سلطة
الفساد :
من
الاشتراكية إلى الاجتماعية
د.
كمال اللبواني
ما إن طرحنا مشروع وثيقة تبنت
الليبرالية ، حتى اندفع جيش من
الكتاب والمنظرين للهجوم عليها
من بوابة الدفاع عن
( الاجتماعية وليس
الاشتراكية )
هذه المرة , بعد فضائح التطبيق
الاشتراكي
، ففي حين كان البعض القليل
من المنتقدين
يريدون
التحذير من نوع خاص من
التطبيق الليبرالي يخدم نمط
اقتصادي متوحش ، ومجموعات
اقتصادية تريد التحرر من
مسؤولياتها الاجتماعية ،
يمر عبر إنهاء دور الدولة في
الضمان الاجتماعي ، وهم محقون
في هذا ، و يعكسون ما يعاني منه
المجتمع الغربي حالياً من تهرب
الاستثمارات
من الالتزامات الكثيرة التي
تفرض عليهم هناك / وليس
هنا / ( حيث
رأسمال الفساد المسيطر
عندنا متحرر من كل رقابة
ومدعوم بسلطة الدولة
الأمنية )
، و من ثم هروبه
الرساميل بواسطة
آليات العولمة
من الشمال نحو مناطق الجنات
الضريبية ونحو مناطق اليد
العاملة الرخيصة في الجنوب ،
وبذلك تتقلص قدرة
الدولة القومية المتقدمة في
الشمال على
رعاية نظام الضمان المتطور فيها
، تلك الدول التي احتفظت لنفسها
بخيرات الرأسمالية واستفادت من
تحرير سوق المنتجات ، وحرمت
الآخرين من مزايا بقية جوانب العولمة
مثل عولمة
سوق العمل و العولمة السياسية
والحقوقية ، لأنها تعني
الالتزام ببقية المجتمعات
التابعة والمهمشة والفقيرة في
الجنوب .
لكن الرأسمالية التي تعتمد
الحرية والتنافس والرغبة في
الربح ، أبت إلا أن تكون مخلصة
لذاتها ،
وبدأت تجبر المحتكرين على كسر
أسوارهم السياسية و القومية
التي أراد بها الأغنياء اتقاء
شر مشاركة الفقراء والمتخلفين ,
بعد أن تصالحوا مع طبقاتهم
الاجتماعية الداخلية بطريقة أو
أخرى (
لذلك نرى أن العولمة
ذات أثر متعاكس على الدول
الغنية والفقيرة وعلى الطبقات
فيها ) ، ففي حين يتضرر العمال
ويستفيد الأغنياء في الدول
المتقدمة ، تجد الدول الفقيرة فرصتها
في تجنب التهميش ، ويجد العمال
فيها فرص للعمل ، ويتمكن سكانها
من الحصول على سلع أرخص بما
لا يقاس ، ويفقد
الأغنياء فيها قدرتهم على
التنافس مع الرساميل الكبيرة
الوافدة والخبيرة بالإدارة
والإنتاج ... وبناء على ذلك تكون
القوى المناهضة للعولمة أو حتى (
للنيو ليبرالية ) متناقضة في
طرفي العالم الرأسمالي ، وهذا
ما لم يلحظه أي
من المنتقدين , الذي يكتفون
بسحب المقولات الغربية كما هي
على كل مكان ، و دونما تمييز .
