أفكار
في الإصلاح والتغيير (3)
التغيير
من الأعلى
د
. فواز القاسم / سورية
إن تغيير واقع أية
جماعة أو أمة ، ونقله من حالة
التردي ، الى حالة النهوض ، إنما
يتمّ بطريقين ، أو خطين:
الخط الأول : وهو
الخط النازل ( من الأعلى إلى
الأسفل ) ، وهو خط التغيير
الأساسي في الجماعات والأمم …
وأعني به خط القيادة . فإذا
تهيأت للجماعة أو الدولة أو
الأمة ، قيادة راشدة ، تتحقّق
بمواصفات متميّزة . فإنها
تستطيع أن تنهض بها الى
مستوياتها ، وتحلّق بها في
الآفاق التي تعيشها ، ثمّ
تقودها بعد ذلك بخطى واثقة ،
وأقدام راسخة ، لتحقق
ما تصبو اليه من أهداف ،
وما تتطلّع اليه من طموحات
…
من أجل ذلك فقد
أرسل الله الأنبياء والمرسلين ،
من لدن آدم ، الى سيدنا محمد ،
صلوات الله عليهم أجمعين .
وكان كلما طال
الزمن ، وخلا رسول ، وضلّت
البشريّة طريقها ، يرسل رسولاً
، مجدّداً للمبادئ ، وموقظاً
للضمائر ، وباعثاً للهمم ،
وقائداً وقدوة على الطريق …
قال تعالى : ((إنا
أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً ،
وإن من أمة إلاّ خلا فيها نذير )).
فاطر(24).
ومن أجل ذلك أيضاً
، فقد كان الأنبياء والمرسلون
بشراً عاديين ، ليجتهدوا في
تطبيق التكليف الرباني في أقصى
كمالاته البشرية ، وليتمكن
أتباعهم من تقليدهم ، والتّأسي
بهم ، والسير على منهجهم …
قال تعالى : ((وما
أرسلنا قبلك إلاّ رجالاً نوحي
إليهم ، فاسألوا أهل الذكر إن
كنتم لا تعلمون )) الأنبياء (7).
وقال : (( وما
أرسلنا قبلك من المرسلين ، إلا
إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في
الأسواق ، وجعلنا بعضكم لبعض
فتنة ، أتصبرون ، وكان ربك
بصيراً )).الفرقان (20).
والخط الثاني : في
عملية تغيير واقع الجماعات
والأمم ، هو الخط الصاعد ، وهو
الخط البديل ، والرديف للخط
الأول (خط القيادة )...
وهو يعني أن يتحرك
أفراد من أبناء الأمة وجنود
الدعوة ، ويتساموا في مدارج
المعالي والكمال البشري ، بما
يحملون من فكر متّقد ، وحركيّة
واعية ، وحيويّة متفجّرة .
ومن خلال حركتهم ،
وحيويّتهم ، وتفاعلهم ، ستقذف
بهم الأحداث الى مواقع
المسؤولية والقيادة حتماً . لأن
هذه هي سنة الحياة ، وهذا هو
قانون الوجود . قال تعالى : ((
فأما الزبد فيذهب جفاءً ، وأما
ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)) .
الرعد (17).
ومن خلال مواقعهم
تلك ، ينهضون بالأمة الى الآفاق
التي يحلّقون بها ، ويقودونها
لتحقيق الأهداف و الطموحات التي
نذروا حياتهم من أجلها … ولذلك
، لما شاءت إرادة الله ، أن
تختار محمّداً صلى الله عليه
وسلم، ليقود هذه الدعوة
المباركة في آخر حلقة من
حلقاتها ، وليكون خاتم أنبياء
الله ومرسليه . قال تعالى : (( ما
كان محمّد أبا أحد من رجالكم ،
ولكن رسول الله ، وخاتم النبيين
، وكان الله بكل شيء عليما)).
الأحزاب (40).
فقد أوكلت مهمّة
التغيير والإصلاح من بعده الى
جنوده وأتباعه، لأن الإسلام
العظيم هو دين العمل والمبادرة
والإيجابيّة ، وهو يمقت الخنوع
والكسل والسلبيّة ، ويطالب
أتباعه دوماً بالعمل على ترشيد
الحياة ، وقيادتها ..
قال تعالى: (( لقد
كان لكم في رسول الله أسوة حسنة
لمن كان يرجو الله واليوم الآخر
وذكر الله كثيرا)). الأحزاب (21)
وهذا هو معنى
بشارة النبي صلى الله عليه و سلم
لهذه الأمة ، بأن يبعث الله لها
على رأس كل مائة سنة من يجدّد
لها أمر دينها ، وليس ذلك
المجدّد _ الذي تناط به مهمة
التغيير _ إلا واحد من الذين
فهموا بعمق منهج النبوة الراشد
، وعملوا
بكل ما يستطيعون على التأسي به ،
واتباعه ، وتطبيقه...
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|