ــ
لم
يعد أمام واشنطن
إلا
الانسحاب من العراق ..... وفوراً!
الطاهر
إبراهيم*
لا اعتراض على خلق الله. ومع ذلك
ينبغي أن نعتبر عندما نرى تشوها
خِلْقياً عند إنسان ما ،وأن
نقول كما علّمنا رسولنا محمد
صلى الله عليه وسلم: "الحمد
لله الذي عافاني مما ابتلاك به
وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا".
وإذا كان التشوه في الخِلقة هو
من القَدَر الذي لا يد للإنسان
فيه ويقتصر ضرره على صاحبه
وربما أهله الأقربين، فإن تشوه
عقل إنسان ما أشد ضررا وأوسع
تأثيرا -ليس على صاحبه فحسب بل
على الآخرين- من التشوه
الخِلْقي ، لأن ضرره يتعدى
صاحبه ليشمل الآخرين. وتزداد
دائرة الضرر اتساعا كلما اتسع
نطاق المتضررين من صاحب الخلق
المتعجرف كما هو الحال عند
الرئيس الأمريكي "جورج دبل يو
بوش".
ومن دون الدخول في تفاصيل اتخاذ
الرئيس الأمريكي لقرار احتلال
العراق، فقد ثبت بما لا يدع
مجالا للشك أن كل الذرائع التي
زعمتها إدارته سببا لاتخاذ
القرار كانت مفبركة، لا عن جهل
منها، بل عن عمد وسابق تصميم،
بعد أن اعتمدت هذه الإدارة فكرة
العدوان على العراق المسلم
لصالح تقويض أي قوة يمكن أن تهدد
إسرائيل، سيما بعدما وصلت
صواريخ "سكود" العراقية -مع
الإشارة إلى أني لم أكن معجبا
بسياسة الرئيس العراقي الراحل
صدام حسين الداخلية، لكني ترحمت
عليه بعد إعدامه من قبل واشنطن
بأيدي المالكي والربيعي- إلى
وسط حيفا ويافا وتل أبيب في
الحرب التي شنها التحالف الدولي
على العراق في عام 1991، هذا من
ناحية. ومن ناحية أخرى فما تزال
فكرة إخضاع الشرق المسلم
والاستيلاء على خيراته تراود –بين
فترة وأخرى- كل من ظن أن قدراته
تفوق قدرات من سبقه من الذين
فشلوا في ذلك من مغامري الغرب
المسيحي.
وبعد أن سقطت مقولات إدارة "بوش"
عن وجود أسلحة دمار شامل في
العراق، وبعد أن تبين أنه ليس
لديها ما يثبت وجود مثل هذه
الأسلحة، حاول الرئيس الأمريكي
أن يبرر استمرار احتلاله
لأفغانستان والعراق بحجة
ملاحقة الإرهاب في عقر داره.
ولأن الأمر كان ذريعة بعد بطلان
الأسباب التي زعمت قبل الغزو،
فقد كان الزعم بملاحقة الإرهاب
أهم عوامل فشل إدارة "بوش"،
على الأقل في العراق، لماذا؟
ومع عدم التقليل من شأن أي فصيل
يقاوم الوجود الأمريكي في
العراق، فإننا لا نعتقد أن "القاعدة"
أهم في فصيل في المقاومة
العراقية، وربما تأتي رابعا أو
خامسا في ترتيب القوى
التي تقاتل الوجود الأمريكي
في العراق.
وإذا كان الرئيس الأمريكي "جورج
بوش"، ولغاية في نفسه –وليس
في نفس يعقوب- أراد في خطابه
للأمريكيين، كما زعم، نقل
المعركة مع القاعدة إلى عقر
دارها، فقد اعتبر قادة هذه أن
إرسال الجنود الأمريكيين إلى
أفغانستان والعراق سهل عليهم
الحرب مع الأمريكيين لأسباب
كثيرة، لعل من أهمها: أنه ليس
لدى القاعدة إمكانات لوجيستية
لشن هجوم في عقر دار أمريكا،
فجاء بوش بالأمريكيين
إليهم. وأن القاعدة تقاتل
على أرض تعرفها، ما سهل عليها
وضع الخطط القتالية وتنفيذها.
وأن أعدادها القليلة ووضوح
الهدف عندها وهو قتال الغزاة،
كل ذلك كانت عوامل تساعدها وتفت
في عضد الأمريكيين.
