ــ
أمّتان
صديقتان متعاونتان..
خير
أم أمّة واحدة تضمّ ملّتين ، كلّ
منهما ترى
الأخرى
كافرة..حسب معتقداتها !؟
ماجد
زاهد الشيباني
(ملحوظة
: هذه مسألة سياسيّة أولاً
وأخيراً .. ينبغي حسابها وفق
مواضعات السياسة ومعادلاتها..
بصرف النظر عن المشاعر الطيّبة
، النابعة من أوهام جميلة ،
بوحدة أمّة مزّقتها خناجر شتّى
، أولها وأقساها خناجر الأوهام
!).
• أمّتا
العرب والفرس مختلفتان عرقياً ،
كاختلاف الهنود عن الفرنسيين ،
واختلاف الكوريين عن الألمان ..
وما نحسب أحدا يماري في هذا..!
• ثمّة
اختلاف كبير في أصول العقائد ،
برغم الاشتراك والتشابه ، في
كثير من المعتقدات والتشريعات .
وهذه النقطة هي مكمن اللبس
والاحتقان والتأزم ، بين
الملّتين، عبر قرون عدّة خلت ! (
فكل مِن الملّتين تعتقد أنها
على صواب وحقّ ، وأن الأخرى على
خطأ وضلال !).
1- فالقرآن
الكريم الذي يعتقد أهل السنّة ،
بأن الله تكفّل بحفظه ، وبأنه لا
يأتيه الباطل من بين يديه ولا
مِن خلفه ( فهو محفوظ من الزيادة
والنقص والتحريف ، والإبطال من
قبل كتب سماوية صحيحة أخرى )..
يعتقد الشيعة أنه ناقص ، وأن
الصحابة الذين نقلوه إلينا ،
والذين أثنى عليهم الله في
كتابه ، وبشّر نبيّه بعضَهم
بالجنة ، هم الذين أخفَوا بعض
آياته ، التي تنصّ على ولاية
عليّ..! (مع التذكير بأن كلمة
الشيعة ، حيثما وردت في هذه
السطور، فالمقصود بها الشيعة
الجعفرية الاثنا عشَرية ،
المذهب الرسمي لجمهورية إيران
الإسلامية!).
2- يَتّهم
الشيعة صحابة رسول الله جميعاً
ـ عدا قلّة لا تجاوز أصابع اليد
الواحدة ـ بالكفر، وبالردّة عن
الإسلام ، وبالاعتداء على ميراث
النبيّ ، وعلى أهل بيته الكرام!
وأبرز المتهمين ، الخلفاء
الراشدون الثلاثة ، الذين تولوا
أمر الأمّة بعد رسول الله ، وهم :
أبو بكر وعمر وعثمان ..!
3- يَتّهم
الشيعة بعض أمهّات المؤمنين ،
بتهم لا تليق بنساء من عامّة
نساء المسلمين! وقد برّأ الله
أهلَ بيت نبيّه من كل رجس ،
وطهّرهم تطهيراً..! ولاسيّما
السيّدة عائشة ، التي نزلت آيات
بيّنات ، ببراءتها ممّا اتّهمها
به المنافقون ، في عهد النبي (ص) .
4- وإذا كان
الاختلاف حول القرآن ، إنما هو
حَولَ تنزيله ، لا حولَ تأويله ـ
فاتّهامه بالنقص ، وتكذيب آياته
الواضحة الصريحة ، لا صلة لهما
بالتأويل ..! ـ .. فمن باب أولى ،
ما هو بعد القرآن كالسنة
النبوية..! ومن باب أولى كذلك ،
ماجدّ من أحداث تاريخية ، بعد
وفاة النبي ، أدخلها الشيعة في
أصول عقائدهم ، وصَنعوا لها
شعائر وطقوساً ، لا تقبل عندهم
الجدل أو المناقشة !
5- يعتقد
الشيعة الاثنا عشَرية بعصمة
الأئمّة من نسل الحسين ، وبأن
لكل منهم ولاية تكوينية ، على كل
ذرّة من ذرّات الكون .. وبأنهم
يَعلمون الغيب ، ما كان منه وما
يكون ، إلى يوم القيامة ! وبأن
لكل منهم منزلة لا يبلغها ملك
مقرّب ولا نبيّ مرسل!
وبأن مَن لا يعتقد بإمامة
واحد منهم ، كمن هو كافر بالله
ورسوله واليوم الآخر، حتى لو
كان أتقى رجل على وجه الأرض ! (
وما تقدّم ذكره ، من عقائد
الشيعة الاثني عشَرية ، ليس
مقصوراً على جيل واحد ، في عصر
واحد .. وليس خاصاً بفئة من
علمائهم أو عامتهم .. بل هو عقيدة
عامّة لهم جميعاً ، علماء
وعامّة ! وكتبهم المعتمدة لديهم
، كلها ، تنصّ ، صراحةً ، على هذه
المعتقدات ، القديمُ منها
والحديث..!).
