من
بلاد العم ( سام ) إلى بلاد الغم (
شام )
الرسالة
وصلت ..شكراً
د.
هشـام الشـامي
بعد ظهر يوم
الثلاثاء 12 أيلول/ سبتمبر
الماضي ؛ عدت إلى منزلي قافلاً
من عملي ؛ فوجدت زوجتي ( إيمان )
تتابع نشرة أخبار إحدى
القنوات الفضائية الإخبارية -
على غير عادتها - فسارعت إلى
استقبالي قائلة : هل رأيت ؟ ، لقد
أفشلوا الهجوم الإرهابي على
السفارة الأمريكية و الحمد لله .
فسألتها : أين و متى حصل ذلك ؟ .
فقالت : في دمشق ؛ هذا الصباح .
فقلت لها : لم أسمع هذا الخبر بعد
؛ و لكن خبرتي و تجربتي تقول
إنها تمثيلية
مفبركة . فقالت : كيف وقد
قُتل العديد من الأشخاص منهم
رجال أمن . فقلت : و ما الغريب في
ذلك ؟ ؛ إنها لزوم السيناريو و
الإخراج ، ثم متى كان للنفس
البشرية قيمة عند النظام الحاكم
في دمشق؟ .
ثم أخذت أركّز
ناظري و مسمعي و جميع حواسي على
نشرة الأخبار ، بينما انطلقت
زوجتي لتحضير طاولة الغداء ، و
قد بدت الحيرة في ملامحها بين ما
سمعته في نشرات الأخبار و ما
سمعته مني .
و في مساء ذلك اليوم
زارنا أخو زوجتي ( رشيد ) و زوجته
( عبير) ، و أثناء السهرة كنا
نستمع إلى أخبار قناة الجزيرة ؛
فعرضت خبر الهجوم على السفارة
الأمريكية في دمشق ، فأسرع
أسامة إلى التعليق قائلاً :
تمثيلية سيئة الإخراج . مما لفت
انتباه زوجتي التي لا تهتم
بالسياسة إلا نادراً ، فسألت:
- ما الذي يدعوكما
إلى الاعتقاد أن العمل مدبر و
مفبرك ؟ .
فأجاب رشيد : - إننا
نعيش في سوريا الأسد!! ، البلد
الذي حصل بجدارة على بطولة
العالم في عدد
فروع المخابرات ، و الذي
يصرف النسبة العظمى من ميزانية
الدولة على أمنه و حماية سلطته ،
و أنتم تعلمون أن أكثر من نصف
الميزانية و لأكثر من أربعين
سنة تصرف على الجيش ، و حوالي
نصف هذه الميزانية تصرف على أمن
النظام و مخابراته ، و يوجد أكثر
من 250000عنصراً أمنياً لديهم
حوالي 75 ألف مركوبة ، هذا عدا
الحرس الجمهوري و الصاعقة و
الوحدات الخاصة و المغاوير و
غير ذلك من الجيوش التي لا هدف
لها سوى حماية النظام ، فالنظام
مخابراتي بامتياز .
قلت
: - و أريد أن أضيف على ما أسلفت ،
إن المنطقة التي حدثت فيها هذه
المسرحية ، أمنية من الدرجة
الحمراء و ليس البرتقالي أو
الأصفر ( حسب التعبير الأمريكي )
، فهذه المنطقة التي تقع فيها
السفارة الأمريكية منطقة أمنية
من الدرجة الأولى وتقع في
الشارع الخلفي للقصر الجمهوري (
قصر الروضة ) وعلى بعد حوالي 200
متر منه ؛ حيث يوجد سكن الرئيس
بشار و من قبله أبيه – باني
النظام الأمني – حافظ ، كما
إنها قريبة جداً من مقر مكاتب
رئيس الجمهورية و من مراكز
المخابرات السورية في حي
المالكي المجاور ، و تعلمون أن
المنطقة متخمة بمساكن
المسؤولين الكبار في الأمن و
الدولة ، و مراكز البعثات
الدبلوماسية و السفارات
الدولية ؛ كالقنصلية الإيطالية
,والسفارة العراقية ,والسفارة
الصينية ,والملحقية الثقافية
الفرنسية ,والملحقية التجارية
الإيطالية ,و المجلس الأعلى
السوري اللبناني , ومنزل السفير
المغربي.
كما أن الوقت الذي
حصل فيه الهجوم صباحاً ، هو وقت
ذروة الازدحام و الكثافة
الأمنية في المنطقة .
