5
سنوات على كابوس العرب في
أميركا والغرب!
صبحي
غندور*
كانت أميركا في
القرن الماضي، ولأجيالٍ
متعاقبة من شباب العالم، مقصداً
لتحقيق ما اصطلح على تسميته ب"الحلم
الأميركي". وكان الشباب
العربي يرون في السفر إلى
أميركا حلماً يسعى العديد منهم
لتحقيقه بأيِّ شكلٍ من الأشكال.
لكنْ ما أصاب
أميركا من عمل إرهابي يوم 11
سبتمبر 2001 ، ثم السياسة التي
اتبعتها إدارة بوش، جعل "حلم"
الشباب العربي يتحوَّل إلى
كابوس، خاصَّةً لمن هم الآن على
الأرض الأميركية. آلاف من
الطلبة العرب الذين كانوا
يدرسون في أميركا غادروها
لاستكمال دراستهم في بلدانٍ
أخرى. عشرات الألوف من العرب
يمتنعون الآن عن زيارة أميركا.
ألوف عديدة من العرب، المقيمين
في أميركا بشكلٍ مؤقت، اختاروا
أو اضطروا إلى الرحيل عن أميركا.
لكنْ، ما هو مصير
أكثر من ثلاثة ملايين أميركي من
أصولٍ عربية ومثلهم من
الأميركيين المسلمين من غير
الأصول العربية، الذين لا وطن
آخر لهم غير أميركا؟ أعداد
كبيرة منهم من مواليد أميركا
ولا يعرفون لهم وطناً آخر غير
أميركا؟
بالنسبة لهؤلاء،
أميركا ليست (حلماً) بل وطناً
وواقعاً يعيشونه جيلاً بعد جيل.
صحيحٌ أنَّ بعض
المواقف والتصريحات الصادرة عن
المسؤولين الأميركيين الرسميين
ترفض الخلط بين الإسلام والعرب
من جهة وبين "الإرهاب" من
جهةٍ أخرى، لكن وسائل الإعلام
الأميركية (العامَّة والمحلية)
تبثّ في كثيرٍ من الأحيان ما هو
مصدر خوفٍ وشكٍّ وريبة في صدر
كلِّ عربي وكلِّ مسلم في أميركا
والعالم.
إنَّ المجتمع
الأميركي هو نسيج مركَّب من
أصولٍ عرقيةٍ ودينيةٍ
متعدَّدة، وهذا "الموزاييك"
هو مصدر خطرٍ وضعفٍ أحياناً،
كما هو سبب قوة أميركا وسلامها
الاجتماعي. فالدستور الأميركي
والقانون الأميركي لا يميّزان
على أساس خصوصياتٍ دينية أو
عرقية، لكن الإعلام الأميركي
وبعض المؤسسات والهيئات
الأهلية المحلية في أكثر من
ولاية، يمارسون الآن هذا
التمييز ضدَّ العرب والمسلمين،
كما جرت ممارسته ضدَّ أقلياتٍ
أخرى في مراحل زمنيةٍ مختلفة.
ميزة أبناء
الجالية العربية - والجالية
الإسلامية عموماً – أنهم
ينتمون إلى أصول عرقية ودينية
متنوعة، إذ أنَّ حوالي نصف
تعداد الجالية العربية هم من
أتباع الديانة المسيحية،
وينتمون في أصولهم الوطنية إلى
بلدان لبنان وسوريا والعراق
وفلسطين ومصر والأردن، بينما
أكثر من نصف عدد الجالية
الإسلامية (حوالي 7 مليون)
ينتمون في أصول أوطانهم إلى
بلدان غير عربية (من بلدان آسيا
وأفريقيا غير العربية) إضافةً
إلى عددٍ من الأميركيين الذين
اختاروا الإسلام ديناً لهم
ومعظمهم من الأميركيين السود.
