ـ |
ـ |
|
|
|||||||||||||||
سوريا
إلى أين بقلم:
أيال زيسر* مجلة ميريا-مركز جلوريا للشئون الدولية-إسرائيل ترجمة
: قسم الترجمة / مركز الشرق
العربي هذه المقالة عبارة عن محاضرة
ألقيت في مركز جلوريا في
المؤتمر السنوي و الذي عقد تحت
عنوان" ما بعد لبنان: شرق أوسط
جديد؟" للجواب على هذا السؤال "سوريا
الى أين؟" فإننا سنتبع أقصر
الطرق وأكثرها اختصاراً عبر
قولنا: الى المجهول. فإذا كان
بشار الأسد يرى من خلال خطابه
حول حالة الأمة بأن العام 2006 شهد
استقراراً في سوريا و تحسناً في
الظروف الإستراتيجية و
الجغرافية و السياسية في
المنطقة بشكل عام. فانه و وفقاً
لهذه النظرة لا يرى أي سبب مقنع
لعمل أي شئ يصنع أي فارق. و على العكس من ذلك فقد كان عام 2005
عاماً كارثياً على النظام في
دمشق. فالأمور بدأت تفسد شيئاً
فشيئاً مع الجزء الأخير من عام
2004, عندما قامت سوريا بالتدخل
السافر من اجل التمديد غير
الشرعي للرئيس اللبناني أميل
لحود فترة رئاسية أخرى, وقد تبنى
مجلس الأمن القرار رقم 1559 و الذي
يدعو الى الانسحاب السوري من
لبنان. و في شهر فبراير من عام 2005
تم اغتيال رئيس الوزراء
اللبناني السابق رفيق الحريري,
وبغض النظر عما اذا كانت سوريا
مسئولة عن ذلك أم لا فان الأمور
في لبنان بدأت بالتسارع و تمخض
عنها "ثورة الأرز". و
الحكومة الموالية لسوريا
انهارت مع المد الجماهيري القوي,
وتم انتخاب حكومة جديدة معارضة
للسوريين تماماً ولديها و لاءات
غربية. و المسئول السوري الذي كان
عنواناً للنفوذ الأجنبي في
بيروت "رستم
غزالة" توقف عن لعب ذلك الدور.
و في بدايات شهر مارس 2005 اضطر
الأسد الى إعلان انسحاب القوات
السورية من
لبنان. وقامت الجموع الغفيرة من
اللبنانيين باقتحام المقار و
المعسكرات التي تركها السوريون
وتم تدميرها بالكامل. وكذلك
قامت الجموع بتمزيق صور الرئيس
بشار و صور والده حافظ الأسد كما
تم تدمير جميع النصب التذكارية
المتعلقة بهما و إزالة صورهم عن
لوحات الإعلان في شوارع لبنان. وقد بدا الأمر وكأنه نهاية
للحقبة السورية في لبنان. ولم
يكن باقي عام 2005 أفضل من بدايته.
ففي سبتمبر وجد وزير الداخلية
غازي كنعان منتحراً في مكتبه-حسب
الادعاء السوري – و في أكتوبر
وجه المحقق الدولي في قضية
اغتيال الحريري ديتليف ميليس
أصابع الاتهام الى القصر
الجمهوري في دمشق. و قد طلب
ميليس التحقيق مع بشار نفسه. و
في آخر يوم من العام 2005 قام
المحارب القديم و نائب رئيس
الجمهورية السابق عبد الحليم
خدام بإعلان الانشقاق و أصبح
على رأس المعارضة السورية. جماعة الإخوان المسلمين التي
حاولت في الماضي اغتيال خدام
انضمت إليه أيضاً, وأبدى
الطرفان خدام و الإخوان مرونة
في قبول المساعدة من الولايات
المتحدة. و مع نهاية العام 2005
كان الاستقرار و القوة التي
تبجح بها بشار تؤول الى الدمار.
و لكني أعتقد أنه ومن جميع
النواحي فان العام 2006 شهد عودة
الاستقرار و الهدوء الى سوريا. انه من اللافت للنظر مدى قدرة
عائلة الأسد
المحافظة على هذه الصورة
الكبيرة لسوريا على الصعيد
الدولي. وقد وصف موت حافظ الأسد
بأنه رحيل لقائد عظيم. ولكن في
الحقيقة فانه وبعد 30 سنة في
الحكم فان ما تركه خلفه في الحكم
هو دكتاتورية مهشمة ومتداعية
وقد تكون فاشلة. وإحدى ادعاءات
هذا النظام هو أنه يمثل حالياً
ما نسبته 50% من الصراع العربي
الإسرائيلي. في الحقيقة فان
حافظ الأسد لم يكن رجلاً عظيماً.
