ــ
مكيافيلّي
يحتجّ على آل أسد ؛
إذ
جعلوا الوسيلة غايةً قائمة
بذاتها!
ماجد
زاهد الشيباني
• مبدأ
مكيافيلّي ـ أستاذ الساسة
النفعيّين في العالم ـ في
نصائحه للأمير الإيطالي، هو: (الغاية
تبرر الوسيلة). أيْ أن الوسيلة
التي تنفع الحاكم في تثبيت حكمه
، والمحافظة عليه ، هي مشروعة ،
بالنظر إلى الغاية المقصودة من
ورائها ..!
• العلاقة
بين الوسيلة والغاية ، تقدّر
بقدرها عند مكيافيلّي .. فبحسب
الحاجة إلى الوسيلة
تُستعمل ، من حيث نوعها
وحجمها ، وزمانها ومكانها .. فلا
ينبغي أن تزيد عن الحدّ الذي
تحتاجه الغاية ، فتؤذي الحاكم ،
ولا تَنقص عمّا هو مطلوب ، فتقصر
عن خدمة الغاية ..! (وغنيّ عن
البيان ، أننا حين نَذكر مبادئ
مكيافيلّي ، لا نذكرها لأننا
نتبنّاها، بل لنعرف مَوقع
الأسرة الأسدية منها ! ولنرى
ماذا يمكن أن يقول معاصرو
مكيافيلّي، الذي شبّهوه
بالشيطان ، لتبنّيه هذه المبادئ
.. ماذا يمكن أن يقولوا عن الأسرة
الأسدية، لو
اطّلعوا على مبادئها
وممارساتها.. وعقَدِها وأحقادها!).
• أمثلة
: الكذب والغشّ ، والخداع
والتآمر ، والافتراء والتزوير،
والقتل والسجن ، والنفي .. كلها
وسائل مشروعة ، عند مكيافيلّي ،
إذا احتاجت إليها الغاية . أمّا
إذا لم تكن للأمير بها حاجة ،
فلا ينبغي استعمالها ، لأنها
تسيء إلى حكم الأمير،عند شعبه..
فالإكثار منها ، بمناسبة وبغير
مناسبة ، يجعل صورة الأمير في
نظر شعبه ، سوداء يصعب تحسينها
بالمحسّنات التي تزيل آثار
الوسائل السيئة . فالعلاقة
الطيّبة بين الحاكم وشعبه
مطلوبة ، وهي الأصل ! أمّا
الوسيلة التي تسيء إلى هذه
العلاقة ، فحالة استثنائية ،
يجب أن يزيل الحاكم آثارها ،
بأعمال نافعة جليلة ، و بسرعة،
ليحافظ على نقاء صورته أمام
شعبه ..!
• دأب
أكثر الحكّام النفعيّين (
البراغماتيين ) العقلاء ، على
الإفادة من نصائح مكيافيلّي، في
استخدام الوسيلة ضمن الحدود
التي تحتاجها مصلحة الحاكم ، في
المحافظة على حكمه . (وبرغم
السمعة السيئة التي جلبها
المبدأ ـ الغاية تبرر الوسيلة ـ
لصاحبه مكيافيلي ، فإن الأكثرية
الساحقة من ساسة العالم ، تطبق
هذا المبدأ ! حتى الذين يتظاهرون
برفضه والنفور منه ، على
المستوى الأخلاقي!).
• آل
أسد ، المؤسّس منهم والوريث ،
خرقوا قاعدة مكيافيلّي ، فجعلوا
الوسيلة السيئة غاية قائمة
بذاتها ! فليس ثمّة وسيلة من
وسائل الشر، التي يتخيّلها
الإنسان أو الشيطان، إلاّ
استعملتها الأسرة الأسدية
الحاكمة ، دون أيّ هدف واضح ، أو
غاية محدّدة مفهومة يمكن
تفسيرها .. وذلك في كثير من
الأحيان ، وإزاء الكثير من
التصرفات، والقرارات الصادرة
عن الرجلين ..! وإن كان ثمّة
وسائل سيّئة كثيرة ، بالطبع،
استخدمها كل من الرجلين ، في
سياقات واضحة ، لخدمة غايات
واضحة..!
• نماذج
للصلة بين الغاية والوسيلة :
أ - نماذج للصلة الواضحة بين
الغاية والوسيلة :
1-
في عهد الأسد الأب :
- الأسد
الأب ، قضى على أقرب الناس إليه
، من زملاء ، وأصدقاء ، ورفاق
درب، وشركاء في القرار والرأي ،
وفي التخطيط والتآمر والمكر..
