حــوار
إسـلامي ســاخـن ( 1-4)
الدكتور
خالد الاحمـد*
بعد صلاة الفجـر
جلـس الطالب مع الأسـتاذ بعد
سهـرة يوم أمـس ، تحدث فيها
الأستاذ عن الدولـة التي
ننـشدها ونسـعى إليها ، وحيث أن
الأستاذ يهتم بطلابـه كثيراً ،
ويجاهـد من أجل إخـراجهم من
ظلام الجهـل إلى نور العلم ،
لذلك دار بينـهم هذا الحـوار
الطويل .
الطـالـب : أمس
ياأسـتاذ قلت في كلامك للطلاب
الحاضريـن أنك لاتريد حكومة
إسـلامية ، وإنما تريـد حكومـة
مدنيـة فقط ، لذا لم أنـم ليلتي
هذه ، فكيف تقول هذا الكلام ،
ألسنا حركة إسلامية !!؟ أسست منذ
(1945م ) وقدمت عشرات الألوف من
الشهداء في سبيل الله عزوجل ،
وأليست الحكومة الإسلامية مطلب
بدهـي لكل حركة إسلامية ...وإلا
ماالفرق بين الحركة الإسلامية
والحركات السياسية العلمانية
والليبرالية وغيرها !!!؟
الأسـتـاذ :
الحكومة الإسـلامية يابني هي
نفسها الحكومة المدنية ، ونقول
مدنيـة لأن النـاس يخافـون من
مصطلح ( إسـلامية ) ويفهمون
أننـا نريـد حكومـة دينيـة
( ثيوقراطيـة ) ... ويقصد بها
الدولة التي تحكم باسم الإلـه ،
وتجعل نفسـها وكيلة عن الله
عزوجل ، وفي هذه الحالة لايجوز
مراجعتها ، ولامناقشتها ، أو
محاسبتها ، ناهيك عن إقالتها
واستبدالها بغيرها . يقول
الدكتور صلاح الصاوي : (
الثيوقراطية هي ذلك النظام من
الحكم الذي يجعل من الدين
والتفويض الإلهي مصدراً للسلطة
السياسية ، ويدعي القائمون عليه
أنهم مفوضون عن الله ، وأنهم
ناطقون باسم السماء ،...
ويجب الإذعان لجميع
قراراتهم والرضا بها دون مراجعة
أو اعتراض لأن الاعتراض
عليها يكون اعتراضاً على
الله الذي يتحدثون باسمه وهم
وكلاؤه على الناس ... وقد عرفت
أوربا هذا اللون من الحكم في
عصورها الوسطى ، بناء على
الكلمة المأثورة لديهم والتي
ينسبونها إلى السيد المسيح عليه
السلام ( ماتحلونه في الأرض يكون
محلولاً في السماء ، وما
تربطونه في الأرض يكون مربوطاً
في السماء ) ولهذا يملك الأحبار
والرهبان حق النسخ والتحليل
والتحريم من دون الله ، وقد شنع
القرآن عليهم ذلك في قوله تعالى
{ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم
أرباباً من دون الله ....}ـ التوبة
31 ـ
كانت هذه الحكومة
الثيوقراطية في أوربـا خلال
القرون الوسطى ، كان الحاكم
يومها يدعـي أنـه نائب عن الله ،
ولايجوز مراجعتـه ولامساءلته ...بل
يحـرم ذلك ، ويجب على الشـعب
التقرب إلى الله عزوجل بطاعتـه
....وكانت هذه الحكومة
الثيوقـراطية ( الدينيـة )
متحالفة مع الإقطاع ، وكانوا
يستغلون الشعب ويسلبونه خيراته
، ويبيعونه ( فلل سكنية ) في
الجنة ، لقاء ( صكوك ) يسلمونها
لـه ممهورة بخاتم الحكومة
والكنيسة .... وكان المساكين
يبيعـون ممتلكاتهم بأبخـس
الأثمان لعملاء الكنيسـة كي
يشتروا هذه الفـلل ، ولذلك كان
شعار الثورة الفرنسية : (اشنقوا
آخر إقطاعي بأمعاء آخر قسيس ) ،
وبعبارة أخرى : أعدموا القساوسة
( رجال الكنيسة ) ثم أعدموا
الإقطاعـيين .... وقـد تـجذر هذا
المفهـوم ، مفهـوم الحكومـة
الدينيـة ( الثيوقراطية ) في
أذهان الأوربيين ، وتلاميذهم ،
ومن المعلوم أن ثقافتنا (
العلمانية والليبرالية
والماركسية ) مأخـوذه من
الثقافـة الأوربيـة ...وبما أن
الدولة المسلمة ليست دولة
ثيوقرطية أبداً ، بل هي ضـد
الثيوقراطية ...لذلك تراني أهرب
من هذا المصطلح ، كي لايفهم
الناس خطأً أننـا ندعـو إلى
حكومة ثيوقراطية ، ونريـد
إرجاعهم إلى العصور الوسطى
الأوربيـة . وقد روي عن رسول
الله
أنه
قال : [ نحن معاشـر الأنبيـاء
أمرنا أن نخاطب الناس على قـدر
عقولـهم ....] أو كما قال .
