل
لمنع انتشار هذه الظاهرة من
خلال برامج ثقافية واقتصادية
وأخرى سرية.
ويعتقد
الأمريكيون والصهاينة أن
المساجد والمدارس العربية
والإسلامية ومؤسسات إسلامية
دعوية وتربوية أخرى تكرس ثقافة
الجهاد والاستشهاد لدى الجيل
الناشئ، وتدرب الأطفال منذ
نعومة أظفارهم على الإرهاب
وتعلمهم كره اليهود والغربيين.
وربما
أظهرت أحداث المسجد الأحمر،
التي وقعت في إسلام أباد قبل نحو
شهرين، مدى الاهتمام الذي يبديه
الغربيون تجاه هذه الظاهرة، حيث
نقل الإعلام الغربي عن قائد
المسجد الأحمر، عبد الرشيد
غازي، قوله إن 1800 من طلاب
المدرسة الإسلامية قد أقسموا
على القرآن الكريم أن يقاتلوا
حتى الموت في المواجهة مع
الشرطة الباكستانية، كما نقل
الإعلام الغربي عنه قوله إن
الأولاد هم خط الدفاع الأول
يليهم البنات.
ونقلت
شبكة أخبار سي بي ان قصة مفبركة
حول تجهيز مقاتلي طالبان لطفل
أفغاني يبلغ من العمر ست سنوات
بحزام ناسف وتوجيهه لمهاجمة
جنود الاحتلال الأمريكي في
أفغانستان، مدعية أنها شاهدت
فيلماً يظهر فيه مقاتلو طالبان
وهم يصدرون الأوامر لقطع رأس
طفل ابن اثنتي عشرة سنة، غير أن
طالبان نفت هذه المزاعم.
وتوظيفاً
لهذه القصة المفبركة، قال جون
ثوماس، الناطق باسم قوات حلف
النيتو في أفغانستان: "نريد
نشر هذا بقدر ما نستطيع
وإيصالها إلى الأفغانيين حتى
يتمكنوا من حماية أطفالهم من
هؤلاء القتلة"، ويهدف ثوماس
من وراء هذا إلى تبرئة ساحة قوات
حلف النيتو من الجرائم التي
ترتكبها ضد الشعب الأفغاني
وغيره من الشعوب المسلمة.
ويهدف
الإعلام الغربي والصهيوني من
وراء التركيز على مثل هذه
الأحداث ونقل تلك التصريحات إلى
وصم الأجيال المسلمة القادمة
والمدارس الإسلامية بالإرهاب،
وذلك في سياق المساعي الأمريكية
الصهيونية المحمومة لتكريس
ظاهرة الإسلاموفوبيا لدى الرأي
العام الغربي، ولتبرير العدوان
الغربي على الشعوب العربية
والإسلامية، كما أنها تهدف إلى
عزل المجاهدين وتشويه صورتهم
وتخويف الأهالي منهم على
أبنائهم.
وتولي
مجموعة مراقبة الإعلام
الفلسطيني (Palestinian
Media Watch)
الصهيونية اهتماماً بالغاً
بثقافة الطفل الفلسطيني
والأنشطة التي تنشر هذه الثقافة
وتدعمها، وتهدف هذه المجموعة
إلى تشويه صورة الطفل الفلسطيني
لدى الغربيين وإلصاق تهمة
الإرهاب به وإقناعهم بأن المحتل
الصهيوني هو ضحية للإرهاب
الفلسطيني، وذلك من خلال ما
تنشره هذه المجموعة عن الطفل
الفلسطيني لأبواق الدعاية
الصهيونية في العالم.
وتتابع
هذه المجموعة باهتمام بالغ كل
ما يتعلق بالطفل الفلسطيني من
أنشطة ترعاها مؤسسات إسلامية
داعمة لثقافة الجهاد
والاستشهاد، ابتداء من أنشطة
رياض الأطفال والمناهج
المدرسية وانتهاء بالمخيمات
الصيفية. ولا
تسلم حفلات الأطفال، التي
يستعرضون فيها بأسلحة
بلاستيكية وبملابس مزركشة تشبه
الزي العسكري للمقاومة
الفلسطينية، من الدعاية
الصهيونية الحاقدة التي
تمارسها هذه المجموعة ضد شعبنا
وتؤلب العالم ضده.
ويدخل
في دائرة اهتمام هذه المجموعة
الصهيونية برامج فضائية الأقصى
الموجهة للجيل الناشئ، فقد سجلت
هذه المجموعة شديد غيظها من
قيام الطفلة سرَّاء برهوم – عبر
برنامج فرفور – بتعليم الأطفال
كره الاحتلال الصهيوني والدول
التي تدعمه، وغرس مفهوم سيادة
الإسلام، ودعم ثقافة المقاومة،
والدعوة إلى الالتزام بالصلاة
في المسجد...
