عندما
لا تكون سورية دولة لكل
مواطنيها
الطاهر
إبراهيم*
عندما لا يستفيد المواطن من
خيرات وطنه، بل إن عليه أن يعمل
ويشقى ليحرم من عمله ويستفيد
منه من لا يعمل. وعند ما تعطل
قدرات المواطنين ومواهبهم فلا
يسمح لها بأن تساهم في خدمة
وطنهم، ويترك ذلك لمن يدور حول
نفسه ومنفعتها. فعندها يكون
الوطن ،بحق، وطناً لقلة من
مواطنيه. وعندما يبعد المواطن
عن شرف الدفاع عن وطنه، فإن حدود
هذا الوطن تصبح منقوصة، لأن من
بيدهم زمام الأمر لا يقاتلون
دفاعا عن الوطن، ولا يتركون
غيرهم ليدافع عنه.
وإلا فماذا يعني أن ينص الدستور
السوري، في مادته الثامنة على
أن "حزب البعث قائد للدولة
والمجتمع". وعندما يموت
الرئيس الراحل يبحث حزب البعث
عمن يخلفه في منصب رئيس
الجمهورية بين مليونين من أعضاء
حزب البعث (هذا العدد على ذمة
البعثيين أنفسهم ولنفترض أننا
نصدقهم) فلا يجدون بين
المليونين واحدا من البعثيين
يصلح أن يكون رئيسا للجمهورية
إلا شخصا واحدا، ولكن سن هذا
الشخص القانونية لا تسمح له بأن
يكون رئيسا ، فيعقد مجلس الشعب
اجتماعا طارئا يعدل فيه ،في خمس
دقائق، المادة /83/ التي تقضي أن
لا يقل عمر المرشح لرئاسة
الجمهورية عن 40 عاما لتصبح 34
عاما. فأي حزب هذا الذي يقود
مجتمعا ودولة، ثم لا يوجد فيه
إلا شخص واحد يصلح أن يكون
رئيسا؟
وإذا سمحنا لأنفسنا بالاستطراد،
وهو مما يستهوي الكاتب ،وإن كان
يسيء لنسيج المقال، وتساءلنا عن
هذا الحزب الذي يقود دولة
ومجتمعا ثم لا يوجد فيه إلا شخص
واحد يصلح أن يكون رئيسا
للجمهورية، وأن هذا الرئيس
،الذي هو صفوة حزب البعث، لا يجد
أسلوبا يعبر فيه عن خيبة أمله
لأن نظراءه ،زعماء الدول
العربية، لم يروا مارآه في شأن
الحرب على لبنان، فيشتمهم
ويصفهم بأنهم أنصاف رجال؟ وليت
الرئيس دفع بالجيش السوري إلى
الجولان ليخفف الضغط عن
المقاومة اللبنانية، ولكنه
اكتفى بالحرب من فوق المنابر.
وطن اسمه سورية يعيش فيه عشرون
مليونا من السوريين، نصفهم من
حزب البعث الحاكم (على اعتبار أن
عدد أعضائه -على ذمة البعثيين-
يساوي مليونين وعدد أعضاء أسرة
كل بعثي خمسة أشخاص، والمجموع
عشرة ملايين)، وهذا الحزب قائد
للدولة والمجتمع، ولكنه لا يوجد
فيه إلا شخص واحد يصلح أن يكون
رئيسا، وهذا الرئيس سمعنا منه
ما يسيء إلى
نادي الرؤساء، إلا إذا زعم
البعثيون "أن هذا الرئيس من
هذا النادي"، كما قالوا عنه
بعد التوريث: "هذا الشبل من
ذاك الأسد".
ولو تركنا الاستطراد، وعدنا إلى
الشعب السوري الذي ضرب عليه
النظام السوري الرق
والاستعباد، فماذا نجد؟ قدرات
المواطنين معطلة بمن فيهم
غالبية أعضاء حزب البعث الذين
ألجأتهم لقمة العيش أن يكونوا
من هذا الحزب ولولاها لكان لهم
شأن آخر. فالمواطن يخاف
من أحهزة أمن النظام أكثر
مما يخاف من الله، -الذي لا يأخذ
بالشبهة ولا يظلم أحدا- مع أنه
في ضميره يلجأ إليه وقت الشدة.
قلوب موظفي الدولة ضد النظام،
وألسنتهم معتقلة في أفواههم
خوفا مما لا تحمد عقباه أن يجدوا
أنفسهم في أقبية أجهزة
المخابرات. رواتب هؤلاء
الموظفين لا تكاد تكفيهم خبز
يومهم، فيلجأ البعض –مضطرا كما
يزعم- إلى مد يديه إلى الرشوة
التي هي ديدن رموز النظام ،ولكن
"على الثقيل".
روائح الفساد أزكمت الأنوف، فلا
تفتح صحيفة إلا وتقرأ فيها عن
أخبار المافيا التي تمتد أذرعها
الأخطبوطية لكي تستحوذ على كل
ما تصل إليه. وليس هناك ما يمتنع
عنها طالما أن وزارات الخدمات
والانتاج تمنح للمحاسيب من
أعوان المافيا السلطوية. ولا
يكاد العامل والفلاح يختلف عن
الموظف إلا أن يكون عمله في
حرفته أو في أرضه. ومع ذلك لا
يسلم من أيدي المافيا لأنها
تحتكر آلة العمل وسماد الزرع
،ليصب غالب المحصول في جيوبها.
وبين هذا المتسلط وذاك الفاسد
يشعر المواطن السوري أنه غريب
عن وطنه
ولا نذيع سرا إذا قلنا أن
السفارات الأجنبية لو فتحت
أبوابها لقبول المهاجرين،
لغادر نصف المواطنين سورية، حتى
أنهم يغبطون إخوانهم المنفيين
–مع أن هؤلاء لديهم من المشاكل
ما تنوء به ظهورهم- لو أنهم
هاجروا إليهم ليتخلصوا من
ملاحقة أجهزة الأمن التي تعتقل
كل من يقدر أن يدفع "المعلوم"
لينجو من الاعتقال والتعذيب.
وبين مطرقة أجهزة الأمن وسندان
الحاجة التي لا ترحم فإن
المواطن السوري يشعر وكأنه
أجنبي في وطنه سورية. ولعل أسوأ
ما يهيض جناح المواطن السوري
أنه يشعر بالغربة في وطنه مع أنه
ورثه عن أبيه وجده كابرا عن كابر.
الحريات مغيبة والإعلام مؤمم حتى
أن نقيب الصحفيين "صابر فلحوط"،
الذي استغني عن خدماته مؤخرا،
قال في مؤتمر الصحافيين الثالث
الذي عقد في حلب قبل خمس سنوات:
"يأتيك المسئول بقصاصة ورق
ويقول لك أنشر هذا الخبر". و
وطن لا يشعر المواطن أنه حر فيه
يصبح سجنا ولو كان جنات وأنهارا.
ويسمع المواطن صوت الشاعر "صابر
فلحوط" يهدر من إذاعة دمشق –قبل
أن يكون نقيبا للصحافيين- قائلا
"لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"،
فيبتسم ابتسامة صفراء وهو يتمتم:
أية معركة هذه التي لا يعلو فيها
صوت فوق صوتها؟ أهي معركة
حزيران عام 1967 التي خسر فيها
النظام السوري الجولان أو
باعها؟ أم المعركة التي تقصف
فيها الطائرات الإسرائيلية "عين
الصاحب" أو تحلق فوق قصر
الرئاسة في اللاذقية والرئيس
فيه، ثم يقول رئيس الحكومة "العطري":
إننا سنختار الزمان والمكان
اللذين نرد فيهما على العدوان؟
وهل يستطيع مواطن مسلوب الحرية
أن يقاتل؟ ومن أجل مَنْ يقاتل
هذا المواطن؟
وينشر أحد المواقع مقالا لي
فيعقب عليه مواطن سوري فيقول: إن
شقيق صديقه قتل عند الهجوم على
حي "البرامكة" في
الثمانينيات (المعروف أن
التفجير وقع في حي "الأزبكية"
وليس البرامكة)، واتهم فيها
تنظيم الإخوان المسلمين، وأن
شقيق صديقه المقتول كان يعيل
تسعة أطفال صغار. وحتى لا ندخل
في جدل بيزنطي حول من ارتكب هذه
الجريمة، وهي بلا شك جريمة،
أياً كان مرتكبها، فإن هذا
المواطن نسي كم هو عدد أطفال
حوالي ألف من معتقلي سجن تدمر،
قامت سرايا الدفاع ليل 26 فجر 27
حزيران عام 1980 بقتلهم جميعا
بالرصاص بدم بارد وهم نيام داخل
معتقل تدمر سيء الذكر؟ أم أن هذه
المجزرة التي تأنف الوحوش
المفترسة من فعلها هي محض خيال؟
وهل يستطيع أطفال المغدورين
الألف يوما ما أن يقاتلوا عن وطن
فَعَل حكامه بآبائهم ما فعلوا؟
أم أنه لا شيء يعلو فوق الحاكم؟
أم أن هؤلاء الأطفال عليهم أن
يقاتلوا وهم ينشدون مع الشاعر
قوله:
تقضي "الطفولة"* أن نمد
جسومَنا
جسراً فقلْ لرفاقنا أن
يعبروا
وهل هي رجولة فعلا عندما تكون
الجسوم التي سيُعْبَرُ فوقها هي
جسوم الذين قتلوا برصاص سرايا
الدفاع في سجن تدمر في ليل 26 – 27
حزيران 1980؟
*كاتب
سوري
-
- - - - - - - - -
*
هي الرجولة في أصل بيت الشعر،
ولكن المناسبة دعت إلى التبديل
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|