ــ
شباب
سوريون كسروا القيود
علي
العبد الله*
منذ وصول حزب البعث العربي
الاشتراكي إلى السلطة عبر
انقلاب عسكري يوم 8 آذار 1963 تعرض
الشباب السوريون بعامة والطلاب
بخاصة إلى ضغوط شديدة.
فقد ركز النظام السلطوي الذي
أقامته الحركة الانقلابية ، في
المراحل الأولى، على الانفراد
بالحكم وإخراج القوى السياسية
من حقل العمل السياسي عبر
التخلص من القوى السياسية التي
شاركت في الانقلاب بإخراج
الضباط الموالين لها من مجلس
قيادة الثورة وإرهاب محازبي
القوى السياسية بتكريس
الانفراد على قاعدة "الشرعية
الثورية" من جهة واستخدام
أجهزة الأمن (قوى الأمن الداخلي
والشعبة الثانية والحرس القومي
) قبل أن يشكل أجهزته الخاصة :
إدارة المخابرات العامة ويغطي
ممارسات عناصرها بحمايتهم
بالمادة (16) من المرسوم التشريعي
رقم (14) الذي أنشأها والصادر
بتاريخ (15/1/1969) والتي نصت على
أنه:" لا يجوز ملاحقة أي من
العاملين في الإدارة عن الجرائم
التي يرتكبوها أثناء تنفيذ
المهام الموكولة إليهم أو في
معرض قيامهم بها إلا بموجب أمر
ملاحقة يصدر من المدير" .
بعد انقلاب القصر الذي وقع يوم(
16/11/1970 ) دخل النظام السلطوي
مرحلة جديدة من تاريخه السياسي
بالتحول إلى نظام شمولي مغلق
عبر عمليات سيطرة وتحكم منظمة
ومركبة من أجل تكريس الانفراد
السياسي حيث قام بتطوير جهازه
الإيديولوجي بزيادة قدرة الضخ
الإيديولوجي ( صحف، إذاعات،
تلفزيون)، لتوسيع دائرة هيمنته
السياسية، وبتشكيل منظمات
شعبية ونقابية ألحقها بالحزب
الحاكم ، وجعل مهمتها تنفيذ
أهداف "ثورة" 8 آذار فغدا
دورها تنفيذ سياسات السلطة لا
الدفاع عن مصالح المواطنين من
الفئات الاجتماعية التي تتشكل
منهم، ناهيك عن تأطير المواطنين
وضبط توجهاتهم وردود أفعالهم
،وبتقنين عملية التفرد
والانفراد في نصوص دستورية (
المادة 8 من الدستور الدائم الذي
وضع عام 1973 والتي تعتبر حزب
البعث :" الحزب القائد في
المجتمع والدولة").
لم يغير من حالة التفرد
والانفراد بالسلطة اضطرار
النظام،لاعتبارات سياسية محلية
ودولية، لتشكيل "الجبهة
الوطنية التقدمية" حيث
استخدم سيطرته وهيمنته في صياغة
ميثاق الجبهة وتحديد ادوار
القوى والأحزاب السياسية
المشاركة فيها في إلغاء أي وهم
بأن الجبهة التي أقامها تسمح
بممارسة تعددية سياسية حتى في
دائرة العمل
السياسي"الشرعي"،بتحويل
الأحزاب المنخرطة في هذه
الجبهة، بموجب ميثاقها الذي حدد
العلاقة بين الطرفين بصورة
واضحة ولا تدعوا للبس ، إلى
توابع للحزب الحاكم ليس إلا،
حيث ألزمها بتنفيذ قرارات
مؤتمراته قال الميثاق : " ومن
موقع تحمّله ـ أي حزب البعث
الحاكم ـ مسؤولية قيادة الدولة
والمجتمع منذ ثورة الثامن من
آذار(1963) وما حققه من إنجازات في
مختلف المجالات الاجتماعية
والسياسية و الاقتصادية هو
المؤهل لأخذ موقع القيادة في
هذه الجبهة ، ولان يكون الدعامة
الأساسية في بنائها . وتتجسد
قيادة حزب البعث العربي
الاشتراكي للجبهة بتمثيله
بالأكثرية في مؤسساتها جميعا
وبان يكون منهاج الحزب وقرارات
مؤتمراته موجها أساسيا لها في
رسم سياستها العامة وتنفيذ
خططها ". ناهيك عن قيامه
بتحديد عدد ممثليها في المجالس
البلدية والبرلمان واختيار
ممثليها في الوزارة.