بين قتل وتشريد ونفي، وإلصاق
تهَم سيّئة مدمّرة للسمعة ..! وكل
ذلك ، بقصد إبعاد هؤلاء جميعاً
عن موقع القرار، والانفراد
بالسلطة ، والاستئثار بما تحققه
له من هيمنة ، وثروة ، واستعباد
للبشر. وقد يبدو هذا واضحاً ؛
فالانفراد بالسلطة في الدولة ،
لا يتحقق إلاّ بمثل هذه الأفعال
الشيطانية !
- الأسد
الأب ، سلّم الجولان لدولة
الصهاينة بلا حرب ، في حزيران
عام/1967/، حين كان وزيراً للدفاع
، في خيانة واضحة مكشوفة ، ليس
لها أيّ تفسير عسكري على
الإطلاق ! وكان هدفه من هذا
العمل ، هو الحصول على رضَى
الصهاينة والأمريكان ، للوصول
إلى منصب رئاسة الجمهورية ! وقد
تحقق له هذا الهدف ، بعد سنتين
من حرب حزيران المذكورة ، بعد أن
أزاح من طريقه ، شركاءه في
السلطة جميعاً ، وصار الطريق
إلى الحكم الاستبدادي الفردي ،
ممهّدا تماماً أمامه..! ( وبرغم
أن الخيانة العظمى ، التي
ارتكبها الأسد الأب ، طمعاً
بكرسي الرئاسة ، لم تدر في خلد
مكيافيلّي ، وهو ينصح أميره ـ
لأنه يفترض أن حماية الكرسي هي
جزء من حماية الوطن ، وليس
الكرسي ثمناً لوطن يبيعه لعدوّه
! ـ .. فإن الصلة بين الخيانة
الوسيلة ، والكرسي الغاية ،
واضحة تماماً ، في سلوك الأسد
الأب ، هنا!).
- الأسد
الأب ، ذبحَ الشعب الفلسطيني ،
في المخيّمات اللبنانية ،
لإتمام الصفقة التي دخل بموجبها
لبنان ، وهي الانفراد بالحكم في
لبنان ، والتصرف التامّ فيه ،
عبر أجهزة مخابراته وأتباعه من
اللبنانيين .. حتى صار لبنان ،
الدولة الديموقراطية، كأنه
محافظة سورية ، تعبث به
المخابرات السورية كما تعبث
بأيّة محافظة سورية.
- الأسد
الأب ، دخل شريكاً تابعاً ، في
الحملة العسكرية التي شنّتها
أمريكا ، ضدّ العراق ، في بداية
التسعينات من القرن العشرين
المنصرم ، لإخراج القوات
العراقية من الكويت ، برغم أن
العراق يحكمه حزب البعث ، الذي
تُحكَم باسمه سورية !
وهذه نماذج قليلة جداً ، ذكرناها
للتمثيل ، لا للحصر.
2- في عهد الأسد الابن :
- أزاح
المجموعة التي كانت في عهد أبيه
، والتي مهّدت له الطريق إلى
وراثة الكرسي ، ليتاح له
الانفراد بالسلطة كاملة ،
وبالقرار كاملاً ، خالصاً له ،
ولأسرة حافظ حصراً !
-عقدَ
الصلات السرّية مع قادة
الصهاينة ، لإجراء صلح ، يحفظ له
ماء وجهه ، ويحفظ له الانفراد
بالسلطة ، والاستمرار فيها مع
أسرته ! في الوقت الذي يرفع
فيه شعارات الممانعة
والصمود والتصدّي..!
- حشدَ أتباعه وأنصاره في لبنان ،
معطّلاً الحياة السياسية
والاجتماعية فيه ، ومهدّداً
بتدميره ، من أجل تعطيل المحكمة
الدولية ، التي تدينه وأفراد
أسرته ، بقتل رئيس الوزراء
اللبناني رفيق الحريري!( وهذه
أيضاً نماذج قليلة، ذكرناها
للتمثيل لا للحصر!)
ب – نماذج للصلة الغامضة ، أو (المنقطعة
، من حيث الظاهر) ، غير القابلة
للتفسير السياسي ، بين الغاية
والوسيلة :
1- في عهد
الرئيس الأب :
-
الإصرار الغريب ، على ترك رفاقه
، شركاء نضاله ، في السجن ،
بعدما نَهكتهم العِلل والأمراض
.. ولم يَبق لأيّ منهم قدرة ، على
منازعته سلطتَه ، أو إزعاجِه ،
فيما لو خرج من السجن !
