ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 30/01/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ القضية الكردية

 

 

   ـ دراسات  ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ــ

الطارئ والمطروء في أنظمة الطوارئ

بدرالدين حسن قربي

لكلمة الطارئ والطرء في العاميّة الدمشقية معانٍ متعددة تجمع بين اللطافة والطرافة حسب مكانها من الاستخدام  وطريقتها في اللفظ، والمناسبةِ التي تقال فيها.  وللقارئ أن يستحضر هذه الكلمة فعلاً واسماً وفي كل حالات النحو والصرف ليدخل فضاءاتِ هذه الكلمة معنىً واستخداماً وليتأكد من عظمة الطرء وأثره في حياة الطارئين والمطروئين.

ونكتفي هنا بما يعنينا من الطارئ والطارق فنقول: قد يكون نوعاً من الإبدال العامّي بتحويل القاف إلى همزة، فكثيراً ماينادي السوريّيون والمصريّيون مَنْ اسْمُهُ (طارق): يا (طارئ).  ومِنَ الطارق إلى المطارق، ومن طارئٍ إلى طوارئ لنرى البلاد محكومةً بقوانين الطوارئ، والعبادَ يواجهون حالة الطوارئ. ومابين الطارق والمطروئين بمطارق حالة الطوارئ، نجد الناس بملايينهم قد أُشْبِعُوا طَرْءاً وطرقاً وبلغة أهل الخليج (طْرَاقَات).  وبما أن الطرء مَنْقَبَةٌ لايقدر عليها إلا من كان حكومةً أو مع الحكومة أو من شراشيب الحكومة، فلنتصور حال جماهير الناس(المطروئين والمطروقين) بعد أكثر من 40 عاماً من تواصل عطاءات وإنجازات (الطرء) الحكومي على مدار الساعة. وبما أن بلاد الكوارث والفواجع والطوارئ السيادة فيها للقانون، والحكم فيها للشعب، والطرء فيها للحكومة، فليس لطارئٍ أن يطرء إلا بقانون الطوارئ، وبما أن العين تَطْرُؤ ولها طَرْأ (فالعين تطْرُؤُنْ) إن شاء الله وترتاح البلاد منهم.

قالواعن قوانين الطوارئ وإعلان حالة الطوارئ: إنما هي لحالات الخطر الطَوَارِئيّة التي يتعرض فيها الوطن للخطر، ويُحِسّ فيها المواطن بعدم الأمان، فيتخلى الناس (طَوَارِئياً) عن جزءٍ من حرياتهم في مقابل مساحات تحركٍ أكبر للحاكم بأمره للتعامل مع هذه الأخطار، ليتحقق للمواطنين إحساسٌ أكبر بالأمان.  والأمر في عمومه محكوم بظروفٍ طارئةٍ، فَيُفْتَرَضُ فيها محدودية الوقت وقصر الزمن، فهي ليست حالة أصيلةٌ وطبيعية لوضع البلاد والعباد بل طارئة.

وعليه بما أن إعلان حالة الطوارئ يُعطي الحاكمَ والحكومةَ صلاحياتٍ مطلقة في التحرك لتحقيق أمنٍ وأمانٍ أكثر للمطروئين مبنيةٍ أساساً على تقييد حقوقهم وحرياتهم الواردة أصلاً في الدستور، فإن النظام الحاكم مع هذه الحال يستمرئ هذه الصلاحيات الواسعة ويُدْمِنُها بما فيها من الاعتقالات التعسفية والمحاكم الأمنية والعسكرية وسياسة تكميم الأفواه ومراقبة الصحف والاعلام، وامتناع المحاسبة والمساءلة، ليقيم بصيغةٍ ما دولة القمع والاستبداد التي تنشأ في كنفها طبقة من الفاسدين والشبيحة واللصوص الذين يمارسون بجمعهم دوراً قميئاً في تدمير السلام المجتمعي وإشاعة قيم الفواحش استبداداً وقرصنةً وامتهاناً لكرامة الإنسان وحقوقه، ولتجتمع ثروة البلاد ورزق العباد في يد مجموعةٍ محدودةٍ نسبياً فاسدةٍ ومفسدةٍ من الحيتان والهوامير والقطط السمان التي يَتَجَمَّع في حساباتها قَطْرُ عرق الملايين والملايين من الكادحين والمسحوقين والجياع المقهورين لتُِكَوّن أصفار ملياراتهم وتزيد في أرصدتهم الدولارية.