البعض يتحدث عن حامل اجتماعي
لليبرالية ، وينسى أن الدول
الشيوعية السابقة طرحت مسألة
الليبرالية بواسطة حامل
اجتماعي قوامه البروليتاريا
فقط ( في مرحلة تحولها ) ولم
يسألها أحد عن الحامل الاجتماعي
لفكرها السياسي الجديد ، ولو
كان كل فكر بحاجة لحامل اجتماعي
نموذجي لعجزت هذه الدول إلى
الأبد عن انجاز ما أنجزته من
تحول خلال فترة زمنية مذهلة (
فمن أين سنأتي بحامل اجتماعي
لليبرالية في دول طبقت النظام
الشيوعي ؟ ) ، هنا نوضح مشكلتين :
الأولى أن البعض لا
يلحظ الاختلاف الكبير بين مجتمع
تابع طبق رأسمالية الدولة ،
ومجتمع زراعي إقطاعي بدا
يتصنع في أوروبا أيام النهضة ،
والثانية أنه يطابق
بين الفلسفة التي يمكن تطبيقها
بطرق مختلفة وبحوامل اجتماعية
مختلفة ، وبين
شريحة اجتماعية حملتها ذات يوم
، فيدمج الذي أنتج الفكر
والفلسفة ، بفلسفته ( يصبح على
كل من يريد تبني هذه الفلسفة أن
ينتمي إلى تلك الشريحة التي
أنتجتها ذات يوم ،
تماماً كما يطلب من كل مسلم
ارتداء أزياء الصحابة الأولين ) وهم
بذلك يتبنون نمط ميكانيكي من
الفهم الماركسي للمادية
التاريخية ،
فكل حديث عن ليبرالية يعني
لديهم الحديث عن طبقة الملاك
المستثمرين الذين يريدون
التحرر من الإقطاع ، والذين
دفعوا بها في مرحلة تاريخية
معينة في أوربا ، أو عن قوى
احتكارية مالية كبرى مشابهة
لتلك التي ترفع اليوم مجدداً
شعار الليبرالية الجديدة ،
وكأن قيم الحرية سوف تبقى
أسيرتهم ولا يمكننا الوصول
إليها من دونهم ..
نحن نرد عليهم
بأن الحامل الاجتماعي
لفلسفة الحرية ، والذي سيبدع
وسائلها التطبيقية , هو مختلف
عندنا ، ويتكون من
كل المتضررين من الشمولية
في السياسة والاقتصاد والثقافة
والاجتماع ، وما أكثرهم ، وكلنا
بشكل أو آخر طلاب حرية ، ولا يهم
إن كنا ملاكاً أو فقراء ،
مستثمرين أو عمال ،
رجالاً أو نساء ، نجابه
إقطاع تقليدي
أم سلطة فساد واستبداد ،
ونستطيع أن نؤكد أن الذين
انخرطوا منا
ذات يوم في صفوف اليسار لم
يكونوا أكثر
من طلاب حرية ، أرادوا التعبير
عن تمردهم على
منظومة متكاملة من القمع
والاحتكار والتسلط والكبت تبدأ
في السياسة وتنتهي في الدين
..
وإذا كنا في مواجهة مع شيوخ
اليسار من جهة ، فنحن من جهة
أخرى في مواجهة صعبة مع
محاولات تشكيل
أحزاب ليبرالية ، مخصصة
للأغنياء الذين استفادوا
وترعرعوا أيام الاستبداد
واستفادوا من الفساد والاحتكار
و راكموا الثروات المنهوبة من
عرق الشعب وخيرات الوطن ،
وهم يعتقدون
أنها ستكون قادرة على حملهم
بالشكل الذي ترضى عنه القوى
الخارجية, التي
تريد التخلص من عاملها القديم, الذي
صار يؤذيها أكثر مما يفيدها ،
فهذه المحاولات تبحث عن بعض
الرموز ( المعارضة ) لكي تعطيها
مشروعية الاختلاف عن
السلطة ، ولتبدو
وكأنها
شكل من أشكال التغيير
... التغيير لكن
المتسامح والقائم على المحبة (
ركزوا على كلمة تسامح ) لأنكم
سوف ترونها في أدبياتهم التي
سوف تعلن في الوقت المناسب ،
قبيل صدور قانون الأحزاب ، الذي
سيفصّل على قياسهم ، ولهم وحدهم
، بحيث لن يتمكن من الترخيص إلا
من يحظى بمباركة الأمن ، ودعم
سري من رموز وشيوخ الفساد .. ومن
خلال احتكاكي اللصيق في هكذا
محاولات ، أجد
من واجبي نقل صورة ما يجري للرأي
العام ، وهو جزء أساسي من نشاطي
كمعارض لنظام الكبت والقمع
والسرية والتستر ، و الجهل و
التجهيل والاستبعاد للرأي
العام من الحياة السياسية .
