تشريع
التعذيب !!*
ترجمة:
د. عبدالوهاب حميد رشيد
حان الآن لحظة
الحسم للأمريكان مع توجه سلطتهم
التشريعية، وعلى مرأى من
العالم، إقرار التعذيب ممارسة
حكومية شرعية.
يظهر أن الكونغرس
الأمريكي في عجلة من أمره
لتمرير مسودة تشريع- محل مناقشة
خلافية- قبل الانتخابات النصف
دورية، وتمت جدولة إقراره في
نوفمبر/ تشرين الثاني.
فجَّر هذا
الموضوع نقاشاً حاداً خلال
الأيام العشرة الماضية في
الكونغرس الأمريكي بشأن شرعية
استخدام العنف. وجاءت الحصيلة،
في الغالب، نصراً لإدارة بوش
حسب مقالة فرانس ليبريشن. وما لم
يقف أعضاء مجلسي الكونغرس
والنواب الديمقراطيين ضد مشروع
القانون هذا فمن المحتمل أن
يُطبق قريباً.
عبَّر جورج بوش عن
إحساسه العميق بالرضا بما تم
الاتفاق عليه يوم الخميس بقوله
"يخدم برنامج وكالة
المخابرات المركزية الأمريكية
المستخدم للتحقيق مع أخطر
الإرهابيين في العالم لانتزاع
أسرارهم."
يأتي المشروع
بدعوى الإذعان لمعاهدات جنيف،
في حين أنه يوسع سلطة رئيس
الولايات المتحدة. يسمح له
بتحديد "طرق خاصة" للتحقيق
كما يراها "متطابقة"مع
المعاهدة، ويحرم أي شخص آخر رفع
معاهدة جنيف إلى المحكمة العليا
لحماية نفسه من الفعل الحكومي
ضده.
أثار قرار
المحكمة العليا في يونيو/
حزيران نقاشاً في الكونغرس بعد
أن طالب أحمد حمدان- سائق سابق
لـ أسامة بن لادن- بحقه في
محاكمة اعتيادية. جاء قرار
المحكمة بأن معاهدات جنيف تنطبق
على المعتقلين بمن فيهم "أعداء
مقاتلين." لكن المحكمة العليا
منحت بوش فرصة واحدة فقط
للاستمرار في "برنامجه السري":
تصويت الكونغرس، بمعنى تشريع
قانون جديد.
استمرت المناقشات
الساخنة منذ ذلك الحين بين
الرئيس بوش وبين ثلاثة من
الأعضاء الجمهوريين في مجلس
الشيوخ/ الكونغرس- أحدهم جون
مكين، محارب قديم في فيتنام،
ذاق بنفسه مرارة التعذيب. عارض
الأعضاء الثلاثة مفهوم البيت
الأبيض للمادة الثالثة من
معاهدات جنيف لعام 1949 ووجدوا أن
هذا التفسير "مبهم جداً."
تُحرِّم المادة
المذكورة "المعاملة القاسية
والتعذيب،" و "انتهاك/
إهانة كرامة الإنسان.. باختصار
"تُحرِّم المعاملة المذلة
والمهينة."
إلا أن صيغة مسودة
القانون- التي نشرت في الصحافة-
ليست موضوعا لتعديل أو تحديد
مفهوم المادة الثالثة، بل تمنح
الفرع التنفيذي Excutive
Branch
الحرية لتقرير ما إذا كانت
الأساليب المستخدمة ضد
المعتقلين تؤسس لجريمة، عدا
حالات "الانتهاكات الخطيرة."
كتب الروائي اريل
دوفمان- المدافع/ الناشط في مجال
حقوق الإنسان- في واشنطن بوست
قصة خيالية لشخص يتعرض للتعذيب
"أنه اعترف بكل شيء وبأي شيء
أرادوا أن يخرجوه من حنجرته،
فمه، صراخه.. اخترع/ لفَّق قصة
جريمة بمواصفاتها وأشخاصها
المجرمين.. وبعد ذلك عندما أصبح
واضحاً أن كل كلامه كان محض خيال..
تعرض لمزيد من التعذيب.. لم يكن
هناك مجال للتخلص من هذا الجحيم..
ذلك هو المأزق البشع لتعذيب
الضحية."
ويرى الروائي أن
التعذيب لا يقود إلى تلويث
الضحية فحسب، بل أيضاً معذبه
وكل الأجهزة الاستخبارتية
المشاركة، بل وكل شخص تهرب من
هذه المسؤولية ويقول أنه لم يكن
يعرف، لتمتد هذه المسؤولية إلى
كل شخص وافق ضمناً أو صمتاً على
ذاك الانتهاك ليصل الأمر إلى كل
المواطنين ممن لم يخرجوا إلى
الشوارع مطالبين باستقالة
المسؤولين أو على الأقل استخدام
الصفير شجباً واستنكاراً.
وبنفس الاتجاه
كتب رئيس إدارة التفويضات-
متقاعد- مارني ماسون "أتصور
أن أي شخص يعتقد بالتعذيب
كوسيلة نافعة لانتزاع
المعلومات كان يشاهد في حياته
الكثير جداً من أفلام المكر
والاحتيال."
"أن التحقيق
الجيد يشبه الإغواء/ الإغراء:
أنت تجلس.. أنت تسأل المقابل
أسئلة.. تحاول أن تطور معه
علاقات شخصية عميقة للحصول على
أكبر قدر من المعلومات.. أنت
تتملق، تتزلف، تتحايل، تكذب..
المسألة هي تحسين القدرة- الفعل
للحصول على المعلومات. من
المؤكد إذا قلعتَ أظافر الشخص
سوف يبدأ بالكلام، لكن قد لا
يقول الحقيقة.. أنه يقول لك ما
تريد أن تسمعه."
حسب التشريع
الجديد، فإن القانون الأمريكي
بشأن جرائم الحرب الذي كان يفرض
العقوبات وفقاً لمعاهدة جنيف في
مجال انتهاك حقوق الإنسان، سيتم
تعديله ليكون قابلاً للتطبيق
فقط بحق "الانتهاكات المهلكة"..
وهذا يعني أن وكلاء سي آي اي
الذين كانوا قلقين من احتمال
ترحيلهم للمحكمة من قبل
المعتقلين.. يمكنهم أن يتنفسوا
الصُعَداء..
ــــــــــــــــــــــ
*
“Legalizing torture”, Aljazeera.com- 26 September,
2006.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|