ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 06/11/2006


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ القضية الكردية

 

 

   ـ أبحاث    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

لعبة الثلاث ورقات والرهان الخاسر

أ.د. محمد اسحق الريفي

صعود التيار الإسلامي في فلسطين، ممثلا بحركة المقاومة الإسلامية "حماس" وحركة الجهاد الإسلامي، وتعاظم شعبية حماس ونفوذها، وتصاعد المقاومة الإسلامية ضد الاحتلال، أجبر حكومات الاحتلال على التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية وتوقيع اتفاقيات أوسلو، في محاولة للتخلص من نفوذ حماس والحد من انتشار ظاهرة المقاومة الإسلامية.

وبمقتضى اتفاقية أوسلو، تمكنت قيادات وكوادر تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وعلى رأسها عدد من قيادات حركة فتح، من القدوم من أبعد نقطة وصل إليها الثوار والمقاتلون الفلسطينيون بعد خروجهم من بيروت عام 1982م إلى قلب فلسطين.  لم يأت هؤلاء الثوار والمقاتلون إلى فلسطين محررين أو فاتحين، وإنما جاءوا وفق شروط الاحتلال وإملاءاته، ليشكلوا سلطة حكم ذاتي معدومة السيادة، سميت "السلطة الوطنية الفلسطينية"، وأوكل إليها الاحتلال مهمة رعاية بنود اتفاقية أوسلو التي تقتضي على السلطة وأجهزتها التعاون الكامل مع الاحتلال والتنسيق الأمني معه، والتزامات أخرى كثيرة يندى لها الجبين.  لقد جاءوا شركاء للاحتلال في محاولة إيجاد حل للمشكلة الفلسطينية بما يتفق مع المشروع الصهيوني والرؤية الأمريكية والأوروبية لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط.

وكان يوني بن مناحم، المراسل السياسي لتلفزيون الاحتلال، مواكباً لمشهد استعداد المقاومة الفلسطينية للقدوم من تونس وغيرها من البلاد العربية إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، وراقب عن كثب أوضاع المقاتلين الفلسطينيين الذين غادروا بيروت بعد حصارها الطويل إلى أطراف العالم العربي، وذلك برعاية بعض الحكومات العربية وضماناتها بعدم مساس الاحتلال بالمقاومة الفلسطينية أثناء مغادرتها للبنان.

استطاع هذا الصحفي اليهودي، الذي يعمل في الموساد، أن يقرأ ملامح وجوه المقاتلين الفلسطينيين، وما قاموا به من استعدادات للعودة إلى فلسطين، ليجد أنهم قد عزموا أمرهم على الذهاب إلى فلسطين.  وسجلت كاميرا ذلك الصحفي مشاهد منازل الفلسطينيين المناضلين في تونس وهي تخلو من الأثاث والعفش بعد بيعها وحزم حقائبهم وأمتعتهم قبل السماح لهم بالتوجه إلى فلسطين، وكل ذلك الاستعداد كان قبل الانتهاء من توقيع اتفاقية أوسلو.  وبمواكبة ذلك الاستعداد عاد عدد ممن كانوا في عداد المطلوبين للاحتلال في ذلك الوقت من ليبيا وتونس وغيرها إلى غزة تمهيدا للعودة التي انتظرها الفدائيون بفارغ الصبر.

كانت مهمة أوسلو تقتصر على قمع الانتفاضة الفلسطينية، وإدارة الاحتلال، والزج بالمقاومين الفلسطينيين في السجون وملاحقتهم ومنعهم من الوصول إلى أهدافهم، ووقف ما دأب الاحتلال على تسميته "العنف" و "الإرهاب" الفلسطيني، وتفكيك الفصائل الفلسطينية المسلحة، والبت في عملية إنهاء القضية الفلسطينية طبقاً لشروط الاحتلال والدول الراعية لسلطة أوسلو.  ولا يزال قادة الاحتلال حتى هذه اللحظة يبررون اعتداءاتهم وجرائمهم المتكررة ضدنا بأنهم "يقومون بما عجزت عنه سلطة أوسلو من مهام أوكلت إليها وصادقت عليها". 

لم تنجح سلطة أوسلو في القيام بمهامها التي أوكلها إليها الاحتلال، ولم تحقق الهدف من وجودها، الأمر الذي دفع الاحتلال إلى اتخاذ إجراءات محدودة ضد مباني السلطة ومقرات بعض أجهزتها، ومع استمرار المقاومة وعجز السلطة عن قمعها وكبح جماح الشعب، تطور الأمر إلى محاصرة الرئيس الراحل ياسر عرفات، لدفع السلطة إلى تصعيد إجراءاتها ضد فصائل المقاومة، ولإشعال شرارة الحرب الأهلية التي يطمح إليها الاحتلال ورفضها الرئيس الراحل أبو عمار.

وبعد قدوم أبو مازن للسلطة، كان الخلل في توازن القوى لصالح حماس والمقاومة عاملاً حاسماً في عدم خوض السلطة لتلك الحرب والمغامرة على وجودها.

