التناقض
الوهمي الباكستاني
نسيم
زهرة
إسلام أباد – بينما
تحتفل الباكستان بالذكرى
الستين لاستقلالها هذه السنة،
تستمر الاضطرابات السياسية
والمشاكل المزمنة مثل ارتفاع
نسبة الأمية والخدمات الصحية
غير المناسبة. إلا أن هناك قصة
لم تروَ: تمر الباكستان بفترة
إعادة إحياء ثقافية وسياسية.
وتعكس ثورة إعلامية
حقيقية، من مظاهرها ثلاثون قناة
تلفزة مستقلة، ألوان الباكستان
المتنوعة وآراؤه المتشعبة
وثقافته الدينامية. كما يمكن
تمييز روح ثقافية جديدة منتشرة
في الموسيقى والفن الباكستاني،
معمقة في الألوان والنسيج، تعرض
شعوراً عظيماً بالفرح
والارتباط في المشاعر.
ويتواجد جنباً إلى
جنب مع التضخم والفساد وانعدام
الأمن والصراعات في بلوشتسان
والمناطق القبلية المتحاربة في
منطقة القبائل، شعور بالتجديد
والفرح المتذمر. إلا أن الفرح
مقتصر على مناطق محددة. لذا يبقى
هذا التجديد في الباكستان غير
مرئي إلى درجة بعيدة من قبل
العالم الخارجي.
إلا أن هذا الإيقاع
الجديد يظهر بشكل موازٍ لمشاكل
الباكستان المزمنة من
الديمقراطية التي يرشدها الجيش
وعدم التسامح والميليشيات
العنفية المسلّحة.
أصبحت برامج الحوار
التلفزيونية تتمتع بشعبية
مثلها مثل البرامج الترفيهية.
أصبح الباكستاني العادي،
وبسرعة رهيبة، أكثر ثقافة فيما
يتعلق بالقضايا الوطنية. أخذ
الباكستانيون يتّحدون عبر
الفجوات الأيديولوجية والطبقية
والعرقية ليشاركوا في الحوارات
التلفزيونية.
رأب هذه الصدوع هو
الكفاح من أجل العدالة
والمساواة. الرغبة بالعدالة،
على سبيل المثال، تربط مجموعتين
تبدوان متعارضتين أيديولوجياً:
هؤلاء الذين قاتلوا دون هوادة
من أجل حكم القانون مع هؤلاء في
مسجد لال الذين خالفوا القانون
بشكل متكرر.
كذلك تشترك حركة
المحامين الذين أدت تظاهراتهم
إلى إعادة تنصيب كبير القضاة
افتكار شودري، مع الطالبان
الذين احتلوا دارا آدم خيل، وهي
بلدة صغيرة في مقاطعة حدودية
شمال شرق الباكستان، في هدف
مشترك.
ورغم انقسامهما على
محور أيديولوجي، يطالب كلاهما
بالعدالة من خلال حكم القانون
المفروض فرضاً. حركة الطالبان
المسلحة تطالب بتأكيدات من
الحكومة والمجلس الوطني
للحكماء كبار السن (الجيرجا)
بألا تكون هناك "أية حوادث
خطف أو سرقة سيارات أو إصدار
شهادات جامعية زائفة وغيرها من
الوثائق الدراسية أو بيع وشراء
للنبيذ أو المخدرات وغيرها من
النشاطات اللاإسلامية في
المنطقة".
وقد اختارت طالبان،
التي حارب سابقوها في جهاد مسلح
بقوة ضد السوفييت، المقاومة
المسلحة ضد الظلم، وبالتالي تم
استثناؤها من قبل الدولة، بينما
اختارت مجموعة المحامين
المهنية المدربة في المناطق
الحضرية المقاومة السلمية
المصممة. وقد وقفوا، بقيادة
المحامين وبصورة سلمية لصالح
حكم القانون وليس لأجل قادة
سياسيين فرديين. وهم يطالبون
بنظام له هيكل صالح عامل يمكن من
خلاله أخيراً مساءلة أصحاب
السلطة.
