شمشوم
أسدستان والخيار الصدّامي
د.
هشـام الشـامي
بعد سقوط عاصمة
الرشيد بيد العلوج الأمريكان ،
و تواري الرمز المهيب القائد
التاريخي المعجزة الرفيق صدام
حسين التكريتي عن الأنظار ؛
مختفياً في وكر الجرذان ، أبدى
القائد المعجزة الآخر الرفيق
القائد الأسد الثاني تخوفه مما
حدث في العراق ، و أعرب في عدة
لقاءات صحفية و تلفزيونية عن
قلقه البالغ من هذا السقوط
المريع ، و التلاشي السريع ،
والهروب الفظيع ، لجيوش المهيب
الكبير ، من النشامى و الأماجد ،
الذين كانوا يملؤون الآفاق و
المحافل و النوادي و الصحف و
النشرات بصراخهم العالي ، و
هتافهم الغالي : " بالروح
بالدم نفديك يا صدام " ، و
الذين عبّروا قبل أشهر قليلة من
هذا السقوط المفاجئ (والذي لم
يفاجئنا) عن حبهم لزعيمهم
الأوحد القائد الخالد فانتخبوه
بنسبة فاقت كل التوقعات ، و حطمت
حتى تلك الأرقام القياسية التي
كان يحققها القائد التاريخي
المعجزة الآخر
المقبور الأسد الأول ، التي
كانت تتراوح بين خمس أو ست تسعات
؛ و ذلك حسب عدد الموتى و
السجناء و المفقودين و الأطفال
و حديثي الولادة و الأجنّة و
النطف الذين استطاعت اللجان
البعثية الانتخابية من إحصائهم
و تأمين بطاقات انتخابية - مجهزة
بنعم و ألف نعم لقائد مسيرة
البناء و التحرير و السلام و
التطوير - لهم ، لكن صدّام صدم كل
المراقبين ، و حطّم هذه الأرقام
القياسية هذه المرة ، و وصل
لنسبة 100% فقط من أصوات الناخبين
، مما جعل أحد المذيعين الأجانب
يسأل مراسل قناته في بغداد
مرتين باندهاش و استغراب واضحين
، و كأنه يقول له تأكد من
معلوماتك ، قبل أن تعطيني
هذه النتيجة الغير معقولة ،
فكان يردد له المراسل بثقة و
بالإنكليزية : ( يس ، وان هاندرد
برسنت ) . و لم يكن غريباً اندهاش
و استغراب هذا المذيع الأجنبي ،
لأنه يعلم أن البشر مختلفون ، و
لا يمكن أن يجتمع أكثر من خمس و
عشرين مليوناً من البشر على رأي
واحد ، و لو كان الانتخاب و
الاقتراع على رب العزة جل جلاله
لما وصل لهذه النتيجة أبداً ،
فكيف يصل لها طاغية قضى عمرة في
قتل و سحق و سجن و نهب و تشريد و
تدمير البلاد و العباد .
المهم أن أياماً
قليلة كانت كافية لانهيار هذا
النظام الرهيب ، الذي بناه
المهيب صدام العظيم و رفاقه
الأماجد على مدى عقود طويلة ،
كانت فيها خزينة الدولة و مردود
النفط كله في خدمة قائد المسيرة
و نظامه الأمني المحكم ، و إذ به
بعد كل هذا الجهد و المال و
الضجيج و الجعجعة
أوهن من بيت العنكبوت ، ليس فقط
من حيث أنه يمكن تخريبه بعود
ضعيف من قش ، بل أيضاً بتفتته و
عدم تماسكه و ترابطه الاجتماعي
، فالعنكبوت الأنثى تقتل و تأكل
ذكرها و هو في قمة لذته الجنسية
، و في لحظة شبقه العاطفي معها ،
ثم تأكل الصغار أمهم ، و هكذا
دواليك ، و من هنا نفهم قول الله
تعالى في سورة العنكبوت : ( و إنّ
أوهنَ البيوت لبيتُ العنكبوت لو
كانوا يعلمون ) .