وحتى تحقق عملية السيطرة
والهيمنة على المجتمع وقواه
السياسية والاجتماعية النتائج
المطلوبة استنسخ النظام تجربة
تنميط المواطنين من الأنظمة
الشمولية في الدول الشيوعية ،
وشكل لذلك أطرا تنظيمية ملزمة
تتولى صياغة المواطن من المهد
إلى اللحد : طلائع البعث في
المرحلة الابتدائية، واتحاد
شبيبة الثورة في المرحلة
الإعدادية ، قبل إلزام الطلاب
بالدخول في الحزب الحاكم في
المرحلة الثانوية . ووضع ،
لتشجيع الطلاب على الالتزام
بالحزب وسياساته بخلق مصلحة
ذاتية، حوافزا مادية مباشرة
تمثلت في تحديد مجموع لكل فرع من
فروع الجامعات وأعطى الطالب
العضو في شبيبة الثورة
امتيازا(رشوة) عند التسجيل في
الجامعة عبر مفاضلة خاصة
بالطلاب الشبيبيين يتم بموجبها
منحه علامات إضافية على
مجموعه فتزيد من فرصه في
التسجيل في الفرع الذي يرغب فيه
خاصة إذا كان شارك في دورة صاعقة
أو معسكر إنتاج .
كما وضع مقررا دراسيا في المراحل
الدراسية الثانوية والجامعية
باسم التربية / الثقافة القومية
الاشتراكية والذي يتضمن فكر هذا
الحزب من أجل إعادة صياغة
وتشكيل تفكير المواطنين لأن"
الانتصار الحقيقي للحكم
الشمولي- كما قال الروائي
البريطاني جورج اورويل في
روايته 1984- لا يتم باستئصال
معارضيه جسديا أو بزجهم في
السجون، بل يتم بتغيير ما يدور
في رؤوسهم من أفكار، وإحلال
أفكار ملائمة محلها".
لم يكرس النظام الشمولي واحدية
في إطار المنظمات النقابية
والشعبية فحسب بل وحوّل
النقابات والمنظمات الشعبية،
بسبب طبيعة السلطة القائمة على
مركب من السلطة التنفيذية
والحزب والنقابة، إلى سيف مسلط
على رقاب المواطنين .
وما زاد الأوضاع سوءا اقتران هذه
السياسات بتطبيق حالة الطوارئ
والأحكام العرفية منذ الانقلاب
المذكور أي منذ 43 عاما.
انعكست هذه السياسة سلبا على
الحياة العامة حيث ضاقت الحريات
العامة والخاصة التي ضمنها، على
تناقضاته ونواقصه، الدستور
الدائم عام 1973 ، وكرست سلوكا
اجتماعيا قائما على الخوف والشك
والانتهازية وأشاعت حالات شقاء
وعي وأزمة ضمير. حيث وجد المواطن
نفسه في حبال ازدواج شخصية يظهر
غير ما يبطن، يعرف الحق وينكره،
يتمنى غير ما يعلن، زاده الشعور
بالتمييز والظلم نفرة من الحياة
العامة فاعتزلها وعاد إلى
مشتركات ما قبل الدولة:المذهب،
القبيلة، العشيرة، الأسرة،
المنطقة، وهذا حول المجتمع
السوري إلى جزر معزولة عن بعضها
مع شك وضغينة متبادلة.
غير أن نداء الحرية الكامن في
الإنسان لم يلبث أن دفع عددا من
المواطنين السوريين إلى رفع
الرأس والصوت في وجه استبداد
استمر طويلا لكنه لم يستطع
القضاء على روح المجتمع السوري
ولا على تطلع السوريين إلى
الحرية والكرامة.
