ــ
هل
استوعب النظام السوري درس السيد
عرار؟
بلال
داود*
ماهر
عرار مواطن سوري بالولادة ،
وبالوراثة أبا عن جد ، هاجر
في ريعان الشباب، من بلد
ازدهرت فيه تكنولوجيا القمع ،
فاستقر به المقام في كندا ، وحصل
على جنسيتها ، وتزوج من فتاة
تونسية مهاجرة كحاله .
في
عام 2002 ، وأثناء عودته إلى كندا
عن طريق نيويورك ، برفقة عائلته
بعد قضاء إجازة صيفية ، اعتقلته
المخابرات الأمريكية
في مطار جون كندي ،
وألصقت به تهمة الإرهاب زورا
وبهتانا ،
ولما كانت المخابرات الأمريكية
لا تمتلك التكنولوجيا الكافية
لجعله يعترف بما لم يفعله ، فقد
أرسلته إلى أحد وكلائها الذين
يمتلكونها ، وهكذا كان قدره
العودة إلى بلده الأصلي مكبلا
بالسلاسل ، فجلس في ضيافة
المخابرات السورية عاما وبضعة أسابيع
، اعترف خلالها بما لم يفعله ،
وأقر بما نسب إليه وإن لم يعلمه .
غير
أن متابعة الحكومة الكندية
لقضيته ، منذ لحظة اعتقاله ، و
إصرارها على إعادته ، تزامن مع
الضغوط الأمريكية على سوريا ،
إثر غزو العراق ، فقامت سوريا
بإطلاق سراحه و تسليمه إلى
السفير الكندي في دمشق ، نكاية
بأمريكا ، معلنة أنها قد حققت مع
السيد عرار ، وتأكدت أن التهم
الني وجهتها إليه المخابرات
الأمريكية ملفقة وباطلة .
فور
وصول السيد عرار إلى كندا عقد
مؤتمرا صحفيا ، تحدث فيه عن
أصناف العذاب الذي عاناه في
أقبية المخابرات السورية ، و
بدلا من توجيه الشكر
إلى الحكومة الكندية على
مساعيها الحميدة ، لإطلاق سراحه
و إعادته إلى كندا ، فاجأ الجميع
بعزمه على مقاضاة الحكومة
الكندية ، التي لم تكن قضيته
لتظهر إلى العلن لولا متابعتها
الحثيثة ، و لم يكن ليرى النور
قبل أن يتعفن لولا مطالبتها
المستمرة باسترداده ، وتضمنت
دعواه أن الحكومة الكندية قد
سربت معلومات خاطئة عنه إلى
المخابرات الأمريكية ، أدت إلى
اعتقاله وتعرضه للتعذيب الجسدي
والمعنوي ، كما أدى لتعرضه هو
وعائلته إلى المعاناة النفسية
والمعنوية والمالية ،
بالإضافة إلى مطالبته بتبرئته
من تهمة الإرهاب .
منذ
أيام ، وبعد ثلاث سنوات من
المتابعة القضائية ، استقال
رئيس المخابرات الكندية ( الدرك)
،بسبب قضية السيد عرار، وأعلن
القضاء الكندي تبرئة
السيد عرار من أي علاقة أو
صلة أو تهمة تتعلق بالإرهاب ،
ووقف رئيس وزراء كندا السيد
ستيفن هاربر أمام وسائل الإعلام
العالمي ، ليقدم اعتذارا رسميا
باسم الحكومة الكندية ، إلى
السيد عرار و أفراد عائلته عما
لحقهم من ضرر ناتج عن أخطاء قد
تكون ارتكبتها الحكومة الكندية
أو بعض أجهزتها ، وقدمت له
الحكومة الكندية عشرة ملايين
ونصف المليون دولار كندي ، ( 9.3
مليون دولار أمريكي) ،
لتساعده في البدء
بحياته من جديد بشكل كريم ،
بالإضافة إلى تحمل أتعاب
المحاماة وقدرها حوالي مليوني
دولار كندي .
على
الفور نطق عرار بجملة بسيطة من
أربع كلمات ، قال : أنا فخور
بكوني كندي .
السيد
ماهر عرار فخور بانتمائه إلى
وطن إن أخطأ بحقه اعتذر إليه ،
فخور بانتمائه إلى وطن ،يطالب
بإعادته من أي معتقل كان ، ولو
كان بلده الأصلي ، فخور بوطن
يستطيع اللجوء فيه إلى قضاء
مستقل عن الحكومة ، ليقاضي
الحكومة ، فخور بانتمائه إلى
وطن حريص على كرامة أفراده ،
علما أن الحكومة الكندية
الحالية برئاسة السيد هاربر
كانت في المعارضة يوم ألقي
القبض على السيد عرار ، ولكنها
لم تتملص من أخطاء الحكومة
السابقة ، و لم تتذرع بكونها في
المعارضة ذلك الحين ، ووجدت
الشجاعة الكافية لتعتذر أمام
الملأ.
هل
استوعب النظام السوري كلمات
السيد عرار ، التي نقشها وساما
على صدر الحكومة الكندية ؟ ، وهل
استوعب فرحته الغامرة التي عبر
عنها بمشاعر الفخر لكونه
كندي؟؟؟
هل
استوعب النظام السوري ، أن
كرامة المواطن هي مصدر افتخاره
بوطنه ؟ الكرامة التي يحققها
القانون والقضاء النزيه
المستقل ؟ ، هل استوعب أن
الحكومة الشجاعة هي التي لا
تخجل من الاعتذار عند
الخطأ ، وتعويض مواطنيها عن
الأضرار التي قد تصيبهم من
أخطائها؟ .
أتمنى
من
أعماق فلبي ، أن يكون النظام السوري
قد استوعب الدرس ،
وخصوصا في هذه المرحلة الصعبة
التي تحيق فيها التهديدات
بالوطن الحبيب من كل حدب وصوب ،
وأن يعمل فورا ، على وضع خطة
شاملة ، تعيد للمواطن السوري
كرامته المهدرة ، و حريته
المسلوبة ، ليتمكن من رفع رأسه
فخورا بوطنه ، فيبادر(النظام)
إلى إطلاق سراح كل المعتقلين
السياسيين ،
بغض النظر عن دينهم أو عرقهم أو
انتمائهم السياسي أو الطائفي ، وإن
كانت له اتهامات أو شكاوى ضدهم ،
فالقضاء النزيه المستقل هو
الحكم الفصل ، وأن يرفع قانون
الطوارئ ، هذا السيف المسلط من
قبل أجهزة القمع البربرية فوق
رقاب الناس وألسنتهم ، منذ
قرابة نصف قرن ، وأن يلغي قانون
العار رقم 49 الذي يقضي بإعدام
كل من وجهت له شبهة الانتماء
إلى جماعة الإخوان المسلمين ،
حتى لو كان مسيحيا أو ماركسيا
...... وللشجون بقية .
*كاتب
سوري
Arcan48@yahoo.com
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|