و قد كشف هذا البيت
العنكبوتي الذي أسسه الرفيق
المهيب و من حوله من ماسحي الجوخ
و لاعقي الأحذية - الرفاق
الأماجد - عن ضعف خيوط نسيجه
الاجتماعي ، بهذا التفتت العرقي
و الطائفي و الاثني و العشائري
الذي حل بالعراق بمجرد انقشاع
سحابة الخوف و الرعب الأمني ، و
الذي كان مثل الرماد الذي يغلي
الجمر تحته .
لقد أعرب الأسد
الثاني عن قلقه مما حدث في
العراق بعد سقوطه بيد العلوج ،
لكنه لم يتعظ ، لماذا ؟ ، لأن
قلوب الطغاة قاسية كالحجر ، و
آذانهم لا تسمع إلا لنعيب
غربانهم و نعيق بومهم ، التي
تتقن فن الكذب و النفاق و المدح
الرخيص و النفخ و التسبيح و
التمجيد و التأليه ، و عوضاً عن
أن يعود لشعبه و أبناء وطنه ،
واصل سياسة الإقصاء و الظلم و
الإرهاب و السجن و النهب المنظم
لما تبقى من ثمالة الوطن ،
تسانده في ذلك عصابة الذئاب
الجائعة و الوحوش المفترسة من
الأسود و المخلوف و شاليش و شوكت
و باقي وحوش الغابة الكاسرة.
و لكن ، هل استفاد
الطاغية صدام من قصوره الشاهقة
الفارهة العديدة و أمواله
المكنوزة الكثيرة و خدمه و حشمه
و سياراته المصفحة و حرسه و
أسلحته و سيوفه المذهبة و
بيرنيطته ( قبعته الإفرنجية ) و
سيجاره الكوبي الغليظ ؟
و هل أغنى عنه شيئاً
نعيب غربانه و نعيق بومه ؟
أين اختفى حرسه
الجمهوري ؟ ، و أين تلاشى فدائيو
صدام الانتحاريون ؟ ، و أين جيش
القدس ؟ و ميليشيات البعث و
الحرس الخاص وأين و أين ؟
أين رجال الأمن و
المخابرات الذين كانوا يرهبون
الناس و يعدون عليهم أنفاسهم ؟
و أين أصنام و أوثان
صدام التي ملئت الشوارع و شوّهت
الساحات ؟ .
أين أولئك المقربون
من صدام الذين كانوا يسطون و
ينهبون و يرهبون بسطوة صدام و
جبروته ؟
و أين صدام الثاني و
الثالث ؛ قصي و عدي ؟
و أين عشيقات صدام و
زوجاته و بناته و أحفاده ؟
بل أين هي أمجاد
عاصمة الرشيد ؟ الذي كان يخاطب
الغمامة قائلاً : " أمطري حيث
شئت ، سيُجبى إليّ خراجك " ، و
الذي خاطب ملك الروم بعد أن منع
عنه الجزية قائلاً : " من أمير
المؤمنين هارون إلى علج الروم
نقفور الجواب ما تراه لا ما
تسمعه " .
قديماً قال الخليفة
العادل عمر بن الخطاب لأحد
ولاته الذي طلب منه مالاً لبناء
سور للمدينة : ( إن البلاد تحصن
بالعدل قبل أن تحصن بالأسوار ) .
و قديماً قالت
العرب : ( غبي من لا يرى أبعد من
أنفه ، و غبي من يساوي بين
النائحة و المستأجرة ، و الأغبى
من يدفن رأسه في الرمل كالنعامة
) .
و بقي أن نقول كما
قال الشاعر :
( لقد أسمعت إن
ناديت حيّاً ** و لكن لا حياة لمن
تنادي ) ...
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|