ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 11/02/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ــ

مكيافيلّي يحتجّ على آل أسد ؛ 

إذ جعلوا الوسيلة غايةً قائمة بذاتها!

ماجد زاهد الشيباني

   مبدأ مكيافيلّي ـ أستاذ الساسة النفعيّين في العالم ـ في نصائحه للأمير الإيطالي، هو: (الغاية تبرر الوسيلة). أيْ أن الوسيلة التي تنفع الحاكم في تثبيت حكمه ، والمحافظة عليه ، هي مشروعة ، بالنظر إلى الغاية المقصودة من ورائها ..!

   العلاقة بين الوسيلة والغاية ، تقدّر بقدرها عند مكيافيلّي .. فبحسب الحاجة إلى الوسيلة  تُستعمل ، من حيث نوعها وحجمها ، وزمانها ومكانها .. فلا ينبغي أن تزيد عن الحدّ الذي تحتاجه الغاية ، فتؤذي الحاكم ، ولا تَنقص عمّا هو مطلوب ، فتقصر عن خدمة الغاية ..! (وغنيّ عن البيان ، أننا حين نَذكر مبادئ مكيافيلّي ، لا نذكرها لأننا نتبنّاها، بل لنعرف مَوقع الأسرة الأسدية منها ! ولنرى ماذا يمكن أن يقول معاصرو مكيافيلّي، الذي شبّهوه بالشيطان ، لتبنّيه هذه المبادئ .. ماذا يمكن أن يقولوا عن الأسرة الأسدية،  لو اطّلعوا على مبادئها وممارساتها.. وعقَدِها وأحقادها!).

   أمثلة : الكذب والغشّ ، والخداع والتآمر ، والافتراء والتزوير، والقتل والسجن ، والنفي .. كلها وسائل مشروعة ، عند مكيافيلّي ، إذا احتاجت إليها الغاية . أمّا إذا لم تكن للأمير بها حاجة ، فلا ينبغي استعمالها ، لأنها تسيء إلى حكم الأمير،عند شعبه.. فالإكثار منها ، بمناسبة وبغير مناسبة ، يجعل صورة الأمير في نظر شعبه ، سوداء يصعب تحسينها بالمحسّنات التي تزيل آثار الوسائل السيئة . فالعلاقة الطيّبة بين الحاكم وشعبه مطلوبة ، وهي الأصل ! أمّا الوسيلة التي تسيء إلى هذه العلاقة ، فحالة استثنائية ، يجب أن يزيل الحاكم آثارها ، بأعمال نافعة جليلة ، و بسرعة، ليحافظ على نقاء صورته أمام شعبه ..!

   دأب أكثر الحكّام النفعيّين ( البراغماتيين ) العقلاء ، على الإفادة من نصائح مكيافيلّي، في استخدام الوسيلة ضمن الحدود التي تحتاجها مصلحة الحاكم ، في المحافظة على حكمه . (وبرغم السمعة السيئة التي جلبها المبدأ ـ الغاية تبرر الوسيلة ـ لصاحبه مكيافيلي ، فإن الأكثرية الساحقة من ساسة العالم ، تطبق هذا المبدأ ! حتى الذين يتظاهرون برفضه والنفور منه ، على المستوى الأخلاقي!).

   آل أسد ، المؤسّس منهم والوريث ، خرقوا قاعدة مكيافيلّي ، فجعلوا الوسيلة السيئة غاية قائمة بذاتها ! فليس ثمّة وسيلة من وسائل الشر، التي يتخيّلها الإنسان أو الشيطان، إلاّ استعملتها الأسرة الأسدية الحاكمة ، دون أيّ هدف واضح ، أو غاية محدّدة مفهومة يمكن تفسيرها .. وذلك في كثير من الأحيان ، وإزاء الكثير من التصرفات، والقرارات الصادرة عن الرجلين ..! وإن كان ثمّة وسائل سيّئة كثيرة ، بالطبع، استخدمها كل من الرجلين ، في سياقات واضحة ، لخدمة غايات واضحة..! 

