حتى
أنت يا بابا روما؟
إبراهيم
درويش
nafizah_2006@yahoo.com
ملاحظة : إننا ننظر إلى إخواننا
المسيحيين في بلادنا نظرتَنا
إلى شركائنا في الوطن والمصير
والآلام والآمال والتاريخ
المشترك،وننظر إليهم على أنهم
مسلمون حضارياً وثقافياً،ولا
نعنيهم بكلامنا الآتي عن بابا
روما،الذي أراد أن يجرَّهم إلى
معركة خاسرة لاناقة لهم فيها
ولاجمل،كما نرجو منهم أن
يعذرونا فيما نقول،فـ " إن
الله لايحب الجهرَ بالسوء من
القول إلا مَن ظُلِمَ "،ونحن
تعرَّضنا للظلم القوليِّ من
بابا روما في أعزِّ ما نملك
دينِنا.
بعد هذه الملاحظة نقول:
يُفتَرض بشخص مثل بابا روما أن
يكون مثقفاً منصفاً موضوعياً من
دعاة الحوار بين الحضارات
والأديان،بعيداً عن إطلاق
الأحكام جزافاً،ينأى بنفسه عن
إثارة الحروب
الدينية،ولايؤجِّج مشاعر
الكراهية بين المسلمين
والكاثوليك الذين يشكلون معاً
نحو ربع سكان الأرض،كما كان
يُفترَض به أن يشق لنفسه
وللمؤسسة التي يرأسها
ويمثِّلُها طريقاً في العلاقات
الدولية بعيداً عن الذيلية لبوش
وبلير وبرلسكوني. وكان
يُتوقَّعُ منه أن يعتذر عن فترة
الحروب الصليبية،وعن محاكم
التفتيش التي استمرت أكثر من
ثلاثة قرون،وكانت جريمةً كنسية بحق
العلم والحضارة، كما برَّأ
سابقوه اليهودَ
من دم السيد المسيح عليه السلام
ومن المسؤولية عن صَلبه،ولو نظر
بعين الإنصاف لوجد المسلمين
أولى بالاعتذار من اليهود.
ولكنْ اختار الموقف غير الحكيم
بأن نفخ في نار الحروب الصليبية
الجديدة التي أعلنها صراحة
الرئيسُ الأمريكي جورج دبليو
بوش على العالم الإسلامي باسم
محاربة الإرهاب،فاختار بابا
روما دون عناء ولا تفكير
الاصطفافَ إلى جانب مَن وَصَفَ
الإسلامَ بالفاشية وقطعَ
بجيوشه الجرارةِ آلافَ
الأميالِ لاحتلال أفغانستان
والعراق وغيرهما تحت مسمَّى
محاربة الإرهاب وتعقُّب
الإرهابيين،وشنِّ الحروب
الاستباقية على من يُتوقع أنه
يُضْمِرُ الشرَّ لأمريكا،ومن
ذا الذي لا يتمنّى الدمارَ لها
بعد كل الذي فعلته على الساحة
الدولية؟!
لماذا اختار بابا الفاتيكان هذا
الموقف؟
لقد اختار بابا روما بينديكت
السادس عشر موقف الهجوم على
الإسلام،ووصفه بأنه دين انتشر
بالسيف ، ولايقيم للعقل
قيمة،وأنه ضد العلم ...إلخ من
الاتهامات التي كنا نتمنى أن
يكون لها رصيد ولو ضئيل من الصحة.
اختار هذا الموقف ـ حسب كثير من
المحللين ـ لأسباب عدة، في
مقدمتها :
أ . لقد أراد أن يبعث برسالة إلى
جورج بوش وتوني بلير وبرلسكوني
يقول لهم : إن الكنيسة
الكاثوليكية تبارك لكم الحرب
الصليبية المقدسة التي
تخوضونها ضد العالم الإسلامي
الذي يشكل تحدياً للمسيحية
وحضارتها.
ب . وأراد أن يبعث برسالة إلى
المجتمع الأمريكي الذي أصبحت
فيه سمعة الكنيسة الكاثوليكية
في الحضيض،بعد الفضائح
والاعتداءات الجنسية التي عصفت
بمعظمها إن لم نقُلْ
بكلها،لاسيَّما الشذوذ الجنسي
واعتداء رجال الكنيسة
الكاثوليك على الأطفال الذين
كانوا يرتادونها،أراد البابا
أن يقول للأمريكان إنه مؤيد
للسياسة الخارجية والداخلية
التي يتَّبِعُها حكامهم تجاه
المسلمين وبلادهم ودينهم،وإنه
مستعد لتجنيد نفسه ومؤسسته ومَن
فيها لخدمة الجيش الأمريكي
والبريطاني
والإيطالي،استئنافاً للدور
الذي قامت به المدارس والمؤسسات
التبشيرية في بلاد المسلمين،من
حيث إنها كانت طليعة القوى
الاستعمارية إبَّان الحقبة
التي وقعت بلادنا تحت براثن
الدول الغربية الاستعمارية.