ما يطلبه النظام وما يتسامح معه
هو الأطروحات ( المتسامحة غير
الحاقدة !!! وكأنه كان في يوم من
الأيام كان يعرف التسامح أو
المحبة أو حتى الرفق بالحيوان /
عفواً الإنسان / )
، وما
سيشجعه هو الحركات التي لا تهدد
رموزه و تخرب امتيازاتهم
ومصالحهم واحتكارهم للثروة
والسلطة ، فيتمكنون بفضل
تلك التيارات من
استبدال الحصان ، وتغيير آلية
الحكم من العصا والقمع والسطو
والنهب والفساد والإجرام ، إلى
القوة المالية في السوق وشراء
الأصوات والضمائر والصحف
وتشويه الرأي العام وتضليله
وشراء النخبة ، وتحت أيديولوجيا
التسامح و اللاعنف والمحبة يتم
نسيان الماضي / وعفا الله عما
مضى / ، ويمضون في احتكار السلطة
والثروة ، ويحاولون تخليد
امتيازاتهم و شرعنتها ، فهم
سيتحولون إلى
مجرد مستثمرين
محميين بقوانين حماية
الاستثمار ، ومشجعين
بالإعفاءات من الضرائب ..
ومشروعهم السياسي
هو ديمقراطية المال السياسي ،
واقتصادهم هو
اقتصاد الاحتكار و اللا مسؤولية
الاجتماعية و نفوذ المافيات ،
وثقافتهم هي التحلل من كل قيمة
وكل أخلاق وكل هوية وكل دين ..
( أعتقد أن هكذا صورة هي التي
تشجع المنتقدين لمشروعنا على
فعلهم ) ،
وفي هذه الحال نحن نقف معهم
ضد هذه الليبرالية المشوهة ،
التي تعيد
الإنسان إلى مستوى البهيمة
والوحش وترسخ شريعة الغاب ..
لأننا نفهم أن الليبرالية تقوم
على قدمين ( حرية السوق وكرامة
الإنسان ) .
سلطة
الفساد تريد بهكذا محاولة أن (
تزحل أليتها )
من على كرسي البعث إلى كرسي
الليبرالية الجديدة ،
التي تبنيها إلى
جواره وعلى شاكلته وبذات طريقته
( الانتفاع مقابل الولاء ) ،
وسلطة الفساد ذاتها برموزها
وأسمائها وأبنائها تستمر بطريقة
جديدة في قمة هرم السلطة
والثروة ، وهذا المشروع مرضي
عنه و مسكوت عنه خارجياً ،
ومدعوم بشدة من أغنياء الفساد
والسلب، وأجهزة الأمن
والمستعجلين الانتهازيين من
المثقفين الذين لا هم لهم سوى
البروظة والظهور ، والغير
مستعدين لتحمل أي خطر ، ولا دفع
أي ثمن لقاء أي موقف قيمي أو
أخلاقي ، بل دوماً مع الذي يرفع
ويلمع ويدفع ، ومع
الأقوى والمنتصر في الداخل أو
في الخارج . هذا التيار يحاول
قطع الطريق علينا وتشويه صورة
الحرية التي نريدها
للشعب السوري ، عبر تأسيس
التيار الملتزم
بأنبل القيم الخلقية والذي يسعى
لأرقى شكل من الحرية
والديمقراطية ، وأفضل
وأنزه طريقة لإدارة اقتصاده
، ورعاية أبناء وطنه .
