الطائفية
, المعارضة و النظام
مازن
كم الماز
مع كل هذا الصراخ
الطائفي الذي يرتفع ليستوعب و
يعيد إنتاج المنطقة و قضاياها
من مقاومة و دمقرطة و تبعية و
حداثة و مع المراجعات التي
بدأتها ( كل على طريقته و مقاسه )
المعارضات السورية لتتلاءم مع
ظروف الاصطفاف الراهن و نتائج
ما بعد الحرب الإسرائيلية على
لبنان المراجعات التي ما تزال
بعيدة عن تغيير الأهداف أو
التكتيكات , لا بد هنا من وقفة
تحاول أن تستوعب ما يجري و في أي
اتجاه تسير فيه الأحداث..
جاء الضجيج الذي
رافق تصريحات البابا و من ثم
خطاب السيد حسن نصر الله و ردود
قوى 14 شباط عليه لا سيما خطاب
جعجع في مناسبة تستدعي التوقف
عندها هي ذكرى شهداء القوات
اللبنانية في الحرب الأهلية
لتعبر عن مسار الأحداث و عن
الأنساق التي تتحكم بالمزاج
الشعبي في هذه المرحلة..كان تقدم
المشروع الأمريكي ل"دمقرطة"
المنطقة ترافق مع هذا الارتفاع
المستمر في حرارة الخطابات
الطائفية و المذهبية و صعود
القيادات التقليدية إلى جانب
رأس المال السياسي و أمراء
الطوائف..في العراق تحولت
العملية السياسية إلى محاصصة
سياسية بين هذه القوى و ترافقت
مع استشراء للفساد الذي وفرت له
هذه المحاصصة غطاءا رسميا و في
لبنان شكل رأس المال السياسي مع
لوردات الحرب الأهلية
الطائفيين و بقايا الإقطاع
السياسي تحالفا حاكما يرى
مشروعه جزءا من تحقق المشروع
الأمريكي..يعكس هذا أولا تغيرا
في المقاربة الأمريكية للمنطقة
في تدخلها المباشر في المنطقة و
دخولها في هذا الإطار في مواجهة
حاسمة مع أنظمة عدة في المنطقة
بهدف فرض التغيير عليها و
الانتقال لحالة سياسية مندمجة
في مشروعها للشرق الأوسط و من
جهة أخرى تعمق الاصطفاف السياسي
على أسس طائفية و مذهبية و أثنية
و استلاب الجماهير و تشتتها بين
قياداتها الطائفية \ العشائرية
و تراجع أي مشروع حداثي لتجاوز
هيمنة البنى التقليدية على
المجتمع و وعي الجماهير على
خلاف ما تدعي أمريكا و النخبة
المتلبرلة..وسط هذا الخضم شكلت
الحرب الأخيرة تحديا لأوهام
القدرة على استيعاب حركة
الجماهير و فعلها ضمن أنماط
الفكر الاستسلامي الانتهازي و
وجود استعداد جدي للمساهمة في
فعل سياسي مقاوم للسلطة أو
أتباع المشروع الأمريكي رغم
معوقات هذا الفعل الكبيرة و
أولها قصور الوعي الشعبي عن
تجاوز أنماط الوعي السلبية و
قصور قوى التغيير عن طرح بديل
جدي أو عن إتباع تكتيكات سياسية
تهز هيمنة الأنظمة أو بديلها من
قوى تقليدية ماضوية..هناك تمدد
واضح للقوى التقليدية يستمد
زخمه من فشل مشروع الأنظمة
البرجوازية الصغيرة التي تطورت
إلى بيروقراطية رأسمالية
الدولة و من تناغم واضح مع
المشروع الأمريكي للهيمنة على
المنطقة فالسنة في لبنان كانوا
تاريخيا يشكلون أنصار الخط
القومي في لبنان و كانت حتى
قياداتها التقليدية ( كرامي,
الصلح و سواهما) تعبر تاريخيا عن
سياسات داعمة للمقاومة
الفلسطينية
رغم تبعات هذا الموقف
لبنانيا و إسلاميا و ذلك تناغما
مع داعمها العربي و مزاج
جماهيرها.. أمكن اليوم للمال
السعودي بيد آل الحريري أن يكسب
دعم الشارع السني و أن يجيره
لصالح المشروع الأمريكي و
الأنظمة التي تقف وراءه مع
تراجع واضح لوزن القوى الناصرية
و تراجع وزن القوى الإسلامية
المناهضة لتلك الأنظمة و
المشروع الأمريكي..الشارع
الشيعي العراقي محكوم بالكامل
اليوم من المرجعيات الدينية
تماما كالشارع السني..في كلتا
الحالتين السنية اللبنانية و
الشيعية العراقية هناك إما هدنة
مع الاحتلال الأمريكي أو تناغم
كامل مع الإرادة الأمريكية..و
حالة المقاومة سواء في العراق
أو لبنان تعبر عن ذات البعد
الطائفي مما يشكل أحد أهم نقاط
ضعفها و عجزها عن أن تتحول إلى
فعل وطني شامل إلى حالة وطنية
تتجاوز حدود الطوائف و هيمنة
