ادعاء
النظام السوري بأنه مستهدف من
الإخوان المسلمين!...
هل يشفع له عند واشنطن؟
الطاهر
إبراهيم*
لم يأخذ أحد من السوريين
من غير البعثيين، في العقود
الثلاثة الأخيرة من القرن
العشرين، على محمل الجد أيا من
معارك التصعيد الإعلامي التي
برع الإعلام السوري في
افتعالها، عندما كان يشن معاركه
الإعلامية الضارية على أمريكا،
لأن واقع الحال بين الطرفين
،أمريكا وسورية، يقول غير ذلك.
فابتداء من إعطاء الضوء
الأخضر لدمشق بإرسال الجيش
السوري إلى لبنان، مرورا بسكوت
واشنطن على المجازر التي
ارتكبها النظام السوري في "حماة"
في عام 1982 ،وراح ضحيتَها أكثرُ
من عشرين ألف قتيل. كما أغمضت
عينها على المجازر التي طاولت
في لبنان، ليس فقط من
الفلسطينيين، بل عمت كل الطوائف
اللبنانية لا تكاد تستثني منها
طائفة، كل ذلك ولا تحرك واشنطن
ساكنا في وجه دمشق، ما جعل من
الصعب تصديق "التهويشات"
الإعلامية السورية ضد أمريكا.
وبالرغم مما كانت تبديه
فرنسا من محاولات مستميتة لكسر
الهيمنة السورية في لبنان، إلا
أنها ذهبت أدراج الرياح بسبب
التفويض الأمريكي الكامل
للنظام السوري الذي جعل لبنان
وكأنه أحد محافظات القطر السوري.
ولقد قدم النظام السوري
،بعد أحداث 11 أيلول "سبتمبر"،
كل أنواع الخدمات والتسهيلات
لواشنطن، ومنها التعاون
المخابراتي الذي أفشل أكثر من
محاولة إرهابية ضد أمريكا
باعتراف واشنطن نفسها. ومع كل ما
أسلفنا، فإن واشنطن كانت تزعم
دائما أن دمشق لا تبذل ما يكفي
من تعاون، وأن عليها تقديم
المزيد.
وفي سبيل تقديم ما يكفي من
خدمات لأمريكا، فقد اجترح
النظام محرمات دبلوماسية ما كان
يفعل مثلها من قبل إلا في السر.
بل إن الرئيس السوري قد تخلى عن
تحفظه المعروف عنه، عندما يتكلم
عن التعاون مع أمريكا، عند ما
قال لمحرر "نيويورك تايمز"
موجها كلامه إلى الإدارة
الأمريكية: "قولوا لهم أنا
لست كصدام، أنا مستعد للتعاون".
ليس هذه فحسب فقد صدر عنه تصريح
عجب منه السوريون، عند ما قال
لمحرر "نيوزويك" الأسبوعية:
(إن الأمريكيين لا يدركون أن
هناك عدوا مشتركا بين أمريكا
وسورية...أي قوى التطرف الديني).
إن المواطن السوري ،مهما
كان انتماؤه، قد يكون خصماً
ومعارضاً لحكومة بلاده، بل قد
يعمل على إنهاء سيطرتها على
الحكم، ولكنه أبداً لا يمكن أن
يكون عدواً مشتركاً بين حكومة
بلاده وحكومة أمريكا، إلا في
حالة واحدة عندما تكون هذه
الحكومة، كما هي أمريكا، عدوّة
للشعب السوري".
المطلعون على خوافي
الأمور يدركون أن زاوية الخلاف
تتسع ،يوما بعد يوم، بين ما
تريده إدارة بوش وبين ما
تستطيعه دمشق. وقد أصبح مفهوما
لهذه الأخيرة أنه من شبه المؤكد
أن ما تريده الإدارة الأمريكية
يعني في النهاية إنهاء حكم
النظام الحالي.وموقف واشنطن هذا
لاعلاقة له بمواقف النظام
القومية وإنما بالأجندة التي
تريدها إدارة بوش للمنطقة.
ومع إدراك رموز النظام
لحقيقة ما تريده واشنطن، فهم
يغمضون العين عن السبيل التي
عليهم أن يسلكوها في وجه تعنت
واشنطن،وما يتطلب ذلك من تقوية
الصف الداخلي، ابتداء من إلغاء
مواد الدستور التي تقصر حكم
سورية على حزب البعث، وإلغاء كل
القوانين التي أطلقت أيدي أجهزة
الأمن ضد المواطنين من دون رادع
و..و. ثم هم بعد ذلك يواصلون
محاولة تقديم الحوافز إلى
واشنطن، وشعارهم في ذلك.. لعل..
وعسى.. أن يصلوا من خلال هذه
الحوافز إلى أن ترضى عنهم
واشنطن.