فهو لم يكن من نوعية الرجال
الذين يتخذون خطوات إبداعية.
لقد كان رجلاً لديه القليل من
الإنجازات. ولكن حافظ الأسد عمل بعض الأشياء
بشكل جيد, وخصوصاً فيما يتعلق
باقتناص الفرص التي تأتي من
إخفاقات أعدائه. فقد استخدمت
سوريا حرب العام 1982 مع اسرائيل
بشكل جيد حيث استغلت الوضع
وعملت على إحكام قبضتها على
لبنان. وبهذا العمل استطاعت
سوريا الحصول على دعم كل من
أمريكا و اسرائيل. وقد كان
الحديث وقتها بأن سوريا وفقط
سوريا هي التي تستطيع فرض
النظام و السيطرة على لبنان, وهي
الفكرة نفسها التي يعاد إحياؤها
مجدداً هذه الأيام حول كيفية
إعادة الاستقرار الى لبنان. وبدرجة كبيرة فقد استطاع بشار أن
يتقمص شخصية أبيه بسرعة لم تكن
متوقعة. فبشار يسيطر على الحكم
في بلاده منذ 6 سنوات. وهي ليست
بالفترة القصيرة, ان 6 سنوات هي
فترة كافية من الوقت ليقوم بشار
بعرض بعض من حكمته في الحكم. لقد
تمكن النظام من البقاء لمدة 6
سنوات وحالة الحكم مستقرة بشكل
عام. و ليس هناك أي تهديد حقيقي
يعرض وجود النظام للخطر, بغض
النظر عن إمكانية انجرار النظام
نحو الهاوية بسبب تبعيته لإيران.
وعملياً فانه ليس لدى الإدارة
الأمريكية الكثير لتهدد به
النظام السوري فبعد ما حصل في
العراق فان أمريكا ليست في موقع
يسمح لها بشن أي هجوم عسكري على
سوريا أو غيرها, أضف الى ذلك أنه
ليس هناك معارضة حقيقية منظمة
ضد النظام السوري. ان نجاح بشار في بناء وضعيته
الحالية في سوريا يمكن ان يعزى
الى عاملين رئيسيين هما: أولاً: السياسة القائمة على
مناهضة المشروع الأمريكي و
الغربي في المنطقة؛ وهو من
الأمور التي تتمتع بشعبية عالية
في الوطن العربي بشكل عام وفي
سوريا خصوصاً, ان هذا الأمر قد
يكلف سوريا بعض التكاليف, و لكن
في الحقيقة فان ربحيته ومنافعه
أكبر من تكاليفه. ثانياً: ان كل سوري ينظر الى
الوضع العراقي الحالي بعد
العملية الأمريكية لفرض
الديمقراطية فيه يفضل أن يبقى
تحت النظام الدكتاتوري الحالي
على أن يتم تحريره كما في الحالة
العراقية, حيث العنف و الحرب
الأهلية و فقدان الحد الأدنى من
الأمان, حيث يشعر السوريون
حالياً بالأمان داخل بلادهم إذ
يستطيعون الذهاب الى المدارس
والعمل والتسوق دون التعرض
لمشاكل أمنية كما يحصل مع
العراقيين. وهذا العامل يزيد من
قوة بشار بشكل كبير. وهكذا فان النظام يشعر
بالاستقرار. و في هذا السياق,
فان بشار هو الشخص المسئول عن
صنع القرار, ونحن نشاهد بشار
الصحيح. ان أي شخص يعتقد أن بشار
سيقوم بثورة داخلية ويحول سوريا
الى سويسرا, أو حسب كلام بشار أن
تتحول سوريا الى " بيئة كبيئة
بيل غيتس" فان سيصاب بخيبة
أمل بدون أي شك. ان بشار يتبع
أسلوب وطريقة والده في الحكم,
دون أي خرق أو عمل أي تغيير
دراماتيكي. فنحن بكل بساطة نرى
نسخة أخرى من حافظ الأسد. و لنأخذ على سبيل المثال "الرومانسية"
التي أبداها بشار مع الرئيس
العراقي صدام حسين منذ عام 2000
الى لحظة سقوطه, فلقد سمح لصدام
بتهريب النفط عبر الأراضي
السورية. و ليس من المعروف لحد
الآن ما إذا قام بإخفاء أسلحة
غير تقليدية لنظام صدام عنده. ان
هذه العلاقة الرسمية ما بين
سوريا والعراق قد أصبحت صداقة
حميمة مع النظام العراقي. ان هذه
الاستراتيجية ليست جديدة فهي
تعود الى أيام حافظ الأسد. ان
الرومانسية التي مورست مع إيران
والتحالف مع حزب الله لم يبدأ
أيام بشار. و كذلك فان بشار لم
يكن هو البادئ في الدعوة الى
السلام مع إسرائيل. والحقيقة هي
أن بشار يقوم بالسير على خطى
والده, و ان كانت خطواته أقل دقة