البنى و القوى التقليدية
الحاكمة تاريخيا اعتمادا على
هذا التقسيم و التعبئة
الطائفيتين..هذه الفوضى البناءة
المرعية أمريكيا لا تعني
استبدال أي نظام قائم ببديل
ديمقراطي فعلي أو بمشروع حداثي
حقيقي و هي لا تتجاوز عملية ضمان
الهيمنة الأمريكية راهنا و
مستقبلا على المنطقة بعد
تقسيمها و إعادة إنتاج خارطتها
السياسية وصولا إلى جغرافية
سياسية مواتية ممزقة تخلق واقعا
قلقا متوترا..النظام في سوريا مع
إيغاله في قمع و إفقار الشعب و
في استمرار لخطابه على الأرض
منذ قيامه يريد أن يتكأ على
الطائفة العلوية و يخلق توترا
بين الطوائف ليزرع الخوف بين
العلويين و سائر الفرق الأخرى
من الأغلبية السنية و من تنامي
الدعم للأفكار الأصولية..إن
إدعاء النظام العلمانية و
ممارسته الطائفية يقدم دلالة
واضحة على أولوية الممارسة في
تحديد الموقف الحقيقي من قضايا
فكرية اجتماعية أساسية كهذه..إن
الليبراليين الذين يتماهون مع
المشروع الأمريكي وجدوا و يجدون
أنفسهم يتملقون و يتحالفون مع
أنظمة و قوى تقليدية طائفية و
قمعية بامتياز..و هم يلومون
النظام ملتزمين بالمشروع
الأمريكي و قواه الإقليمية
الطائفية التقليدية و يعلنون كل
قوى المقاومة لهذا المشروع قوى
تخلف و تابعة لأنظمة القمع و
الفساد..إن غياب شكل واضح للبديل
عن النظام و إبقائه غائما مائعا
و بروز أطروحات ك "المجتمع
الدولي" و دعوات عدم الصدام
معه التي تشكل جزءا أساسيا من
خطاب المعارضة المتلبرلة تعني
أن هناك قبولا بالتعامل مع
الخارج من منطق التبعية هذا
المنطق الذي يفرضه واقع أن
التغيير يتم بقوة الخارج و وفق
إرادته مما يعيد تأكيد أن الغرض
المراد و هو الهيمنة على
المنطقة بعيد عن إعادة إطلاق
مشروع حداثي نهضوي ديمقراطي
يتجاوز البنى التقليدية بل
يكرسها و يحولها إلى حالة
متنازعة قلقة ملتزمة بكل ما هو
ماضوي متخلف قهري..المريح في
الموضوع أن النظام قد أخرج نفسه
خارج أية احتمالات للتغيير و
وضع نفسه في مواجهة أي خيار
للتغيير الديمقراطي الوطني..إن
المطلوب ليس أي تغيير مجرد
تغيير النظام بل تغيير وطني
ديمقراطي يكمن أساسا في نقل
عملية صنع القرار إلى الشعب
فعلا عبر إدارة جدل\حوار سياسي
فكري اقتصادي بعيد عن أي موقف
وصائي لأحد
لهذا الطرف أو ذاك و أن يكون
تحت عنوان مصلحة الوطن و الشعب و
ليس هذا الفريق أو ذاك..أن يهدف
لإقامة نظام تمثيلي انتخابي
يعكس إرادة الشعب التي لا تتأتى
عن حملة انتخابية ضيقة تتحكم
بها الأقلية المتحكمة بوسائل
الإعلام و التوجيه الجماهيري بل
عبر جدال مجتمعي لا يستثني أحد
لا توجد فيه مرجعيات خارج
مرجعية الشعب و لا يمكن فيه
تكميم الأفواه لغرض إخفاء
الفساد و حمايته و حماية رموزه
من النقد و تستبعد الطائفية بأن
يكون كل السوريين متساوون أمام
القانون دون تمييز و أن لا تكون
أية سلطة فوق القانون تحت أية
مبررات كانت..تكون فيه حماية
الاقتصاد الوطني
و معيشة الجماهير من تغول
رأس المال الأجنبي و المحلي و
حفاظ حقوق العاملين في الدفاع
عن حقوقهم بما في ذلك حق الإضراب
الذي حرموا من ممارسته طويلا
كرمى لعيون الفساد و قهر السلطة
متوفرا متحققا بقوة القانون و
إرادة الشعب..إن مؤتمر مصالحة
وطنية يقوم على المصارحة و
المكاشفة يضع
أسس واضحة لقيام نظام ديمقراطي
وطني ضروري اليوم لاستئصال خطر
الطائفية و التشرذم و التوتر
الطائفي بما يتجاوز حالة النظام
القهرية الطائفية و تردد
المعارضة في نفيها لأشكال
الممارسة السياسية الأمريكية
التي تنمي الطائفية و تغذيها
على حساب منطق غير طائفي حداثي
غير تابع و يؤسس لجدل سياسي فكري
مجتمعي مفتوح يطلق العنان
لإرادة و فعل الشعب بعيدا عن أية
وصاية أو خطاب طائفي مدمر..
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|