إذن، أكثر من نصف
الجالية العربية هم من
المسيحيين العرب، وأكثر من نصف
الجالية الإسلامية هم من أصولٍ
غير عربية. ولا يمكن وضعهم
جميعاً (العرب والمسلمين في
أميركا) في "سلَّةٍ واحدة"
من الناحتين الدينية والعرقية.
لقد حدثت وتحدث
إساءات عشوائية ضدَّ البعض،
لكنَّها إساءات فردية لا تميّز
أصلاً بين عربيٍّ وغير عربي،
بين مسلمٍ وغير مسلم، بل قد وصلت
إلى حدِّ التعرّض إلى أبناء
جالية "السيخ" الذين هم من
غير العرب ومن غير المسلمين!
وسيكون صعباً (إنْ لم يكن
مستحيلاً) تكرار تجربة "اليابانيين
الأميركيين" مع العرب
والمسلمين في أميركا.
هناك متغيّرات
دستورية وقانونية حدثت في
المجتمع الأميركي خلال النصف
الأخير من القرن الماضي، وكلّها
متغيّرات إيجابية تناهض
العنصرية والتمييز على أساس
اللون أو الدين أو العرق أو
الثقافة. وهناك عامل مؤثر
أيضاً، هو حجم المصالح
الأميركية في المنطقة العربية
والعالم الإسلامي والتي
ستتضرَّر كثيراً في حال الإساءة
الجماعية للعرب والمسلمين في
أميركا.
هل يعني ذلك أنَّ
العرب والمسلمين في أميركا هم
في أمانٍ واستقرارٍ وسلام؟ لا،
طبعاً. فالمخاطر المحدِقة بهم
هي قائمة على المستوى الفردي في
أكثر من ولايةٍ أميركية، تماماً
كما هو حال عموم العرب
والمسلمين في الغرب، وهذه
المخاطر هي حصيلة مزيجٍ مركَّب
من أسبابٍ داخلية في الغرب، كما
لها أيضاً مصادرها الخارجية.
فالمجتمعات الغربية –
والأميركي منها خاصَّة -
تتحكَّم في ردود أفعالها
السلبية الآن مشاعر الغضب من
الأعمال الإرهابية التي جرت يوم
11 سبتمبر 2001 حيث استخدِمت
الطائرات المدنية ضدَّ آلافٍ من
الأبرياء ثم تكرّرت أعمال
الإرهاب ضدَّ المدنيين في أكثر
من مكان بالعالم. وحينما يكون
المتَّهم (جماعات إرهابية "عربية
وإسلامية") فإنَّ الغضب
الغربي سوف يتمحور حول كلَّ
العرب والمسلمين في شتى أرجاء
العالم. ثمَّ كم سيكون حجم هذا
الغضب إذا ما أضيف إليه ما زرعته
لسنواتٍ عديدة أجهزة إعلامية (مسيَّرة
من قبل جماعاتٍ صهيونية وعنصرية
حاقدة) من زعمٍ حول "الخطر
الإسلامي" القادم إلى الغرب!؟
وكيف سيكون أيضاً كمّ هذا الغضب
إذا ما صدر عن جهلٍ عام بالإسلام
وبالعرب وبقضايا العرب
والمسلمين؟ وكيف سيكون إذا ما
اقترن بممارساتٍ سلبيةٍ خاطئة
قام ويقوم بها عدد من العرب
والمسلمين حتى في داخل
المجتمعات الغربية التي تعاني
من تضخّم عدد المهاجرين!