ولم
تسلم الفتيات المسلمات من
استهداف الدعاية الغربية
والصهاينة لهن، فقد كتب
المحامي، جيمس ولاش، مقالاً في
2006م عن الزيادة في الآونة
الأخيرة في عدد الإناث اللاتي
يشتركن في الجهاد، مشيراً إلى
أن مصدراً أوروبياً لمكافحة
الإرهاب قدر بأن 70% من الذين
تحولوا إلى الإسلام هم من
النساء، وأن النساء يشكلن على
الأقل 23% من الذين يقومون
بعمليات استشهادية.
وقد
نشرت صحيفة هيرالد تربيون هذا
الأسبوع مقالاً بعنوان "الانتحاريات"
يحذر فيه الكاتب من أن الزيادة
المضطردة في الإرهابيات
المسلمات في البلاد الأوروبية
والعراق يفرض تحديات أمنية
هائلة. وقد
تطرق الكاتب في مقاله إلى طرق
مواجهة هذه الظاهرة محاولاً
التقليل من دور العدوان الغربي
والصهيوني على الشعوب
الإسلامية في انتشار هذه
الظاهرة بين الفتيات.
ويتجاهل
المحللون الغربيون والصهاينة
الأسباب الحقيقية لانتشار هذه
الظاهرة بين الجيل المسلم
الناشئ، فيعزو أحد منظري
المحافظين الجدد ومساعد محلل
السياسة الدولية في مؤسسة راند
الصهيونية، علي فرحانة،
العمليات الاستشهادية ضد
الاحتلال إلى اليأس والإحباط
الذي يسود بين الشباب والفتيات
بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة.
وفي
دراسة له بعنوان "المسلمات
المقاتلات: نزعة ناشئة"، قال
فرحانة، معبراً عن غبائه تجاه
هذه الظاهرة واستغبائه لنفسه
ولمن ينظِّر لهم في آن: "الانتحار
أصبح الوسيلة المفضلة عندما لا
تجد المرأة المسلمة بديلاً
لديها لإحداث تغيير في بيئتها
المحلية"، مضيفاً: "بعض
النساء يخترن الانتحار كوسيلة
لنقل الشعور بالإحباط للآخرين،
وينطبق هذا خاصة على الذين
يؤمنون بأنه ليس لديهم فرص
اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية
أخرى، وبضمانهن أجر الشهادة،
فإن النساء يرون أنهن ليس لديهن
ما يفقدونه".
بل
ذهب بعض الغربيين إلى أبعد من
ذلك عندما أرجع مدير تحرير مجلة
فرونت بيج، جيمي غلازوف، ظاهرة
الاستشهاد عند الفتيات
المسلمات إلى عوامل سادية
قائلاً: "يغري المقاومون
الفتيات أو يغتصبونهن ثم
يهددونهن بفضحهن ما لم يقمن
بعملية استشهادية كطريقة للمجد
والخروج من ورطتهن".
أما
المحامية الصهيونية ماريا
الفانوو فقد زعمت في مقال لها
بعنوان "حجاب الدم: دور
الإسلام في الإرهاب الفلسطيني
النسائي" أن الأبعاد
الدينية، كإستراتيجية للتلقين
والتحريض، ضرورية لتهيئة
وتجهيز النساء الفلسطينيات
لهجر عائلاتهن وحياتهن ودورهن
التقليدي في مجتمع أبوي
للمشاركة في أسوء الأنشطة
الإرهابية دون ندامة.
وتشاطر
المحامية الفانوو الصحفي
غلازوف زعمه أن المخدرات وعدم
الاستقرار والتمزق العائلي
والإعاقة العقلية أو الجسمية
والفشل الأخلاقي والإحباط
واليأس والخوف، والحاجة إلى
الهروب من العائلة أو حماية
أفرادها، والرغبة في الجمال
الشخصي والمساواة والكرامة
الإنسانية والحب، والتلقين
الديني منذ الصغر على كراهية
الناس، والنظام الديني الذي يحض
الناس على القتل، هي عوامل
تساهم في تشكيل الصغار
والأبرياء وتحولهم إلى قتلة
مدانين دون أي أمل أو مستقبل،
على حد افتراء هذه المحامية
الصهيونية.
المصيبة
أن السبب الحقيقي لهذه الظاهرة
يغيب عن أذهان هؤلاء المحليين
الغربيين والصهاينة عند حديثهم
عن هذه الظاهرة، وهذا يدل على
مدى غطرستهم وعنصريتهم وحقدهم،
كما أنه يؤكد أن الأجيال
المسلمة القادمة مستهدفة في
دينها، وأن أمتنا مستهدفة في
وجودها، فهل بقي بعد ذلك مجال
للحوار مع الغرب...؟!!
يتبين
مما سبق أن حقد الغربيين
والصهاينة الأعمى على أجيالنا
لا حدود له، وهذا يؤكد أنهم
سيلجئون إلى استخدام وسائل قذرة
ضد أجيالنا القادمة، وهذا ما
سنتطرق له في الجزء الثالث إن
شاء الله عز وجل.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|