نظرة
إلى الوراء على الانتخابات
التركية
سعد
الدين إبراهيم ومنصور أكغون
القاهرة/إسطنبول –
كنا كلانا في تركيا قبل وبعد يوم
الأحد، 22 تموز/يوليو وهو يوم
الانتخابات البرلمانية التي
كانت موضوع نقاش عنيف. إذا أخذنا
بالاعتبار المظاهرات الخلافية
واسعة النطاق، والتدخل العسكري
الذي اتبع أسلوب ما بعد الحداثة
(عن طريق شبكة الإنترنت) حول
موضوع العلمانية، فقد كان هناك
مئات المراقبين الدوليين
المتلهفين يتوقعون حدوث أمر
مذهل مثير. ومع أنهم فزعوا، كما
فزع آخرون عديدون، فإن عملية
الانتخاب جرت بهدوء ونظام.
لم يجرِ الإبلاغ عن
أي عنف أو تلاعب. عدد الذين
صوتوا بلغ أعلى نسبة في تاريخ
انتخابات تركيا الديمقراطية (84،4
بالمئة). كما خضع الدور المثير
للجدل لحزب العدالة والتنمية
الإسلامي الديني للتجربة للمرة
الثانية خلال سنوات خمس، وفاز
فوزاً كبيراً.
كان المجتمع
السياسي التركي قد توقع هذه
النتيجة. المفاجآت القليلة التي
وقعت كانت لها علاقة بهوامش
أداء اللاعبين المختلفين. فرغم
أن حزب العدالة والتنمية كان
مؤهلاً للفوز بالغالبية، إلا
أنه حقق نتيجة أفضل بكثير مما
توقع، إذ حصل على 46،7 بالمئة من
الأصوات، وهي نسبة تزيد بواقع 12،4
نقطة عن فوزه عام 2002.
الجيش التركي كان
من بين الخاسرين، وهو لم يخفِ
يوماً ما ريبته من صعود نجم حزب
العدالة والتنمية في السماء
الاجتماعي السياسي للدولة. ومن
المعتقد بشكل واسع أن الجيش
بارك التظاهرة المناصرة
للعلمانية التي خرجت في بداية
الربيع، وكذلك توحّد أحزاب يمين
الوسط ويساره. ورغم أنه قد صُدّ
بوضوح من قبل الناخبين إلا أنه
يبدو أن الجيش يبدو كأنه يتعلم
كيف يدير مثل هذه المحن العامة،
في الوقت الراهن على الأقل.
أما زعيم حزب
العدالة والتنمية، رجب طيب
أردوغان، فقد ذهب إلى أبعد
الحدود في خطاب الفوز مساء
الثاني والعشرين من تموز/يوليو
ليهدئ من مخاوف الذين يُنقصون
من قيمة حزب العدالة والتنمية.
وقد أكد لجميع المهتمين التزامه
الصارم بالمبادئ العلمانية
للجمهورية التركية. كما كرر
بشكل مماثل توجهه نحو الانضمام
إلى الاتحاد الأوروبي، وتعهد
بفخر بالحفاظ على معدل النمو
الاقتصادي المرتفع لتركيا.
كان العالم بأكمله
يراقب تركيا في ذلك اليوم،
البعض بإعجاب والبعض الآخر
بسخرية، بحثاً عن أية مصيبة
تبرر بقاء تركيا خارج النادي
الأوروبي. إلا أن آخرين راقبوا
بقلق خوفاً من أن يضع الفوز
ضغطاً عليهم لاتباع النموذج
التركي. ومن بين المجموعة
الثانية الحكومات العربية
الاستبدادية، التي ننتقل الآن
إلى ردة فعلها.
فبينما هتفت أحزاب
المعارضة العربية والمجتمع
المدني والناشطون الديمقراطيون
لأنباء تركيا، كان هناك صمت
رسمي من طرف الحكومات العربية
كأنما جرت الانتخابات على كوكب
آخر. بعكس عناوين الصفحات
الأولى في الصحافة المستقلة،
قام الإعلام الذي تسيطر عليه
الدولة في العديد من الدول
العربية إما بتجاهل أو تأخير أو
التقليل من قيمة أنباء
الانتخابات التركية ونقلها إلى
الصفحات الداخلية أو ذكرها في
نهاية نشراتها الأخبارية.