-
الإصرار على ترك أكثر خصومه ،
الذي يَنظر إليهم على أنهم
أعداء ، داخلَ السجون ، حتى
يهلكوا في سجونهم ! مع أن مِن
مصلحته ـ حسب الظاهرـ الإفراج
عنهم ، لتحقيق فوائد عدّة ، منها
: إظهار نفسه أمام شعبه ، بمظهر
الرئيس العاقل، الحريص على حياة
مواطنيه ، وكسب بعض المشاعر
الإنسانية ، لدى أقارب السجناء،
وأصدقائهم ، ومعارفهم ..!
وإظهارُ عهده بأنه عهد حرّيات ،
كما يدّعي ، والتخفيف من نظرة
المؤسسات الدولية إلى حكمه ،
بأنه حكم دموي شديد القسوة ! مع
أن الإفراج عن هؤلاء السجناء ،
لم يعد يشكل أيّ خطر على حكمه !
- منع آلاف المشرّدين السوريين ،
من النساء والأطفال ، من العودة
إلى بلادهم، وحرمانُهم من
الوثائق وجوازات السفر، بحجّة
أن الآباء والأزواج معارضون
لحكمه ! مع أن الأكثرية الساحقة
، من هؤلاء المشرّدين ، لا صلة
لها بالسياسة ، وأن الكثيرين من
الأطفال والشباب ، ولِدوا خارج
سورية ، ولا علاقة لهم بما فعله
آباؤهم ، من أعمال فيها معارَضة
لحكم حافظ !
- اغتيال شخصيات عدّة ، سورية
ولبنانية ، خارج سورية ، لا
تهدّد حكمه ، ولا قدرة لها على
زعزعة سلطته ..! وذلك بسبب كلمة
صدرت من هذه الشخصية ، أو تصريح
إعلامي من تلك ، أو كلمة نقد ، من
هذا الصحفي أو ذاك.. مما ينعكس
سلباً على عهد حافظ ، وعلى سمعته
، وسمعة الدولة التي يرأسها !
2- في عهد الرئيس الابن :
-
متابعة الابن لعهد أبيه ، في حبس
المواطنين الذين عارضوا حكم
الأب ، وقد هدّت الأمراض
أكثريتهم الساحقة ، فلم يبق لدى
أحدهم ، قدرة على استئناف حياته
الطبيعية، فضلاًعن المعارضة
السياسية !
- إصرار
الابن ، على إبقاء الآلاف من
المواطنين السوريين ، الذي
شرّدهم أبوه، في الغربة ،
وحرمانهم من الوثائق والجوازات
، وقد بلغوا ثلاثة أجيال :
الآباء الذين اتّهِموا بمعارضة
الأب ، والأبناء الذين خرجوا من
سورية أطفالاً ، أو ولِدوا خارج
البلاد، والأحفاد الذين ولِدوا
كلهم خارج البلاد ، ولم يَعرفوا
من سورية ، إلاّ ما يذكره لهم
آباؤهم ! ( في السنة السادسة ، من
عهد الرئيس الابن ، سَمح
للسفارات السورية ، بمنح
المواطنين جوازات سفر، تقتصر
مدّة صلاحيتها على الثلث ، أي
تصلح لسنتين ، من أصل ستّ سنوات
، هي كامل مدّة الجواز!).
- اغتيال شخصيات لبنانية ، سياسية
وإعلامية ، تنتقد بعض ممارسات
الحكم السوري، لكنها لا تملك
القدرة على تهديده ، بأيّ شيء
يهزّ كرسيّه ، أو يؤثّر في
استقراره ، داخل سورية أو
خارجها ..! ممّا يسيء إلى سمعة
الحكم ورئيسه ، دون أن يحقق له
أيّة فائدة !
ج) لقد خضعت ممارسات الأسدَين ،
الأب وابنه ، المسيئة للحكم ،
وليس لها أيّة جدوى، أو غاية
واضحة ، سواء على مستوى جلب
النفع ، أم على مستوى دفع الضرر
.. خضعتْ هذه الممارسات ،
لتحليلات شتّى ، وتفسيرات
مختلفة ، لمعرفة الأهداف ، أو
الغايات، الدافعة لارتكابها ،
دون أن يظفر المحللون
والمفسّرون بطائل ! أو يتوصّلوا
إلى تفسير مقنِع ، سوى أن هذه
الوسائل الخسيسة المنحرفة ،
صارت غايات قائمةً بذاتها ، عند
كل من الرجلين ، وصار كل منهما
يَقتل لأجل الفتل ، ويَحبس لأجل
الحبس ، ويشرّد المواطنين من
بلادهم ، بهدف التشريد ،
ويجوّعهم بهدف التجويع ..! كما أن
الكذب صار هدفاً قائماً بذاته ،
لا يُتوسّل به إلى أيّة غاية ،
نبيلة أو خسيسة! وهو ممّا ورّثه
الأب لابنه ، ولقنه إياه ، في
فترة تأهيله لاستلام الحكم ! (
وقد وصَف الكاتب الراحل ممدوح
عدوان عام / 1980/، النظام السوري،
بأنه يكذب في درجات الحرارة،
ويكذب في إخفاء الكوليرا ..! وأن
الكاتب نفسَه ، يخجل من العمل ،
في إعلام يملك هذا الكمّ الهائل
من الكذب !) . إلا أن بعض الباحثين
عزا تصرفات الأب وابنه ، إلى
عاملَين شخصيّين ، هما :
(1) الخوف المزمن ، المتأصّـل ،
الراسخ في أعماق الوجدان ، لكل
من الأب وابنه، والذي وصل إلى
حدّ الهوس ، أو التوهّم ! حتى صار
كل منهما ، ينطبق عليه قول
الشاعر، في وصف رجل جبان مذعور: (
إذا رأى غَيرَ شيءٍ ظنَّه رَجلا
!). ومِن أهمّ أسباب هذا الخوف ،
ضعف ثقةِ كلّ مِن الرجلين بنفسه
، وعدمُ التصديق بأن شعب سورية ،
الأبيّ العريق ، المتحضّر،
المتمرد على الاستبداد
والاستعباد والخنوع .. يَقبل بأن
يَحكمه رجال من طراز حافظ وابنه
، بصورة دكتاتورية استبدادية ،
ويتحكّموا بمصيره ، ومصير بلاده
، وقرارات دولته ، الداخلية
والخارجية..وينهبوا ثروات
البلاد، ويكدّسوها بالمليارات
، في الدول الأجنبية ، على شكل
أرصدة في المصارف ، أو على شكل
استثمارات صخمة في شركات دولية..!
في حين أن شعب سورية ، يعاني من
الفقر والجوع ، ويغادره
الملايين من أبنائه ، بحثاً عن
العمل ، في دول لا تملك معشار ما
تملكه سورية ، من الخيرات
والثروات !
(2) الحقد المزمن ، عند كل مِن
الرجلين ، على مواطني سورية
جميعاً ! فالمواطنون كلهم أعداء
، مجرمون ، متآمرون على آل أسد ،
يريدون القضاء عليهم ، وانتزاع
سلطتهم ..! لذا ، يجب القضاء
عليهم جميعاً ، قضاء مادياً أو
معنوياً ، وبأشكال مختلفة،
كالقتل ، والحبس، والتشريد ،
والإفقار ، والتجويع ، والرعب
الدائم ..!
واجتماع الخوف والحقد ، في النفس
البشرية ، وتداخلُهما فيها
بصورة معقدة وتبادلية، بحيث
يكون كلّ منهما سبباً للآخر
ونتيجة له .. كل هذا كفيل بتشكيل
المناخ النفسي والذهني ، الذي
يولّد لدى قادة الدول والشعوب ،
الذين يُبتلَون به
، سلوكات شاذّة ، غير معللة
، ولا قابلة للتفسير، على
المستوى السياسي ، الذي ترتبط
فيه الوسيلة بالغاية، ارتباطاً
منطقياً واضحاً ، يستطيع تفسيره
كل إنسان عاقل ، يعرف شيئاً من
أصول العمل السياسي والإداري ،
على مستوى إدارة دولة ..!
ويبدو أن هذا النوع ، من العقَد
النفسية المَرَضية المستحكمة ،
لم يخطر في بال مكيافيلّي، أن
يتصدّى لمعالجته ، عند أميره ،
لأنه ليس داخلاً في إطار العمل
السياسي ، بل في إطار آخر، هو
الإطار الصحّي النفسي .. وله
أناس آخرون مختصّون بمعالجته !
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|