فقد صدر بيان الـ 99، الذي وقع
عليه 99 مثقفا سوريا، مطالباً
برفع حالة الطوارئ وإطلاق
الحريات العامة، ثم تأسست جمعية
حقوق الإنسان في سوريا، وانطلقت
ظاهرة منتديات الحوار خلال
نهاية عام 2000 وبداية 2001.وبدأت
الحياة السياسية تدب في جسد
المجتمع السوري وبوادر الحراك
الشبابي في الانطلاق حيث تزايدت
مشاركة الشباب في نشاطات هذه
المنتديات.
إلا أن النظام عاد مرة أخرى إلى
إتباع السياسات القمعية وشن
حملة اعتقالات طالت من عرفوا
بنشطاء ربيع دمشق ، بقي منهم
الدكتور عارف دليلة قيد
الاعتقال يقضي حكما بالسجن مدته
عشرة سنوات في غرفة منفردة، لم
يتخل النظام عن سياسة
الاعتقالات كآلية للجم الحراك
السياسي والشعبي حيث قام من حين
إلى آخر بحملة اعتقالات فقد
اعتقل في خلال عام رياض درار
ونزار رستناوي وكمال لبواني
وميشيل كيلو وانور البني ومحمود
عيسى وخليل حسين وسليمان الشمر
ومحمد محفوض وفاتح جاموس وعلي
العبد الله ومحمد علي العبد
الله وعشرات ممن لا نعرفهم ، وتم
منع المنتديات، وآخرها منتدى
جمال الأتاسي للحوار
الديمقراطي، والاجتماعات
والنشاطات العامة كما منع
العشرات من حق التنقل والسفر.
كما لم يتقبل - النظام - تحرك عدد
من الطلاب اعتصموا يوم 25/2/2004في
مبنى كلية الهندسة في مدينة حلب
احتجاجا على المرسوم رقم 6 ،
الذي أنهى التزام الدولة بتوظيف
خريجي كليات الهندسة، حيث قامت
أجهزته بقمع الاحتجاج واستخدام
الطلاب البعثيين في تفريق
المعتصمين بالضرب ومواجهتهم
بشعارات تمييزية حزبية غير
وطنية: "هذه جامعة
البعثيين"،وفصل عددا منهم
،وعندما سعى هؤلاء الطلاب إلى
خلق حالة تضامن طلابية، بعد أن
فشلوا في تأمين دعم اتحاد طلبة
سورية، المنظمة الوحيدة ذات
الصلة، لا في مواجهة سلبيات
المرسوم رقم 6
ولا في مواجهة قرارات الفصل
الجائرة، واجتمعوا يوم السبت(
24/4/2004) مع قرناء لهم من جامعة
دمشق في كافيتيريا ملحقة
بالمدينة الجامعية في دمشق
يتداولون في قضية فصل طلاب من
جامعة حلب على خلفية الاعتصام
المذكور قامت أجهزة النظام
باعتقالهم (اعتقلت 11 طالبا أطلق
سراح 9 منهم بعد 12 يوما وأحالت
الطالبين مهند الدبس (جامعة
دمشق) ومحمد عرب ( جامعة حلب ) إلى
محكمة أمن الدولة العليا التي
حكمت عليهما بالسجن لمدة 3 سنوات
بعد أن حاكمتهما بتهمة مناهضة
أهداف الثورة وهي تهمة يحكم على
من تثبت عليه بالسجن لمدة 15
عاما).
وقد زاد مشكلة الطلاب تعقيدا
غياب مؤسسات تشريعية وقضائية
ذات مصداقية يمكن أن يلجئوا
إليها.
أثارت عملية اعتقال الطلاب في
كافيتيريا جامعة دمشق وإحالة
الطالبين المذكورين إلى القضاء
الاستثنائي ومحاكمتهما وفصل
طلاب كلية الهندسة في جامعة حلب
،واعتقال عشرات الطلاب الأكراد
في جامعات دمشق وحلب وحماه على
خلفية التظاهر والاعتصام
احتجاجا على قيام أجهزة الأمن
والشرطة في مدينة القامشلي بقتل
وجرح عشرات المواطنين الأكراد
واعتقال الآلاف إثر شغب الملاعب
يوم 12/3/2004، وطرد أكثر من 400 طالب
كردي من السكن الجامعي بدواعي
أمنية، أثارت قضية النقابات
والمنظمات الشعبية التي شكلها
النظام ووظيفتها الحقيقية، على
خلفية إحجام الاتحاد العام
لطلبة سورية عن الدفاع عن
الطلبة ومصالحهم، وقضية حرية
العمل النقابي في سورية.