نعم نريد تنبيه كل مواطن تضرر
من الشمولية و القيود ويريد
الخلاص منها ومن غلاظة الحزب
الحاكم ، والانتقال
إلى نظام الحرية ، إلى ما
يجري .. حتى
لا يخلط بين ليبرالية معارضة
للفساد والاستبداد والتعصب
والعصبوية والفقر والإفقار
وتحلل الدولة من التزاماتها
، وليبرالية هي استمرار لكل
هذا بأسلوب وملابس جديدة . بين
ليبرالية تلزم الدولة
بمسؤولياتها تجاه كل مواطن
وتحفظ كرامة الإنسان وتتكفل به
، ضمن أليه السوق الحر ، والنظام
السياسي الديمقراطي ، وبين
ليبرالية أنانية متوحشة لا هم
لها سوى الربح والتبذير حتى لو
كان على حساب الجوع وتخريب
البيئة ، ضمن آلية السوق
الاجتماعي ،
أي من
دون الديمقراطية السياسية
الحقيقية ، بعد
أن راكمت الثروات بآلية السوق
المقيد والتخطيط الاشتراكي (
الذي هيأ لها فرصة الغنى الفاحش
ونهب الوطن )
وتريد اليوم الحصول على الوقت
الكافي لانجاز تحكمها الكامل
والنهائي بكل مفاصل الاقتصاد
المتحرر عبر مرحلة وسيطة تسميها
مرحلة اقتصاد السوق الاجتماعي المتحرر
من أي
رقابة ومشاركة شعبية وحريات
سياسية . .
ما أقوله اليوم لكل قوى اليسار
التي لم تعد تحتفظ من اليسار إلا
بأخلاقه القائمة على
مناهضة الاستغلال والفقر
والتمييز ومحاربة الفساد
والتسيب والفوضى والتبذير
والهدر والتنكر للقيم أو
التضامن الاجتماعي ، ولكل القوى
الدينية التي
تحاول التمسك بمثل هذه القيم ، أن
أسرعوا لقيادة التيار
الليبرالي لتضييق باب عبور شيوخ
الفساد نحو السلطة الجديدة والتحكم
بها من جديد ، وهم أقوياء
ويملكون الكثير من الوسائل
الفعالة ، ويسعون
إلى ليبرالية مفصلة على قياسهم
في بعض نواحي الاقتصاد دون
السياسة والاجتماع ، مظهرين
استجابتهم للرغبة الدولية
المعولمة في تغيير الأنظمة
العسكرية الشمولية المغلقة
بأنظمة ليبرالية انفتاحية .. وهم
يعرفون مدى قوة ونفوذ تلك القوى
، وأنها هي التي ستحدد نوع القوى
التي ستتحكم بالسلطة ، ومعلوم
لديها أن
كل نظام حكم جاء للسلطة منذ قيام
الدول المصطنعة ، لم
يأت بغير جهود وخطط قوى خارجية
ودعمها ومساندتها المستمرين ،
ومن الغباء اليوم إهمال العامل
الخارجي والاختباء تحت شعارات
وطنجية لا تعني غير السلبية
والانتظار والاستسلام لما
يريده الآخرون ، حتى تضيع
الفرصة ويعود المستبدون لقيادة
السلطة بأداة جدية ونخضع
لليبرالية مجتزأة أساسها شرعنة
الفساد . وليس لنا قبل في
مواجهتها من موقف معادي
لليبرالية في
ظروف العولمة ، و في ظروف
المعاناة الوطنية المريرة من
الاشتراكية ، من هنا لا بد من
ضخ دماء قوية في صفوف
ليبرالية ملتزمة بكل فئات
المجتمع تدفع بمسيرة الحرية في
كل اتجاه وتضع الضوابط ضد عودة
من انتهك حرمات الوطن من تخليد
سيادته وتسلطه عليه ، وتجديد
الديكتاتورية بطريقة أخرى ،
وبنفس الوقت تستفيد من الظروف
الخارجية والدعم الدولي المتاح
في ظل التناقضات القائمة بين
سلطة الفساد الشمولية والمجتمع
الدولي الذي ضاق ذرعاً بغبائها
وبلادتها .
