ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 03/02/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ القضية الكردية

 

 

   ـ دراسات  ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ــ

ثقافة النفي والتشريد السياسي!!

الطاهر إبراهيم*

لا يستطيع الإنسان أن يفاضل بين الأمور الأثيرة لديه، أيها أفضل من الأخرى. غير أن ما هو معروف أن حب الوطن عند الإنسان يأتي في مقدمة الأمور التي تتغلغل في النفس حتى إنه يكاد يساوي بين حب الوطن وحب الحياة، قال الله تعالى: (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم، ما فعلوه إلا قليل منهم..) ( سورة النساء .. الآية 66). كما أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم قال: "لولا حب الوطن لخربت بلد السوء". ألا ترى أن الأعرابي يقاسي ضنك الحياة في الصحراء، ومع ذلك يرفض أن يترك "ديرته"، إلا إذا شح وجود الماء، فإنه ينتجع أرضا غيرها، ليبقي على حياته وحياة إبله وأغنامه، ثم لا يلبث أن يعود بعد أن تتحسن أحوال "ديرته".       

في زمن تعددت فيه الرؤى، وتقاربت فيه المسافات الحضارية، واقترب الإنسان من أخيه الإنسان، بعد أن تم تذليل المادة الصماء حتى نطقت بقدرة قادر، مامكن الناس من الاتصال بعضهم ببعض رغم تباعد القارات، حتى وهم بين السماء والأرض حتى قيل عن الكون إنه قرية صغيرة. ومع كل هذا التقدم مع المادة وفيها، فقد فشل الإنسان في ربط أسبابه بأسباب أخيه الإنسان حتى غدت الأرض على اتساع رقعتها أضيق من أن تتسع لاثنين متخاصمين فيها، ويصعب التعايش بين المتخالِفَيْن حتى قال أقواهما سطوة: "يا أنا يا أنت"! وليس هناك أرض تجمع بيننا.

وهكذا رأينا ستالين يضيق ذرعا بأبناء الشيشان، فيهجّرهم –رغم أنهم مجموعة صغيرة من البشر- إلى سيبيريا حيث لا تستطيع أن تعيش فيها الحيوانات المفترسة، لالجريمةٍ ارتكبوها ، إلا لأنهم رفضوا أن يتنازلوا عن دينهم وقوميتهم. فعل ذلك مِنْ قَبْلهم الإسبانُ المنتصرون بمن تبقى من العرب المسلمين في الأندلس. ولم يسلم اليهود الذين عاشوا قرونا آمنين في كنف العرب، فأصابهم من طغيان محاكم التفتيش ما أصاب العرب.

إذا كان النفي والتشريد كان يتم من قومية متسلطة ضد قومية أو ملّة مستضعفة، فقد شهدنا في النصف الثاني من القرن العشرين نفيا وتشريدا من نوع آخر. حيث أن أنظمة في دول مشرقية، ما استطاعت أن تتعايش مع مواطنيها، وهم جميعا -الحاكم والمحكوم- من قومية واحدة وملة واحدة، رفض حكامها أن يستوعبوا الرأي الآخر، وأن يتعايشوا معا فوق أرض مشتركة ورثوها جميعا عن أجدادهم.

ولقد وجد هؤلاء الحكام أن أسهل طريق للتعامل مع من يعارضهم، هو التخلص منهم باعتقالهم، فبادر الآخرون إلى الهجرة، خوفا أن يلحقهم ما لحق من قَدِرَت أجهزة الأمن على الإمساك بهم. وإذا كان الاعتقال أشد وطأة وأكثر إيلاما،    إلا أن الهجرة وترْك الوطن قد لا تقل –في الأغلب- معاناةً وألماً عن الاعتقال.

قد يقول قائل إن الذين تركوا أوطانهم وهاجروا إنما استسهلوا ذلك ولم يحاولوا أن يتلاءموا مع أوضاع الأنظمة، بفتح حوار معها أو على الأقل السكوت حتى تتغير الظروف ويسعهم ماوسع الآخرين الذين مايزالون يعيشون في بلدهم، وربما كان الآخرون أيضا غير راضين عن نظام الحكم، ولكنهم آثروا السلامة وسكتوا، فعاشوا في أوطانهم.

