أنموذج
للتفكير .. للاطلاع وبدون تعليق
مركز
الشرق العربي
منذ
حرب الأيام الستة ،
ومشاكل
الاحتلال تستنزف مستقبل الدولة
مير
شاليف
5
حزيرن 2007
ترجمة
: قسم الترجمة في مركز الشرق
العربي
*
مير شاليف هو مؤلف كتاب "A
Bigeon & a Boy"
الذي سيتم إصداره في الولايات
المتحدة في شهر أكتوبر، وهو
أيضاً محرر العامود في جريدة
"يديعوت أحرنوت"
الإسرائيلية اليومية . وقد
ترجمت هذه المقالة من اللغة
العبرية من قبل إيفان فولنبرغ.
القدس
: لقد ولدت خلال حرب عام 1948،
والتي نُطلق عليها نحن
الإسرائيليين اسم "حرب
الاستقلال". في ذلك الوقت،
كنا نحارب الفلسطينيين والأمم
العربية التي رفضت خطة التقسيم
التي طرحتها الأمم المتحدة،
والتي تتضمن تقسيم فلسطين إلى
دولتين.
لقد
كانت أمي تحملني في أحشائها في
القدس التي كانت حينها تحت
الحصار. حيث كانت القدس تتعرض
للقصف ولم يكن فيها لا ماء ولا
غذاء ولا دواء. وكان خالي
محارباً، حيث كانت مهمته حماية
قوافل المؤونة التي كانت تحاول
الدخول إلى المدينة. ولما أصبحت
أمي في شهرها الثامن، تمكّن
خالي من تهريبها إلى خارج
المدينة عبر التلال إلى وادي
جزريل، وهو المكان الذي ولدت
فيه أمي. وبعد ثلاثة أشهر، التمّ
شملنا نحن الثلاثة في نفس
المستشفى : أمي وأنا في قسم
التوليد ، بينما كان خالي يكافح
للبقاء على قيد الحياة بعد أن
اخترقت عينه جزء من شظية
واستقرّ في جمجمته.
وبعد
حوالي تسعة عشر عاما ، أي خلال
حرب الأيام الستة في عام 1967 (
التي بدأت في 5 حزيران)، حان دوري
أنا لأحارب. وقد اشتركت في
المعارك التي كانت تهدف إلى
السيطرة على مرتفعات الجولان.
وبعد انتهاء الحرب بعد عدة
أسابيع، تم إعطائي إجازة وعدت
إلى منزلي في القدس. وقد اصطحبنا
والدي في جولة إلى عدة أماكن
كانت تعتبر في حينها محرمة
علينا (يمنع علينا دخولها) في
ذلك الوقت : الجدار الغربي،
والحي اليهودي في المدينة
القديمة، وجبل الهيكل ، وقبر
جدي في جبل الزيتون. لقد كانت
العواطف تغمر والدي، فخلال أيام
طفولتي كان والدي يأخذنا في
جولات على طول السياج الحدودي
الذي كان يخترق المدينة ، حتى
يُرينا هذه المواقع عن بُعد.
في
اليوم التالي، تجولنا في الضفة
الغربية لزيارة الأماكن التي
تجوّل فيها أبطال الكتاب المقدس.
ولطالما أحببت القصص التي كان
والدي يرويها ، وكنت متأثراً
جداً بحماسه، لكنني أخبرت والدي
أن نصرنا هذا سيعمل ضدنا في
المستقبل، فأجابني :"لدينا
مقدار ضئيل من شيء ما سيخنقنا".
أنا أذكر بالضبط هذه الكلمات
التي قالها والدي لأنها جعلته
حانقاً بشدة لدرجة أنني كنت
سعيداً للغاية للعودة إلى وحدة
الجيش في الصباح التالي.
وبعد
عدة أشهر، تعرضت إلى إصابة سيئة
وتم إدخالي إلى المستشفى في نفس
المكان الذي ولدت فيه. وقد تم
تسريحي من الجيش بسبب تلك
الإصابة. وعلى مدى السنين، قام
أصدقائي بتأدية خدمتهم
الاحتياطية في قطاع غزة ويهودا
والسامرة، تماماً كما فعل
أبناؤهم الذين نشئوا ودخلوا
الجيش مثلي. وقد عرفت منهم
الأحداث التي دارت في هذه
المناطق، وأن هناك ثمن يتوجب
علينا دفعه لأننا افترضنا
ملكيتنا للأماكن المقدسة
وإنشاء المستوطنات ولإقامة أرض
يهود الكبرى.
لقد
مرّ أربعون سنة على حرب الأيام
الستة، وقد توفي كلا والدي. لم
أكن أستطيع مناقشة والدي في
مواضيع تتعلق بالسياسة، ففي
الواقع، لقد وضعنا حداً لذلك
عندما كان على قيد الحياة، فقد
وجدنا أن مناقشة "الأدب" هي
أكثر متعة.