ت . وأراد بابا روما أن يبحث له عن
موقع في تاريخ القرن الحادي
والعشرين للبشرية،لاسيما بعد
انهيار الشيوعية،وتضخيم
الدعاية والإعلام الغربيين
للخطر الذي يمثله الإسلام للغرب
المسيحي وحضارته. فأراد أن يركب
الموجة،ويدلي بدلوه في " صراع
الحضارات"،ولمّا لم يجد غير
الإسلام في الساحة فقد وجّه
سهامه المسمومة الطائشة
الخائبة إليه.
لقد أدرك الموضة السائدة هذه
الأيام لدى المعتوهين
والموتورين الذين يريدون
البروز السريع" ولو على خازوق"،فنسج
على منوالهم،وهي موضة الهجوم
على الإسلام واتهامه بنعوت
غريبة عنه. لِما يرون من سرعة
انتشاره وإقبال الناس
عليه،كونه دينَ الفطرة السليمة
والعقل السليم .
عذر أقبح من ذنب :
بعدما وصلت رسالة بابا روما
الواضحة الصريحة بسرعة البرق
إلى المسلمين والنصارى،التي
لايتناطح في فهمها عنزان ولا
تيسان،وأدرك أن الإسلام
بالنسبة للمسلمين ليس
كالكاثوليكية بالنسبة
للكاثوليك،أراد أن يُمعِن في
استغفال المسلمين، فأوهمهم أنه
يريد لحْس كلامه،أو تقديم نوع
من الاعتذار،وليته لم
يفعلْ،فقد كان تعليقه على ردِّ
فعل المسلمين إزاء افتراءاته
أسوأ من افتراءاته نفسها،عندما
قال: "إن المسلمين أساؤوا فهم
كلامه". جاء ليكحِّلها
فأعماها،بأن اتهم المسلمين
بعدم الفهم أيضاً!!!يا للغرابة!!!
يا بابا روما :
لسنا هنا في معرض المقارنة بين
الدين المتوافق مع العقل
والفطرة السليمة،وبين ذاك الذي
يعتمد الترَّهات
والخزعبلات،ولكننا نطرح أسئلة
إنْ شئت أجبت عنها،وحينئذ قد
كفيتنا مسؤولية الرد على
اتهاماتك،وإنْ شئت لُذْتَ
بالصمت فبقيت على ما أنت
عليه،وكفيتنا مؤونة دحض
افتراءاتك :
ما العلمُ الذي كان لدى
الأوربيين قبل وصول الإسلام إلى
الأندلس،وانتظامهم في المدارس
والمعاهد الإسلامية فيها؟
مَن وقف في وجه العلم البحت
وحَكمَ على العلماء الأفذاذ
أمثال جاليلو وغيره بالموت
حرقاً؟الإسلام أم المسيحية؟
عندما كان المسلمون يعالجون
مرضاهم بالأدوية والعمليات
الجراحية،وكانت مختبراتهم
حقولاً للتجارب والابتكارات
والبحوث العلمية الجادة،بمَ
كان الأوربيون يعالجون مرضاهم ؟
بالسحر والشعوذة أم بالحرق
والضرب لإخراج الجن والشياطين
من أجسادهم؟ بل كيف كانت نظرة
الأوربي للطب والتداوي؟
مَن أحرق دُورَ العلم والمكتبات
العامرة في الأندلس إبَّان
محاكم التفتيش،وتسبّب في تأخير
البشرية قروناً؟ المسلمون أم
أتباع الكنيسة ؟
عمَّن ألِّفت "زيغريد نولدكه"
كتابَ " شمس العرب تسطع
على الغرب "؟عن أهل الإسلام
أم عن غيرهم؟
بأي سيف أو قوة انتشر الإسلام في
أندونيسيا وماليزيا وبين قبائل
المغول والتتار بعدما أجهزت على
العالم الإسلامي من أقصاه إلى
أقصاه؟ أرأيت غالباً يدخل في
دين المغلوب إلا أن يكون
الإسلام ؟ بل في عصرنا هذا،عصر
الهيمنة الغربية بقوة أي سيف
يدخل كبارُ
علماءِ الغربِ وفلاسفته
وفنانيه في الإسلام؟
أي دين
سِوى الإسلام يفضِّل باباً من
العلم على عبادة سنين وسنين
؟وأي دين سِوى الإسلام يقول
لأتباعه:إن سلوك طريق العلم
يؤدي بصاحبه إلى الجنة،وإن
الملائكة تضع أجنحتها لطالب
العلم رضى بما يصنع،وإن كل شيء
يستغفر لطالب العلم،حتى النمل
في جحرها والحيتان في البحار؟
يا بابا الفاتيكان عن أي تسامح
وأخلاق وعلم وعقل تتحدث لدى
الغزاة الصليبيين والدول
الاستعمارية التي نهبت ثرواتنا
واستباحت أعراضنا وكل حرماتنا
وانتهكت أبسط حقوقنا وغذت
الدكتاتورية والطغيان في
بلادنا؟
يا بابا روما : ألم تجد صخرة أمتنَ
من صخرة الإسلام لتنطحها بقرون
من عجين؟
حتى أنت يابروتس ـ عفواً ـ يا
بابا ؟؟؟
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|