نعم إن الوقوف ضد ليبرالية
الفساد المشوهة ،
هو محق وشرعي ، لكن شكل هذا
الوقوف نختلف عليه ، فالبعض
يعارضها بالدفاع عن النظام
السائد ( الاجتماعية الاشتراكية
) مع تغيير الأشخاص
/ أي
السلطة / ،
ونحن نعارضها بنظام
ليبرالي حقيقي
وطني مخلص وملتزم بكل فرد من
أفراد المجتمع ، بنظام ليبرالي
يشمل كل مناحي الحياة
الاقتصادية والسياسية
والثقافية والاجتماعية ..
ما اقصده أنه ليس هناك طريق نحو
المستقبل ، سوى طريق الليبرالية
في الظروف الراهنة ،
والخيار الحقيقي المتاح هو
أن تكون هذه الليبرالية عميقة
الأثر وضامنة لحقوق الجميع
وملتزمة بمنظومة أخلاقية قيمية
. فالحرية المنشودة يجب أن لا
تكون حكراً على شريحة من كبار
الملاكين ، وذلك يتم عبر ربط
الليبرالية بالديمقراطية .
ومن المستحيل اليوم تشكيل
نظام اقتصادي مغلق محروس بالجيش
الأحمر ، ومن المستحيل الوقوف
في وجه العولمة ، ومن المستحيل تجاهل
النفوذ
الغربي
عموماً والأمريكي خصوصاً ،
وعلينا أن
نطرح برامج معقولة وقابلة
للتطبيق تحقق الحاجات الداخلية
وتتلاقى مع المطالب الخارجية
، ولن يفيدنا تقديم برامج
ديماغوجية أيديولوجية عمومية
لا تعدوا كونها كلام بكلام ، بل
يجب تحديد برنامج اقتصادي صريح
وواضح ، وهذا ما تتهرب منه كل
الحركات السياسية حتى الآن
وبشكل خاص اليسارية والقومية
والدينية ، لأنها بالفعل لا
تملك أي سياسة اقتصادية ، غير
سياسة تسيير الأمور التي
تنتهجها السلطة الحالية ، والتي
لا تتحرك إلا
عند تفجر الأزمات ، ولا تخطط
إلا للخروج
من المصائب التي تقع بها ، والتي
لن تكون في النهاية غير
ليبرالية خاضعة لمتطلبات السوق
العالمي وحاجات الفساد وحدهم ،
لكنها لا تسير بالرؤية والعقل
بل بقانون
الدفع الأعمى من قبل الآخرين .
على هذا الحال لا أستغرب البحث
عن تبادل الشرعية بين مشايخ
اليسار ومشايخ الدين ،(
فكلاهما لهم ذقون متشابهة
مع ملاحظة أن المسلمين
يقصون الشوارب )
، ولكن استغرب التعاون مع السلطة
بالدعوة لنظام هجين غائم يعلن
نفسه أنه السوق الاجتماعي (
الديمقراطية الاجتماعية )
يرى كل طرف من
الدعاة له أهدافه الخاصة فيه ،
فكل منهم يشعر أنه
سيكون مهددا
من طرح علماني ليبرالي ديمقراطي
( إذا نجح في أن يجعل
الديمقراطية في مواجهة
الديكتاتورية ، والعلمانية في
مواجهة الحكم الديني والطائفي
والعصبوي ¸والليبرالية
في مواجهة الشمولية و التحكم
والتسلط والقهر
والتزمت ) فالسلطة تخاف
الديمقراطية ، واليسار عاش على
العداء لليبرالية
ويفقد مبرر وجوده لو قبل بها
، والحركات الدينية
لا تستطيع التصالح مع
الحرية والعلمانية
والديمقراطية جميعاً ومعاً ،
وفي هذا الصدد أعتقد أنه على قوى
اليسار كما
هو على القوى الدينية اليوم
أن تكف عن التهرب من مواجهة
أسئلة عليها الإجابة عنها بوضوح
، لكي تتصالح مع العقل والمنطق
والحضارة والواقع ،
ولن يقبل منها جيل الشباب القفز
فوقها بعد الآن ..
