ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 07/02/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ القضية الكردية

 

 

   ـ دراسات  ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ــ

استراتيجية اللاتراجع... "سنة دموية" وعامان خطران!

عبداللطيف مهنا

تقول بعض استطلاعات الرأي الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي نشرت غداة الإعلان الرسمي لما تسمى استراتيجية الرئيس بوش الجديدة في العراق و المنطقة، أن 76% من الأمريكيين يعارضون أحد أهم ركائزها، وهو إرسال المزيد من القوات لرفد جيوش الاحتلال الأمريكي في العراق، وزيادة عديد المتواجد منها في القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة. ويتندر بعض الكتاب والمعلقين ورموز النخب الثقافية الأمريكية، في عديد من المقالات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية، ساخرين من سياسات الادارة المغامرة وعناد سيد البيت الأبيض ومواقفه التي يسمونها بالرعونة، فيقول أحدهم، مثلاً، متفكهاً على لسان الرئيس بوش، معلقاً على الاستراتيجية هذه قبيل إعلانها، وقد تم، كما هو معروف، تسريبها أو ترويجها سلفاً:

"لن أترك العراق حتى لو بقي معي زوجتي وكلبي"!

والآن، وقد أعلنت الاستراتيجية رسمياً، ووضع الوضوح حداً للتوقعات والتحليلات والجدل الذي دار حولها وعلى هامش تسريباتها، فيمكن القول أنه قد ثبت للجميع فعلاً مدى فداحة دقة ومصداقية هذه العبارة الساخرة في شقها الأول، أما في الثاني، فتكفي الإشارة إلى ردود الأفعال السريعة التي جاءت على لسان رموز الحزبين المعبرين عن الحياة السياسية الأمريكية، سواء الأغلبية الديمقراطية في الكونغرس بمجلسيه أو الجمهوريين فاقدي الأغلبية فيه في الانتخابات الأخيرة، أي حزب الرئيس نفسه. ونكتفي هنا بالإشارة إلى ما قاله السيناتور الجمهوري البارز تشاك هاغل معقباً على هذه الاستراتيجية: أنها "أخطر حماقة في السياسة الخارجية منذ فيتنام إذا ما تم تبنيها"...

قبل الإعلان عن استراتيجية رفض الاعتراف بالفشل وعدم الإقرار بالهزيمة والإنطلاق من واقعهما لإنجاز "النصر" هذه، جرى التمهيد لهذا الإعلان والإيذان ببدء التطبيق الموعود بثلاث عمليات مدروسة، كان الهدف منها، الاستهلاك الداخلي أولاً، والتهيئة أوالتمهيد لها خارجياً ثانياً، اثنتان منهما دمويتان، والثالثة كانت بلطجة مقصودة لها مابعدها... الأولى، ارسال حاملة الطائرات ايزنهاور وهي تبحر في طريقها إلى الخليج أسراب من طائراتها لجنوب الصومال، في تعريجة تدميرية على الحساب، لإثبات جدية هذه الاستراتيجية العتيدة وإرهاب من لم يرتهب بعد، أو استعادة الهيبة المهدورة في العراق وأفغانستان على يد المقاومة المتصاعدة، لتخلف غاراتها ورائها وفق المعلن عشرات الضحايا، يقال أن جلهم من المدنيين أو الرعاة اللذين  اختلطت أشلائهم بأشلاء قطعانهم. والثانية، وبالتوازي مع الأولى، ارتكاب مذبحة شارع حيفا البغدادي، عندما هبّت طائرات القواعد الأمريكية في العراق لمساعدة فرق الموت والمليشيات العاملة تحت عباءة الاحتلال في إنجاز مهمتها الدموية، تاركة ورائها ما ينوف عن خمسين جثة لضحايا دفن بعضهم تحت الأنقاض. والثالثة، مداهمة القنصلية الإيرانية في أربيل واعتقال ستة من ديبلوماسييها وموظفيها في رسالة لها مغزاها موجهة لطهران.

