بين
أفغانستان وأسدستان
أبو
عمر الأسدستاني
جرت العادة بأن
يعرض التلفزيون السوري دائماً
وأبداً في نشراته الإخبارية
أخبار الفيضانات والكوارث
والاضطرابات ومشاهد القتل
والدمار والخراب وإلى ما هنالك
من مشاهد الجوع والبؤس والفقر
والشقاء سواءً في أفغانستان أو
بنغلاديش أو اندونيسيا أو
العراق أو إثيوبيا ..الخ ويسهب
في التعليق عليها وإطالة مدة
عرضها وكأنه بذلك يريد أن يرسّخ
في ذهن المشاهد فكرةً مفادها
بأنه يعيش بألف خير ونعمة وأمان
في أسدستان مقارنة بمواطني هذه
الدول الفقيرة والمنكوبة
وبالتالي فمن المفترض منه (أدباً
وذوقاً) أن يحافظ على هذه النعم
وأن يرفع يديه إلى السماء
طالباً من الله أن يمد بعمر أولي
الأمر ويدعو لهم بطول البقاء
حفاظاً على أمنه وتقدمه ورخائه
؟؟
ومؤخراً شاهدت
فيلماً وثائقياً عن أفغانستان
يعرض لمرحلة ما قبل طالبان
مروراً بفترة حكمهم إلى مرحلة
ما بعد طالبان .. ومما لفت نظري
أثناء تجوال الكاميرا بأحياء
كابول وقندهار التشابه الشديد
بين هذه الأحياء المدمرة نتيجة
ثلاثة عقود أو أكثر من الحرب ضد
السوفيات وما تلاها من حروب
أهلية طاحنة بين رفاق السلاح
وصولاً إلى استيلاء طالبان على
الحكم وانتهاءً بالاحتلال
الأمريكي .. وبين أحياء الفقر
المخيفة المحيطة بمدننا في
أسدستان علماً بأننا لم نطلق
طلقة واحدة ولم نخض حرباً منذ
أكثر من ثلاثة عقود ؟؟
أعود للفيلم
الوثائقي حيث يبدأ لحظة استيلاء
العسكر الشيوعيين على الحكم
وانفرادهم بالسلطة بعد تصفية
رفاقهم وخصومهم .. وهو ما ذكرني
بانقلاب الثامن من آذار وما
تلاه من تصفيات بين الرفاق
البعثيين وغير البعثيين وصولاً
إلى التصحيح العتيد وانفراد
الديكتاتور حافظ الأسد بالسلطة
المطلقة في أسدستان .
تلتها مرحلة تصاعد
المعارضة الشعبية المسلحة
لنظام الحكم الشيوعي في كابول
في السبعينات .. والتي نستطيع أن
نشبهها إلى حد ما بالمعارضة
المسلحة لنظام الحكم الأسدي في
نهاية السبعينيات وبداية
الثمانينات والتي انتهت في
أفغانستان بدخول الجيش
السوفييتي وفي أسدستان بدخول
الجيش العقائدي للبنان وتدمير
مدينة حماة .. تلتها مرحلة
المقاومة للسوفييت في
أفغانستان من قبل كافة فصائل
المقاومة والتي من الممكن أيضاً
تشبيهها بالمعارك الكثيرة التي
خاضها جيش الأسد العقائدي في
لبنان ضد كافة الفصائل
الفلسطينية والميلشيات
اللبنانية إلى أن انتهت أخيراً
بخروج الجيشين السوفيتي
والسوري بانسحاب مفاجئ من
أفغانستان ولبنان مع اختلاف
الفترة الزمنية للاحتلال وسبب
الانسحاب .
وبعد انسحاب
السوفييت من أفغانستان جرت
معارك طاحنة بين رفاق السلاح
للاستئثار بالسلطة مع ما رافقه
من قصف عنيف ومدمر لكابول بغية
إخضاعها والسيطرة عليها .. وهو
ما يذكرنا بالصراع على السلطة
بين حافظ الأسد وأخيه رفعت
وبالسيناريو الذي وضعه رفعت
لقصف مدينة دمشق بشكل عشوائي
وعنيف ومدمر لكي تركع له دمشق
وسائر أسدستان وتبايعه
ديكتاتوراً سفاحاً جديداً
عليها ..ولكن ولله الحمد لم تجر
الأمور كما خطط لها السفاح رفعت
رغم أن النية المبيتة لتدمير
دمشق كانت موجودة .
