من
الصحافة التركية
حزب
العدالة والتنمية موديلاً (
نموذجاً)
مصطفى
أوزجان
جريدة
يني آسيا - 13/03/2007
حقيقة الأمر إن حزب العدالة
والتنمية ليس نتاج فكر سياسي
بقدر ما هو حصيلة لظروف عرضية
طارئة ,فهو متغير يأخذ شكل
المكان الذي يحل فيه . هذه
الحقيقة عبر عنها المستشار
السابق للسفارة الإسرائيلية في
أنقرة ألون ليل الذي يدير مع
إبراهيم سليمان المفاوضات
السرية بين سوريا وإسرائيل
عندما وصف مواقف حزب العدالة
والتنمية بالأردوغانية (نسبة
إلى الطيب اردوغان) وكان يقصد
بذلك أنها شكل جديد للكمالية (نسبة
إلى كمال أتاتورك) التي كانت
بدورها نتاج ظروف تاريخية
سياسية أيضا ,فحزب العدالة
والتنمية مرهون بالظروف التي
مهدت لظهوره يدوم باستمرارها
ويزول بزوال تلك الظروف
والمعطيات.وباختصار فإن حزب
العدالة والتنمية حزب شعبي
جماهيري . قديما كان يقال (يساريو
الماء العذب ) كذلك حزب العدالة
والتنمية أيضا من هذه الزاوية
أصبح موديلا (نموذجا) دون أن
يسعى إلى لعب هذا الدور .
لقد شكلت تركيا أيام الدولة
العثمانية نموذجا متطورا
للعالم الإسلامي عندما جعلت
وجهتها للغرب من خلال اعتماد
قانون التنظيمات (الإصلاحات),
فعندما لبس الأتراك الطربوش في
عهد السلطان محمود الثاني تبعهم
العالم الإسلامي كله مقلدا من
المغرب إلى اندنوسيا ,واستمر
هذا التقليد حتى زمن تأسيس
الجمهورية التركية التي قامت
بانقلابات (تغييرات ثورية جذرية)
تبعهم فيها العالم الإسلامي
أيضا فقلدهم في لبس القبعة
الأوربية عندما لبسها الأتراك .
إن تركيا هي مركز قوة العالم
الإسلامي الدولية الكونية وهي
محط أنظاره وقدوته سواء سارت في
الاتجاه الصحيح أم في الاتجاه
الخاطئ . ولعله من المفارقات
العجيبة أن سفير مصر صار مدار
سخرية عندما لبس الطربوش أثناء
حفل عيد تأسيس الجمهورية
التركية مما أدى إلى أزمة
دبلوماسية محدودة بين البلدين .
لقد شكل حزب العدالة والتنمية
بجوانبه الايجابية والسلبية
أحدث تجربة سياسية في العالم
الإسلامي وأكثرها تطورا, فقد
امتد تأثيره من السودان إلى
آسيا وأصبح نموذجا يحتذى به.
في عهد مصطفى كمال أتاتورك
وبالرغم من اختلاف الأنماط
الاجتماعية لكل منهم فقد حرص
كثير من القادة من ملك
أفغانستان أمان الله إلى شاه
إيران رضا بهلوي على تقليد
انقلاب اللباس لكن لم يستطع
أحدا منهم تطبيق موديل تركيا
بشكل كامل . بل إن الملك فيصل
ومعه ساطع الحصري حاولا تطبيق
انقلابات تركيا (إصلاحات
أتاتورك) في العراق لكن
محاولاتهما باءت بالفشل .ولو
دققنا النظر في كتابات ديفيد
فرن فإن عبد الناصر وصدام حسين
ليسا إلا توليفة لقالب الموديل
نفسه .
