من
له مصلحة ، في استثارة الفرز
الطائفي ، في سورية ؟
وبالتالي
: إثارة الصراع الدامي ، على
أساس : كثرة محكومة ، وقلّة
حاكمة !؟
عبد
الله القحطاني
لمعرفة الجواب ،
لابدّ من استعراض المواقف على
الساحة ، مواقف الفرقاء
السياسيين جميعاً على ساحة
العمل السياسي في سورية .. سواء
من كان منها معارضاً ، ومن كان
في السلطة.
1ً- الإسلاميون
رافضون لهذه النزعة الرخيصة ،
منذ بداية تأسيس جماعتهم . ونقصد
هنا الأخوان المسلمين
تحديداً ..
فهذا تاريخهم ،
منذ أربعينات القرن الماضي ،
وحتى الآن ، يشهد على سلوكهم ،
وعلاقتهم بالآخرين ..
وهذه وثائقهم
وبياناتهم وتصريحاتهم ،
وأدبيّاتهم كلّها ، تشهد على
ذلك ، قبل تفجير الزمرة الحاكمة
للصراع الدامي ، وبعد التفجير ..
" في أواخر السبعينات وأواخر
الثمانينات " .أمّا مرحلة
الصراع ، بل مرحلة القتل البشع ،
الذي شنّته العصابة المتسلّطة
،ضدّ جماعة الإخوان وأنصارها،
بل ضدّ أكثريّة الشعب السوري ..
أمّا هذه المرحلة ، فلها
خصوصياتها ومقتضياتها! فليس
ثمّة بشَر، في الكون ، يتعرّض
للذبح العشوائيّ المقصود،
والذبح المقنّن
ـ عبْر قانون من مجلسِ شعبٍ
عيّنته الزمرة الحاكمة ـ يدّخر
شيئا من وسعِه ،في الدفاع عن
نفسه..! فليس لدى الإخوان
المسلمين مبدأ ،أو خلق ، يحضّهم
على استثارة النعرات الطائفيّة
ضدّ أبناء وطنهم ،وليس لهم
مصلحة في ذلك ،ألبتّة! بل هم
ينفرون من هذا العبث الشيطانيّ
الرهيب ، لو حصل في أيّة بقعة من
بقاع الأرض ، بلْهَ أن يقع في
وطنهم ، وبين أبناء شعبهم..!
والزمرة المتسلّطة الفاسدة
تعرف هذا جيدا ، قبل أن تَسرق
السلطةَ من الشعب في ستّينات
القرن الماضي! وليُسأل وجهاء
الطائفة العلويّة ، وقادة الرأي
والفكر فيها ، وكبار السنّ من
رجالها.. الذين عرفوا الإخوان
المسلمين ، في مواقع العمل
السياسي والاجتماعي والثقافي
كلّها ،عبرَ عقود عدّة ،
وليُسأل أمثالهم ، من رجال
الطوائف الأخرى ، والديانات
الأخرى ، من دروز وإسماعيلية
ونصارى ، وغيرهم.. عمّا إذا كان
الإخوان دعاة طائفيّة ، أو
محرّضين على طائفيّة في يوم من
الأيام..!
2ـ الأطراف
المعارضة غير الإسلامية:لا نعلم
أنّ لأيّ منها مصلحة في إعادة
الفرز الطائفي في سورية . ولم
نرَ سلوكاً ، أو نقرأ كلاماً،
لأي منها – قوميّاً كان ، أم
يساريّاً – يدل ّ على أنه يسعى
إلى فرز طائفي ،أو يحضّ عليه ،
أو يميل إليه .. إلاّ ما كان من
بعض السياسيين المتعصّبين ضدّ
الإسلام ، ومنهج التفكير
الإسلامي ..الذين يصرّحون
بضرورة إقصاء الإسلام عن ساحة
العمل السياسي جملة وتفصيلاً ..