6- وبناء على
ما تقدّم من اختلافات (وهو
مختصَر جداً هنا) يبدو أن أيّ
مسعى للتقريب بين المذاهب ، لن
يفلح إلاّ في معالجة بعض
القضايا الهامشية جداً ـ
القشورـ مع بقاء الاختلافات
الأساسية قائمة ، وهي التي تجعل
من المذهبين السنّي والشيعي
ملّتين، تتشابه فيهما بعض
العقائد والتشريعات ، وتختلف
فيهما عقائد أخرى أساسية
وتشريعات أساسية..! وهذه العقائد
والتشريعات المختلفة ، تولّد،
بشكل دائم ، ضغائن وأحقاداً ،
لدى الشيعة ضدّ السنّة ،
لاسيّما تلك التي أدخلها الشيعة
من دائرة التاريخ إلى دائرة
العقيدة ، كحادثة قتل الحسين في
كربلاء ، التي يتمحور حولها
الكثير من شعائر الشيعة ،
ومشاعرهم السلبية تجاه السنّة
عامّة ، على مرّ العصور وتلاحق
الأجيال ، لا تجاهَ الجيل الذي
قتِل في عهده الحسين فحسب ! فحين
يربّى الطفل الشيعي، منذ نعومة
أظفاره ، على المطالبة بثأر
الحسين ، ويلقّن الشعار
المحوري، الذي تتمركز حوله
مشاعر الشيعة عامّة وهو (يا
لثارات الحسين !) حين يلقّن
الطفل هذا الشعار، لا تتّجه
مشاعره نحو يزيد بن معاوية ، أو
عبيد الله بن زياد ، أو شمر بن ذي
الجوشَن .. بل إلى أهل السنّة في
عصره ! أي ينَشّـأ على الحقد ضدّ
الناس الذين هم أبناء ملّته ،
الذين يطلَب منه التوحّد معهم ،
في زمانه هو..! على افتراض أن
المذهبين ينتميان إلى ملّة
واحدة !
7- فأيّة
ملّة هذه ، التي تحمل في داخلها
ألغام تفجيرها ( التكفير..
والحقد !)؟ وأيّة وحدة يمكن أن
تقوم ، بين فريقين كل منهما
يعتقد بكفر الآخر، انطلاقاً من
العقائد الثابتة
التي بين يديه ، والتي تقوم
عليها أصول ملّته !؟
8- وتأسيساً
على كل ما ورد آنفاً ، لا مندوحة
من الاعتراف بحقائق الأمور، بكل
وضوح وجرأة أدبية ، وإحساس
بالمسؤولية ، تجاه الأمّة
الإسلامية وأجيالها المتتابعة..!
ثم بناء علاقات واضحة ، ومتينة ،
بناء على هذه الحقائق ، التي لن
يَجرّ تجاهلُها ، أو القفز
فوقها ، سوى الكوارث ، للأمّتين
معاً ! وخلاصة الأمر تتركز فيما
يلي :
• السنّة
والشيعة ملّتان ، لا ملّة واحدة
. لأنهما مختلفتان في الكثير من
أصول العقائد .
• توحيد
الملّتين في ملّة واحدة ، يقتضي
تنازل كلّ منهما ـ أو أحدهما في
أقلّ تقديرـ ، عن بعض عقائده
الأساسية الثابتة ..! وهذا أمر
يدخل في باب الاستحالة ، لأن
الحديث ينصبّ هنا ، على أمّتين،
لا على شخصين ، أو مجموعتين
صغيرتين من البشر، يَسهل إقناع
إحداهما ، بالتنازل عن عقيدتها
، للتوحّد مع الأخرى !
• تجاهل
التناقضات العقَدية ، والمشاعر
السلبية الموجودة ، والإصرار
على أن الأمّتين أمّة واحدة ،
ويجب أن يتعاون أبناؤها جميعاً
، في مواجهة الأخطار الخارجية ..!هذا
التجاهل يولّد أخطاراً أكبر
بكثير، من أيّ خطر خارجي ! إذْ
كيف يطمئنّ شخص إلى آخر، موجود
في صفه ، وإلى جانبه ، وهو يعتقد
أنه أشدّ خطراً عليه ، وكرهاً له
، من أيّ عدوّ آخر!؟
• كل
من الفرس والعرب أمّة واحدة ،
على المستوى القومي .. وهما
أمّتان متجاورتان، تجمع بينهما
مصالح مشتركة ، تقتضي حسن
الجوار ، وحسن التعامل ..!
• أكثرية
العرب تنتمي إلى السنّة ،
وأكثرية الفرس تنتمي إلى الشيعة
.
• الأقليات
المذهبية الموجودة في كل دولة ،
يجب أن تُحترَم حقوقها ، وأن
تَحترم ، هي، حقوق المواطنين ،
في الدولة التي هي فيها . وتُعدّ
الأقليّات السنّية والشيعية ،
في كل دولة، أقلياتٍ دينية ، لا
مذهبية ! كما يُعدّ المسلمون في
الدول المسيحية أقليات دينية،
والنصارى في الدول الإسلامية
أقليات دينية !
