هل
يغفر الشعب السوري للمجرمين
بحقه؟
رفعت
الأسد نموذجاً
بقلم
: محمد الحسناوي*
بمناسبة اعتزام نائب رئيس الجمهورية قائد
سرايا الدفاع سابقاً رفعت الأسد
.. على العودة من منفاه الإجباري
إلى سورية .. تطرح أسئلة متعددة ،
لعل أهمها : ما موقف الشعب
السوري من صاحب القبضة الأمنية
الحديدية ، المسؤول عن عدد من
المجازر الجماعية ، مثل مأساة (حماة)
1982م ومجزرة (تدمر) عام 1980م ،
وقائد (سرايا الدفاع ) سيئة
الذكر ؟ وسبب
هذا السؤال أن الرجل يطرح فيما
يطرح شعارات تغيير واسعة ،
تتقاطع معظمها مع شعارات
المعارضة الوطنية ، مثل
الديموقراطية والانتخابات
الحرة وخروج الجيش السوري من
لبنان إلخ...
الداعي إلى هذا الموضوع ما تناقلته
وكالات الأنباء من تصريحات
الناطق باسم رفعت (الحارث الخير
) عن عودة الرجل ، لأن سورية (
مهددة بخطر ، وعودتي للمساهمة
بإنقاذها ) ، وذلك من (خلال
مواصلة دوره السياسي والوطني
وسط أبناء الشعب السوري لإقامة
مجتمع العدل والحرية والسلام )
على حدّ قوله (الشرق الأوسط -
20/5/2005م ) . وتأتي أهمية الخبر ،
الذي هو حتى الآن (بالون اختبار)
مع مناسبة (انعقاد مؤتمر
القيادة القطرية) للحزب الحاكم
في السابع من شهر حزيران ،
وكون رفعت ( رئيس المحكمة
الحزبية ) فيها
، فضلاً عن الظروف الداخلية
والخارجية المحدقة بالقطر على
غير العادة .
بالطبع سوف نتجاوز الأسباب الداعية
لعودته ، هل هي مشروطة بألا
يتدخل في السياسة ، كما اشترط
على السياسيين العائدين قبله ،
مثل اللواء جاسم علوان ، ورئيس
الجمهورية الأسبق الفريق أمين
الحافظ ، أم هي للإسهام في
السلطة المرتبكة
بعد الخروج من لبنان وتراكم
الاستحقاقات الدولية ، أم هي –
كما نرجح – نتيجة التوجهات
الأمريكية لمحاكمة القيادات
السورية القمعية ، بعدما تسرب
عن دراسات لجان الكونجرس من أجل
عرض رفعت أسد وآخرين على محكمة
دولية ، عن ارتكاباتهم في مجزرة
(حماة) وسواها . والمفهوم أن هذا
التوجه إلى القضاء لن يقتصر على
رفعت أسد وأمثاله ، بل يستدعي
بالترابط والتداعي رؤوساً أخرى
كثيرة ، مما تنص عليه الدعاوى ،
أو يضطر رفعت للاعتراف عليهم ،
وهذا يعني فيما يعني زلزلة عرش
النظام القائم على السياسة
الأمنية القمعية .
و بناء على هذا السؤال يطرح سؤال آخر : هل
يحمي النظام السوري
رؤوسه القمعية ؟ وبالدقة ،
هل يستطيع منع تسليمهم لمحكمة
دولية؟ بالطبع لن يستطيع لأن
ذلك يكلفه وجوده كله ، وهو
المعروف بحرصه على الوجود ، ولو
بمصافحة رئيس الكيان الصهيوني
مرتين في جنازة البابا . فما
معنى عودة رفعت الأسد في هذه
الحال؟ الجواب : أن العودة هي
جزء من موقف النظام السوري
العام ، الذي هو قبول الأقل
سوءاً من السوء الأكبر ، كأن يتم
التفاهم بين الرؤوس القمعية عن
كثب على كيفية لفلفة الجرائم
الماضية من جهة ، أو الانفتاح
على الشعب السوري
المقموع ، للتحصن به من جهة
ثانية ، بعد فوات الأوان .
وهنا نعود إلى أصل السؤال المطروح : ما
موقف الشعب السوري من شخص رفعت
الأسد ، ومن طروحه التغييرية
المتقاطعة ( في كثير منها ) مع
طروح المعارضة السورية الوطنية
؟ فالناطق باسمه يفيد ( أن رفعت
الأسد لا يطمح لأي دور أو منصب
< سوى رغبته في القيام بدور
لتدعيم الوحدة الوطنية ،
والمصالحة الوطنية ، وكله
لتعزيز الديموقراطية والحرية .
