الجنة
تتزين في رمضان.. فهل تزيَّنَّا
له؟!
بقلم:
الشيخ عبد الخالق الشريف
أخي الحبيب.. ورد في الحديث أنَّ
الجنةَ قد حوت ما لا عينٌ رأت
ولا أُذنٌ سمعت ولا خطرَ على
قلبِ بشر.. الجنة التي ترابها
المسك، وبيوتها لبنة من ذهب
ولبنة من فضة، مع غير ذلك من
الأوصاف العالية هذه الجنة
تتزين في رمضان.
فهل تزينا نحن لرمضان؟
إنَّ الزينةَ الحقيقيةَ التي يجب
علينا أن نعدها، هي القلب
الطاهر النقي المعلق بالمساجد
الممتلئ بالقرآن النقي من الغل،
البعيد عن النفاق، الطاهر من
الحسد، المحب في الله ولله،
المتوكل على الله، الراضي
بقضاءِ الله، العاشق للشهادة في
سبيل الله.
ما أحوجنا إلى هذا القلب، وما
أسعد صاحبه وهو يستقبل رمضان،
إنَّ صاحب القلب هو الذي
سيستفيد من رمضان حقيقةً، وهو
الذي يسعد بلقاء رمضان.
إنه سيجدد التوبة ويلهج
بالاستغفار، فصاحب هذا القلب
منكر لنفسه، وكيف يرى لها
حظًّا، وسيد الخلق- صلى الله
عليه وعلى آله وصحبه وسلم- الذي
غُفر له ما تقدَّم من ذنبه وما
تأخَّر كان يستغفر في اليومِ
والليلةِ أكثر من سبعين مرة.
وصاحب هذا القلب يشعر بالتقصيرِ
دائمًا إلى جنبِ الله؛ لذا
فالتوبةُ عنده مستمرة وهي أول
الطريق وأوسط الطريق وملازمة
لقلبه إلى آخرِ الطريق، إنَّ
التوبةَ للنفس كالماءِ للأرض لا
يستقيم حالها إلا مع دوامِ
التوبة.
ماذا فعل إذًا إلى جوارِ فضل ربي؟
وكيف وسيدي صلى الله عليه وعلى
آله وصحبه وسلم يخبرني أنَّ
أحدًا لن يدخل الجنةَ بعمله،
قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟
قال: "ولا أنا إلا أن يتغمدني
الله برحمته".
يعيش صاحب هذا القلب، وهو يتململ
تململ السليم (اللديغ).
واحزناه على أوقاتٍ ضاعت في
غير ذكر الله.
واحزناه على أوقاتٍ ضاعت في غير
الدعوة إلى الله.
واحزناه على وقتٍ لم يُقربني من
الله
كم من لغو ضاع في الوقت
كم من جدالٍ سرنا فيه ولم يُقربنا
من الله
كم مرة نادت عليَّ أمي فلم أُجبها
كم مرة أرسلني أبي، فما أديت ما
أراد، وربما كذبت بالأعذار.
كم من صلاة كنت فيها غافلاً.
كم من شخصٍ كنت منه متهكمًا
آه.. آه.. يا قلبي
وما خفي أعظم
لو كان حالك على ذلك فقط، لكنت
شيئًا
ولكن ماذا عما نسيت، وما كان ربك
نسيًّا
ولكن ماذا عما نسيت، وهو في كتابٍ
لا يضل ربي ولا ينسى
آه آه يا قلبي
تلك فرصتك وهذه غنيمتك
قد جاءك رمضان، شهر الفضل
والإحسان
سارع سارع
﴿وَسَارِعُوا إِلَى
مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ
وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا
السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ
أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي
السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ
وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ
وَاللَّهُ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ (134)
وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا
فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا
أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ
فَاسْتَغْفَرُوا
لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ
وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا
فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ
(135)﴾ (آل عمران).
ولنستمع سويًّا إلى الآياتِ
لنعلم إلى أي شيء ترشدنا وإلى أي
طريق تأخذ بيدنا.