أربعون
سنة مرّت، وبالفعل اختنقت
إسرائيل. فالدولة مشغولة
بمعالجة أمر واحد : الاحتلال –
المناطق المحتلة والفلسطينيين
والإرهاب والأماكن المقدسة
وبناء المستوطنات وإخلائها.
أربعون
سنة مرت، وإسرائيل أهملت كل ما
سعت حرب 1948 لتحقيقه : التعليم
والرخاء والصحة والأبحاث.
"أربعون
عاماً" ليس فقط رقم دوري، بل
هو تاريخ يحمل معاني تقليدية؛
هو الرقم الذي يعمل الرب من
خلاله على تأكيد رغبته : فقد
استمر الطوفان لأربعين يوماً
وليلة ؛ والنبي موسى بقي على جبل
سيناء لأربعين يوماً وليلة ؛
وتاه اليهود في الصحراء لأربعين
يوماً ؛ والنبي عيسى حبس نفسه
هناك لأربعين يوماً أيضاً. يبدو
لي أن الرب قد ضجر ( تعالى الله )
من الشخصيات الدينية ومسئولي
الجيش والسياسيين الذين يدّعون
أنهم يتحدثون باسمه. فالرب
يستغل هذه اللحظة ليعلم الجميع
أنه قد حان الآن وقت تسديد
الديون.
وبعد
أربعين عاماً على ذلك الانتصار
العظيم، فإن الرب يُثبت لنا أن
الفلسطينيين ليسوا وحدهم الذين
يدفعون ثمن الاحتلال
والاستيطان بل وأيضاً
الإسرائيليين.
أربعون
عاماً، وإسرائيل مجبرة على
الاختيار أيهما أهم : حياة
أبنائها وبناتها، أم قبور
أجدادهم !
أربعون
عاماً لجيش همّه الأكبر إنشاء
عقبات في الطرق واحتجاز المتشبه
بهم واغتيال الأعداء وحماية
المستوطنات، مما أوصلنا إلى
أعلى درجة من الغطرسة وأدنى
درجة من المقدرة والقوة التي
ظهرت جلياً في أداء قوات الدفاع
الإسرائيلية خلال الحرب
الأخيرة في لبنان.
أربعون
عاماً من التعامل الخادع والنذل
في المناطق المحتلة والتي نتج
عنها أن تسرّب الفساد إلى
مجتمعنا وسياستنا.
أربعون
عاماً، ويتوجب علينا أن نتفق مع
حقيقة أن إسرائيل ليس بمقدروها
أن تنمّي الديمقراطية في المنزل
بينما التمييز العنصري يمارَس
في الفناء الخلفي للمنزل.
أربعون
عاماً، ولأول مرة نستطيع سماع
أصوات تشكك في إمكانية بقاء
الدولة اليهودية لأربعين عاماً
أخرى.
لقد
ولدتُ خلال حرب الاستقلال التي
أكرهتنا عليها الدول المجاورة
التي رفضت تقسيم فلسطين،
وبالتالي جلبت الهزيمة والخراب
والمحن لأنفسها. لقد شاركت في
حرب الأيام الستة التي أدت إلى
أن تضل إسرائيل وتخطئ بشكل
مشابه : التطرف والتعصب
والحماقة، وأن نكون مُغرقين
بالقوة والمزيج السيء من
السياسة والدين، كل هذه العوامل
أدت بنا إلى اتخاذ قرارات غير
حكيمة ؛ فالمستوطنات تستمر في
النمو والتوسّع، والإرهاب يصبح
أقوى، والكراهية أعمق، لكن
المبدأ الذي تم تقديمه قبل ستين
عاماً مضت هو صحيح الآن تماماً
كما كان في الماضي : التقسيم ؛
شعبين ودولتين : إذ يتوجب على
إسرائيل أن تتخلى عن الأراضي
التي احتلتها في عام 1967، ويتوجب
على الفلسطينيين أن يتخلوا عن
الأراضي التي خسروها في عام 1948.
لكن كلا الطرفين ينقصه قائد
تملؤه الشجاعة والمقدرة
والتفوق لاختيار قرارات عظيمة.
بعد
سنة، سيصبح عمر دولة إسرائيل
وعمري أنا أيضاً ستون عاماً.
وكلانا لم يعد شاباً، ولكنني
سعيد لأقول بأنني أبدو بشكل
أفضل من إسرائيل؛ فإسرائيل فقدت
سمعها ولا تستطيع الرؤية ولا
إدراك الأمور بوضوح. والأسوأ من
ذلك كله، ترفض إسرائيل أن تخضع
للعملية (الجراحية) التي
ستعيدها إلى صحتها الجيدة.
-----------------
نشرنا
لهذه المقالات لا يعني أنها
تعبر عن وجهة نظر المركز كلياً
أو جزئياً
|