وهو ذاته منطق السلطة الطائفيّة
المتسلطة في البلاد ، فهؤلاء
يخدمون هذه السلطة بصورة غير
مباشرة ، حين يردّدون أقوالها
الحاقدة على الإسلام ، المصرّة
على استئصاله من أيّ فكر سياسي
في البلاد ، وبالتالي من أيّة
ممارسة سياسيّة في الدولة . ونحن
لا نفترض – بالطبع – أنّ هؤلاء
الساسة المعارضين طائفيون ، كما
لا نفترض أنّهم يريدون خدمة
السلطة الحاكمة- عن وعي وإصرار
– في تنحية الإسلام الذي تراه
العدّو الأول لها في العالم ..
ولاسيّما أنّ بعض هؤلاء الساسة
المعارضين ، ناله من عسف السلطة
وإجرامها مثل ما نال
الإسلاميّين ..! وهذه مفارقة لا
نعرف كيف يوفّق هؤلاء الساسة
المعارضون بين عناصرها
المتناقضة ، ـ على مستوى الحساب
السياسي الجادّ والدقيق ـ !
ولاسيّما أن الإسلاميّين لديهم
من مبادئهم وتاريخهم
والتزاماتهم الرسميّة المعلنة
، ما يشكّل ضمانات حقيقيّة ، لأي
عمل سياسي جادّ معارض ، طامح إلى
تحرير البلاد من هيمنة التسلط
والفساد والاستبداد ، لإخراج
الناس في سورية من قمقم
الدكتاتورية المقيتة ، إلى فضاء
الحريّة الذي يتّسع للجميع .
وإذا شك بعض الساسة المعارضين ،
بأن الإسلاميّين عاجزون عن
محاورة الآخرين ، وعن مقارعة
الحجّة بالحجّة ، وعن الإفحام
والإقناع عبر الحوار وحده .. إذا
شكّوا بهذا ، فعليهم أن يعمّقوا
معرفتهم بالإسلاميين الذين
يسعون معهم لبناء جبهة مشتركة ،
كفيلة بهدم جدار الدكتاتورية
المزمن البشع المقيت . وإذا كان
ثمّة من يخشى من تسلّط جديد ،
بعد هدم التسلّط القديم ، فهم
الإسلاميون ، أوّلاً ، وقبل كل
أحد! فما
أصابهم على أيدي القوى القوميّة
واليساريّة والعلمانيّة ، من
بلاء ، في سائر الدول العربيّة
– وفي سوريّة خاصّة – ممّا
لا يغيب عن ذهن طفل ساذج ، يعيش
بين المحيط والخليج !
3- وتبقى الطغمة
المتسلّطة الحاكمة : التي
تستغلّ مشاعر الطائفة التي تحكم
البلاد باسمها، وتدأب على تأجيج
مشاعر الحقد والكراهية ، ضدّ كل
فرد في البلاد محسوب على ملّة
الإسلام – إذا كانت لا تستطيع
استخدامه أجيراً عندها – حتى لو
كان هذا الفرد ماجناً ، أو ضعيف
الخلق ، أو جاهلاً بمعنى كلمة
الإسلام ..
لقد دأبت هذه
الطغمة الفاسدة ، على استثارة
مشاعر الكره والخوف لدى أبناء
طائفتها ، منذ استلم البعث
السلطة ، وكانت هي العنصر
الأساسيّ المحرك له، لسياساته ،
وقراراته ،
ومجازره " العسكريّة –
الأمنيّة- التعليميّة –
الاقتصاديّة .." وعبر مراحل
التسلّط الشكليّ للبعث ، على
مقدّرات البلاد، مدّة أربعين
سنة ونيّف .
فحماة لم تضرب
مرّة واحدة بأيدي الطغمة
الفاسدة /عام 1982/ بل ضُربت مرات
عدّة ، منذ بدايات حكم البعث /عام
1964/.. وظلّت مجموعات كثيرة من
أبنائها مضطهَدة ، من قِبل
الزمرة الحاكمة ، حتى هذه
الساعة ..!