• الضغط
على أيّ مواطن ، في أيّة دولة ،
بالترغيب والترهيب ، لتغيير
عقيدته ، أو مذهبه .. يُعدّ جريمة
، يعاقِب عليها قانون الدولة ،
التي يجري فيها هذا الضغط ..!
• أيّ
تحريض من دولة سنّية ، لأقلية
سنّية في دولة شيعية ، أو من
دولة شيعية ، لأقلية شيعية في
دولة سنّية .. لإثارة مشكلات
داخل الدولة التي يجري التحريض
ضدّها.. يُعدّ تدخّلاً خارجياً ،
ضدّ الدولة التي تثار فيها
المشكلات ، ويَخضع لقواعد
القانون الدولي ، في معالجته !
• الشيعة
العرب ، لهم في البلاد العربية ،
حقوق الأخوّة القومية ، وحقوق
المواطنة.. والسنّة الفرس ، لهم
في إيران ، حقوق الأخوة
الفارسية ، وحقوق المواطنة .
• اضطهاد
الأقليات ، في أيّة دولة ، يَخضع
في معالجته ، لأحكام القانون
الدولي .
• الشيعي
الذي يعتقد معتقدات أهل السنّة
، فيما يتعلّق بصحّة القرآن
الكريم ، وطهارة أمّهات
المؤمنين ، وفضل صحابة النبي ،
وفضل آل بيته الكرام .. يُعدّ
صاحب (مذهب) شيعي ، من المذاهب
المعتبرة لدى أهل السنة .. وإن
خالف السنّة في بعض الفروع ، أو
بالغ في حبّه لآل البيت مبالغة ،
لا تَصل حدَّ الغلوّ المُخرِج
من الملّة،أو اعتقد بأفضلية
الإمام عليّ للخلافة ، مع
الإقرار بصحّة خلافة أبي بكر
وعمر. ومعلوم أن الزيدية تُعدّ
مذهباً إسلامياً ، في نظر أهل
السنّة ، لا ديناً قائماً بذاته
.
• مساعي
التقريب بين المذاهب ( السنّة ،
والجعفرية) ، ينبغي تحويلها إلى
مساعٍ دبلوماسية ، لتحسين
العلاقات بين الدول المتجاورة ،
وصرفُ النظر، بصورة تامّة، عن
محاولة التقريب بين الدول على
المستوى الديني ! هذا التقريب
الذي يزيّف وعي المسلمين
ويخدّرعقولهم ، بأخوّة
إسلامية غير موجودة على الأرض !
والموجود منها بين السنّة
والجعفرية ، هو نوع زائف ، من
أخوّة موهومة ، يستغلّها الشيعة
، للتغلغل في صفوف السنّة ،
بحجّة أن الخلاف بين المذهبين ،
هو خلاف في الفروع ، وأن
المذهبين ينتميان إلى أمّة
واحدة ، وملّة واحدة ..!
9- هذه
السطور تطرح رأياً ، مستنبطاً
من مجموعةِ حقائق تؤيّده ، بل
تُمليه ! وأهمّها حقائق العقائد
المؤصّلة ، الراسخة المدوّنة ،
وحقائق التاريخ المدوّن ،
وحقائق الممارسات اليومية ،
القائمة على أرض الواقع اليوم ..
والتي يراها البشر جميعاً ! ومن
ذلك: ( الدعم الفارسي لأمريكا ،
في احتلالها لأفغانستان
والعراق ، والتعاون القائم بين
الفرس والأمريكان على ذبح
السنّة ، وتصفية وجودهم في
العراق ، والتغلغل الشيعي في
الدول العربية والإسلامية ،
والخطب والتصريحات والبيانات ،
المنبثّة في وسائل الإعلام ،
والتي تبيّن بجلاء عقائد الفرس
، ومواقفهم من السنّة /النواصب/
، وطموحاتهم في الهيمنة على
العالم الإسلامي ..!).
10-
الرأي الوارد في هذه السطور، مطروح على
سائر العقلاء المهتمّين بأمر
الأمّة ، للدراسة والمناقشة ،
والإضافة والتعديل والتطوير،
والموازنة بين البدائل،
لاختيار أفضلها ، أو أقلّها
سوءاً وأخفّها ضرراً ! ولا بأس
بطرحه للاستفتاء العامّ ، على
مستوى الأمّتين (العربية
والفارسية) ، والملّتين (السنّة
والشيعة) .. أو ـ في أقلّ تقديرـ
على مستوى الأمّة العربية ،
ومستوى أهل السنّة فيها.
والصيغة التي تطرح على
الاستفتاء ، هي صيغة العنوان
أعلاه : أمّتان صديقتان
متعاونتان ، خير أم أمّة واحدة
تضمّ ملّتين كلّ منهما ترى
الأخرى كافرة ..حسب معتقداتها !؟
11-
وسبحان القائل : (ولكلّ وِجْهَةٌ هوَ
مُولّيها فاستَبِقوا الخَيراتِ
..).
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|