ومَن
لايكرّم نفسَه لايكرّم
أدبيات
سياسية
عبدالله
عيسى السلامة
قال الشاعر الجاهلي ،
زهير بن أبي سلمى ، في معـلّقـته:
ومَنْ يَغتربْ يَحسَبْ عَـدوّا
صديقَه
ومَنْ لايكرّمْ نفسَه
لايكرّمِ
والغربة أنواع .. لعلّ
أكثرَها لم يخطر في بال الشاعر،
حين قال قصيدته هذه..!
والتكريم أنواع .. ونحسب
أكثرها غاب عن ذهن الشاعر كذلك ،
بل رّبما لم يكن يتخيله أصلاً..!
* ومن أنواع الغربة ،
التي لا نحسبها خطرت في بال
الشاعر نوعان ، سنكتفي بهما في
هذا المجال:
- الغربة عن الله عـزّ
وجلّ .. وهذه أخطرها وأقساها ،
وأكثرها تشتيتاً لقلب المرء
ولبّه، وإضاعةً لِمعالِم الحقّ
والباطل ، والخطأ والصواب ،
والخير والشر.. في ذهنه ! فما
أكثر ما يَرى الحقّ باطلاً ،
والباطلَ حقّـاً ، والخطأ
صواباً ، والصوابَ خطأ ،
والخيرَ شراً ، والشرّ خيراً ،
والعـدوّ صديقاً ، والصديقَ
عدواً.. ! ونراه يتبع أشدّ أعدا
ئِه خطَراً عليه ، حتى دون أن
يراه ، وهو يَعـلم أنه هو! لأنه
يزيّن له أموراً واضحاً فيها
السوء ، فاقعاً فيها الفساد..(
إنه الشيطان !).
كما
نراه يترك صحبة الأخيار من
البشر ، ويفرح بصحبة الأشرار،
الذين يزينون له الضلال ،
ويصدّونه عن سبل الهدى والرشاد
، متوسّماً فيهم الإخلاص وحب
الخير له..!
وكما ينطبق هذا النوع من
الغربة على الأفراد ، ينطبق في
كثير من الأحيان، على التجمّعات
من قبائل وأحزاب وشعوب .. فنراها
تحب أعداءها، وتعجب بهم، وتقتدي
بهم، حتى لو دخل أولئك الأعداء
في جحر ضبّ، لدخل هؤلاء
التائهون الضائعون خلفهم ..!
ونحسب الواقع الحيّ الصارخ، في
عالمنا الذي نحيا فيه، أوضح من
أن يحتاج إلى دليل أو برهان..!
_ الغربة عن النفس : وهذه
تأتي في الدرجة الثانية، من حيث
الخطورة على الإنسان..
فإذا اغـتربَ المرء عن
نفسه، أضاعَها، أو أضاعته..! فلا
يَعرف لها قدْراً، ولا هدفاً،
ولا طريقاً ، ولا معـنى ..! فيظلّ
ذهنه وعاءً فارغاً أبداً،
يستقبل كلّ فكرة صالحةٍ أو
فاسدة، خيّرةٍ أو شرّيرة..!
ويتبع كلّ من يبتسم في وجهه، دون
أن يدري أهو صالح أم فاسد، حسن
أم سيّء .. سيقوده إلى ما ينفعه
أم إلى مايضرّه، سيَهديه سبيلَ
الحقّ، أم سبيل الضلال..!؟
وهذا ممّا نراه كثيراً
في عالمنا كذلك.. وفي سائر
المجالات، السياسية،
والاجتماعية، والثقافية. وحسبُ
المرء أن يلقي نظرة على مايموج
حوله، مِن صَرعات فنّية، أو
أدبية، أو سياسية، أو حتّى في
مجال اللباس والطعام والشراب ـ
وكلّها، أو جلّها واردة مستوردة
، من بلاد بلَغ فيها الفساد
والضلال أ قصى مَدى ـ .. ليَرى
الضائعين، الغرباءَ عن أنفسهم،
يتسا قطون في مَهاويها المهلكة،
كما يتساقط الفراش في النار، أو
الذباب في وعاء من الحلوى
المسمومة ..!
أيحتاج الأمر إلى ذكر
أمثلة أو نماذج ، ممّا هو سائد
من ألوان الرقص والغناء، و(الفيديو
كليب) ، و(السوبر ستار) ..!؟ أو من
أنواع الفنّ الحديث، والأدب
الحديث، ممّا تلتهمه الأجيال (
الحديثة !) فيلتهم عقولَها
وقلوبَها بِ( حَداثة!) مدمّرة
نادرة ..!؟ نحسبنا في غنى عن هذا
..!
أما
السؤال الذي لاغـنى عن الإجابة
عليه، فهو ذاك المتعلّق
بالتكريم، الوارد في بيت زهير
أعلاه، وهو: مَن يكرّم هؤلاء
الناس ( المغتربين ) الذين
غرّبوا أنفسهم عن عمد وتصميم،
وبزهو وفرح.. غرّبوها عن خالقها،
وعن ذواتها..!؟
* مَن يكرّم الحكّام
الذين استهانوا بكرامة شعوبهم!؟
-
هل تكرّمهم شعوبهم، التي سحقوها
بالقهر والتجويع والإذلال!؟ (
ومعـلوم بالطبع، لدى الشعوب
وحكّامها، أن فـنون النفاق
والتزلف، لاتدخل في باب
التكريم، لأنها عمليات خداع ،
يمارسها المنافقون مع الحكّام،
رغَـباً ورهَباً.. ويَعرفها
الحكّام منهم، ويَطربون لها..!
وهي أقرب إلى التحقير المتبادل
منها إلى التكريم، في نظرأصحاب
النفوس الأبيّة والطباع
السويّة..!).
- أم تكرّمهم حكومات
الدول الأجنبية، التي يتذلّلون
لها، ويحكّمونها في مصائر
أوطانهم وشعوبهم..!؟
* ومن يكرّم الشعوب :
- هل يكرّمها حكّامها
الذين استعبدوها، وخضعتْ لهم،
وهي تقرأ في تاريخها عزّة
المؤمنين في مواجهة حكّامهم..
وترى في حاضرها كيف تتعامل شعوب
الأرض الحيّة مع حكّامها..!؟
- أم تكرّمها شعوب
العالم، وهي ترى ماتعاني منه،
من ذلّة واستعباد في بلادها،
ساكنةً خانعةً مستسلمةً..!؟
كلاّ..
لقد قال شاعرآخر، يحمل بين
جنبيه عـزّة المسلم وأنَفَة
الرجل الأبيّ:
إذا أنتَ
لمْ تَعرفْ لنفسكَ حَقّها هَواناً
بِها، كانت على الناسِ أهْـونا
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|