رغم أن الصدامات
بين قوى الأمن والميليشيات،
وأعمال القتل التي يقوم بها
المفجرون الانتحاريون تقلق
الباكستانيين، إلا أن هناك
واقعا جديدا بدأ يظهر، يحمل في
طياته احتمال السيطرة على هذه
الفترة المضطربة من
الأيديولوجيات المتنازعة
والرجال المسلّحين. ذلك هو واقع
المجموعات المتباعدة التي تتحد
حول نداء العدالة. في مضمون
انشقاقات متزايدة، يشكل هذا
التلاقي الجديد عقيدة موحّدة
هناك حاجة شديدة لها هي قيد
التشكيل.
الشعب الباكستاني
آخذ في تبني نموذج جديد من
التغيير المستقل الحقيقي، بفخر.
لقد ذاق
الباكستانيون طعم نجاح العمل
المدني. أخذت المؤسسات تصبح
أكثر مهنية. المحكمة العليا هي
أفضل مثال، فقد أصدرت ثلاثة
قرارات في الأسابيع الخمسة
الماضية أثبتت استقلاليتها.
إعادة تعيين كبير القضاة في 20
تموز/يوليو شكل خطوة أولى حاسمة.
قرار المحكمة في 23 آب/أغسطس
السماح بعودة رئيس الوزراء
السابق "دون معوقات، بعد سبع
سنوات في المنفى قد أعطى قوة
إضافية للقوى السياسية المدنية
أيضاً. المحكمة العليا تتفحص
التحركات التي تقوم بها رئاسة
الجمهورية والحزب الحاكم
وهيئات المخابرات والمخالفة
للدستور. حتى تردد بنازير بوتو
زعيمة المعارضة في دعم رئيس
عسكري وقرار الثامن من آب/أغسطس
الامتناع عن فرض قانون الطوارئ،
جميعها تعتبر خطوات أولى
إيجابية تشهد بالإخلاص والولاء
للقيم الديمقراطية.
تشكل هذه الطاقة
الموحِّدة الجديدة خلفية عظيمة
للديمقراطية في الباكستان. وقد
ساعدت أدوات الاتصال والتفاعل،
كوسائل الإعلام وسهولة التنقل
وتجمع عالمي متنامٍ من منتقدي
الوضع الراهن، على تطور هذا
المضمون.
والمثير أن جنرالاً
ورئيساً له نزعات ديمقراطية
كبرفيز مشرف مسؤول عن هذا
التناقض الموهم في الباكستان:
إطار مزدهر على ركائز مقلقلة من
الديمقراطية. لقد بدأ المحامون
ووسائل الإعلام إدارة عملية
المساءلة والمحاسبة، ولكن لا
يمكن لغير انتخابات نزيهة وحرة
أن تضمن مساءلة مُمأسسة.
لقد بدأ
الباكستانيون فعلاً بإيجاد
بيئة يمكن لديمقراطية ذات
مصداقية أن تعمل من خلالها.
ويقود المجتمع التحرك لإعادة
باكستان إلى دولة ديمقراطية
دستورية. هناك إجماع بدأ يظهر
بأن الديمقراطية الدستورية
العاملة وحدها تستطيع حل
القضايا المتعلقة
بالإيديولوجيات المتناحرة
والتهميش والاستثناء، وبالتالي
الحد من النزاع وعدم التسامح
والغضب الشديد.
يعد التقدم
التدريجي ولكن المصمم للدولة
الباكستانية والمجتمع نحو حكم
القانون بفجر جديد في الباكستان.
ولكنه لا يخلو من الصعوبات. لقد
بدأت الباكستان رحلتها نحو بلوغ
الرشد.
ــــــــــــــــــــ
*نسيم
زهرة كاتبة وزميلة بمركز آسيا
لجامعة هارفرد. وقد كانت أستاذة
مساعدة مؤقتة بكلية دراسات
العلاقات الدولية بجامعة جونز
هوبكنز في واشنطن العاصمة.
مصدر
المقال: خدمة Common
Ground
الإخبارية، 28 آب/أغسطس 2007
www.commongroundnews.org
تم
الحصول على حقوق نشر هذا المقال.
-----------------
نشرنا
لهذه المقالات لا يعني أنها
تعبر عن وجهة نظر المركز كلياً
أو جزئياً
|