من الصحافة التركية
نهاية
الجمهورية الأولى
سردار
تور غوت
عصر الجمهورية الثانية سيبدأ في
تركيا بعد الانتخابات حيث
سيتخلص النظام من مخاطر
الانهيار والسقوط من خلال
الأحداث الأخيرة .
دائما تصيبني الدهشة بعد عودتي
من الخارج من زحمة الأحداث
وتراكم المشاكل ..فإذا كان هذا
الحال بالنسبة لي كمتابع
للأحداث فإنني تواق لمعرفة كيف
يستطيع الناس المشغولون
بأعمالهم اليومية متابعة
الأحداث ..
طبعا هذا الأمر ينطبق على بقية
بلدان العالم ,فكثيرا ما تطغى
الأخبار المحلية لتملأ جل
أوقاتكم وهذا
أمر طبيعي جدا..لكن ما يجعل
الحال متميزا في تركيا عن بقية
البلدان هو أهمية تلك المشاكل
الداخلية وعمقها .فإذا أجرينا
مقارنة نجد سبب ذلك أننا لم
نتوصل إلى نظرة مشتركة أو توافق
حيال الأمور الأساسية التي تشكل
صميم نظام الحكم ..ففي البلدان
الأكثر استقرارا يكون هناك
توافق وتقارب في وجهات النظر
حول القضايا الرئيسية مما يجنب
نظام الدولة التخبط وفقدان
التوازن أثناء تتفجر الأزمات
السياسية .. أما النظام الحاكم
في تركيا فهو عرضة للتخبط
وفقدان التوازن باستمرار بسبب
عدم وجود حد أدنى من التوافق
والتقارب في وجهات النظر فأي
مشكلة أو جدال يحدث في المجتمع
سرعان ما يتحول إلى قضية تخص صلب
النظام ..هذا هو الحال في
البلدان التي لا تمتلك التوافق
تبقى دائما مضطربة وغير مستقرة
.. وقد رأينا مرة أخرى من خلال
أحداث انتخابات رئاسة
الجمهورية الوضع في تركيا كم هو
متشنج وقابل للانكسار لأننا لا
نملك رؤية توافقية حول المسائل
والقضايا الأساسية لذلك أصبحت
مسألة انتخاب رئيس الجمهورية
مشكلة النظام ...
في البلدان المضطربة والقابلة
للانكسار يشكل الناس قناعاتهم
مجردة من ملابساتها التاريخية
مما يجعل تصرفاتهم وأحاديثهم
تزيد في حدة الاضطراب والانكسار
..
مثلا أجد صعوبة في فهم أهداف
المهرجان الذي نظم اليوم في
أنقرة على وجه الدقة ... إذ حسب ما
فهمت من الخطابات والتحركات ..هناك
أناس عندهم قناعة بأن أردوغان
إذا أصبح رئيسا لتركيا فهذا
بزعمهم يعني نهاية الجمهورية .
طبعا سنرى مدى قوة هؤلاء وحجمهم ..
لكن نحن أمام مشكلة في غاية
الأهمية هي أن الاسم الذي
يعترضون عليه هو رئيس وزراء هذا
البلد وليس غيره .. ألا يحمل هذا
الفعل نوعا من التناقض من
الناحية الفلسفية على الأقل ؟..إذ
كيف يشكل إنسان يشغل منصب رئيس
الوزراء منذ سنوات طويلة تهديدا
للنظام .. هذا أمر يصعب فهمه .. إن
رئيسا للجمهورية ذا نوايا سيئة
سيتسبب -بلا شك – في مشاكل
وقلاقل للبلد ..هذا أمر يمكن
فهمه
لكن رئيسا للوزراء سيء النية
سيجلب المشاكل والمصاعب أيضا ..
لكن يجب أن لا ننسى أن النظام
يملك الآليات اللازمة للتصدي
لمثل هذه الحالات وهو قادر على
حماية نفسه ...إذن موضوع هذه
النقاشات ليس مشكلة اليوم إنما
هو مشكلة المستقبل .. موضوع
اليوم هو مناقشة احتمالية تحول
رئيس الوزراء إلى رئاسة
الجمهورية من منظور تاريخي ..لنتذكر
أن النظام حاول جاهدا ولفترة
طويلة من الزمن نعت رئيس
الوزراء بأنه شخص يشكل تهديدا
للنظام ... ولا ننسى أن رئيس
الوزراء نفسه كان في السجن قبل
فترة قصيرة من ارتقائه لهذا
المنصب ... والى جانب هذا كله
بذلت أحزاب النظام والقوى
الحامية له قصارى جهدها من أجل
عرقلة وصول حزب العدالة
والتنمية إلى الحكم ,لكن كل
محاولاتهم باءت بالفشل ... لذا
يجب قراءة هذا الحراك السياسي
بشكل صحيح وهذا معناه وجود تيار
جارف يسير باتجاه معين والوقوف
أمامه أو محاولة إيقافه أمر
مستحيل ..بل إنني على قناعة تامة
أن الجمهورية ستزداد قوة إذا
وجه هذا الحراك بشكل صحيح ..