غير أن الملاحقات والاعتقالات
وفصل وسجن عدد من الطلاب، لم
ترهب الشباب السوري
الذي واصل تحركه ونشاطه
السلمي بحثا عن مخارج للاستبداد
والاستعصاءات الاجتماعية
والثقافية وانسداد الأفق
السياسي الذي ترتب عليه .
عاد النظام إلى شحذ آلته الأمنية
مجددا ضد الحراك الشبابي
الجنيني وقام جهاز المخابرات
الجوية ، الذي ليس من بين
اختصاصاته مراقبة النشاط
المدني، بين 26 كانون الثاني و 18
آذار 2006 باعتقال 8 شباب هم :
حسام ملحم (21 سنة ، طالب)عمر
علي العبد الله (21 سنة، طالب) علي
نزار العلي (21 سنة ، طالب) دياب
سرية(26 سنة ، طالب بدوام جزئي).
طارق الغوراني(طالب)ماهر
إبراهيم (25 سنة ، مالك محل)أيهم
صقر(30 سنة ، عامل في صالون
حلاقة)علام فاخوري (26 سنة) على
خلفية نقاشات وكتابات ذات طابع
سياسي ،وبعد أشهر من التعذيب
وسوء المعاملة في أقبية فرع
المخابرات، وبعد إجبارهم على
التوقيع على اعترافات بالقيام
بأعمال مخالفة للقانون، تم
نقلهم إلى سجن صيدنايا العسكري
وإحالتهم على محكمة أمن الدولة
العليا (محكمة تعمل بموجب قانون
الطوارئ أحكامها قطعية حيث ليس
لأحكامها قابلية للمراجعة) حيث
يحاكمون أمامها، بعد أن ثبتت
النيابة العامة للمحكمة التهم
التي نسبها جهاز المخابرات
إليهم، وفق المادتين 287و 278
والثانية ونصها" القيام
بأعمال أو الإدلاء بتصريحات أو
كلام يعرض سورية لخطر أعمال
عدائية أو يعكر صلاتها بدولة
أجنبية أو عرض السوريين لأعمال
ثأرية" هي الأكثر خطورة على
هؤلاء الشباب لما يمكن أن يترتب
عليها من أحكام قاسية.
تعامل النظام السوري مع المعارضة
السورية، بمنطلقاتها المختلفة،
بالطريقة ذاتها، حيث اتهم
الجميع بالعمالة والاستقواء
بالخارج دون أن يحاول إقامة
حوار مع أي من أطرافها.
وقد عكس موقفه من الحراك الشبابي
والطلابي الجنيني،ومن دعوات
الطيف الديمقراطي إلى إصلاح
ديمقراطي سلمي وتدرجي، حالة
تصلب وجمود سياسي. فقد حارب
المنتديات والمنظمات السياسية
والحقوقية والحراك الشبابي
وتجاهل إعلان دمشق، واعتبر
توقيته إشارة للخارج ودعوته إلى
المزيد من الضغوط ، وأكد رئيسه
في خطابه الذي ألقاه في تشرين
الثاني 2005، على أن من يرفع صوته
الآن هو مرتبط بالخارج، مع
التجاهل التام لمبادرة إعلان
دمشق إلى الدعوة للحوار، في وقت
يعد فيه النظام في أمس الحاجة
للحوار مع المعارضة لمواجهة
الضغوط الخارجية من أرضية
مشتركة.
لن يكون لهذه السياسة إلا نتيجة
واحدة: دفع الأوضاع إلى مزيد من
الاحتقان والتفجر وهذه ، مع عجز
السلطة عن حل المشكلات
الاقتصادية والاجتماعية
والإدارية، تنذر بمستقبل قاتم
لسورية.
* كاتب سوري.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|