لا
أوهام في جاهزية النظام السوري
لأي
حرب قادمة مع إسرائيل
الطاهر
إبراهيم*
عندما يكتب سوري -معارض أو غير
معارض- مقالا يؤكد فيه أن النظام
السوري ليس في وارد أن يشن حربا
على إسرائيل، بل لا يستطيع
الصمود في وجه أي عدوان
إسرائيلي على الأراضي السورية،
فإن هذا الكاتب يصبح خارج دائرة
الوطنية في نظر إعلام النظام
ومنظريه الذين يوزعون الوطنية
على الآخرين. وما يجعلنا نعتقد
أن النظام السوري غير مؤهل لحرب
استباقية أو دفاعية مع إسرائيل
هو أن الانقلابات التي كانت في
كل مرة تطيح بالشرعية
والديموقراطية في سورية –وانقلاب
الحركة التصحيحية الذي جاء
بحافظ أسد إلى السلطة عام 1970واحدا
منها- كان المقصود منها هو "شخصنة"
الحكم أكثر منها تصحيح الأوضاع
الفاسدة، ما يعني أن
الانقلابيين يهمهم بالدرجة
الأولى أشخاصهم ولو كان من
بعدهم الطوفان. وعندما يتقزم
الهدف ليصبح في الكرسي الذي
يجلس عليه الحاكم، يسهل على
طالب السلطة طلب المعونة من
السفارة الأمريكية في دمشق.
انقلاب آذار عام 1963،الذي أتى
بحزب البعث إلى السلطة، تبعه
عدة انقلابات داخلية كلها كانت
تؤطر لصالح إبعاد سورية عن
مواجهة إسرائيل. فانقلاب 23 شباط
عام 1966 الذي أطاح بمؤسسي حزب
البعث، دعاة فكرة القومية
العربية "ميشيل عفلق ، صلاح
البيطار..." ،ما يعني ،حكما،
التخلي عن هذه الفكرة التي ترفض
–حسب شعارات المؤسسين- الوصاية
الأمريكية. غير أن نقطة الضعف
التي هبطت بأسهم "الشباطيين"
عند أمريكا، أنهم يساريون أكثر
مما ينبغي، ما يجعلهم أقرب
للاتحاد السوفييتي منها. هذا
السبب، وإن كان هامشيا عند
واشنطن قياسا بهدفها الأهم وهو
حماية إسرائيل من خطر وصول
الإسلاميين إلى السلطة، إلا أنه
كان كافيا لديها لتقف ضد أي نظام
يدور في غير فلكها. وعلى هذا
الأساس استبعدت من حساباتها
اليساري "صلاح جديد" وفضلت
عليه "حافظ أسد" الذي كان
مستعدا للتفاهم مع واشنطن على
ترتيب أوضاع المنطقة وفق
أجندتها مقابل وصوله للسلطة.
وهكذا كان حيث جاء "حافظ أسد"
إلى السلطة، مع أنه لم يؤيده إلا
أربعة من بين ثمانين عضوا من
أعضاء المؤتمر القومي لحزب
البعث الذي انعقد في نوفمبر 1970 .
قد يقول قائل: إنها لنظرية
متهالكة، تلك التي تزعم بأن
مجيء "حافظ أسد" عام 1970 إلى
السلطة كان بترتيب من أمريكا
لإنهاء حالة الصراع مع إسرائيل!
وهل يوافق ذلك اشتراكه مع
الرئيس "أنور السادات" في
شن حرب تشرين أول "أكتوبر"
التحريرية عام 1973 ضد إسرائيل؟
لكن مروحة الأحداث التي تعاقبت
على سورية منذ جاء "حافظ أسد"
إلى السلطة تؤكد ما ذهبنا إليه
ابتداء بحرب أكتوبر عام 1973
،مروراً بدخول الجيش السوري
لبنان عام 1976 بموافقة من واشنطن.