الطـالـب : يا
أسـتاذ أنت تريـد إرضـاء
العلمانيين والليبراليين
والماركسيين وغيرهم
من الناس ، ولاتنـس أنك تغضب
( الإسـلاميين ) ، وإغضاب
الإسلاميين على مختلف مناهجهم
السياسية خسـارة كبيرة للحركة
الإسلامية ...
الأســتاذ : يجب على
الإسـلاميين أن يفهمـوا
إسـلامهم جيداً ، فالحكومة في
الإسـلام حكومـة مدنيـة تماماً
، ولافرق بينهما ، ولذلك إذا
قلنا حكومة مدنيـة ، تؤدي
المعنى كاملاً ، ولانخيف الناس
من الحركة الإسلامية ...
الطـالـب : كيف تقول
الحكومة في الإسلام حكومة مدنية
تماماً !!؟ ألا يوجد فرق بينهما !!؟
الأسـتاذ : سوف أذكر
لـك نقاط التشـابه بينهما ،
وأترك لك أن تذكر لي نقاط
الاختلاف التي تراها أنت أو
غيرك ...
نقاط التشابه بين
الحكومة المدنية والحكومة
الإسلامية :
1- الرئيس والوزراء وكل مسؤول فيهما محكوم
بقوانين ، تسمى الشريعة
الاسلامية في الحكومة
الاسلامية ، وتسمى الدستور في
الحكومة المدنية ، وهذا يعني
أننا عندما نجعل دستورنا نابعاً
من الإسلام صارت الحكومة
المدنية حكومة إسلامية ...وهذا
معنى قولنا : حكومة مدنية ذات
مرجعية إسلامية ...
2- الأمـة هي مصدر السلطات في كل منهما :
فالخليفة المسلم يختاره أهل
الحل والعقد ، ورئيس الحكومة
المدنية يختاره مجلس الشعب أو
النواب أو البرلمان ... وكل هذه
التسميات تعني ( أهل الحل والعقد
) ...وهذا المجلس ممثل للأمـة ،
بعد أن ينتخب انتخاباً نزيهـاً
من الأمـة ، صار ممثلاً لهـا ،
وهو أعلى سـلطة في المجتمع ،
يختار رئيس الدولة ، ويراقب
الحكومة ويسألها ، ويعفيها من
مهمتـها إذا رأى ذلك ....
وهذا معلـم هام
جـداً من معالم الحكومة
المدنيـة ، فالحاكم ليس مقدساً
، وليست له صفـة قدسـية تجعل
مراجعته أو مناقشته حراماً أو
مكروهاً ..ونفس المعلم موجود في
الحكومة الإسلامية ... حيث أن كل
مواطن في الدولة المسلمة يستطيع
ـ عبر القنوات الشرعية ـ أن
يحاسب ويناقش ويسأل الموظف حتى
لوكان رئيس الدولة ، وتاريخنا
مملوء بالأمثلة ...
الطـالب : أليست
طاعة أولي الأمـر واجبـة شرعاً
!!؟ فكيف إذن نناقش ونحاسب ونسأل
الحاكم المسلم !!؟
الأسـتاذ : الحاكم
المسلم ليس هو ( أولو الأمـر ) ،
بل هو واحد منهم ، لأنهم مجموعة
، وكلمة ( أولو ) من الكلمات في
العربية التي ليس لها مفرد ،
وولي الأمر التي يلتبس على
بعضهم أنها مفـرد ( أولـو ) جمعها
( أولياء الأمور ) وليس ( أولـو
الأمـر ) ...
وأولـو الأمـر هـم أهل الحل
والعقـد ، الذين انتخبتهم
الأمـة ، ويضاف لهم العلماء
والخبراء والزعماء كما هو مبين
عند الدكتور خالدالاحمد في
أطروحته ( منهج التربية
السياسية في المجتمع المسلم ) ...