ثنائية الفساد السياسي قهراً وبطشاً من جهة، والفساد المالي نهباً وتشبيحاً وشفطاً وهبشاً مع ضرب منظومة القيم الأخلاقية المجتمعية من جهة أخرى، تُكَوِّنُ ثنائيةً عصيةً على المواجهة والمجابهة عضوياً ولاسيما مع تغطيتها بقوانين الطوارئ المعلنة والمفعلّة آناء الليل وأطراف النهار، فضلاً عن أنّ (الطرَّائين) يُشرعنون هذا الفساد ثورياً ونضالياً، ويُدَثِّرُونَهُ بأغطيةٍ شعاراتية وإعلاميةٍ لاحصر لها من الصمود والتصدي والمقاومة والممانعة والمواجهة لإدارة الدولة بطريقةٍ بعيدة عن المسؤولية والمساءلة والمحاسبة وبعيدةٍ عن الشرعنة القانونية، ولتتشكل في هذه الأجواء المحاكم الاستثنائية والميدانية ومحاكم أمن الدولة العليا، والتي ماتوقفت – جميعها - منذ تشكليها عن محاكماتها الصورية وإصدار الأحكام التعسفية والقمعية تجاه الأفراد ومنظمات المجتمع المدني ومنتديات الفكر والرأي الآخر عموماً، مما أنتج عشرات الآلاف من الضحايا والمفقودين من مجهولي المصير أحياءً وأمواتاً حتى يومنا هذا.   لذا تكون مطالبة المعارضة ومنظمات المجتمع المدني لأصحاب المطارق بإلغاء حالة الطوارئ عمليةً تستدعي مواجهةً حقيقيةً قاسيةً، وتكون مكلفةً لجماهير المطالبين بها وهو الراجح، لأنها تواجه جهةً ربطت مصيرها ووجودها وحياتها استراتيجياً وعلى المدى البعيد باستمرار القمع والقرصنة والشفط.  وهذا ما يفسر حالة استعصاء هذه الأنظمة واستمرار مواجهتها لمعارضيها وعدم القبول بإلغاء الحالات الطوارئية.  

فاستمرار حالة الطوارئ مع طول العهد تبدو كأنما هي الأصل والفصل للنظام الحاكم وإلغاؤها يعني الاستثناء والشذوذ والعياذ بالله.  واستدعاء بعض الشواهد يؤكد خطورة أدواء الطرء واستعصائها على أدوية المعالجة، فالعظيمة مصر يعيش فيها الناس مطروقين مطروئين بقوانين الطوارئ منذ أربعين عاماً ابتدأت  منذ عام  1967  وتوقفت في إجازة رسمية بين عام 1980 – 1981 . أما الحبيبة سوريا فالناس فيها بين حكومةٍ طارقةٍ طارئة وشعبٍ مطروقٍ مطروء منذ أربعةٍ وأربعين عاماً دون توقف أو حتى عطلٍ فني، ابتدأت مع ثورة البعث العتيد عام 1963.

والأعجب من مصر وسوريا هو لبنان العظيم، الذي عاش حرباً أهليةً طاحنة وظروفاً قاسيةً مريرة، واحْتُلَّتْ أرضُه، فقاوم واسترجع الأرض، وواجه حرباً ضروساً في صيف 2006، ومازال يواجه معارضةً داخلية تتهدد الشرعية بحربٍ مفتوحة تجعل من الطوارئية ضرورةً لو أراد، ولكنه لم يعلن حالة الطوارئ بل يؤكد وجوداً متميزاً وفعلاً ديمقراطياً حضارياً مع كل الصعوبات، يلفت بأدائه الأنظار ويغيظ بأَنَاتِهِ الجوار. وحتى لايصاب لبنان بعين حاسد نشير إلى فترةٍ (عَوْنِيَّة) طارئية شكل فيها الجنرال/ ميشيل عون حكومةً عسكرية من لون طائفي واحد لم تصمد سوى أيامٍ معدوداتٍ انتهت وتداعت بفعل طَرْق أصحاب الاختصاص والطرء من الشقيقة الجارة.

ولكن الأعجب في كل الأمثال، أن نستدعي رسالةً من الصومال بالرغم ممّا فيه من سوء الحال، إلى من يهمه الأمر من أولي الألباب. إن الصومال (ماغيرها) التي عانت وتعاني من الحرب الأهلية والفقر والجوع، وتواجه ماتواجه من التدخلات الإقليمية والدولية حتى مرحلة المحاكم الإسلامية والتدخل الأثيوبي أيضاً، جلست حكومتها المهيضة لتخوض مع نوابها معركةً حامية انتهت بإعلان حالة الطوارئ في البلاد ولكن لثلاثة أشهر فقط لاغير. (والفهيم يفهم).

 

إن طول عهود الطرء علينا نحن - معاشر المطروئين – دفع ويدفع بالأنظمة والحكومات الطارقة والطارئة على الدوام لإقناعنا بضرورات ومنافع حالات الطوارئ وتطبيقاتها وعدم قدرتنا على العيش بدونها، وهم لايستخدمونها إلا من أجل أمننا وأماننا وفي الضرورات الملحة.    ولكن مما لاريب فيه أن استمرار إعلان حالة الطوارئ والعمل بها يعتبر انتقاصاً معيباً من حريات المواطنين أينما كانوا، وازدراءً حقيقياً لكرامتهم، ومصدراً رئيساً لكافة انتهاكات حقوقهم الإنسانية، ويمنع بشكل قاطع تحقيق أيَّ برنامجٍ جادّ للإصلاح السياسي والديمقراطي والنهوض والمواجهة.

 

إننا - معاشر المطروئين - نوافق طارئينا يقينَهم أن إعلان حالة الطوارئ والعمل فيها لأكثر من أربعين عاماً لاشك كانت له منافع كثيرة وفوائد جمّة ولكن لهم فقط لاغير، ونوافقهم اعتقادَهم أن استمرار حالة الطرء هي أكسجين حياتهم وضرورةٌ استراتيجيةٌ لبقائهم. ولكنننا نطرق أسماعهم أن دوام الحال من المحال، فلكل أجلٍ كتاب، ولكل طاغية أجل، ولكل ظالمٍ نهاية، ونعوذ بالله من حال أهل الطرء ونعوذ به أن نكون من المطروئين.

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