طبعاً أثناء عرض
الوثائقي عن أفغانستان تطرق
الفيلم لزراعة المخدرات
وتصنيعها وتصديرها وهو ما
عهدناه من كبار ضباط الجيش
العقائدي الذين امتهنوا بدورهم
زراعة المخدرات في لبنان
وتصنيعها وتصديرها ؟ أيضاً
شاهدنا نتائج الفوضى العارمة
التي حلت بأفغانستان إذ استأثر
كل زعيم حرب بمنطقة نفوذ محددة
وبمنافذ حدودية خاصة به يتم عن
طريقها تهريب السلع والبضائع
والمخدرات مع بلدان الجوار ..
كما حصل مع جميل ورفعت الأسد
وأبنائهم حتى وقت قريب حيث
أنشئوا الموانئ الغير شرعية في
مناطق نفوذهم لتهريب السلع
والبضائع والمخدرات ؟؟
وتستولي طالبان على
السلطة وتبدأ بفرض أفكارها
وعقيدتها بالقوة على الأفغان
فنشاهد مناظر ضرب النساء علناً
في الشوارع لعدم ارتدائهن
للحجاب وأيضاً اعتقال
المواطنين الأفغان وضربهم
وتعذيب ممن تثبت عليه تهمة
سماعه لأغنية أو مشاهدته لفيلم
.. وهو أيضاً ما فعله النظام
الأسدي من فرض ٍلأفكاره وعقيدته
بالقوة على المجتمع فأخذ بنزع
الحجاب علناً في شوارع دمشق
واعتقال من تثبت عليه تهمة
الصلاة أو ارتياد المساجد ؟؟؟
واحتضنت طالبان
تنظيم القاعدة لتوافقه معها في
الفكر والتوجه وبطشت بخصومها
المعارضين لأفكارها .. مثلما
احتضن النظام الأسدي عدداً غير
محدود من المنظمات الفلسطينية
واللبنانية والعراقية
المتوافقة معه في الفكر والتوجه
وبطش أيضاً بقسوة بجميع معارضيه
؟؟ واغتال نظام طالبان بمساعدة
حلفائهم في تنظيم القاعدة أحمد
شاه مسعود زعيم تجمع الشمال
المعارض الأخطر على طالبان ..
كما اغتال الأسديون الرئيس رفيق
الحريري الزعيم اللبناني
والمعارض الأخطر للنظام الأسدي
بمساعدة من حلفائهم اللبنانيين
؟؟
وتدمّر طالبان
تمثال بوذا العملاق في باميان
وتكسّر الآثار في المتاحف..
ويدمر الأسديون الأحياء
التاريخية في حماة وحلب وسرمدا
ويهربون الآثار لبيعها في
الخارج ؟؟ ويغلق الطالبانيون
الإذاعة والتلفزيون الأفغاني
ويدمرون محتواه ليزيدوا من عزلة
شعبهم وجهله .. وياليت الأسديون
أغلقوا إذاعتهم وأبواقهم بدل أن
يسخروها للتطبيل والتزمير لهم
قبل أن يسمحوا كارهين لشعبهم
بتركيب الهوائيات الفضائية دون
الحاجة لموافقة أمنية وهي تهمة
كانت من قبل تودي بصاحبها في
غياهب السجون ؟؟ وتحكم طالبان
قبضتها بقوة على الاقتصاد
الأفغاني مما يزيد من معاناة
الشعب وفقره .. ويُحكم الأسديون
أيضاً قبضتهم على الاقتصاد
السوري لتزداد المعاناة والفقر
حتى أصبح المواطنون يبحثون عن
لقمة عيشهم بين القمامة ؟؟
وينحدر مستوى العلم والتعليم في
أفغانستان وتُغلق الجامعات
والمعاهد ليقتصر العلم
والتعليم فقط على المعاهد
الدينية والشرعية ويشترط على
الطلاب انتسابهم لطالبان ..
وينحدر مستواه أيضاً في أسدستان
حتى أصبح الأستاذ الجامعي يرتشي
بخاروف !! ويُغلق الكثير من
المعاهد الدينية والشرعية
وُيشترط على طلاب المعاهد
الباقية انتمائهم لحزب البعث
كشرط رئيسي لقبولهم فيها ؟؟
وتزداد الأمور سوءً
لطالبان بعزلتهم عن محيطهم
الإقليمي والعالمي وعدم اعتراف
المجتمع الدولي بنظامهم
باستثناء قطر وباكستان .. وهو
نفس ما نلحظه لدى النظام الأسدي
الذي أصبح معزولاً في محيطه
باستثناء كوريا الشمالية
وإيران !!