والذين تجب طاعتهم شـرعاً هم
أهل الحل والعقد ، وليس الحاكم
الفرد وحده ... فإذا وافق الحاكم
هؤلاء صارت طاعتهم طاعة لـه ،
وإذا خالفهم قاموا بعـزلـه
لأنهم تعاقدوا معه على هذه
المهمـة ، ومن شروط التعاقد أن
يطيع ويخضع لقرار أهل الحل
والعقد لأن الشورى ملـزمـة ....
ويتابع الأسـتاذ
عرض أوجـه التشابه بين الحكومة
المدنية والحكومة الإسلامية
فيقول :
3- الحاكم في كل منهما موظف ، يخطأ ويصيب ،
فهذا أبو بكر الصديق رضي الله
عنه يقول : وليت عليكم ولست
بخيركم ، إن أحسنت فأعينوني ،
وإن أخطأت فقوموني ...والحاكم
المدني مسؤول أمام القضاء
ويستطيع أي مواطن أن يقيـم
دعـوى على الحاكم أو الوزيـر أو
أي مسؤول مهما علت مرتبتـه ،
ويطلبه القاضي ويحقق معـه ،
وإذا ثبت عليه جرم مـا حكم عليه
بالعقوبـة ...وفي تاريخ الخلفاء
الراشدين أمثلة ناصـعة لهذا
الحاكم المدني الذي يطلبه
القاضي ويحقق معـه ن ومن أشهرها
عندما طلب عمر بن الخطاب أمير
المؤمنين طلب عمرو بن العاص
والي مصر ليحقق معـه عندما ضرب
ولده ابن القبطي ....كما هو مشهور
...كما جلس علي بن أبي طالب رضي
الله عنه أمام القاضي من أجل
درعـه التي ضاعت منـه ثم رآهـا
عند يهودي من رعايا الدولة
المسلمة ، وعندما طلب القاضي (
شريح ) شهوداً من خليفة المسلمين
، وقال علي رضي الله عنه : ولداي
الحسن والحسين ، قال القاضي
لاتصح شهادة الولد لأبيـه . هل
عندك غيرهما ؟ قال علي رضي الله
عنه : لا لايوجد من يعرفها غيرهم
... قال القاضي : إذن الـدرع ليست
لك ... وخرج أمير المؤمنين خاسراً
من عند القاضي ،
وعندئذ أسلم اليهودي وهو
متحقق أن الدرع لعلي رضي الله
عنه ، وبعد أن نطق بالشهادتين
قال : هذه أخلاق أنبيـاء ، والله
إنها درعك سقطت عن جملك الأورق
يوم صفيـن ، وكنت أتعقب الجيش
لمثل ذلك ... فقال علي : أما وقد
أسلمت فهي لك ...
الطـالب : مادامت
الحكومة الإسلامية هي الحكومة
المدنيـة ، فلماذا لانقول حكومة
إسلامية ونكسب الإسلاميين وهم
رصيدنا الاحتياطي دائماً !!؟
الأسـتاذ : اليوم
أصبح العالم قـريـة واحـدة بسبب
الفضائيات ووسائط الاتصالات ،
وأصبحنا مجبريـن على التحدث
بلغـة ومصطلحات عالميـة ،
فعندمـا نتكلم يسمعنا الجميع
المسلم وغير المسلم ، ونحن
مأمورون أن نخاطب الناس بما
يفهمون ... ولايغيب عن ذهنك أن
الدول العظمى التي تمسك زمـام
الأمور في الدول الصغرى ، دول
العالم الثالث ، يهمهما محاربة
الإسـلام بكل ما تملك من قـوة
ووسائل ، ولاتسمح بحال من
الأحوال بقيام حكومة إسلامية ،
وعلينا الاستفادة من تجربة حزب
العدالة والتنمية التركي ،
ومثله في المغرب ، وغير ذلك ونحن
نـريد حكماً مضمونـه إسلامي ،
ولامشاحة في الاصطلاح .. ولذلك
ينبغـي أن نستخدم المصطلح الذي
يؤدي المعنى نفسـه ولايهيج
هؤلاء الأعـداء علينا ...
وأخيراً قَـَبّلَ
الطالب يـدَ أسـتاذه ، ودعـا
الله عزوجل أن يوفقـه إلى
مافيـه خير المسلمين ... ثم صلى
سـنة الضحـى وانصرف ...
*كاتب
سوري في المنفى
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|