إلى
متى تبقى بعض أطراف المعارضة
تدور في فلك الإستبداد ؟!.
د.نصر
حسن
من البديهي أن
الإستبداد بالإضافة إلى كونه
آلية حكم سياسية للسيطرة على
إرادة الشعب وضبط حركته على
محوره , هو أيضا ً إطار سياسي
وثقافي له محدداته المتشعبة
بالتعامل مع المحيط الإجتماعي
وأوضح آثاره هو تهديد حرية
وكرامة الشعب وإجباره على
التأقلم معه بشتى صيغ التسلط
والقهروإلغاء حرية الرأي
والتعبيروالمشاركة .
وفي الحالة السورية
حيث قارب عمر الإستبداد نصف قرن
,أفرغ خلالها المجتمع من كل رموز
الحرية والثقافة والسياسة وفرض
عليه بالقوة مفاهيم نظام شمولي
في شتى نواحي الحياة العملية
وأصبحت أشبه بثقافة
نمطية لفظية تتكررمن
المدارس إلى كافة المؤسسات
التعليمية والتربوية وعبر كل
وسائل الإعلام مترافقة ً مع منع
أية عملية نهوض ثقافي وتطور
فكري ,وإغلاق نافذة الحرية
والإطلاع على الفكر العالمي
والثقافات الأخرى وعاش الشعب في
هذه الحالة المغلقة لعقود
أسيرهذا الخطاب الفردي
الإستبدادي الذي ألغى
الآخركليا ً ثقافيا ,فكريا ًً,سياسيا
,وإنسانيا ً.
على أن المطلوب
عمله الآن هو فهم الظروف
الثقافية والسياسية والفكرية
التي تتفاعل في سورية بخطيها
المتعارضين والمتصارعين وهما
السلطة وماتمثل من خطاب قمعي له
حاضنته الفكرية والسياسية
المحلية والدولية , والمعارضة
بشتى أطرافها في الداخل
وامتداداتها في الخارج والتي
لها خطابها الديموقراطي العام
والتي تسير متعثرة نتيجة القمع
المستمر من النظام على المستوى
الداخلي وبدوغ غطاء واضح إلى
الآن .
والمقروء هو أن
معظم أطراف المعارضة السورية
تتمحور حول مطالب وطنية في
موقفها من النظام ورؤيتها لشكل
التغيير في سورية , لكنها لم تصل
إلى حسم أمورها حول المطلب
الديموقراطي وآليته وحاضنته
الفكرية والقانونية والقيمية ,
وهذا ليس غريبا ً (لكن المطلوب
تجاوزه) لأن كل أطرافها لم تتح
لهم عملية التعامل الحرمع الفكر
الديموقراطي والبعيد عن
تأثيرات النظام القمعي سواء ً
عن طريق التضييق على حركة الفكر
أوالسماح بقدر من الحرية
المضبوطة والمنظومة من قبل
النظام وخاضع لسيطرته وتشويهه
بالمحصلة, الأمر الذي عرقل
عملية التطورالطبيعي في
المجتمع وجعلها بطيئة لأنها
محاصرة وأحيانا
ً مجهضدة وبالتالي لم تنتج نمطا
ً فكريا ً واضحا ً له أبعاده
السياسية والإجتماعية
والثقافية بما يشكل مرجعية
سياسية واضحة على مستوى الحراك
الشعبي في سورية .
وعليه يمكن القول
إن كل أطراف الحركة السياسية في
سورية إلا باستثناءات بسيطة
وبضمنها النظام الحاكم على
إعتباره ناظمها الأمني
والسياسي هي عمليا ً مرهونة
بهذه النسبة أوتلك إلى
معاييرومحددات النظام الشمولي
المركزي المحكوم بآلية فردية
أسدية ستالينية تركت بصماتها
على وجه الحياة السياسية
والفكرية والإجتماعية في سورية
, والخطين المتعارضين ,المعارضة
والسلطة لازالا يعانيان من هذه
المرحلة الخطيرة في تاريخ سورية
كل على طريقته.
ويمكن القول أن المجتمع السوري
عاش هذه الحالة بحركية نشطة
عبرت عنه المحطات الأكثر عنفا ً
في مسيرة المجتمع وقام بها
النظام في أكثر من مناسبة
وأهمها مرحلة الثمانينات من
القرن الماضي حيث ارتكب النظام
كم هائل من الجرائم بحق الشعب
وانتهاكات صارخة لحقوق الأنسان
,ومرت بصمت لأن النظام كان يغطيه
لعبه على الفوارق بين التوازنات
الدولية بقطبيها الإثنين
الروسي والأمريكي ومحددات
الحرب الباردة وتأثيراتها على
المستوى الإقليمي والدولي .
واللحظة الثانية
والمهمة في حركية المعارضة
السورية هي التي وجدت نفسها
فيها بعد انهيارالإتحاد
السوفياتي ومارافقه من سقوط
توازناته على المستوى الدولي
وانعكست نتائجها حسب قاعدة
الأواني المستطرقة الفيزيائية
المائية لكن سياسيا ً على كل
الأنظمة السياسية في العالم
التي تدور بفلكه وتعمل وفق
آليته ,وتجلى هذا
سلبا ً على النظام وإيجابا ً إلى
حد ما على مستوى المعارضة
السورية ,ولازال الطرفان في
إطار التخلص من ميكانيكية العمل
السياسي التي طبعت تلك المرحلة ,
ونسبيا ً نجحت المعارضة بكافة
فصائلها من تجاوز بعض أطر
الماضي الفكرية والسياسية ولو
بشكل بطيء وضئيل عبرت عنه
المنتديات ونشطاء المجتمع
المدني وإعلان دمشق وبشكل
أكثرعملية ووضوح في المطلب
السياسي جبهة الخلاص الوطني , في
حين أخفق النظام بشكل مطلق في
التعامل مع المستجدات
والتطورات السياسية على
المستوى الداخلي والخارجي ,
ويحاول عبثا ً بكل ما لديه من
مخزون خبرة أمنية قمعية وفرتها
له تجربته الطويلة في الحكم على
أسر المعارضة والمجتمع في فشله
الذريع الذي هو فيه الآن .
وتأسيسا ً على
محاولة فهم آليات عمل المعارضة
السورية الآن وتوحيد مطلبها
العام المشترك الذي يمثل هدف
الشعب وطموحه وهو الإتفاق على
الموقف من النظام وإقرار ضرورة
التغيير الديموقراطي
السلمي وتحديد شكله وآليته
وهذا هو الهدف المركزي الذي يجب
توضيحه والعمل به على مستوى
الساحة السورية ويتطلب أن يكون
هناك فهم دقيق لجدول أولويات
العمل السياسي والبدء بها على
هذا الطريق وتأجيل كافة وجهات
النظر الفكرية التأسيسية بعيدة
المدى لأنها بالمحصلة تمثل
مشاريع أطراف سياسية متعددة لم
تختمر فكريا ً بعد ومن غير
الواضح مرجعيتها الفكرية وهي في
إطار التفاعل والتأسيس والتطور
على هذا الإتجاه ,والحقيقة التي
يجب أن تكون واضحة للجميع هي أنه
لايمكن نظم عملها بشكل مفيد
وصحيح سوى بوجود الديموقراطية
وقوانينها التي تحمي الجميع على
أرضية التكافؤ والمساواة وحكم
القانون في حينها تصبح ممارسة
عملية وليس أحلام سياسية وفكرية
تراود هذا الطرف السياسي أوذاك
من أطراف المعارضة الوطنية في
سورية . ...
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|