رشيد : ألم تلاحظوا
من الصور التي عرضت على قناة
الجزيرة أن الكميونات المغلقة
التي استعملها المهاجمون بدون
لوحات؟ ، وأنتم تعلمون أن
السيارات المغلقة ممنوع مرورها
من هذا الشارع ويوجد دوريات
أمنية في بداية الشارع لإيقاف
السيارات ومنعها من التوجه إلى
ساحة عدنان المالكي .
فقلت : سيارتان
مغلقتان بدون لوحات في مثل هذا
المكان الأمني ، يستقلاهما
أربعة شباب منقبين بأشمخة حمراء
، و يصلون بهما إلى قرب السفارة
الأمريكية الحصن الحصين ، ألا
يثير ذلك مئة سؤال و سؤال ؟!!.
عبير : و لكن هذا لا
يمنع أن الناس مشحونون غضباً من
السياسة الأمريكية في المنطقة و
العالم ، و خصوصاً مما يحصل
يومياً في فلسطين و العراق و
أفغانستان ؛ و مما حصل أخيراً في
لبنان ، مما يشكل الأرضية
المناسبة لإستثارة الشباب
المتحمس و الذي يريد أن ينتقم من
أمريكا و سياساتها الظالمة بشتى
الوسائل و حسب الإمكانيات
المتاحة .
رشيد : هذا صحيح ، و
نحن لم نتكلم عن دوافع هؤلاء
الشباب المتحمس ، فأغلب الظن
أنهم من المغرر بهم ، و الذين
اُستغل حماسهم و نقمتهم على
السياسة الأمريكية ، و تم رسم
الخطة في الدوائر الضيقة جداً ،
بحيث لا تخرج عن نطاق السيطرة ،
و تخدم سياسة النظام المخابراتي
الدموي .
إيمان : و لكنهم
لماذا ينفذون مثل هذه العمليات
؟ أو حتى يخططون لها و يشرفون
على تنفيذها ، و هم بحدوث مثل
تلك العمليات يكشفون عن تقصيرهم
الأمني ، و ضعفهم في كشف مثل تلك
المخططات الإرهابية ، مما يضعف
هيبتهم الأمنية التي هي
رأسمالهم الوحيد المتبقي
للاستمرار في السلطة ، ولطالما
تفاخروا بقبضتهم الحديدية التي
أحكموها بقوة و عنف على أعناق
العباد و أحصوا عليهم أنفاسهم و
أرزاقهم و أعمالهم وما تنبس
شفاههم ، حتى نشروا ثقافة الخوف
و الرعب بين المواطنين .
فقلت : لقد أصبح همّ
السلطة الوحيد في دمشق ، و
أوليتها الملحة ، هي لفت نظر
العم سام الأمريكي إليهم بعد أن
أصبحوا معزولين في هذا الكون ، و
لم تُبق سياستهم الصبيانية
الطائشة ؛ و خطابهم الخشبي
المتحجر ؛ لهم صاحباً أو صديقاً
؛ اللهم إلا المهمشين أمثالهم ؛
كالإيرانيين و الكوريين
الشماليين ، و هم يظنون أن العم
سام الذي رعاهم و مدهم بنسق
الحياة على مدى العقود السابقة
إذا ما رضي عنهم فستحل كل
مشاكلهم التي تراكمت فوق رؤوسهم
و صدورهم كالجبال الثقيلة ،
بداية بتبرئتهم من جريمة اغتيال
الرئيس رفيق الحريري ، و ليس
انتهاء من إنهاء عزلتهم القاتلة
بعد أن قُصقصت أجنحتهم و نتف
ريشهم مما أفقدهم أي دور محلي أو
إقليمي و لو بسيط ، و أُحرقت كل
أوراقهم التي كانوا يتاجرون بها
، و بحسهم الأمني العالي جداً ؛
يعلمون أن عقدة أمريكا اليوم ( و
معظم العالم الغربي ) هي الإرهاب
؛ و بالتحديد تنظيم القاعدة و
الإرهاب الإسلامي كما يسمونه ؛
و هم بهكذا مسرحيات يقولون للعم
سام أنهم مستهدفون مثله تماماً
و من الإرهاب ذاته ؛ فهم بالتالي
في صف محاربي الإرهاب و ليسوا في
صف الإرهاب كما تصنفهم أمريكا و
أغلب دول العالم ، و أيضاً
يبرهنون بقوة السلاح و بالمثال
العملي المشاهد ، و بالدماء