فسورية مهددة . وسورية الوحدة
الوطنية تحتاج إلى دعم متنوع ،
لأن الديموقراطية فيها متأرجحة
وغير صحيحة ، والشعب غائب >) .
من البديهي أن حديثنا عن رفعت أسد عائداً
أو تائبا ، يمكن أن يندرج على
الرؤوس القمعية الأمنية الأخرى
إذا سلكت سلوكه قبل فوات الأوان
، نعني علي دوبا ومصطفى طلاس و
حسن خليل وأمثالهم وأتباعهم
المعروفين جميعاً .
ومن المفهوم أيضاً أنني – هنا – لا أتكلم
باسم الشعب ، ولا باسم فريق
أو فصيل شعبي ، لأن الشعب يتكلم
باسمه ممثلوه الحقيقيون
بعد انتخابات شرعية ، ولأن
الجرائم المقترفة ، لا يمكن
القضاء فيها دون ذوي المغدورين
مباشرة ، لكن هذا المقال مقاربة
للمسألة من باب الحوار ، وتوضيح
القضايا المصيرية التي لا يمكن
تأجيلها ، ألا وهي الخروج
بالقطر السوري : شعباً ودولة
وأرضاً وتاريخاً من العاصفة
المدمرة .
إن قاتل حمزة عم النبي رضي الله تعالى عنه
تاب ، وقبلت توبته ، وأبلى
في الإسلام بعد ذلك بلاءً حسناً
، ولو أن الرسول طلب منه ألا
يُريَه وجهه ، لصعوبة ذلك عليه
صلى الله عليه وسلم .
فهل يتوب رفعت الأسد وأمثاله ، أو بعضهم
في الأقل ؟
إن التوبة لله أولاً ، ولذوي الضحايا
ثانياً ، وللشعب السوري ثالثاً .
إن أول برهان على عودة
رفعت إلى الشعب لا إلى الماضي
البغيض – في رأيي - أن يعيد كل
الأموال التي
اغتصبها من هذا الشعب ، وما
أكثرها ، ثم أن يسهم بفعالية في
إزاحة النظام القمعي القائم
الذي يعطل إرادة الشعب ،
ويغتصب الدولة والمجتمع طوال
أربعين عاماً ، لكي تستعيد دولة
الحق والقانون والمؤسسات
الدستورية وضعها الحقيقي .
أما كيف يعيد الأموال المغتصبة ، فهذه
مسائل قانونية لا أرى الدخول في
تفاصيلها الآن ، ثم كيف يسهم
بفعالية في إزاحة الحكم
البوليسي القمعي ، وصولاُ مع كل
الشرفاء الوطنيين إلى دولة
سورية الديموقراطية ، فأمور هو
يعرف بعضها ، وبعضها الآخر عند
أطراف الطيف السوري المعارض .
بصرف النظر عن احتمال عودة رفعت الأسد
الجغرافية والسياسية ، فإننا
مضطرون للنظر إلى القضية من
منظار المصلحة العليا للقطر ،
ومصلحة القطر هي الإصلاح من
داخل سورية ، وليس الاستقواء
بالقوى الدولية ، كالإدارة
الأمريكية ، التي تطرح نفسها
ومشروعها الشرق أوسطي ، لإعادة
تشكيل المنطقة والقطر السوري
بالذات . وهو ما عبرت عنه أطراف
الطيف السوري المعارض ونخبه
المثقفة ، والمواقف الميدانية
المعلومة لشعبنا السوري من
احتلال العراق ، ومستقبل القضية
الفلسطينية أيضاً .
القول بخيار الإصلاح من داخل سورية مرهون
بشكلين : إما الإصلاح بإسهام
الحزب الحاكم نفسه
- ورفعت الأسد جزء لا يتجزأ حتى
الآن من هذا النظام - وإما إصلاح
بنفض اليد نهائياً من الحزب
الحاكم ، ثم الاحتكام إلى الشعب
وقواه المدنية والسياسية
المنظمة ، كما تذهب إلى ذلك قوى
المعارضة ، وجماعة الإخوان
المسلمين ، التي وضعت حداً
نهائياً لكل المراهنات السابقة
، حين حددت مهلة ثلاثة أشهر
للنظام كي يغير ، وإلا فإنه
يتحمل وحده مسؤولية إعراضه
ومغامراته القاتلة .
