الموالون
للنظام السوري في لبنان ...
من
الهامشية إلى الانقراض
*
الطاهر إبراهيم
بعد أن أقفل النظام السوري
ساحة العمل السياسي على نفسه
،على مدى أكثر من أربعة عقود، لم
يكن أمام السوري إلا أن يتوجه
إلى همه الأساس في سورية، من دون
أن ينسى أن هناك هموما على
الساحة العربية.
وعلى هذا الأساس فقد حرصت
على قصر كتاباتي على بيان ما
يعانيه المواطن السوري من ظلم
واضطهاد من نخبة حاكمة يتداول
فيها الأبناء بعد الآباء على
استنزاف خيرات سورية، تاركين
وراء ظهورهم هذا المواطن،
لايذكرونه إلا عندما يشتد الضغط
الأمريكي على النظام السوري.
ولم أحاول أن أنحرف عن هذا
الخط الذي ألزمت به نفسي إلا
عندما كانت تتداخل خيوط
ما نعانيه كسوريين مع ما
ينتج عن سلوك النظام السوري،
وما ينعكس عنه مع ما يعضده من
مواقف لأحزاب أو أشخاص في هذا
القطر العربي أو ذاك.
ولقد كان النسيج السوري
اللبناني من التشابك بحيث يصعب
عزل أي قضية كانت تنشأ في سورية
أو في لبنان عن محيطها في
البلدين. فقد كان صدى الحدث
اللبناني أول ما يتردد في
محافظات سورية، وما يستجد في
سورية ينعكس مباشرة في لبنان.
ولعل هذه الثنائية كانت أوضح ما
يكون أيام الانتداب الفرنسي في
سورية ولبنان.
ومع قناعتنا بأنه كان من
الصعب على الأحزاب والرموز
اللبنانية -في ظل التفويض الذي
منحته أمريكا للنظام السوري- أن
يكون لها أثر كبير في إلغاء أو
تخفيف ما نعانيه كشعب سوري،إلا
أننا كنا نتمنى أن لا يساهم أي
حزب أو رمز لبناني في شد وتقوية
القبضة التي كان يطْبِقها
النظام السوري على أعناقنا.
واستطرادا، فإنه إذا كان
مفهوما –ولكنه غير مبرر- أن يشد
ظهره ،هذا الرمز اللبناني أو
ذاك، بسلطان المخابرات
السورية، لمكسب انتخابي أو
سلطوي، فإنه لم يكن مفهوما ،ولا
مبررا، أن يكون عونا للنظام
السوري ضد الشعب السوري.
ولقد كان شيئا ملفتا للنظر
أن يقف –من خلال البرامج
التلفزيونية- سياسي أو كاتب
لبناني يدافع عن النظام السوري
في مواجهة أحد رموز المعارضة
السورية ومفكريها. وما زلت أذكر
كيف وقف وزير لبناني يعدد مآثر
النظام السوري في مواجهة المفكر
السوري "برهان غليون"،
وكان هذا الأخير يبتسم استخفافا
ممن يدعي أنه أدرى "بشعاب
دمشق" من السوريين أنفسهم،
حتى كأن هذا الوزير ملكي أكثر من
الملك.
واستطرادا فقد كان واضحا
أن الذين كانوا يدورون في فلك
النظام السوري، ولا تدعمهم
أحزاب في لبنان، كان أكثرهم لا
يتمتعون بأي ثقل على الساحة
اللبنانية. وهذا ما أثبتته
الانتخابات اللبنانية الأخيرة
التي أجريت حسب القانون
"2000"، الذي "فبرك" في
عهد الوصاية السورية قبل
الانسحاب من لبنان، حيث فشل
أكثر أولئك في الحصول على مقعد
نيابي، وهذا يؤكد أنهم كانوا
هامشيين ومتسلقين.
وإذا كنا نجد في أنفسنا
العتب على هؤلاء الأشقاء
اللبنانيين في وقوفهم إلى جانب
النظام السوري وتأييدهم له في
وقت كان يضطهد هذا النظام
السوريين واللبنانيين على
السواء. إلا أننا كنا نتركهم وما
حبسوا أنفسهم من أجله، ونردد:
"ومن الحب ما قتل".
ولقد
كان موقفنا هذا هو نفسه من "ميخائيل
عوض" الذي كان يتفانى في
الدفاع عن النظام السوري من دون
أن يقدم أي حجة تدعم ما يقول،
اللهم إلا ما يجد في نفسه من
التصاق بنظام يأمل منه في أن يصل
إلى ما وصل إليه غيره ممن
التصقوا به خلال فترة التفويض
الأمريكي للنظام السوري في
لبنان قبل صدور القرار 1559 .
وإذا كنا في ما سبق لم نعلق
على ما كان يقوله "عوض" في
دفاعه المستميت عن النظام
السوري، إلا أنه فاجأنا مؤخرا
بهجوم غير مبرر على المعارضة
السورية في مقال طويل تحت عنوان:
"المعارضة
السورية:من الأزمة إلى الإفلاس"،
نشرته "كلنا شركاء" في 29
تموز الجاري. وقد خلا هذا المقال
من أية موضوعية تجعله يندرج في
نطاق النقد البناء. بل كان
مجموعة من الشتائم، توحي بأن
كاتبها يريد أن يسجل موقفا يحسب
له في جدول الحوافز والمكافآت،
لا أكثر ولا أقل.