استراتيجية بوش، المرتكزة مثلها مثل سائر سياساته في المنطقة على البعد الأيدلوجي والتأثير الصهيوني والجموح الإمبراطوري للمحافظين الجدد، والمليئة بالتناقضات والفراغات، لاقت من فور إعلانها ترحيباُ أنكلوسكسونياً كالعادة وكما هو متوقع، أي بريطاني واسترالي، وكتحصيل حاصل حظت بتأييد تقليدي ياباني، وبالمقابل موقف الرفض الفرنسي إياه، فيما يبدو أنه نيابة عن الأوروبيين دون أن ينوب عنهم، أي ذلك الذي لايتجاوز الكلام عادةً... لكنما هي قطعاً تظل استراتيجية مراحل دموية لحلول احتلالية أمنية، مرفوضة من قبل كافة شعوب الأرض وأممها، ومن بينها، كما أشرنا، الشعب الأمريكي نفسه.

ومع ذلك، فإن الرئيس الامبراطور قد قرر عبرها أن لاتراجع، وأن لا عودة عن قديمه الجديد، هذا المتمثل في مواصلة اللعب على الرأي العام في بلاده، هذا الذي هو إجمالاً لا يريد الهزيمة، وفي نفس الوقت لا يقبل بالوضع العراقي القائم، أو يقلقه الاستمرار في التخبط في أوحال الورطة العراقية، دونما تلمس جاد لسبل الخروج منها بأقل الخسائر الممكنة، وبالتالي هو يريد تغييراً، حاول بوش الإيحاء به لكن دونما مقاربة فعلية لأي تغيير حقيقي، لا في استراتيجيته أو دوافعه التي نشأ عنها الغزو والاحتلال أصلاً ولا في أساليبه المتعثرة التي ترتبت عليها الورطة... ماهي هذه الاستراتيجية؟!

بإختصار، وبعد أربعة أعوام من احتلال تدميري للعراق أقل ما يقال فيه أنه لم يبق ولم يذر، تم الاعتراف من قبل الرئيس الأمريكي بأخطاء ما قد ارتكبت من قبل المحتلين مع إعادة التأكيد على إصراره بعدم الإفادة منها... وبعد كل الأخذ والرد والجدل الذي رافق تكليف لجنة بيكر- هاملتون، وإيكالها مهمة تلمس سبل الخروج باستراتيجيته تكفل الخروج من الورطة العراقية، وبعد تقديم هذه اللجنة توصياتها أو تقريرها، وعلى الرغم من خطورة مقترحات هذا التقرير على العراق والمنطقة لواقعيته وخبثه، فقد تمت الآن رسمياً عملية الانقلاب نهائياً عليه...

نجح المحافظون الجدد، رغم اشتداد عزلتهم مؤخراً، وفشل الواقعيون الذين لايختلفون مع بوش في استهدافاته الاستراتيجية وإنما في أساليب تطبيقها... لتواجه المنطقة من ثم استراتيجية استعراض عضلات تضخمت، تحركها ذات العقلية التي تسوس ذات التخبط الميداني في العراق وأفغانستان والصومال وسائر المنطقة، والتي يعاني أصحابها داخلياً ذات الفشل في سياساتهم الرعناء، التي تسببت في هزيمتهم الانتخابية الأخيرة... استراتيجية تقوم على إعادة إحتلال العراق والمنطقة، والتذاكي برمي الكرة في ملعب الآخرين، وإبتزاز ما يفترض أنهم الحلفاء في المنطقة، عبر تهديدهم بربط استمرارية بقاء أنظمتهم بإنتصار الغزاة وذهابها بهزيمتهم، وإشاعة التوتر الإقليمي عبر تقسيم المنطقة إلى معسكرين اثنين، ثالثهما الغزاة: موالون ومارقون، ممالئون وممانعون، معتدلون ومتطرفون... تصعيد عسكري، وتوجهات ميدانية بإضافة 21500 جندي جديد لعديد جيوش الاحتلال في العراق، ودفع المزيد من سفن الحرب إلى مياه المنطقة... وحملة مركزة على سوريا والمقاومتين اللبنانية والفلسطينية... وكل ذلك في سياق مشروع تطييف ومذهبة مبرمجان، وفي ظل محاولات الدفع باستشراء وباء الشرذمة... والنفخ في فزاعة البرنامج النووي الإيراني، والكلام عن "نظام دفاعي" لمنع النفوذ الإيراني وردع تهديدات طهران الصاروخية المزعومة عبر نشر منصات "باتريوت" الصاروخية المضادة، "لحماية المصالح الأمريكية"، وصولاً إلى إرسال كونداليسا رايس لمحاولة إرساء لبنات محور مضاد لمحور مفتعل، في سياق توجه سنة ضد شيعة، أو عرب يواجهون فرساً، وينسون عدوهم القومي اسرائيل... محور، من نافل القول أن لا مصلحة للعرب أو للإيرانيين فيه، فهم وحدهم من سيدفع أثمان تداعياته الخطرة التي تصب في خدمة أعدائهم والهيمنة الإمبراطورية الأمريكية عليهم وعبرهم على العالم.