وإذا كان تعثر إدارة بوش يكمن في
نهجه الأحادي ورفضه الاستماع –على
مانقل من داخل البنتاغون- إلى
أهل الخبرة من ضباط الجيش
الأمريكي، وانحيازه الأعمى إلى
المحافظين الجدد، وليس هذا هو
كل أسباب فشله، فإن الأمر الأهم
يعود إلى جهله وجهل أركان
إدارته بطبيعة الشعب العراقي
والشعب الأفغاني، وأن من أخذ
رأيهم من العراقيين، إنما كانوا
طلاب مال يوم كانوا في
المعارضة، وطلاب مناصب يوم تم
احتلال العراق، "ومن ليس فيه
خير لأهله فليس فيه خير للغريب".
عراقيا، حاول بوش أن يستعين
بأمراء الحرب الذين كانوا
يقيمون في إيران في عهد "صدام
حسين" مثل "عبد العزيز
الحكيم" وآخرين وفي زعمه أن
وقود الحرب سيكون من العراقيين
دون الأمريكيين. وإذا كان الأمر
قد تم له في البداية كما أراد،
واستطاع أن يشكل حكومة قوامها
من الشيعة الذين يدينون لإيران،
فإن ما لم يكن في حسبانه أن
العراق بدأ ينزلق إلى حرب أهلية
لم تكن في حسبان "بوش" ما
أحرجه أمام العالم وأمام
الأمريكيين.
لكن ما أقلق بوش أكثر أن معظم
فصائل المقاتلين –أكثرهم من
أهل السنة وفيهم فصائل من
الشيعة- لم تنجر إلى ساحة الحرب
الأهلية، وركزت جهدها على
مقاتلة الأمريكان وطورت وسائل
اصطياد الدبابات والمجنزرات،
وأدخلت تقنيات متقدمة في وسائل
الدفاع الجوي مما ساعدها في
صطياد الحوامات، حتى لقد تم
إسقاط 6 مروحيات فوق بغداد وما
جاورها في أسبوع واحد، وكل هذا
حرف معادلة المواجهة بين
الطرفين إلى آفاق مجهولة.
نحن نعتقد أن المعركة في العراق،
وربما في أفغانستان، قد أصبحت
محسومة، ليس لصالح بوش
بالتأكيد، وأن سياسة تجريب
الخطط الأمنية سوف تقابلها خطط
معاكسة، سواء أكان ذلك من
المستفيدين من الفلتان الأمني،
أو من الفصائل التي تحارب
الأمريكيين لطردهم من العراق.
ما لم يستوعب "جورج بوش"
الدرس سريعا، كما فعل "نيكسون"
في فيتنام، ويعيد
حساباته على أساس يضمن له
الانسحاب السريع من العراق بأقل
الخسائر، فإن انسداد الأفق
أمامه سيكون خطرا على أمريكا
قبل غيرها، لأن صلاحيات الرئيس
قد تدفعه إلى حروب جديدة،
وعندها لات ساعة مندم، مالم
يعمل عقلاء القوم في واشنطن على
حمل الرئيس الأمريكي على
الانسحاب من العراق وفورا.
يبقى أن نقول أن المقولة بأن خروج
الجيش الأمريكي السريع من
العراق سيدخل العراقيين في حرب
أهلية مقولة يروج لها واحد من
اثنين: إمامستفيد من الوجود
الأمريكي مثل أمراء الحرب
وآخرين، وإما جاهل بطبيعة
الأمور جهلا مطبقا. ما لا يريد
أن يعترف به البعض هو أن الحرب
الأهلية قائمة، وهي تحصد يوميا
مئات الأرواح، وأنها ستستمر بعد
الخروج الأمريكي، ولو إلى حين.
غير أن ما هو مؤكد أن دعاة الحرب
المذهبية في العراق هم قلة من
المستفيدين من الحرب ،وأن
الأكثرية الصامتة ترفض ذلك،
وفيهم زعماء عاقلون لكنهم
مغلوبون على أمورهم في الوقت
الحاضر. سنجد أن الخروج
الأمريكي –حتى المفاجئ- سيرغم
الجميع على التداعي إلى وقف
نزيف هذه الحرب الظالمة، ليلتقي
بعدها الجميع على أرضية مفادها:
دعونا نلتق على مبدأ المواطنة،
وعلى مبدأ لا غالب ولا مغلوب،
وستسعنا أرض العراق كما وسعتنا
من قبل، خلال أربعة عشر
قرنا،،،،
*كاتب سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|