في الحقيقة إن كل القادة العرب
ذوي الأصول العسكرية لم يكونوا
إلا بقايا جمعية الاتحاد
والترقي ,ففي الوقت الذي انحسرت
فيه أفكار الاتحاد والترقي بعد
عام - 1950 إلا
ما كان في فترات الانقلابات
العسكرية – نجد العالم العربي
بعد فترة الاستعمار بدأ يعيش
هذه الحالة (الانقلابات
العسكرية ) وما جمال عبد الناصر
وحافظ الأسد وصدام حسين إلا من
إفرازات تلك الأفكار الاتحادية
(نسبة للاتحاد والترقي) مع إضافة
شيء من البعد الاجتماعي ,
وبتعبير أدق فإنهم شكلوا مزيجا (خليطا)
من الثورة الفرنسية مع الانقلاب
السوفييتي .
اليوم نجد أن كثيرا من الحركات
السياسية من إيران إلى المغرب
اتخذت حزب العدالة والتنمية
موديلا (نموذجا) سبب ذلك أن
الحركات الإسلامية تفتقر إلى
الموديل (النموذج ) أو أنها وصلت
إلى طريق مغلق على صعيد المبادئ
,وبشكل اصح إنها فقدت قبلتها ,وهنا
فرضت التجربة التركية نفسها
كتجربة متقدمة متطورة مقبولة
عالميا .
وقد نشرت جريدة السفير اللبنانية
تصريحا لزعيم جماعة الإخوان
المسلمين في سورية قال فيه:( إن
النموذج التركي قريب إلى
النموذج الذي ننشد ) وبعد أن أكد
رفض جماعته للتدخل العسكري
الخارجي أضاف قائلا :(إن البديل
الذي نطالب به وطني ديمقراطي
منفتح على المجتمع الدولي ويؤمن
الاستقرار في المنطقة ) وشدد
البيانو ني على أن الإخوان
المسلمين (نريد دولة مدنية
قيمها الأساسية مستمدة من
المرجعية الإسلامية التي تتفق
مع القيم الإنسانية للحضارة
الغربية والديمقراطية ) كما نفى
أن تكون الدولة التي يدعو إليها
الإخوان ثيوقراطية مؤكدا أنه لا
سلطة لرجال الدين على الدولة
وإنما السلطة لبرلمان منتخب
يمثل الشعب مشيرا إلى النموذج
التركي مع ملاحظة الخصوصية
التركية .
بتاريخ 3 آذار 2007 كتب حسن أبو طالب
أحد كتاب جريدة الأهرام المصرية
مقالة حول نفس الموضوع قائلا :(هناك
الكثير مما يجب على مصر أن
تتعلمه من تركيا ) وجاء في نفس
المقال( بإمكان مصر اعتماد
النموذج التركي في
حل خلافاتها الحادة بين
دعاة الحداثة والدين
والاستفادة من التغيير
الايجابي للنظرة إلى الدين عند
بعض المؤسسات في تركيا ) .
حقيقة الأمر أن الحوار لم يكن
غائبا تماما عن الساحة المصرية
وقد جرى حوار مع الحركات
الإسلامية المصرية لكنه لم يصل
إلى درجة تقاسم السلطة كما هو
الحال في تركيا , دليل ذلك عدم
تقبل النظام نجاح الإخوان
المسلمين في الانتخابات
الأخيرة وهذا يدل بوضوح إلى
تخلف التجربة المصرية عن
التجربة التركية .
لكن تجب الإشارة إلى إن تقاسم
السلطة في تركيا اضطراري وهو
منفتح دائما على احتمالات
التجاذب والاستقطاب والإقصاء
بل هو عرضة للانقلاب العسكري .
وفي كل الأحوال يبقى نجم تركيا
ساطعا وهي بوصلة بحق سواء كانت
في الاتجاه الصحيح أم في
الاتجاه الخاطئ
نأمل أن تدرك هذه البوصلة
مسؤولياتها فتجعل إبرتها في
الاتجاه الصحيح .
-----------------
نشرنا
لهذه المقالات لا يعني أنها
تعبر عن وجهة نظر المركز كلياً
أو جزئياً
|