المسفوحة على الإسفلت ، و
بالأرواح المزهقة إلى بارئها ،
أنهم ما زالوا مستعدين
لحماية المصالح الأمريكية كما
كانوا بالسابق ، و كما قدّموا
خدماتهم الجليلة في كشف عدة
عمليات كانت ستتعرض لها المصالح
الأمريكية في الخليج العربي و
المنطقة بل و في العالم أجمع ، و
هذا ما دفع رايس إلى تجديد
امتنانها و شكرها للنظام و رجال
الأمن على حمايتهم للسفارة و
الرعايا الأمريكيين ، و لذلك
أسرع الإعلام السوري إلى نشر
الخبر – على غير عادته – و حرص
على إظهار صبغة دينية على
الشباب المهاجم ، فهم – كما
أظهرهم الأعلام السوري - ملثمون
بأشمخة حمراء ؛ و يكبرون و
يهللون و يطلقون شعارات دينية ؛
و الأبلغ من ذلك كان مكان و زمان
الهجوم فهذه المرة هو مباشر على
المصالح الأمريكية ؛ و ليس على
بناء مهجور في أوتستراد المزة (
مبنى الأمم المتحدة المهجور ) أو
على بناء مهجور في ساحة
الأمويين ( في محيط مبنى الإذاعة
و التلفزيون ) ؛ و في وضح النهار
بل في وقت ذروة الازدحام ( و ليس
صباح يوم الجمعة وقت الهجوم
الأخير على مبنى الإذاعة و
التلفزيون ) ؛ و الأكثر من ذلك
أنه حدث في الوقت الذي كانت
تحتفل فيه الولايات المتحدة
الأمريكية بالذكرى الخامسة
لأحداث الحادي عشر من سبتمبر .
كل هذه المؤشرات
المقصودة يريد منها مؤلفو
السيناريو أن يوصلوا رسالتهم
أنهم مقصودون و مستهدفون من
الإرهاب العالمي كالأمريكيين
تماماً .
عبير : و لكن
الأمريكيين يقولون: " أن
السوريين قد أبدوا استعدادهم
للتعاون في التحقيق لكشف
ملابسات هذا الهجوم " ، و هناك
شخص من المهاجمين قد أعتقل
جريحاً ، و قد أعلنت مصادر
مسؤولة سورية ، أن هذا الشخص مهم
جداً في كشف حقيقة هذه المجموعة
و أهدافها و دوافعها .
رشيد : الحقيقة هذا
الموضوع حيّرني ، و قد تساءلت
قبلك كيف تركوا أحد المهاجمين
حيّاً و لم يقتلوه ؟ ، و هل
سيمكنون المحققين الأمريكيين
من التحقيق معه ؟ .
فقلت : لا ، لن يحدث
هذا أبداً ، فكل الحوادث
السابقة التي
اتهم بها أشباح جند الشام -
الذين حتى الآن لم نعرف اسم ولو
واحد منهم ؛ و هل هم من البشر أم
من غير البشر
؟ و هل هم من كوكب الأرض أم
من المريخ مثلاً ؟ - كانت ( بروفا
) كما يطلق عليها أهل التمثيل ؛
لهذه العملية المباشرة و
المدروسة بعناية ، و غداً أو بعد
غد في أبعد وقت ، ستسمع خبر وفاة
هذا المهاجم الجريح قبل أن
يستطيع الأمن من التحقيق معه ،
لأن الأمن عندنا رحيم جداً !! و
يتعامل بمنتهى الإنسانية مع
البشر!! ، و يلتزم بأوامر
الأطباء المعالجين تماماً !! ، و
سوف تذكرون كلامي هذا عندما
سيعلن نبأ وفاته ، و بالتالي
انقطاع خبر الأشباح من جند
الشام دون أية معلومات يمكن أن
توصل إلى حقيقة هذه الأشباح .
إيمان : و هل من
أهداف أخرى لهذه العملية ؟ .
رشيد : نعم هناك
أهداف كثيرة ، فهي كما ستخدم
السياسيين ستخدم أيضاً
الأمنيين الحكام الفعليين
للبلد ، فقانون الطوارئ الجاثم
على صدورنا منذ أكثر من أربعة
عقود ، و أعداد فروع الأمن
الأخطبوطية الكثيرة ، و مئات
الموظفين من رجال الأمن ، و
الميزانية الضخمة المخصصة
للأمن كلها مبررة بوجود هكذا
إرهاب .