إنها ترشدنا، وتأخذ بيدنا إلى
التجرد ﴿لَيْسَ لَكَ مِنْ
الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ
عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ
فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ
(128)﴾ (آل عمران).
إنه التجرد من كل شيء لله وحده
خطاب من الله إلى نبيه- صلى الله
عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، وهذا
دليلٌ على عظم الأمر، في معركة
رأى فيها المسلمون الشيء
الكثير، واغتر العدو بما نال،
وبما فعل ومثل بحمزة بن عبد
المطلب أسد الله، وأسد رسوله
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه
وسلم.
تذكرنا
﴿يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ
وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
(آل عمران: من الآية 129).
إن الأحداث التي تحيط بنا، لا بد
أن ننظر إليها من خلال أنَّ الله
يملك كل شيء وهو المتصرف في كل
شيء بما يراه.
والمهم الواجب الذي علينا
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لا تَأْكُلُوا
الرِّبَا أَضْعَافًا
مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا
اللَّهَ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ (130)﴾ (آل عمران).
وهنا أقول آه.. وآه.. وألف آه..
كم من صائمٍ يتعامل بالربا؟
كم من صائمٍ له ودائع ذات عائد
ثابت؟
كم من مقترض بفوائد ربوية يبرر
لنفسه ذلك؟
كم من عاملٍ في هذا الحقل يبرر
لنفسه ذلك؟
بل أقول كم من جالب علينا حرب
الله وحرب رسوله صلى الله عليه
وعلى آله وصحبه وسلم.
لعلنا الآن ندرك السر العجيب في
إيراد هذه الآية ضمن الآيات
التي تتحدث عن غزوة أحد.
وأقول: كم من أهلينا وجيراننا
والزملاء والأصدقاء يتعاملون
بالربا، ونحن نعاشرهم ونعيش
معهم كأن شيئًا لا يحدث ونجامل،
على حساب دين الله، ونسكت عن
الحق، ...و...
فأين التجرد إذن؟
ثم تدعونا الآيات إلى حمايةِ
النفس من النار والسبيل لذلك.
﴿وَاتَّقُوا النَّارَ
الَّتِي أُعِدَّتْ
لِلْكَافِرِينَ (131)
وَأَطِيعُوا اللَّهَ
وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ (132)﴾(آل عمران).
تلك هي الآيات التي سبقت الحديث
عن المسارعة.. إلى مغفرة الله..
فماذا عمَّا بعدها؟
إنه حديثٌ عن الجزاءِ المدخر
لمَن استفاد بذلك، ثم بيان
العظة والعبرة بالأمم السابقة.
﴿أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ
مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ
وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ
أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) قَدْ
خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ
فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ
فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ
عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137)
هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ
وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ
لِلْمُتَّقِينَ (138)﴾ (آل
عمران).
﴿وَلا تَهِنُوا وَلا
تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ
الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ (139)﴾ (آل عمران).
﴿وَتِلْكَ الأَيَّامُ
نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾
(آل عمران).
﴿وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ
شُهَدَاءَ﴾ (آل عمران).
﴿وَاللَّهُ لا يُحِبُّ
الظَّالِمِينَ﴾ (آل عمران).
﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ
الَّذِينَ آمَنُوا﴾ (آل
عمران).
﴿وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾
(آل عمران).
وهكذا...
فهل آن لنا وقد مرَّت ويمر بأمتنا
ما نراه مما لا يخفى على مدرك
وأساليب مكر الليل والنهار
سياسة وإعلامًا تكاد تحرق
الأخضر واليابس. هل آن لنا إصلاح
القلب في شهر تتزين الجنة
فلنزين قلوبنا بالعودة إلى الله
حتى تؤتي الصلاة والصيام
والصدقة والقيام والاعتكاف
آثارها الحقيقية فيمكن الله لنا
كما مكَّن لأسلافنا وما أحوجنا
إلى ذلك.
هدانا الله وإياكم إلى طريق
الحقِّ وإلى طريقٍ مستقيم.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|