وحتى لا يظن أحد أني أتجنى
في حكمي، سأقتبس مما كتبه "ميخائيل"
الفقرة التالية وأترك للقارئ
الحكم عليها، قال:(المعارضات
السورية مأزومة، وقاصرة،
ومحدودة التأثير، فاقدة
مشروعيات تاريخية وفاقدة برامج
عمل وطنية واجتماعية
وسياسية،وتفتقد رؤية منهجية
واعية للتعرف إلى الواقع
وأدواته وعناصره وآليات حراكه،
وكيفية التعامل معه. مرتبكة،
غير قادرة على الخروج من
شرانقها، وقصورها، وشعاراتها
وأدواتها ورموزها التي أكل
عليها الدهر وشرب.) .
لقد عدد "ميخائيل"
أكثر من اثنتي عشرة نقيصة، اتهم
بها المعارضة السورية، تحتاج كل
واحدة منها إلى إثبات وأدلة
وشهود عدول يشهدون على ما يقول.
وهو لم يأت بأي شيء من ذلك،
وعليه فإن ما جاء به لا يرتفع عن
مستوى الافتراء ولو قيد شعرة.
وكان في جملة ما اعتبره
نقائص للمعارضة اليسارية في
سورية: (أنها قارعت النظام،
وتوجهاته الوطنية والاجتماعية،
ودخلت السجون لمدد طويلة،
واضطهدت واضطهد أنصارها بسبب
مواقفها التي كانت على يسار
النظام وطبيعته، وعندما عادت
إلى الحياة السياسية، اتخذت
مواقف على يمينه في المسألتين
الاجتماعية والوطنية،). وما لم
يذكره "ميخائيل"، أن هذه
المعارضة رفضت حوافز النظام
السوري مع التبعية له، وفضلت أن
تدخل السجون. أما عميد هذه
المعارضة الأستاذ "رياض
الترك"، فقد دخل السجن ورأسه
مرفوع، من دون أن يحني رأسه
للظالم، ورفض أن يسبح بحمد
النظام وقال "لا" للطاغية،
فبقي في السجن 17 عاما.
ولعل الشتائم التي وجهها
"ميخائيل"إلى المعارضة
الإسلامية وعلى رأسها جماعة
الإخوان المسلمين لا تقلّ
إسفافا، عندما قال عنها أنها: (
هي الأخرى مصابة بمقاتل عميقة،
فقد استنفدت مشروعياتها
وكفاحيتها وأنهكت
قاعدتهاالاجتماعية باكرا بسبب
استجابتها لضغوط وحاجات دولية
أو إقليمية لا تمت بصلة للحاجات
السورية الوطنية والاجتماعية،
وارتهنت للخارج العربي أو
الدولي،). ولو كان "ميخائيل"
منصفا –وما أبعده عن الإنصاف-
لكان عرف لها حقها بعد أن
دفعت هذه المعارضة ثمنا
لمواقفها المبدئية أن سجن
الآلاف من أتباعها، ورفضت نظام
الحوافز. ونسي "ميخائيل" أن
هذه المعارضة هي أول من قال لا
للاستقواء بالأجنبي على الوطن
في مؤتمرها في لندن في آب 2002 ،
عندما قالت في البيان الختامي:
"أن من يستقوي على الوطن
بالأجنبي فقد هانت عليه نفسه".
لقد حبس "ميخائيل"
قلمه على التسبيح بحمد النظام
السوري. ولقد تركناه وشأنه وما
حبس نفسه من أجله، لقناعتنا أن
المشاهد والقارئ يعرفان أن
البضاعة التي شغل نفسه بالترويج
لها هي بضاعة كاسدة، ولن تجد من
يشتريها. فقط أردنا نشير هنا إلى
أن الزمن لا يسير إلى الوراء.
وكما أن أيام الوصاية انتهت في
لبنان، فإن الاستبداد في سورية
في طريقه إلى الاندحار. وما لم
يدرك المستبد هذه الحقيقة قبل
فوات الأوان، فلن يجد الوقت
الكافي كي ينجو بنفسه من
الطوفان.
وأخيرا: لقد انقضى العرس
وانفض السامر في لبنان، بعد ما
ظهر للعيان من هو الأقرع ومن هو
صاحب الشعر؟ وذهبت الأحزاب
اللبنانية بما حصدته من مقاعد
نيابية كل حسب ثقله لدى الشارع
اللبناني. أما من كان مواليا
للنظام السوري عن قناعة وحصد
الفشل أمام قوة الشارع الذي
أعطى ثقته لمن يستحق، فقد انزوى
يراجع حساباته في بيته، أين
أصاب وأين أخطأ؟. أما الهامشيون
من الموالين الذين ما يزالون
يبحثون عن الحوافز فلن يمضي
عليهم وقت طويل حتى يطويهم
النسيان وتتجاوزهم الأحداث،
لأنهم غثاء كغثاء السيل.
* كاتب سوري
يعيش في المنفى
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|