   نماذج للصلة بين الغاية والوسيلة :

أ - نماذج للصلة الواضحة بين الغاية والوسيلة :

 1-  في عهد الأسد الأب :

-  الأسد الأب ، قضى على أقرب الناس إليه ، من زملاء ، وأصدقاء ، ورفاق درب، وشركاء في القرار والرأي ، وفي التخطيط والتآمر والمكر.. بين قتل وتشريد ونفي، وإلصاق تهَم سيّئة مدمّرة للسمعة ..! وكل ذلك ، بقصد إبعاد هؤلاء جميعاً عن موقع القرار، والانفراد بالسلطة ، والاستئثار بما تحققه له من هيمنة ، وثروة ، واستعباد للبشر. وقد يبدو هذا واضحاً ؛ فالانفراد بالسلطة في الدولة ، لا يتحقق إلاّ بمثل هذه الأفعال الشيطانية !

-  الأسد الأب ، سلّم الجولان لدولة الصهاينة بلا حرب ، في حزيران عام/1967/، حين كان وزيراً للدفاع ، في خيانة واضحة مكشوفة ، ليس لها أيّ تفسير عسكري على الإطلاق ! وكان هدفه من هذا العمل ، هو الحصول على رضَى الصهاينة والأمريكان ، للوصول إلى منصب رئاسة الجمهورية ! وقد تحقق له هذا الهدف ، بعد سنتين من حرب حزيران المذكورة ، بعد أن أزاح من طريقه ، شركاءه في السلطة جميعاً ، وصار الطريق إلى الحكم الاستبدادي الفردي ، ممهّدا تماماً أمامه..! ( وبرغم أن الخيانة العظمى ، التي ارتكبها الأسد الأب ، طمعاً بكرسي الرئاسة ، لم تدر في خلد مكيافيلّي ، وهو ينصح أميره ـ لأنه يفترض أن حماية الكرسي هي جزء من حماية الوطن ، وليس الكرسي ثمناً لوطن يبيعه لعدوّه ! ـ .. فإن الصلة بين الخيانة الوسيلة ، والكرسي الغاية ، واضحة تماماً ، في سلوك الأسد الأب ، هنا!).

-  الأسد الأب ، ذبحَ الشعب الفلسطيني ، في المخيّمات اللبنانية ، لإتمام الصفقة التي دخل بموجبها لبنان ، وهي الانفراد بالحكم في لبنان ، والتصرف التامّ فيه ، عبر أجهزة مخابراته وأتباعه من اللبنانيين .. حتى صار لبنان ، الدولة الديموقراطية، كأنه محافظة سورية ، تعبث به المخابرات السورية كما تعبث بأيّة محافظة سورية.

-  الأسد الأب ، دخل شريكاً تابعاً ، في الحملة العسكرية التي شنّتها أمريكا ، ضدّ العراق ، في بداية التسعينات من القرن العشرين المنصرم ، لإخراج القوات العراقية من الكويت ، برغم أن العراق يحكمه حزب البعث ، الذي تُحكَم باسمه سورية !

وهذه نماذج قليلة جداً ، ذكرناها للتمثيل ، لا للحصر.

2- في عهد الأسد الابن :

  - أزاح المجموعة التي كانت في عهد أبيه ، والتي مهّدت له الطريق إلى وراثة الكرسي ، ليتاح له الانفراد بالسلطة كاملة ، وبالقرار كاملاً ، خالصاً له ، ولأسرة حافظ حصراً !

 -عقدَ الصلات السرّية مع قادة الصهاينة ، لإجراء صلح ، يحفظ له ماء وجهه ، ويحفظ له الانفراد بالسلطة ، والاستمرار فيها مع أسرته ! في الوقت الذي يرفع  فيه شعارات الممانعة والصمود والتصدّي..!

- حشدَ أتباعه وأنصاره في لبنان ، معطّلاً الحياة السياسية والاجتماعية فيه ، ومهدّداً بتدميره ، من أجل تعطيل المحكمة الدولية ، التي تدينه وأفراد أسرته ، بقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري!( وهذه أيضاً نماذج قليلة، ذكرناها للتمثيل لا للحصر!)

ب – نماذج للصلة الغامضة ، أو (المنقطعة ، من حيث الظاهر) ، غير القابلة للتفسير السياسي ، بين الغاية والوسيلة :

 1- في عهد الرئيس الأب :    

  - الإصرار الغريب ، على ترك رفاقه ، شركاء نضاله ، في السجن ، بعدما نَهكتهم العِلل والأمراض .. ولم يَبق لأيّ منهم قدرة ، على منازعته سلطتَه ، أو إزعاجِه ، فيما لو خرج من السجن !