وكنتيجة طبيعية لكل
ما تقدم فلم يعد هناك من فارق
بين الجوع والفقر والبؤس
والحرمان البادي على وجوه
الأفغان وبين الجوع والفقر
والبؤس والحرمان البادي على
وجوه السوريين وكذلك الأمر
بالنسبة لمشاهد الأحياء
السكنية في كابول ومثلها في
دمشق حيث الطرقات المليئة
بالحفر وأسلاك الهاتف
والكهرباء التي تحجب ضوء الشمس
عن الأزقة المتعفنة وجدران
البيوت المتصدعة ناهيك عن
اللافتات والصور والشعارات
والعناصر المسلحة والدوريات
الأمنية التي تجوب الشوارع هنا
وهناك .
وإذا كان من الممكن
التماس بعض العذر فيما حصل
للأفغان فهم أولاً بلد مغلق لا
بحر له وفقير جداً بموارده
الطبيعية وسكانه أكثر عدداً من
سكان سوريا ومساحة أرضه
الزراعية محدودة وأنهاره قليلة
بل هي نهر واحد دائم الجريان في
شمالي البلاد ومصانعه ومنشآته
السياحية معدومة وشعبه قليل
التعليم والثقافة وبيئته قبلية
ٌمغلقة وحضارته الغابرة تكاد
تكون عديمة التأثير في الحضارة
الإنسانية .. أما ما حصل في سوريا
فلا يمكن إيجاد مبرر واحد منطقي
لهذا التردي الشامل والعام على
جميع الأصعدة حتى أصبحنا نقارن
بلدنا بأفغانستان !!! فسورية مهد
الحضارات وفيها اكتشفت أول
أبجدية في التاريخ ودمشق أقدم
مدينة مسكونة في التاريخ ومساحة
سوريا الزراعية وتعدد أنهارها
وكثرة موانئها وثرواتها
الباطنية ومنشآتها الصناعية
والسياحية لا يمكن مقارنتها ولا
بشكل من الأشكال بأفغانستان أما
سكانها فقد احتكوا وتعايشوا مع
الأمم والحضارات التي مرت على
أرض سوريا عبر التاريخ الغابر
فتأثروا وأثروا في الحضارة
الإنسانية ولعل دولة الأمويين
خير دليل تاريخي قريب على ذلك ..
ولم يشهد التاريخ السوري في أي
مرحلة من مراحله احتقاناً أو
اقتتالاً طائفياً أو قومياً أو
عرقياً إلى أن جاء عهد الأسود
الملهمين والمنزلين والمؤتمنين
على حاضر الأمة ومستقبلها ؟؟
فدمروا كل شيء ابتداءً من القيم
والمبادئ والأخلاق مروراً
بالثقافة والعلم والتعليم إلى
تدمير الاقتصاد المبرمج ونهب
المال العام واستباحة دماء
المواطنين وخنق الحريات وزرع
الأحقاد وانتهاءً بإيصال بلدهم
إلى شفير هاوية الاقتتال
الطائفي ؟؟؟؟ وبالمقارنة مع
القادة المغول هولاكو
وتيمورلنك ولإنصافهم فإن
التاريخ يشهد بأنهم لم يذبحوا
أو يدمروا أو ينهبوا أو
يستبيحوا دم وأعراض وأموال
السوريين بالقدر الذي فعله
الأسديون علماً بأن هولاكو
وتيمورلنك غزاة أجانب محتلين
وليسوا مواطنين سوريين كأسياد
المافيا الأسديين والذين لم
يكتفوا بكل ما فعلوه بل وباعوا
أرضهم أيضاً للإسرائيليين ؟؟
ليأتي بعدها الملهم بشار
ويحدثنا عن المبادئ والثوابت
والصمود والأنصاف ؟؟؟
بقي أخيراً أن أذكر
سيناريو إسقاط حكومة طالبان
والذي تم على يد الأمريكان فهل
يا ترى يكرر التاريخ نفسه في
أسدستان ؟؟؟ وهل من المفترض أن
ننتظر الدبابة الأمريكية
لنستنشق نسيم الحرية ؟ علماً
بأن الدبابة الأمريكية لم تحمل
أبداً في تاريخها للشعوب
المقهورة نسيم الحرية .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|