نعم لقد وجد مشايخ اليسار في
مقالات الدكتور برهان غليون (
التي نقدرها ) ما
توهموا أنه يمكنهم من استرداد
الروح ، ويحفظ عليهم بقائهم
الافتراضي كحراس على الحقيقة
والتنظير والتحليل ، فانتقلوا
لاتهامنا بأننا إسئصاليين
عندما ننتقد
التيارات الأيديولوجية
اليسارية والدينية والقومية ، و
يتحولوا لمدافعين عن حق التيار
الديني والقومي
في الوجود
السياسي
.. مسكين هذا التيار الديني
المضطهد ، ومن ظلمه واضطهده يا
ترى ؟؟ أليس
التيار القومي اليساري الفاشي ،
ثم ألم
يطرح التيار الديني نفسه كمشروع
شمولي جديد يريد السلطة بالعنف
والإرهاب ، بشكل أبشع مما
فعل سلفه القومي ؟؟ ، أم
أننا مسحنا ذاكرتنا !!!.. وأي شكل
أقامه اليسار الشيوعي في أكثر
من بلد ، وأي شكل أقامه الحكم
الديني ، وهل تحققت أهداف
الاجتماعية المنشودة على
أيديهم في مكان ما ، ناهيك
عن الديمقراطية !!
هاتوا لي بمثال ديمقراطي واحد
غير ليبرالي !!
وهل نقبل مجرد طرح ديمقراطي
خجول ركب على أرضية فكرية
شمولية وفوق تاريخ تسلطي
عنيف ، بالطبع
نحن نشجع هذا التحول لكن هذا
التشجيع لا يعني أننا نقبل
بسهولة أن نرى فيهم تياراً
مخلصاً مما نحن فيه . لنتخلص من
الخطابات وصناعة التنظير
ولنسمع منهم برامجهم
الاقتصادية والسياسية
التفصيلية ، وعندها
سنحكم عليها ، وهي لن تكون سوى
ليبرالية ديمقراطية ،
لكنها منقطعة
عن خلفيتها وسياقها الفلسفي ،
وكأننا نريد فقط إطالة الطريق
نحو آذاننا . هاتوا برنامج واحد
معارض غير ديمقراطي غير ليبرالي
، لكي تعترضوا على برنامجنا ، أم
تريدون منا أن نغير الأسماء
حفاظاً على الكرامة والتاريخ ،
فنسمي الرأسمالية اقتصاد السوق
، والضمان الاجتماعي الذي هو
واجب من واجبات الدولة وجزء من
الليبرالية على أنه اشتراكية أو
زكاة أموال .
نحن يا أخوتي طلاب حرية وحقوق
وضمانات ديمقراطية ، ولم نكن
ولن نكون مع الاستغلال والفساد
، ولا ضد الفقراء ، ولا ضد
الأخلاق ولا ضد الدين ولا ضد
الهوية ولا
ضد الضمان الاجتماعي على أرقى
مستوى ، لكننا عملياً ضد
الاستبداد والفساد والشمولية
الحالية والقادمة ، وضد الحزب
الواحد الفاشي بموجب عقائد
دنيوية أو دينية . ببساطة نحن
نرى أن العلاقة الرأسمالية (
وبالإذن من كارل ماركس ولينين
وستالين و ماو
) هي
الشكل الوحيد الذي ينسجم
فلسفياً وسلوكياً مع الحرية
، ونرى أنه العلاقة الرأسمالية
لا تمنع المجتمع من تصحيح توزيع
الخيرات بحيث يقوم نظام
ضمان مترقي فيه تضمنه الدولة ،
لكنا ضد الاشتراكية (
الاجتماعية )
لأننا ضحاياها . لأن
الاشتراكية حسب ما تعلمنا وخبرنا
هي
الملكية العامة والاقتصاد
المخطط والاستهلاك المدروس ،
واللباس الموحد والأكل الموحد
والمساكن التي يوزعها الحزب ،
والجماهير المنظمة في أطر شعبية
، والتي تبني مستقبل الأجيال ، (
اقصد أولاد المسؤولين
والمنافقين فقط
) فكيف ستكون ديمقراطية ؟؟؟ .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|