التشدد مع الإخوان
المسلمين هل يكون طوق النجاة
عند واشنطن؟
وكان لافتا للنظر –بعد
خمسة سنوات من "المساكتة"
الإعلامية بين النظام والإخوان
المسلمين- التشددُ المفاجئ تجاه
الإخوان المسلمين. فقد قال
الرئيس بشار الأسد أمام مجموعة
خاصة من كبار ضباط الجيش:"إن
الإخوان المسلمين خط أحمر ولا
ينفع معهم إلا الاستئصال".
كما فوجئ كثيرون بالتشدد
المفتعل مع إدارة "منتدى
الأتاسي" على خلفية إلقاء
رسالة موجهة إلى المنتدى من "علي
صدر الدين البيانوني"
المراقب العام لجماعة الإخوان
المسلمين السورية.
كما أشار إلى ذلك المؤتمر
القطري الأخير لحزب البعث من
خلال توصية ساوت بينهم وبين "فريد
الغادري":بأنهم يستقوون على
الوطن بالأجنبي.
ومع أن الرئيس "بشار
الأسد" كان قد امتدح المعارضة
السورية عند ما قال لمراسل "نيويورك
تايمز" في ديسمبر 2004 (إن
المعارضة –ومن دون أن يستثني
الإخوان المسلمين- ليسوا مع
الحكومة، ولكنهم لا يقبلون
بالتدخل الأمريكي ..., ويمكنك أن
تسألهم).
ويعتقد كثير من المراقبين
أن النظام السوري يحاول أن يظهر
لواشنطن أن البديل المؤكد منه
هو استيلاء الإسلاميين على
السلطة في سورية، وأن النظام
يمد يده مرة أخرى لواشنطن حتى لا
تسقط سورية في أحضان الإخوان
المسلمين.
وكما افتعل النظام السوري
قضية الشاحنات التي تحمل
الخضروات إلى الخليج عبر
الأراضي السورية، ومنع مرورها
لأكثر من أسبوعين، مما عاد
بالضرر على الشعب اللبناني،
وزعم أن هناك تهريبا لمواد
متفجرة يتم عبر الحدود بين
سورية ولبنان، -دون أن يفسر لنا
عن السبب الذي
جعل التهريب يستيقظ فجأة بعد
الانسحاب السوري من لبنان- وكأن
النظام يريد أن يقول أن الأمن في
لبنان سوف يتأثر بتسرب الإخوان
المسلمين إليه.
وقد كان لافتا لنظر
المراقبين أن القضية الأبرز على
جدول لقاء رئيس الوزراء
اللبناني "فؤاد السنيورة"
مع الرئيس بشار الأسد في دمشق
أواخر شهر تموز الماضي هو اتهام
العهد الجديد في لبنان بأنه
أفسح للإخوان المسلمين
السوريين بأنهم استأنفوا
نشاطهم وعقدوا "لقاء" في
مدينة طرابلس في شمال لبنان
التي ما تزال تغص بعناصر
الاستخبارات السورية التي
تخلفت في لبنان للتأثير -وربما
التخريب- في استقرار لبنان.
ونحن هنا،من منطلق
معرفتنا بالأساليب التي يتبعها
النظام، لنؤكد أن الخبر"مختلق"
من أساسه، وأن النظام السوري
اختلقه عن قصد ليستجدي عطف
أمريكا بأنه يقف في وجه الإرهاب
الإسلامي، مع ما لواشنطن من
حساسية لهذا الإرهاب المزعوم.
وإذا كان هذا الأسلوب قد
برع به عهد الرئيس حافظ الأسد
وكان جزءا من تاريخه، فإن العهد
الجديد لم يُغفِلْ هذا التوجه.ففي
أشد أوقات التأزم بين واشنطن
ودمشق كانت هذه الأخيرة تحاول
أن تربط أي حدث يحدث في سورية
بإرهاب الجماعات الإسلامية،
لإدراك دمشق أن واشنطن معنية
بهذا الإرهاب المزعوم، وخصوصا
بعد تفجيرات 11 سبتمبر 2001.
ولعل القارئ يذكر كيف ربط
الإعلام السوري المواجهات التي
جرت مع عصابة "الطواحين"،
ونجم عنها مقتل ضابط سوري ،على
أنها جرت مع جماعة القاعدة. مع
أن هذه العصابة عرفت في الأردن
على أنها عصابة إجرامية. وقبلها
أحداث "المزة" التي حاول
الإعلام السوري أن يربطها
بالقاعدة، ثم تبين أن القائمين
بها عصابة إجرامية متحدرة من
قرى الجولان.
نحن نعتقد أن أركان النظام
السوري يسعون وراء السراب، بعد
أن ذكر "بوش" ،أمام أكثر من
زائر،بأنه لن يتعامل مع بشار
الأسد، ما يعني أنه ينتظر أن يتم
التغيير في النظام السوري. فهل
يستدرك الرئيس بشار الأسد
الأمر، ويعمل على إصلاح ما
أفسده أركان النظام على مدى
أربعة عقود قبل أن لا يمكنه ذلك،
ويكون لات ساعة مندم؟
* كاتب سوري
يعيش في المنفى
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|