وحذراً وأكثر تردداً من سلفه. إحدى الصور التي تم استخدامها هي
أن انه وتحت حكم حافظ الأسد فان
القيادة السورية هي التي كانت
تقود المعركة مع جلوس
الإيرانيين الى جانبها في
المقعد الأمامي و جلوس حزب الله
في المقعد الخلفي. و اليوم فان
السوريين قد تخلوا عن مقعد
القيادة, وهذا يدفعنا الى
التساؤل ما اذا كانت العلاقة
واحدة ما بين الرعاة الإيرانيين
و العملاء السوريين—وهو الأمر
الذي لم يسبق أن حدث إبان حكم
حافظ الأسد. وهكذا فبينما تكمل
السياسة السورية نفس النهج بنفس
القوة فان هناك أيضاً بعض
التغييرات الحاصلة التي تظهر
بعض المشاكل و التدهور في كل من
القوة و الفعالية السورية و
الحرص الذي كان موجوداً أيام
حافظ الأسد. ان دعوة بشار الى صنع السلام مع
اسرائيل ما هي بالأمر المفاجئ و
لا الجديد. و الذي يتتبع مقابلات
ولقاءات وخطابات بشار التي
يلقيها كل أسبوعين أو ثلاثة منذ
قدومه الى السلطة سيجد انه في كل
منها يدعو اسرائيل الى صنع
السلام مع سوريا. و أنا اعتقد
جازماً ان بشار قادر على عمل
أمور كان والده قادراً عليها من
قبله. في بعض الأحيان نسمع أن
سوريا تريد الدخول في مفاوضات
سلام غير مسبقة الشروط, ولكن
سرعان ما يتم نفي ذلك. ان هذه
الشروط تعني الانسحاب الى ضفة
البحر في الجليل. وهذا الأمر يجب
فهمه وأخذه بالحسبان. وهذا
الأمر نفسه الذي كان مطروحاً
للنقاش منذ بدايات مرحلة
التسعينات, وحتى الى نهاية
التسعينات. ومن هذا المنظور
فليس هناك أي شئ جديد في دعوات
بشار المتكررة. ومن المهم ان نلاحظ أنه عند
الحديث عن هذه الدعوات, فإننا
نتكلم عن أصعب شريك مفاوض في
العالم العربي. نحن لا نتحدث عن
السادات القائد المبدع و الذي
كان يمتلك رؤية وثقة عالية
بالنفس, و الذي حضر بنفسه الى
القدس و اقنع كل إسرائيلي أن
لديه اهتماماً جدياً بالسلام.
وفي الغالب, فان البادرة الوحيدة
التي نتوقع تلقيها من النظام
السوري ليست بالضرورة أن تكون
حركة دراماتيكية يقوم بها بشار,
بل قد يكون ظهور جديد لخالد مشعل
على التلفزيون السوري معلناً عن
هجوم إرهابي جديد, ان هذه هي
البوادر الوحيدة
الموجودة لدينا حتى الآن.
يجب علينا أن نفهم أن سوريا كانت
دائماً صعبة, وفي هذه الأيام
وكما هي العادة فستبقى سوريا
على حالها ولن تتغير. على أي حال
فمن يعتقد أن هناك مصلحة
استراتيجية لإسرائيل بأن تعمل
سلاماً مع سوريا وبمقدوره أن
يدفع الثمن, في هذه الحالة فقط
أعتقد أن بشار شريك , ومن الممكن
تحقيق هذا الهدف معه.
حسناً, مفاوضات ولكنها ليست
ذات صلة. و بالاعتماد على كل ما ذكرته
سابقاً, فإذا قام شخص ما بالذهاب
الى دمشق وهز يده فانه سيجد
شخصاً ما يتحدث إليه. ان الحكومة
الإسرائيلية حالياً مشغولة
بتامين بقائها السياسي. و ليس
لديها الوقت الكافي لمناقشة هذا
الموضوع لمعرفة ما إذا كان
الموضوع مهماً لها أم لا. أنا في
الحقيقة أحترم الحكومة التي
تقول: "ان هذه نظرتي وهذا
تصوري للعالم من وجهة نظر
استراتيجية". وهذا الموضوع ما
لا تفعله اسرائيل ويجب عليها أن
لا تفعله. أنا في الحقيقة لدي
درجة احترام أقل للحكومة التي
تجعل كل همها هو الحفاظ على
بقائها السياسي . و فيما يتعلق بالولايات المتحدة,
لا أرى أي تغيير في موقفها
القائم على أن
بشار ليس شريكاً يعتمد عليه, بل
وتعتبره نظاماً شريراً يجب
المساعدة في الإطاحة به. وهذه هي
القضية برمتها, لا يوجد خوف من
استئناف التفاوض بين اسرائيل
وسوريا في 15 أغسطس من العام 2006 وعندما
ألقى بشار خطاب النصر الذي أعلن
فيه انتصار حزب الله على
اسرائيل, فقد سمعنا نغمة جديدة.