نحن بصراحة نشك بتحول رفعت أسد وأمثاله
مئة وثمانين درجة ، أي أن يتنازل
عن الأموال الطائلة المغتصبة ،
وأن يعلن على رؤو س الأشهاد ندمه
واعتذاره للشعب ، وتبنيه
للتغيير الجذري للنظام ، بدءاً
من نقد الواقع ، مروراً بكشف
التجاوزات القانونية والمالية
والدستورية وشركاء المرحلة
الماضية ( جماعة الشد العكسي حتى
الآن ) ، وإقناع من يمكن إقناعه (من
الرؤوس) ، أو حشده من يمكن حشده
وراء هذه المطالب ، وتحمل نتيجة
ذلك كله ، كما يتحمل الشرفاء
المخلصون . لكن الشك شيء وامتحان
كلام الرجل شيء آخر .
إن إسهام رموز النظام حتى الآن في عملية
الإصلاح أو التغيير محفوفة
بكثير من الريب والتجارب
القريبة والبعيدة المخفقة ،
فعلى أبواب انعقاد المؤتمر
القطري للحزب الحاكم - وقراراته
كما يستفاد مجرد توصيات -
تواجهنا ممارسات قمعية من
اعتقالات واختطافات للمواطنين
بالمفرق وبالجملة ، وإرهاصات
لتكريس الحزب القائد للدولة
والمجتمع ، ولتقنين قانون
الطواريء ، والمصادرة على عقيدة
الأحزاب وتوجهاتها الفكرية قبل
صدور ما يسمى قانون الأحزاب .
صحيح أننا نسمع بكلام عن إلغاء قانون (49)
لعام1980م ، القاضي بإعدام كل
منتسب لجماعة الإخوان المسلمين
، وبفصل الحزب الحاكم عن الدولة
، وبمحاربة الفساد والمفسدين ،
وبتحرير الصحافة من الرقابة ،
لكن ذلك مخلوط بما يناقضه أو
ينسفه من الأساس ، أو يذكرنا
بالوعود السابقة بدءاً بخطاب
القسم الذي
ألقاه الرئيس الجديد يوم تقليده
الرئاسة ، مروراً ببيانات
الحكومات المتعاقبة ، ولا شيء
بعد الانتظار الطويل . وأخيراً
يأتي رفعت الأسد في وسط هذه
المعمعة ، ليجعل المراقبين
يتساءلون : هل يأتي رفعت لينقذ
جلده ، أم لينقذ النظام
المتهالك ، أم ليسهم في إنقاذ
القطر مع الشرفاء والمخلصين ؟
ثمة احتمال مشتق من معادلة الظروف
المحدقة بالقطر ومن ماضي رفعت
نفسه ، وهي أن يكون الرجل (حصاناً
) أمريكياً للوضع السوري ، كما
كان يتهمه أخوه الرئيس حافظ
الأسد ووزير الدفاع السابق
العماد مصطفى طلاس ، لكن هل
الإدارة الأمريكية من الغباء
لدرجة تراهن معها على الرجل ،
وهو من هو في نظر الشعب السوري
المسحوق بسياساته وسياسات
أمثاله ؟ ما نظن ذلك . ولكن
الطروح الجديدة لرفعت ، هل تمهد
له السبيل داخلياً وخارجياً ؟
ثم ما موقف شركاء رفعت بالأمس ، أعداء
اليوم ، من طرحه المعارض ، أو
كونه حصان إنقاذ أمريكياً
للنظام المتهالك ؟ هل يجمعون
عليه في لحظة السقوط ، أو يجمعون
على تصفيته جرياً على تصفياتهم
المدوية في سورية ولبنان ، ومن
المحيط إلى الخليج ؟
المهم أن صخرة ضخمة سوف تلقى في بحر
الأوضاع السورية الهائجة ، فهل
تضيع ، أم تزيد الهياج صخباً
وعنفاً ؟
رفعت . لا يستطيع الشعب السوري حتى الآن أن
يقول لك : مرحباً بك في المملكة
التي تركتها على كف عفريت . فهل
تستطيع أنت أن تجتاز الهوة ؟
* كاتب سوري وعضو رابطة
أدباء الشام
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|