إذا أطلقنا اسم "الجمهورية
الأولى" على الفترة من أيام
حكم الحزب الواحد إلى يومنا هذا
.. حيث لم يتم دمج وتكامل قيم
المجتمع والدين تحديدا داخل
هيكل نظام الحكم ,ونظرنا من هذه
الزاوية تحديدا نجد عهد "الجمهورية
الأولى" لم يكن ناجحا .
هناك فرصة كبيرة لتركيا من خلال
انتخابات رئاسة الجمهورية لحل
مشاكل عهد "الجمهورية الأولى"
وتقويم الاتجاهات الخاطئة ,وسيكون
في مقدورها بدأ عهد "الجمهورية
الثانية" كما سيتمكن النظام
نتيجة هذه التطورات من التخلص
من خطر انهيار هائل ...
إن "الجمهورية الأولى" لا
تملك القدرة على حل مشاكلها
البنيوية المزمنة .هذه المشاكل
كانت وما تزال تنخر عظم النظام
من الداخل وتدفعه للموت البطيء
..
وإن مجيء حزب العدالة والتنمية
إلى الحكم قد فتح الطريق أمام
النظام كما
نجحت الحكومة برئاسة أردوغان في
توجيه دفة الحكم وحل المشاكل ..كذلك
تخلصت تركيا -ولو لفترة - من
الاحتقان والتأزم ,وحققت نجاحات
كبيرة على الصعيد الاقتصادي (هذا
النجاح حظي بإجماع دولي ولا أحد
ينكره )..
دائما كان هناك أناس حاولوا
اختلاق الأزمات وافتعال
المشاكل وهم مستمرون في
محاولاتهم إلى يومنا هذا,لأنهم
لا يزالون مقتنعين بصحة أفعالهم
كما هو الحال طوال عهد "الجمهورية
الأولى" لكن هذا الأسلوب غير
مجد حاليا فهناك أشياء كثيرة
تغيرت في تركيا وفي العالم ,وعليه
يجب تقديم حلول تتناسب مع ظروف
العالم المتغيرة ..
إن خير من يمثل عهد "الجمهورية
الأولى" هو رئيس الجمهورية
"سيزار" الذي برهن من خلال
خطابه التصعيدي البارحة على عقم
ذلك النظام وعجزه عن إيجاد أي حل
لأي مشكلة ..
طبعا يجب تفهم تحفظات المحتشدين
في هذا المهرجان .ويتحتم على حزب
العدالة والتنمية الذي تسلم هذه
المسؤولية التاريخية أن يأخذ
هذه التحفظات بعين الاعتبار
وعلى محمل الجد..
يتخوف الناس بعد وصول أحد أعضاء
حزب العدالة والتنمية لرئاسة
الجمهورية وقيام حكومة الحزب
باتخاذ إجراءات من شأنها تغيير
نظام الحكم .. وهذا تخوف مشروع .
هذه المجازفة كان على "الجمهورية
الأولى" تحمل تبعاتها لأن
الحراك الداخلي الذي أفرزته كان
يتقدم بهذا الاتجاه .. كما أن
دخول هذه المجازفة بقيادة الطيب
وحزب العدالة والتنمية كانت
مناسبة جدا لأن رئيس الوزراء
يعلم عن قرب ما تواجهه الدولة
التركية من مشاكل و ما هو مهم
وحساس بالنسبة لها وقد تعَلم
كيف يكون رجل دولة من خلال
رئاسته لمجلس الوزراء .
يدور الحديث هذه الأيام عن "الجوهر
والظاهر" ..المهم في الأمر أن
الشخص الذي سوف ’ينتخب من قبل
حزب العدالة والتنمية إذا قام
بإجراء بعض التعديلات والرتوش
دون المساس بالقواعد الأساسية
للنظام فإن ذلك سيحقق النجاح
المطلوب في هذه الحقبة
التاريخية , كما يجب على الأشخاص
الذين يضطلعون بمسؤوليات
تاريخية ألا ينسوا أنهم عند
تجاهلهم حساسيات بعض فئات
المجتمع فإن النظام يملك
الآليات والقدرة على حماية نفسه
وحماية فئات المجتمع تلك , وسوف
لن يتأخر في تفعيل هذه الآليات
عند الحاجة.. لكن مجرد التفكير
في مثل هذه الأمور أمر غير
مستحسن ..
لقد نجحنا في تخطي الأزمة وحصلنا
على فرصة الاستقرار الداخلي
فلنستعملها بالشكل الصحيح ...
هذه هي قضية اليوم ..أما ما يجب
فعله حيال من يريدون زعزعة
الاستقرار الداخلي فهي مشكلة
المستقبل نناقشها عندما يحين
وقتها ...
-----------------
نشرنا
لهذه المقالات لا يعني أنها
تعبر عن وجهة نظر المركز كلياً
أو جزئياً
|