 - الإصرار على ترك أكثر خصومه ، الذي يَنظر إليهم على أنهم أعداء ، داخلَ السجون ، حتى يهلكوا في سجونهم ! مع أن مِن مصلحته ـ حسب الظاهرـ الإفراج عنهم ، لتحقيق فوائد عدّة ، منها : إظهار نفسه أمام شعبه ، بمظهر الرئيس العاقل، الحريص على حياة مواطنيه ، وكسب بعض المشاعر الإنسانية ، لدى أقارب السجناء، وأصدقائهم ، ومعارفهم ..! وإظهارُ عهده بأنه عهد حرّيات ، كما يدّعي ، والتخفيف من نظرة المؤسسات الدولية إلى حكمه ، بأنه حكم دموي شديد القسوة ! مع أن الإفراج عن هؤلاء السجناء ، لم يعد يشكل أيّ خطر على حكمه !

- منع آلاف المشرّدين السوريين ، من النساء والأطفال ، من العودة إلى بلادهم، وحرمانُهم من الوثائق وجوازات السفر، بحجّة أن الآباء والأزواج معارضون لحكمه ! مع أن الأكثرية الساحقة ، من هؤلاء المشرّدين ، لا صلة لها بالسياسة ، وأن الكثيرين من الأطفال والشباب ، ولِدوا خارج سورية ، ولا علاقة لهم بما فعله آباؤهم ، من أعمال فيها معارَضة لحكم حافظ !

- اغتيال شخصيات عدّة ، سورية ولبنانية ، خارج سورية ، لا تهدّد حكمه ، ولا قدرة لها على زعزعة سلطته ..! وذلك بسبب كلمة صدرت من هذه الشخصية ، أو تصريح إعلامي من تلك ، أو كلمة نقد ، من هذا الصحفي أو ذاك.. مما ينعكس سلباً على عهد حافظ ، وعلى سمعته ، وسمعة الدولة التي يرأسها !

2- في عهد الرئيس الابن :

  - متابعة الابن لعهد أبيه ، في حبس المواطنين الذين عارضوا حكم الأب ، وقد هدّت الأمراض أكثريتهم الساحقة ، فلم يبق لدى أحدهم ، قدرة على استئناف حياته الطبيعية، فضلاًعن المعارضة السياسية !

 - إصرار الابن ، على إبقاء الآلاف من المواطنين السوريين ، الذي شرّدهم أبوه، في الغربة ، وحرمانهم من الوثائق والجوازات ، وقد بلغوا ثلاثة أجيال : الآباء الذين اتّهِموا بمعارضة الأب ، والأبناء الذين خرجوا من سورية أطفالاً ، أو ولِدوا خارج البلاد، والأحفاد الذين ولِدوا كلهم خارج البلاد ، ولم يَعرفوا من سورية ، إلاّ ما يذكره لهم آباؤهم ! ( في السنة السادسة ، من عهد الرئيس الابن ، سَمح للسفارات السورية ، بمنح المواطنين جوازات سفر، تقتصر مدّة صلاحيتها على الثلث ، أي تصلح لسنتين ، من أصل ستّ سنوات ، هي كامل مدّة الجواز!).

- اغتيال شخصيات لبنانية ، سياسية وإعلامية ، تنتقد بعض ممارسات الحكم السوري، لكنها لا تملك القدرة على تهديده ، بأيّ شيء يهزّ كرسيّه ، أو يؤثّر في استقراره ، داخل سورية أو خارجها ..! ممّا يسيء إلى سمعة الحكم ورئيسه ، دون أن يحقق له أيّة فائدة !

ج) لقد خضعت ممارسات الأسدَين ، الأب وابنه ، المسيئة للحكم ، وليس لها أيّة جدوى، أو غاية واضحة ، سواء على مستوى جلب النفع ، أم على مستوى دفع الضرر .. خضعتْ هذه الممارسات ، لتحليلات شتّى ، وتفسيرات مختلفة ، لمعرفة الأهداف ، أو الغايات، الدافعة لارتكابها ، دون أن يظفر المحللون والمفسّرون بطائل ! أو يتوصّلوا إلى تفسير مقنِع ، سوى أن هذه الوسائل الخسيسة المنحرفة ، صارت غايات قائمةً بذاتها ، عند كل من الرجلين ، وصار كل منهما يَقتل لأجل الفتل ، ويَحبس لأجل الحبس ، ويشرّد المواطنين من بلادهم ، بهدف التشريد ، ويجوّعهم بهدف التجويع ..! كما أن الكذب صار هدفاً قائماً بذاته ، لا يُتوسّل به إلى أيّة غاية ، نبيلة أو خسيسة! وهو ممّا ورّثه الأب لابنه ، ولقنه إياه ، في فترة تأهيله لاستلام الحكم ! ( وقد وصَف الكاتب الراحل ممدوح عدوان عام / 1980/، النظام السوري، بأنه يكذب في درجات الحرارة، ويكذب في إخفاء الكوليرا ..! وأن الكاتب نفسَه ، يخجل من العمل ، في إعلام يملك هذا الكمّ الهائل من الكذب !) . إلا أن بعض الباحثين عزا تصرفات الأب وابنه ، إلى عاملَين شخصيّين ، هما :

(1) الخوف المزمن ، المتأصّـل ، الراسخ في أعماق الوجدان ، لكل من الأب وابنه، والذي وصل إلى حدّ الهوس ، أو التوهّم ! حتى صار كل منهما ، ينطبق عليه قول الشاعر، في وصف رجل جبان مذعور: ( إذا رأى غَيرَ شيءٍ ظنَّه رَجلا !). ومِن أهمّ أسباب هذا الخوف ، ضعف ثقةِ كلّ مِن الرجلين بنفسه ، وعدمُ التصديق بأن شعب سورية ، الأبيّ العريق ، المتحضّر، المتمرد على الاستبداد والاستعباد والخنوع .. يَقبل بأن يَحكمه رجال من طراز حافظ وابنه ، بصورة دكتاتورية استبدادية ، ويتحكّموا بمصيره ، ومصير بلاده ، وقرارات دولته ، الداخلية والخارجية..وينهبوا ثروات البلاد، ويكدّسوها بالمليارات ، في الدول الأجنبية ، على شكل أرصدة في المصارف ، أو على شكل استثمارات صخمة في شركات دولية..! في حين أن شعب سورية ، يعاني من الفقر والجوع ، ويغادره الملايين من أبنائه ، بحثاً عن العمل ، في دول لا تملك معشار ما تملكه سورية ، من الخيرات والثروات !

(2) الحقد المزمن ، عند كل مِن الرجلين ، على مواطني سورية جميعاً ! فالمواطنون كلهم أعداء ، مجرمون ، متآمرون على آل أسد ، يريدون القضاء عليهم ، وانتزاع سلطتهم ..! لذا ، يجب القضاء عليهم جميعاً ، قضاء مادياً أو معنوياً ، وبأشكال مختلفة، كالقتل ، والحبس، والتشريد ، والإفقار ، والتجويع ، والرعب الدائم ..!

واجتماع الخوف والحقد ، في النفس البشرية ، وتداخلُهما فيها بصورة معقدة وتبادلية، بحيث يكون كلّ منهما سبباً للآخر ونتيجة له .. كل هذا كفيل بتشكيل المناخ النفسي والذهني ، الذي يولّد لدى قادة الدول والشعوب ، الذين يُبتلَون به  ، سلوكات شاذّة ، غير معللة ، ولا قابلة للتفسير، على المستوى السياسي ، الذي ترتبط فيه الوسيلة بالغاية، ارتباطاً منطقياً واضحاً ، يستطيع تفسيره كل إنسان عاقل ، يعرف شيئاً من أصول العمل السياسي والإداري ، على مستوى إدارة دولة ..!

ويبدو أن هذا النوع ، من العقَد النفسية المَرَضية المستحكمة ، لم يخطر في بال مكيافيلّي، أن يتصدّى لمعالجته ، عند أميره ، لأنه ليس داخلاً في إطار العمل السياسي ، بل في إطار آخر، هو الإطار الصحّي النفسي .. وله أناس آخرون مختصّون بمعالجته !

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