وليس آخرها ذهاب الجيش السوري
ليحارب العراق تحت راية أمريكا
عام 1991 . وقد حوت أجندة التعاون
مع واشنطن أحداثا أخرى تطرقنا
إليها في أكثر من مقال سابق،
ونشير إلى بعضها ليتضح الأمر
أكثر لدى الذين لم يعايشوا تلك
الأحداث التي حرفت سورية عن
خطها الوطني الذي ابتدأ بعهد
الاستقلال.
فهزيمة حزيران عام 1967 التي أدت
إلى ضياع الجولان ألقت بظلالها
القاتمة على النظام السوري.
ولأن حافظ أسد كان وزيرا للدفاع
أثناء تلك الحرب، فقد حُمِّل –حكوميا
وشعبيا- النصيب الأكبر من تلك
الهزيمة. لذا اعتقد أن اشتراكه
في حرب أخرى -وفق حساباته- ضد
إسرائيل سيدحض تلك الإشاعات،
وسيرفع من أسهمه شعبيا، سيما
وأنه أصبح رئيسا للجمهورية. ما
لم يكن في حسبانه، أن تنتهي حرب
أكتوبر -كما انتهت حرب حزيران-
بهزيمةٍ جديدة وضياع أراضٍ
جديدة، خسرت فيها سورية أكثر من
ثلاثين قرية بين "خان أرانبة"
جنوبا و"كناكر" شمالا (25
كيلومتر جنوب دمشق). تمت هذه
الهزيمة في وقت كان فيه الجيش
المصري يقف ندا لجيش إسرائيل
ويخوض حرب دبابات طاحنة في
صحراء سيناء معه، بشهادة مراسل
إذاعة لندن الذي شبهها –ولا
تزال كلماته حتى الساعة ترن في
أذني- بمعارك الدبابات في الحرب
العالمية الثانية، هذا أولا.
وثانيا ولمن لا يعلم أيضا، فقد
كان أهم بند في بنود اتفاقية فك
الارتباط -أعيدت فيها مدينة "القنيطرة"
المدمرة إلى سورية- عام 1974، هو
الوقف النهائي لأي عمليات
فدائية قد تتم عبر الحدود، وإلا
سيكون الثمن هو احتلال دمشق، أي
إسقاط النظام الحالي.
وإذاكان "السادات" بمعاهدة
"كمب ديفيد"، وافق على
إنهاء حالة الحرب بين مصر
وإسرائيل مقابل إعادة سيناء
منقوصة السيادة إلى مصر، فإن
"أسد" وافق على إنهاء حالة
الحرب مع إسرائيل مقابل إطلاق
يده في لبنان، وأن تغض واشنطن
نظرها عن تغييب الحريات والقمع
والتنكيل بالشعب السوري. وإذا
كانت موسكو مستعدة دائما لفتح
مستودعاتها لبيع دبابات تم
وضعها خارج الخدمة إلى سورية،
فإن ذلك كان تحت مراقبة واشنطن
التي كانت مستعدة لوقف شحنات
القمح الأمريكي إذا باعت موسكو
أسلحة متطورة لسورية. على أن
واشنطن
كانت تغض النظر عن صفقات دبابات
متطورة لصالح وحدات مكلفة حماية
النظام من أي انقلاب يقوم ضده،
مثل سرايا الدفاع التي كان
يقودها شقيق الرئيس "رفعت أسد"،
ثم لألوية الحرس الجمهوري بعد
طرد "رفعت" من سورية وتفكيك
ألوية سرايا الدفاع.
ما أثار دهشة المواطن السوري،
تصريحات جنرالات الحرب
الإسرائيليين عن إمكان قيام حرب
جديدة مع سورية، ، وربما فسرها
بأنها تلميع للنظام السوري لا
أكثر ولا أقل. وإلا فما تزال
القيادة الإسرائيلية ترفض رغبة
إدارة "جورج بوش" في تغيير
النظام، طالما أن القيادة
السورية تحترم بنود اتفاقية فك
الارتباط التي رعاها "هنري
كيسنجر".