أيضاً، فإنَّ
مشكلة المجتمع الأميركي
تحديداً، أنَّ حكوماته
المتعاقبة في القرن الماضي كانت
منغمسةً جداً في عدَّة قضايا
دولية وفي أكثر من حربٍ خارجية
حتى وصلت إلى حدِّ الانفراد
بقيادة العالم، بينما المواطن
الأميركي العادي هو أكثر جهلاً
من أيِّ مواطن دولةٍ غربيةٍ
أخرى بقضايا العالم،
وبالجغرافيا وبالتاريخ، وحتى
بالنسبة لتاريخ أميركا
وجغرافيتها! فالرفاهية
الأميركية واتساع الأرض
الأميركية وعزلتها الجغرافية
عن باقي العالم، كلّها عوامل
أدّت إلى عدم اهتمام الإنسان
الأميركي العادي بما يحدث حوله
في العالم وإلى تقبّل ما تقدّمه
له أحياناً الحكومات الأميركية
ووسائل الإعلام من أكاذيب
وتضليل، كمسلَّماتٍ حول "الآخر"
في العالم الآخر.
لذلك غاب التوازن
لعقود طويلة بين مدى حجم
التورّط الأميركي الرسمي في
قضايا العالم، وبين مدى فهم
المواطن الأميركي العادي لهذه
القضايا ولما يحدث حوله في
العالم، إلى حين صدمة 11 سبتمبر
التي كانت بمثابة صحوة من غفوةٍ
زمنيةٍ طويلة، لكن الصحوة هذه
حصلت بعد كابوسٍ مرعب أخلَّ
بالتوازن الجسدي والعقلي
والنفسي لعموم الأميركيين.
هنا تصبح
المسؤولية في التعامل مع هذا
الواقع الأميركي والغربي
الجديد، مسؤولية مزدوجة على
الطرفين: العرب والمسلمين من
جهة، والأميركيين والغربيين من
جهةٍ أخرى.
فكلُّ الساحة
مفتوحة لأبناء "السوء"
لبثِّ سمومهم وأحقادهم على
الإسلام والعرب، لكن هي أيضاً
ساحة مفتوحة (ولو بظروفٍ صعبة)
على "دعاة الخير" من العرب
والمسلمين لكي يصحّحوا الصورة
المشوَّهة عنهم وعن أصولهم
الوطنية والحضارية. وكما هناك
العديد من الحاقدين في الغرب
وأميركا على العرب والمسلمين،
هناك أيضاً الكثيرون من أبناء
أميركا والغرب الذين يريدون
معرفة الإسلام والقضايا
العربية من مصادر إسلامية
وعربية بعدما لمسوا حجم التضليل
الذي كانوا يعيشونه لعقود.
وإذا كان الغرب
تحكمه الآن حالة "الجهلوقراطية"
عن الإسلام والعرب والقضايا
العربية، فإنَّها فرصة مهمَّة (بل
هي واجب) على العرب والمسلمين في
الغرب أن يتعاملوا مع هذه
الحالة (بأسلوب الحوار الهادئ
والمقنع) لاستبدال "الجهلوقراطية"
الغربية بالمعرفة الفكرية
السليمة عن الإسلام والعرب.
لكن "فاقد
الشيء لا يعطيه"، لذلك هي
أولوية موازية لأولوية التعامل
المعرفي مع "الآخر"، بأن
يعمل العرب والمسلمون في أميركا
والغرب على تعميق معرفتهم
بأصولهم الحضارية والثقافية
والفرز بين ما هو "أصيل"
وما هو "دخيل" على الإسلام
والثقافة العربية. كذلك فإنّ من
المهمّ التشجيع على أسلوب
الحوار الدائم بين المؤسّسات
والهيئات العربية والإسلامية
في أميركا والغرب، وبين غيرها
من المؤسّسات في هذه المجتمعات،
إضافةً إلى الحوار المباشر عبر
الإعلام والإنترنت واللقاءات
الخاصَّة.
هي مهمَّة مزدوجة
الآن أمام العرب والمسلمين في
أميركا والغرب: تحسين وإصلاح
"الجسم" (الواقع) بشكلٍ
متزامنٍ مع تحسين وإصلاح "الصورة"
.. بناء
الذات السليمة مع بناء المعرفة
السليمة لدى النفس ولدى الآخر.
_________________
*مدير
"مركز الحوار العربي" في
واشنطن.
Alhewar@alhewar.com
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|