بحلول اليوم الثالث
أو الرابع ذهب جهابذة الإعلام
هؤلاء إلى أبعد الحدود ليخبر كل
منهم جمهوره عن مدى اختلاف
الوضع في تركيا عنه في الدول
العربية. كما عاد البعض ليبرزوا
المشاكل الكردية والأرمنية
والقبرصية المزمنة بهدف إخماد
أي فرح عربي لنصر الجار إلى
الشمال.
وهذا يُذكّر، من
بعض النواحي، بردود الفعل
الباردة أو حتى المعادية من قبل
نفس الأنظمة العربية
الاستبدادية تجاه خطوة
موريتانيا الهائلة في التحول
إلى الديمقراطية. الرئيس الليبي
معمر القذافي، الذي قطع مرحلة
من سنته الثامنة والثلاثين في
الحكم الدكتاتوري، كان قد
استبعد تجربة موريتانيا على
أنها ممارسة في "القبلية
المتخلفة". لم يهتم أحد من
القادة العرب في المشاركة في
الاحتفالات التدشينية في نيسان/أبريل
2006 لرئيس موريتانيا المنتخب
ديمقراطياً.
من الواضح بشكل
زائد أنه عندما تقع تطورات كهذه
في دولة عربية أو ذات غالبية
مسلمة فإنها تثبت أنها محرجة
بشكل مضاعف. وقد يفسر هذا كذلك
جزئياً على الأقل، ما تقوم به
العديد من هذه الأنظمة، كما
تذكر التقارير، لإفشال جهود
إدخال الديمقراطية إلى العراق.
لقد انتصر حزب
العدالة والتنمية اليوم مرة
أخرى في انتخاب رئيس للجمهورية
يعتبر مركزه رمزياً إلى درجة
كبيرة، وهو حدث أصبح خلافياً
قبل بضعة شهور فيما يتعلق بحجاب
المرأة التي ستصبح سيدة تركيا
الأولى. إلا أن التحدي الذي
يواجه الحزب على المدى القصير
هو طلب الجيش استخدام الأساليب
العسكرية لسحق المتمردين
الأكراد في الجنوب الشرقي. وقد
قاوم أردوغان ذلك حتى الآن
سعياً وراء بدائل غير عنفية
ودعم من اللاعبين المحليين
والإقليميين.
تمكن حزب العدالة
والتنمية على المديين المتوسط
والطويل ليس فقط أن يصبح ضمن
التيار الرئيس بشكل راسخ في
السياسة التركية وإنما كذلك، من
خلال المثال الذي شكله هو، أن
يمهد الطريق لديمقراطيين
مسلمين آخرين، بأسلوب يشبه
أسلوب الديمقراطيين المسيحيين
في الغرب. الواقع أن حزباً
إسلامياً مغربياً يحمل نفس
الإسم بالعربية أصبح يشكل
منافساً رئيسياً في الانتخابات
البرلمانية التي تجرى في بداية
أيلول/سبتمبر.
ما وراء الشرق
الأوسط، قد تكون الانتخابات
الديمقراطية الأخيرة في تركيا،
مضافاً إليها نجاح أحزاب أخرى
ذات توجهات دينية في السنوات
الأخيرة في دول أخرى من
إندونيسيا إلى موريتانيا، تدفن
الافتراض المشبوه من "الاستثنائية
المسلمة". إذا استطاعت دول
مثل تركيا أن تبقى كأنظمة
ديمقراطية بوجود غالبيات
شعوبها المسلمة، لماذا لا
تستطيع غيرها فعل ذلك؟
ــــــــــــــــــ
* سعد الدين إبراهيم
ناشط في مجال حقوق الإنسان
ومؤسس مركز ابن خلدون لدراسات
التنمية في القاهرة بمصر. منصور
أكغون هو مدير برنامج دائرة
السياسة الخارجية في TESEV وهو بيت خبرة وبحوث
في اسطنبول بتركيا.
ــــــــــــــــــــ
مصدر
المقال: خدمة Common
Ground
الإخبارية، 28 آب/أغسطس 2007
www.commongroundnews.org
لقد
تم الحصول على تصريح حق نشر هذا
المقال.
-----------------
نشرنا
لهذه المقالات لا يعني أنها
تعبر عن وجهة نظر المركز كلياً
أو جزئياً
|