تردد صداها قبل وبعد الخطاب. فقد
قال بشار يومها أنه يريد السلام
مع اسرائيل و انه قادر على توقيع
معاهدة سلام ثنائية. و أشعر أنه
من الضروري ملاحظة ان الرئيس
بشار لا يزال يشدد بان اهتمامه
الأكبر ليس بحزب الله أو بأحمدي
نجاد بل ان ما يهمه هو معاهدة
السلام مع اسرائيل. و لا أدري
الى متى سيستمر بشار في ذلك. وكما أُخبرنا فإنهم يقومون في
سوريا بإزالة صور بشار ووالده و
أخوه باسل و يضعون مكانها صوراً
لبشار بجانب أحمدي نجاد و
نصرالله. أنا أعتقد أن هناك
شيئاً ما خلف السطور, "أنا
أريد معاهدة سياسية" و يقول
بشار أيضا أمراً آخراً:"أنا
أفهم أنكم غير مهتمين بدعواتي
للسلام, ومن أجل ذلك أنا أقوم
باكتشاف خياراتي الأخرى".
ولكن ما معنى هذا؟ هل يعني ذلك
أنه أراد الدخول في حرب مع
اسرائيل؟ أنا لا أريد التظاهر
بأني أستطيع أن أقرا أو أفهم ما
يرمي إليه الرئيس بشار في كلامه.
فهو لم يقل بأنه يريد الدخول في
حرب مع اسرائيل في الصيف. و هو لم
يقل بأنه سيدعم الدروز في
الجولان ليقوموا بانتفاضة ضد
اسرائيل. ولم يقل أيضاً بأنه
يريد تصعيد الأمور على طول
الحدود مع اسرائيل أو أنه سيقوم
بشن هجمات إرهابية كما فعل حزب
الله. ولكني أعتقد انه ومن وجهة
نظره فانه يقول لنا بأنه يوازن
خياراته الأخرى للعمل. في الوقت الحالي, فان بشار و
المسئولين السوريين ووسائل
الإعلام السورية يقولون بأن
عملية السلام قد أصبحت خياراً
بالياً و يجب ان يقوم السوريون
بتجربة الخيارات الأخرى. من
المحتمل ان السوريين سوف يخلصون
الى نتيجة مفادها أنه في الواقع
ليس لديهم خيارات استراتيجية
أخرى و بالتأكيد فان الخيار
العسكري غير وارد. وفيما يتعلق
بنظرة السوريين الى الحرب مع
اسرائيل, ترى ما الذي حصل في هذه
النقطة بالتحديد؟ ان صواريخ حزب
الله قد أسكتت و حيدت اسرائيل
وجعلتها تقبل بحل وسط. ان هذا
الأمر ليس كارثياً الى تلك
الدرجة, ولكن من المحتمل أن
يعتقد السوريون بأن اسرائيل
مصممة وعازمة على تدمير سوريا,
وعلى هذا فان الخيار العسكري
مستبعد. و بالتالي فانه من
المحتمل بأنهم يقومون بدراسة
خيارات أخرى. في الحقيقة لست أدري الى أي
النتائج سيخلص
السوريون في النهاية, و لكن
في الوقت الحالي, وكما أعلن بشار,
فان القيادة والشعب السوري
يعيدون التفكير في العملية
السلمية برمتها. أعتقد أن علينا
أن نكون لبقين أكثر مع الأصوات
التي تأتينا من دمشق, وكما إنني
آخذ على محمل الجد تصريح بشار
بأنه قادر على التوقيع على
معاهدة سلام مع اسرائيل. و يجب
علينا أن نأخذ هذه التصريحات
على محمل الجد كما علينا أن نفكر
بالتهديدات الحقيقية التي
سنواجهها في حالة عدم الوصول
الى سلام, ان سوريا ستأخذ
باعتبارها الخيارات الأخرى. *باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط
وأفريقيا في جامعة تل أبيب http://meria.idc.ac.il/journal/2007/issue1/jv11no1a6.html ----------------- نشرنا
لهذه المقالات لا يعني أنها
تعبر عن وجهة نظر المركز كلياً
أو جزئياً
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |