في
المعارضة السورية
لا
يوجد مرجعية تقبل معارضا وترفض
آخر
الطاهر
إبراهيم*
أثناء
نشر مقالات لي ناقشت فيها
الإخفاقات التي رافقت مسيرة
النظام السوري منذ استولى على
الحكم في آذار من عام 1963 وحتى
الآن، كنت أجد أسماء معينة –وقد
يكون بعضها غير حقيقي- تتصدى
لماأكتب، ليس بتفنيد ما أوردته
عن ممارسات النظام، بل محاولة
جر الجدال إلى قضايا خلافية قد
لا تمت إلى صلب موضوع المقالة
التي يتم التعليق عليها.ومع أن
منهم من كان يخرج عن النقاش
المفيد والبناء إلى الشتائم،
فقد كنت أحاورهم وأجادلهم بالتي
هي أحسن، لأن الشتائم والسباب
لا تؤسس لنقاش مجدي.
فكما
هو معروف فقد توافقت معظم فصائل
المعارضة السورية ،ومنها
الإخوان المسلمون، في بيان "إعلان
دمشق" الذي أعلن في تشرين
الأول "أكتوبر" عام 2005 : أن
النظام لم يعد قابلا للإصلاح،
وأنه لا بد من التغيير. وقد تركت
المعارضة الباب مفتوحا لمن يشاء
من رموز
السلطة للالتحاق بركبها، قبل
انشقاق الأستاذ خدام بشهرين
ونيف، ما يعني أن التحاق خدام
بالمعارضة كان دخولا للبيوت من
أبوابها -وليس تسلقا كما يفعل من
لا يطيب لهم العيش إلا في
الهوامش- ما جعل الإخوان
المسلمين يرحبون بانحياز عبد
الحليم خدام نائب رئيس
الجمهورية السابق إلى
المعارضة، ويشكلون معه جبهة
الخلاص الوطني.
والعجيب
أن بعضا من معارضة الخارج –وكأنما
نسي ما جاء في هذا الإعلان- قد
استنكر التحالف بين الإخوان
المسلمين وخدام، وكأنه –وبحسب
مقال المعترضين- يحق للجميع أن
يلتحق بركب المعارضة السورية
إلا خدام. وقد حاول بعض
الهامشيين -ممن شكل حزبا معارضا
لا يكاد يضم إليه إلا أفراد
أسرته- أن يُظْهِرَ نفسه أنه رقم
في ساحة المعارضة، فزعم أن
معارضة الداخل رفضت هذا
التحالف، ما دعا الأستاذ "حسن
عبد العظيم" الناطق باسم
أحزاب التجمع الديمقراطي أن
يصرح بأن قوى إعلان دمشق لا يوجد
فيها ناطق رسمي باسمها ،وهو
تعبير مهذب عن تكذيب ما زعمه ذاك
البعض الذي أشرنا إليه.
وتذكيرا
بما هو معروف، فبعد أربعة عقود
من الانخراط في حكومات نظام حزب
البعث المتعاقبة، فوجئ
السوريون ،ليس باعتزال نائب
الرئيس السابق للحكم فحسب، بل
بانحيازه إلى المعارضة
السورية، ومن ثم التحالف مع
جماعة الإخوان المسلمين أشد
فصائل المعارضة خصومة للنظام
السوري الذي كان الأستاذ خدام
ركنا ركينا فيه.
فلماذا
غيّر عبد الحليم خدام موقفه من
منافح عنيد عن سياسات حكومات
البعث المتعاقبة، لينتقل فجأة
إلى المعارضة، ثم ليقف، ليس مع
المعارضة اليسارية حيث تربطها
مع البعث جسور كثيرة، بل في
الضفة الأخرى مع الإخوان
المسلمين حيث لا جسور تربط –
إذا استثنينا رابط المواطنة-
بين الضفتين إطلاقا؟ ثم كيف قبل
الإخوان المسلمون التحالف مع
خدام بعد أن كان خصما لدودا لهم
على مدى أربعين عاما أثناء
وجوده في الدائرة الضيقة لصنع
القرار في النظام حيث لا صلة
فكرية ولا عقائدية ولا سياسية
تربط بين الفريقين؟
أجبت
عن هذين التساؤلين في أكثر من
مقال. وما قلته هناك كان واضحا
لايحتاج إلى كثير شرح لمن أراد
أن يبتعد بموضوعية عن دائرة
العاطفة، وأن يعزل عن الحقيقة
ما ليس منها .وما سأمر عليه هنا
فهو موجه إلى السوريين الذين
وقفوا ضد عبد الحليم خدام ،وهو
في السلطة، وأصروا على موقفهم
هذا منه ،وهو خارج السلطة.
أما
الذين نصبوا المشانق للرجل في
مبنى البرلمان، فلا اعتبار
سياسيا لهم، طالما أجمعوا على
سب الرجل وشتمه من تحت قبة
البرلمان، المكان الذي وجد
ليرسم سياسة سورية، لا ليكون
منبرا للشتائم. وهم بهذا
الاعتبار أسقطوا حقهم في أن
يكونوا نوابا عن الشعب السوري،
لأنهم فقدوا التمييز عندما
غيروا ،بين عشية وضحاها، موقفهم
من رجل، كان قبل يوم واحد فقط
يحظى بكثير من الألقاب عندهم
جميعا.
فالذين
لا يستطيعون التمييز بين صالح
القول وطالحه، ويهتفون بصوت
واحد "بالروح بالدم نفديك يا
..."، كما يشتمون ويسبون
ويخوّنون بصوت واحد أيضا،
وكأنما هم ،هنا وهناك، يتحركون
كشخص واحد، فقد أخرجوا أنفسهم
عن دائرة الاختيار وتحولوا إلى
آلة تتحرك بالريموت كونترول.
واستطرادا فقد عاتبني بعض قراء
مقالاتي -بشيء من النزق- لأني
أضع كلمة الأستاذ قبل اسم عبد
الحليم خدام، وتناسى أن رجالات
النظام "أستذوه" من قبلي،
وعلى مدى أربعة عقود ولم يعترض
عليهم أحد من البعثيين.
وإذا
كان الحدث الأكثر تأثيرا في
المزاج السوري –نظاما ومعارضة-
في عام 2005 هو اغتيال الشهيد رفيق
الحريري، فإن انتقال عبد الحليم
خدام إلى صفوف المعارضة يمكن أن
نعتبره الحدث الأكثر تأثيرا في
المزاج السوري في عام 2006 ،نظاما
ومعارضة.
وإذا
كان البعض من معارضي الخارج رفض
التحالف بين الإخوان المسلمين
وخدام ،فقد تحفظ معارضو الداخل
عن إبداء رأيهم، رافضين أن
يستفيد النظام من تعدد آراء
المعارضة حول ذلك. وللأمانة فإن
الشعبية التي يحظى بهاالإخوان
المسلمون بين المواطنين
السوريين بسبب
وضوح طروحاتهم وجديتها في
معارضة النظام السوري، لم تمنع
بعض المواطنين من إبداء عدم
رضاهم عن تحالفهم مع الأستاذ
عبد الحليم خدام.
في هذه
العجالة سنشير إلى بعض النقاط
التي يمكننا أن نخرج بها حول هذه
القضية:
أولا:
لا تملك أية جهة أن تدعي
مرجعيتها فتفرض وصايتها على
الشعب السوري، فتقبل في صفوف
المعارضة من تريد، وترفض من
تشاء. وأول نتائج هذه البديهية،
أنه ليس هناك مرجعية ،كما هو
الحال في معارضات أخرى، تحدد من
يكون في المعارضة ومن لا يكون.
كما أنه ليس هناك أوراق ثبوتيه
يبرزها السوري ليكون معارضا.
وكل ما يستطيعه الذين يرفضون
إدراج زيد أو عمرو في قائمتهم
للمعارضين هو أن يرفضوا التعاون
معه، مع أن هذا أول الوهن في
صفوف المعارضة. كما أنه ليس من
حق أي معارض فرض وصايته على
الآخرين إذا ما أرادوا التحالف
مع هذا المعارض أو ذاك.
ثانيا:
معارضة الأنظمة لا تكون مجدية
إذا انحصرت في المواقف فقط، بل
لا بد من تكاتف المعارضين
ليصبحوا قوة مؤثرة ترغم الأنظمة
على ترك الانفراد في السلطة
والنزول عند رأي الأكثرية. كما
أن المعارضة عمل تجميعي بالدرجة
الأولى وليس عواطف يمليها الحب
والكره. ولا يكون التحالف
،عادة، بين رؤيتين متطابقتين،
بل نادرا ما يجتمع المتحالفان
إلا على قضية واحدة مشتركة أو
أكثر، ويفترقان في قضايا كثيرة،
لا تؤثر في عملية التحالف،
وقديما قال الشاعر:
وقد
يجمع الله الشتيتين بعدما
يظنان كل الظن ألا تلاقيا.
ثالثا:
فيما لو قررت رموز في السلطة ترك
النظام والانضمام إلى
المعارضة، وكان قد وقع بعضهم في
مخالفات صغيرة أو كبيرة. فإن
السؤال الذي يفرض نفسه هنا عن
كيفية التعامل معهم، إذ لا بد من
الإجابة عليه. وإلا فما ذا نفعل
بإعلان دمشق الذي دعا رموز
السلطة إلى الانحياز إلى الشعب
، فهل نقبل هؤلاء ونرفض خدام؟
رابعا:
ومهما كان موقفنا من الأستاذ
عبد الحليم خدام، وهو في
السلطة، أو في المعارضة ضد
السلطة، فينبغي على المعارضين
أن لا يكونوا صدى لمقولات
النظام السوري. وعليه فإن حفلة
السباب والشتائم التي أقامها له
النظام من تحت قبة البرلمان،
وكأنما انتقل الرجل إلى فلسطين
المحتلة، تعطينا فكرة واضحة كم
هو هشٌ هذا النظام، حتى يهتز
لانشقاق أحد رموزه، مع أن خدام
كان بعيدا عن مراكز صنع القرار
منذ استلم الرئيس بشار أسد
السلطة .وبهذه المناسبة فنحن
نؤيد أن يترك رموز في النظام
السوري مواقعهم في الحكم.
ونطالبهم كما نطالب الأستاذ
خدام بكشف كل أوراق النظام
السوري التي ما تزال طي
الكتمان، حتى يعرف السوريون ما
ذا كان يدبر لهم في الخفاء على
مدى أربعة عقود.
ويسرني
هنا أن أقتبس عدة جمل علق فيها
قارئ على مقال لي تحت عنوان "عندما
لا تكون سورية دولة لكل
مواطنيها" يرد فيها على قارئ
هاجم الأستاذ خدام بعنف، قال:
(وعلى
كل حال الأستاذ خدام ليس
إسرائيليا ولا صهيونيا وإنما هو
سوري ومن حق السوريين أن يلتقوا
ضمن أي برامج تخدم الوطن ولا
يحتاج الأمر إلى هذا التشنج
فالرجل ليس إنساناً عادياً على
كل صعيد وهو في أبسط الأحوال
شخصية سياسية لها وزنها عربيا
ودوليا ومن حقه ومن حق الآخرين
أن يكون لهم تحركهم السياسي فما
المانع؟
نقطة أخيرة: النظام السياسي
السوري يترك الإخوان أكثر من
ربع قرن في صحراء العمل السياسي
ثم يلومهم إذا أرادوا البحث في
أي متغير ويطالبهم بالطهر
المطلق والعفاف الملائكي. الوطن
الحر والمؤسسات المفتوحة تتسع
للإخوان وللأستاذ خدام ولكل
السوريين، ولكن عقل ضابط
المخابرات لا يسع أحداً.
ألا
يحلم بأن يكون مثل هذا الحوار في
الوطن ؟ ألا يتحمل الوطن أبناءه
ليقولوا هذا الكلام داخله ضمن
مؤسسات العمل السياسي الحر؟.) (
انتهى الاقتباس) .
كلمة
أخيرة: فإن معظم الذين يتصدون
للدفاع عن النظام السوري بحكم
مواقعهم، ينقلبون عليه بعد أن
يصبحوا خارج الوظيفة الرسمية.
ولعل أكثرنا قرأ ما قاله الكاتب
المسرحي "حكم البابا"
لنقيب الصحفيين السابق الشاعر
"صابر فلحوط"، عندما زعم
هذا الأخير أنه لا يوجد أي صحفي
سوري اعتقل في سورية، فرد عليه
"حكم البابا": كيف تقول هذا
و"إبراهيم حميدي" لم يخرج
من المعتقل إلا منذ شهر واحد.
فقال "فلحوط" لو قلت غير
ماقلت لسحبت مني السيارة ، أو
أصبحت دواليبها "كفراتها"
بدون هواء.
*كاتب
سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|