ومن جهة أخرى ففي جو الشعور بأنه
لا حرب مع إسرائيل الذي ساد
الوحدات العسكرية السورية، فقد
انصرف الضباط إلى تنمية مواردهم
بسبب ضآلة رواتبهم، لتغطية
العجز في مصروفاتهم. وقد راجت
تجارة "الشنطة" عبر لبنان
حيث كان يتم تغيير الفرقة
العسكرية الموجودة فيه كل فترة.
وقد أصبح أمرا مألوفا أن يقوم
قادة وضباط الألوية والكتائب
وحتى السرايا بفرز عدد من
الجنود للخدمة في بيوتهم أو
مزارعهم، أو لإكمال بناء شقق
اشتروها على "العضم". كما
أن بعضا من الضباط كان يترك
أصحاب المهن من جنودهم للعمل في
مهنهم المدنية، مقابل دفع جزء
من واردهم لهؤلاء الضباط.
على أن أكثر ما يدعو للأسى والحزن
أن يقوم قادة الوحدات العسكرية
بالسطو على ثمن ما يخصص لإطعام
العساكر. ولذا أصبح المجندون
الذين يؤدون الخدمة الإلزامية
يطلبون من أسرهم تأمين نفقات
طعامهم وإلا جاعوا. قبل هذا
العهد "الميمون"، وحتى
أواخر سبعينيات القرن العشرين
كانت مطابخ الوحدات العسكرية
تطبخ للجنود طعاما كافيا وجيدا.
فإذا كانت هذه صورة مصغرة لحال
الجندي السوري، فكيف يطلب منه
وهو جائع القتال،لا ليسترد
الجولان فحسب بل دفاعا عن
الحدود الحالية؟ العسكري
الجائع والذي تهدر كرامته من
شتائم الضباط لا يدافع عن حدود
الوطن. والمواطن الذي أهدرت
حريته وكرامته لن يذرف الدموع
إذ رأى قادة النظام يتخبطون لا
يدرون ماذا يفعلون، لسبب بسيط
هو أنه لم يبق في عيونه دموع
يذرفها بعد أن جفت من بكائه على
أحبابه الذين قضوا سنين طويلة
في سجون ومعتقلات النظام
المستبد. ولن يدافع عن الوطن
الذي أصبح مزرعة لفئة قليلة من
الضباط والعائلات التي تحتكر
قوت المواطن وتسلبه خيرات وطنه.
الجندي الجائع لا يقاتل عمن
سلبوه قوته وأهانوه، والمواطن
الذي وضع على هامش الوطن، لن يقف
خلف الذين ألغوا وجوده السياسي
والمجتمعي. كل ذلك تدركه
القيادة السياسية السورية
وأكثر منه ، لكنها لا تستطيع
معالجته، لأن هذه القيادة جزءٌ
من هذه المشكلة.
والخلاصة،
فلا أوهام عند المواطن السوري
تجعله يصدق أن القيادة في دمشق
يمكنها أن تُقْدِم على أي تصرف
يثير غضب جنرالات إسرائيل. بل
إنها لا تفتأ تتقدم بالمبادرة
تلو المبادرة تستجدي عودة العدو
الصهيوني إلى مفاوضات السلام.
الرئيس السوري يؤكد، في كل مرة،
سعي النظام إلى السلام الدائم
والشامل مع إسرائيل وأنه ما
يزال يسعى إليه. وإلا كيف يفسر
لنا "المصفقون الجدد"،
إحجام النظام السوري عن فتح
جبهة الجولان لمجموعات فدائية
كانت مستعدة للقيام بعملياتها
وراء خطوط العدو الإسرائيلي، ما
كان سيخفف الضغوط عن المقاومة
اللبنانية في حرب تموز الماضية؟
ليس بالشعارات وحدها تنتصر الأمم!!!!
*كاتب سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|