لقد برر بوش ومحافظوه الجدد ومعهم الإسرائيليون كل تبعات هذه الإستراتيجية الرافعة شعار أمن الإحتلال أولاً، بجملة من الشعارات التي يسهل تسويقها في الولايات المتحدة وحدها والتي لا يمكن تمريرها خارجها ، مثل:

أن أي خفض لقوات الإحتلال في العراق، وعدم ارسال المزيد منها، سوف يعني انهياراً محققاً لحكومة بغداد واندلاع حرب طائفية أشد دموية، ناهيك عن كارثية الأقدام على الانسحاب من هناك... هذا في حين ان أصحاب هذا المنطق هؤلاء هم من يرعون انفلات فرق الموت و الميليشيات الطائفية، بل و يعززونها باستقدام "البيشمركة" الكردية إلى بغداد!

وعليه، ووفق ذات المنطق، يجب تجنب مجرد النقاش حول عواقب الفشل داخلياً، إذ يقولون أنه لا يمكن الفوز في حربنا على الإرهاب إن نحن فشلنا في العراق، وحيث أعداؤنا يريدون إلحاق الهزيمة بنا هناك، فإن "مصلحة الولايات المتحدة أن تنتصر في العراق"!

فالمسألة، كما يقول الرئيس الأمريكي الذي توقع "سنة دموية قاتلة في المنطقة"، هي مسألة "معركة عقائدية حاسمة في عصرنا"! وبما أنها كذلك، فلا بأس إذن من إفتتاح ساحات جديدة لها، كالساحة الصومالية مثلاً.

هناك سؤال لابد من طرحه... سؤال يقول: أنه وفي ظل المعارضة التي تتصاعد في أوساط الرأي العام الأمريكي لتداعيات هذه المعركة العقائدية، وارتفاع حدة الانتقادات لتوجهات خائضها لدى خسومه الديموقراطيين و الجمهوريين على السواء، وكل مظاهر هذا القلق الدولي، هل يمكن القول بأن الرئيس الأمريكي باستراتيجيته هذه يبدو اليوم كمن يسبح وحده ضد التيار؟!

من المبكر قول ذلك... لماذا؟

أولاً، لأن الرأي العام الأمريكي، على أهميته، أو جدية التعويل على قدرته وحده على إيقاف حماقات الإدارة و بلطجتها الكونية المنفلتة، يظل أسير معادلة عدم قبوله للهزيمة في العراق وإن كان يرفض فعلاً الواقع القائم جراء جموح إدارته وجنون محافظيها الجدد. و ثانياً أن المعارضة الديموقراطية تتفق مع بوش في استهدافاته الإستراتيجية الكونية وتختلف معه فحسب في سبل تحقيقها. أي أنها ترفض اخطاءه وتقبل بتصحيحها. أما العالم، ونعني القوى الفاعلة فيه، فلن يتوفر فيه، في ظل حقبة أحادية القطبية الأمريكية، من يرفع عقيرته معترضاً بنبرة أعلى كثيراً من السقف الفرنسي المعهود...

ويمكن إضافة سؤال آخر لايمكن تجاوزه أو التغاضي عن طرحه ونحن إزاء استراتيجية "رفض الفشل وعدم الإعتراف بالهزيمة"... لعله سؤال اليوم يقض مضجع العالم بأسره، إنه التالي:

 ترى ما هي المعايير البوشية للفشل والنجاح، للنصر و الهزيمة؟!

...ويبقى أن نقول: أنه لمن أسف أن أمامنا عامين حافلين من فترة بوش الرئاسية الباقية... عامان، لعلهما سيكونان الأخطر فيما ستواجهه هذه المنطقة وهذا العالم!

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