في الحقيقة هذا الكلام تبسيطٌ مخلٌ للقضية. إذ المواطن في وطنه ليس رقما فحسب، بل هو شريك في كل ما يهم هذا الوطن، يألم لألمه ويفرح لفرحه. وإذا لم يقم بواجبه تجاه وطنه فقد أخل بواجب المواطنة واستقال من المهمة التي عليه أن يضطلع بها. ومن أولى واجبات المواطنة أن يحاول أن يضع "أجندته"- التي يؤمن أنها ستضع وطنه على "سكة" الازدهار- موضع التنفيذ. وإذا كانت أجندة النظام الحاكم هي أجندة وطنية، فينبغي أن تلتقي الأجندات على قواسم مشتركة وإن اختلفت في بعض التفاصيل. قد يحس النظام الحاكم أن المعارضة قد تأخذ الوطن إلى جهة يراها غير مناسبة، فلا يحق له أن يستبدّ بالأمر بأن يلغي الآخرين  ،بل عليه أن يدعو إلى انتخابات نيابية حرة ونزيهة من خلال صناديق اقتراع شفافة، وعليه أن يقبل بنتائج الانتخابات، ولا ينقلب عليها كما فعل العسكر في الجزائر.

ثم من قال أن الحَكَمَ بين الوطن والمواطن هو النظام الحاكم، وهو أحد الأطراف في الوطن ،بل هو خصم إذا أصر أن يلغي مجموعة من المواطنين فلايدعها تشارك في تحديد مستقبل وطنها بحجة أن هذه المجموعة ذات توجه أيديولوجي معين.

لا يدرك الحاكم مدى القسوة التي يعاني منها المواطن الذي يرغم على العيش خارج وطنه، إلا إذا أطاحت به مجموعة انقلابية واضطرته لأن يعيش خارج وطنه، هذا إذا قُدّرَ له أن يفلت من قبضة الانقلابيين الجدد. وكم رأينا وزراء ورؤساء وزارة وضباطاً كبارا قد أطيح بهم، فاضطروا للعيش وراء الحدود بعيدا عن أوطانهم، وذاقوا مرارة النفي وعانوا من قهر التشريد، ما كانوا يظنون يوما أن ذلك سيحدث لهم، وهم على "ظهور دباباتهم" يصولون ويجولون. ولو أنهم عملوا لمثل هذا اليوم، ربما تجنبوا مثل هذا المصير.

 لا أريد هنا أن أزعم أن مواقف الأنظمة كلها كانت خاطئة، وأن مواقف المعارضين كلها كانت صوابا، فلا يخلو الأمر من خلاف ذلك الزعم بنسب، تتفاوت من نظام إلى آخر ومن معارضة إلى أخرى. ولكني أزعم أن زمام المبادرة هو دائما في يد الأنظمة أكثر منه في

يد المعارضات وأن الأنظمة بيدها السلطة وتستطيع أن تُلوّن في المغريات التي تقدمها لمن يعارضها حتى تسحب الذرائع منهم، وبالتالي تنتهي إحدى أهم المشاكل التي تؤرق الحكم والمعارضين على حد سواء، وتوفر على الوطن كثيرا من التكاليف المادية والبشرية، بل وتنزع فتيل الفتن، التي لا تجر إلا الدمار.

لا يعرف قساوة العيش في المنفى من لم يتعرض له. ولعل من أقسى الأمور على المُهجّر قسريا، أنه يعيش فوق أرضٍ ليست أرضَه، وفي بلدٍ ليست بلَده، وأنه "أجنبيٌ" مهما بلغ من النجاح، لأنه نجاح ليس له مستقبل لأنه في النتيجة لم يكن في بلده ووطنه. وفوق هذا وذاك إنه قد يموت بعيدا عن أهله ووطنه كما حصل مع الراحل "سلطان أبا زيد" الذي عاش منفيا لأكثر من 27 عاما، ومات بعيدا عن وطنه.

ويا لها من ثقافة ليس لها أفق، ولا يكون حصادُها إلاّ الألم.

*كاتب سوري

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