قلت : و هناك رسالة
موجهة أبعد من الولايات المتحدة
، و تصل إلى المجتمع الدولي
بأكمله ، و هي حالة الفوضى التي
ما فتئ يحذر منها المسؤولين
السورين باستمرار ، و كأنهم هم
صمام الأمان لهذا المجتمع
المهيأ في حال سقوطهم لعرقنة أو
جزأرة سوريا الحبيبة ، أما
الرسالة الأهم فهي موجهة إلى
الدولة الصهيونية الداعم
الأساسي لبقاء هذا النظام حتى
الآن ؛ و تقول هذه الرسالة : أن
البديل لهذا النظام ( الحارس
الأمين لحدود الجولان المحتل
على مدى عقود عديدة ) هم هؤلاء
الإرهابيون الانتحاريون الذين
سيشعلون جبهة الجولان الهادئة ،
و يحوّلون جليد جبل الشيخ
جحيماً فوق رؤوس المستوطنين
الأمنيين .
إيمان : و هل هذا
التحليل هو التفسير الوحيد لهذا
الهجوم ؟ .
قلت: هناك تفسيرات و
تحليلات أخرى ، لكنها أقل قوة من
التفسير السابق بكثير ، منها
التفسيران التاليان :
الأول : نستطيع أن
نلخصه بأن السحر قد انقلب على
الساحر ؛ بمعنى أن التنظيمات
الإرهابية التي رباها هذا
النظام الأمني و رعاها لتكون
يده التي يبطش بها في دول الجوار
كالعراق و لبنان و الأردن ؛ قد
خرجت عن الخط الذي رسمه لها ، و
انقلبت عليه و نفذت هذه العملية
، و لم
تعد تقتنع بازدواجية و فصامية
علمائها المخابراتيين كالعالم
العلامة و الخطيب المفوه و
المجاهد الكبير !!! أبو القعقاع
الأسدي !!! (رضيت المخابرات عنه و
أرضته ) ، تماماً
كما انقلب تنظيم القاعدة
على الأمريكان بعد أن ساعدوه ضد
السوفييت .
و الثاني :
أن إيران التي سلمها الأسد
الصغير سوريا العظيمة لقمة
سائغة في فم حوت فارسي شره ، قد
نقلت ساحة الصراع من لبنان إلى
سوريا بعد أن قطع القرار 1701
الدولي عليها طريق لبنان ، و هي
تريد أن تبقي العراق و سوريا و
لبنان ساحتها لمواجهة أمريكا و
الغرب .
عبير : و هل سينجح
النظام في تحقيق أهدافه الخبيثة
؟ .
رشيد : الحقيقة أن
النظام فقد مصداقيته عند الجميع
، فلطالما حذرت المعارضة
الوطنية من هذا النظام الدموي و
أساليبه الوضيعة ، و الآن ، و
بعد عقود طويلة من الإجرام و
إرهاب الدولة المنظم ، بدأ
زعماء العالم الحر يعرفون حقيقة
هذا النظام ، و بات كل زعماء
العالم الكبار و قادة العالم
العربي يقولون صراحة و دون
مواربة : أن هذا النظام مخادع و
لا يمكن الوثوق به .
قلت : هل تعرفون
الفرق بين هذه المسرحيات
الدموية المفبركة
، و بين المسرحيات الفنية
الحقيقية ؟ . سأجيبكم :
أولاً - أن أبطال
هذه المسرحيات دائماً غير
معروفين ، و كأنهم أشباح خلقوا
لينفذوا هذه العملية فقط ، و ليس
لهم اسم و مكان ولادة و مكان
إقامة و تاريخ أبداً .
ثانياً - أن أبطال
هذه المسرحيات يقتلون دوماً ؛ و
قبل تنفيذ مهامهم المرسومة .
ثالثاً - أن
السيناريو دائما متشابه ، و
الإخراج دائماً سيء ، و أسوأ ما
يعتقده المخرج المتعجرف أن
الجمهور دائماً غبي و مخدوع . و
لا يريد أن يفهم الحكمة القائلة
:" قد تستطيع أن تخدع بعض
الناس بعض الوقت ؛ لكنك لن
تستطيع أن تخدع كل الناس كل
الوقت ".
إيمان : دعونا نرى
ما سيقوله النقاد عن هذا
المسلسل الدموي الرهيب ، و
تفضلوا الآن فالعشاء
جاهز .
و في اليوم التالي :
اتصل بي رشيد قائلاً : لقد أعلنت
السلطات الأمنية موت المهاجم
الرابع الذي كان جريحاً ؛ دون أن
تتمكن من استجوابه .
و إلى حلقة قادمة من
مسلسل أشباح جند الشام ، و
تصبحون على وطن ....
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|