والإسلاميّون –
الإخوان خاصّة – لم يضطهَدوا ،
ويحبَسوا ، ويشرّدوا ، ويعزَلوا
من وظائفهم
.. في أواسط السبعينات وبداية
الثمانينات - وإلى اليوم – فحسب
، بل بدأت محنتهم في ظلّ هذه
السلطة ، منذ بداية استلامها
للحكم ، وبتصميم واعٍ وحازم ،
وعلى المستويَين النظريّ
والعمليّ : عبرَ التصريحات
الحزبيّة – كما ورد على لسان
حافظ أسد ، في بعض مجلات الحزب
عام 1965- ..وعبر الممارسات
العمليّة اليوميّة ..
وأبرز تَجلٍّ من
تجلّيات الحقد الطائفيّ العجيب
، لدَى هذه الزمرة الشاذّة ، ذلك
القانون الذي سنّته ، وأمَرت
مجلسَ شعبِها المعيّنَ ،
بالموافقة عليه ، وهو قانون
العار 49، عام 1980، الذي يحكم
بالإعدام على كلّ منتَمٍ إلى
جماعة الإخوان المسلمين ..! بل
تجلّت عبقرية هذا القانون
وصانعيه ، في الأسابيع الأخيرة
، حين بدأت تصريحات السادة
الرفاق – بعد مؤتمرهم العاشر
العتيد ـ تَتوالى ، حولَ شمولِ
القانون ، كلّ من يتعاطف مع
جماعة الإخوان المسلمين ومن
يروّج لأفكارهم ، حتى لو لم يكن
عضواً في تنظيمهم ..! وبناءً عليه
، اعتقِلَ ( الأستاذ علي العبد
الله) ، من منتدى الأتاسي ،
لمجرّد قراءتِه بياناً كتبه
الأستاذ (علي البيانوني)
المراقب العام للإخوان
المسلمين ! وتهمة الأستاذ علي
العبد الله ، هي الترويج لفكر
الإخوان المسلمين ..!
أمّا مصعب
الحريري ، الشابّ الحدَث ، الذي
لم يجاوز السابعة عشرة من عمره ،
فاعتقِل
– بعد أن سوّى وضعه في سفارة
النظام في الخارج – بتهمة أنّ
أباه من الإخوان المسلمين..!
وهذا، بالطبع ، ذنب عظيم ! إذ كيف
يَقبل مولود في سورية ، أن يولَد
لإنسان ينتمي إلى الإخوان
المسلمين !؟ كان يجب على هذا
الغلام أن يغيّر طريقه عند
ولادته ، فيولَد لأبٍ آخرَ ليس
من الإخوان المسلمين ..! ومادام
قد ولِد لهذا الأب ، فعليه أن
يتحمّل وزرَ فعلتِه الشنعاء هذه
، وأن يحكم بالإعدام ، لتخفّفَ
عنه سلطة بلاده الرحيمة ، حكمَ
الإعدام ، إلى عقوبة الحبس ، ستّ
سنوات فقط !
هي ذي عبقريّة
الرفاق الطائفيّين ، في التعبير
عن أحقادهم الهائلة الدفينة
الشاذّة ..!
فماذا يعني هذا
تحديداً ، في أيّ منطق سياسيّ ،
أو اجتماعيّ ، أو دينيّ ، أو
إنسانيّ ؟
ألا يعني –
بالضرورة ، وبلا أيّ تأويل آخر
– أنّ الطغمة الفاسدة
المتسلّطة ، تسعى بقوّة وعنف
وتصميم ، إلى استنفار المشاعر
الطائفيّة المضادّة ، لدى
غالبيّة أبناء الشعب السوري ،
لتصطدم العاطفة ، والمزاج
بالمزاج ، والقهر بالقهر ،
والحقد بالحقد ، والعنف
الطائفيّ بالعنف الطائفيّ ..
لتَغرق البلاد في مستنقع الدم ،
وتغوصَ فيه زمناً لا يعلم مَداه
الله !
وإلاّ ، فليفّسر
أيّ عاقل في الدنيا ، مسلكَ هذه
الطغمة الفاسدة المفسدة ،
تفسيراً آخر ، يقبله العقلاء ،
وحتى المجانين ، من أبناء سورية
المنكوبة الصابرة !
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|