ولم يتوان الاحتلال لحظة واحدة عن زج الشعب الفلسطيني في أتون حرب أهلية، لتحرق الأخضر واليابس، وتقضي على طموح الشعب الفلسطيني وإنجازاته وتضحياته، فأقدمت جهات رسمية في السلطة الفلسطينية بتوجيهات من الاحتلال على ارتكاب مذابح فردية وجماعية في أكثر من زمان ومكان ضد أبناء الشعب الفلسطيني، لكن صبر الحركة الإسلامية، وحكمتها، أفشل الخطط الرامية إلى إشعال الاقتتال الداخلي.  واستمرت حماس في برنامجها المقاوم وازدادت شعبيتها وظهرت سوءة أوسلو لكل أطياف الشعب الفلسطيني، باستثناء المأجورين منهم والمغفلين، فسقطت من قلوب أحرار الشعب وشرفائه، كما أنها فشلت على أرض الواقع.

لم تجد الولايات المتحدة والاحتلال بداً من تجربة جر حماس إلى الحلبة السياسية وجهاً إلى وجه مع المجتمع الدولي الظالم الذي واجه الحركة على عدة جبهات: اقتصادية، وسياسية، ودبلوماسية، وعسكرية، وإعلامية... وظن المجتمع الدولي بذلك أن الشعب الفلسطيني ستخور قواه وتنكسر إرادته نتيجة الحصار الظالم والتجويع وإرهاب الاحتلال، فلم ينحن شعبنا المصابر والمرابط تذللاً وتوسلاً للولايات المتحدة التي منعت وصول المساعدات إليه.

لم يفعل الشعب ما يريده المجتمع الدولي من استسلام ورضوخ لإملاءات الاحتلال ولن يفعل ذلك أبدا... فقد قطع شعبنا العهد، أمام الله تعالى، على نفسه ألا يستسلم.  ولم يعد أمام المجتمع الدولي والاحتلال إلا التآمر على الشعب الفلسطيني وحكومته الشرعية بطريقة تجعله يقف حائراً بين ثلاث خيارات بعضها أمر من بعض: سقوط الحكومة وعودة سلطة أوسلو ومن ثم سقوط آمال الشعب بالإصلاح والتغيير والتحرير، أو التنازل عن الحقوق والثوابت وإنهاء القضية الفلسطينية إلى الأبد وعلى يد حماس، أو الدخول في حرب أهلية قاسية ومدمرة.

حماس لا تسعى للسلطة ولا تتنازع عليها، بل هي في صراع مرير مع الاحتلال، وقد علق شعبنا أمالاً عريضة على حماس في حماية مقدراته وتحقيق طموحاته، ولو كانت السلطة هدفاً لحماس لانصاعت الحكومة الفلسطينية لشروط المجتمع الدولي ونالت رضاه حتى يحظى رئيس الحكومة والوزراء والنواب بما يسمى بالشرعية الدولية، فتتدفق عليهم أموال الدول المانحة، ويطيرون إلى عواصم البلاد العربي والغربية، بدلاً من أن يلاحقوا ويطاردوا ويهددوا بالتصفية والاغتيالات ويعتقلوا ويحاصروا ويعزلوا ...

إن الصراع مع الاحتلال هو الميدان الحقيقي للتنافس على خدمة القضية الفلسطينية والعمل على تحقيق المصالح العليا للشعب الفلسطيني، أما الاستجابة لإملاءات الاحتلال ومحاولته جر الشعب إلى الاقتتال، فلن يقدم الشعب الفلسطيني قيد أنملة باتجاه نيله حقوقه وتحقيق مصيره، بل سيحطم الاقتتال آماله.  لذلك على الشعب أن يفوت الفرصة على الاحتلال بعدم الانجرار وراء ما يسعى إليه من اندلاع حرب أهلية.

المنطق يقول أن هذا لا يتم إلا بتعزيز الجبهة الداخلية، بالتفاهم واللجوء إلى الحوار طريقا وحيداً لفض الخلافات والنزاعات، وهناك آليات كثيرة تملكها فصائل وقوى شعبنا لتحقيق هذا الحوار والتفاهم، على أساس تحقيق مصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه وثوابته، لا على أساس المطالب والضغوط الخارجية وإملاءات الاحتلال والمجتمع الدولي.  وهذا يحتاج إلى عمل دأوب وجهود مضنية، للمحافظة على مصالح الشعب الفلسطيني وعدم الانجرار إلى الاقتتال الأهلي، وحكومة ائتلاف تمثل قوى الشعب الفلسطيني وتحمل طموحات وآماله هي الحل الأمثل لتحقيق ذلك.

وعلى كل الجهات التي تقف في وجه الحكومة الفلسطينية أن تعلم جيداً أن سقوط الحكومة الفلسطينية لن يحل مشكلة الاحتلال، ولن يعيد لفتح مجدها وشعبيتها وسلطتها، ولن يضعف حماس، ولن يثني الشعب الفلسطيني عن مواصلة مسيرته، رغم قسوة الاحتلال وشراسته وإجراءاته الإجرامية.

وحيث أنه بات من المؤكد لشعبنا أنه لا يوجد في الأفق أي حل عادل للقضية الفلسطينية، طالما بقي الاحتلال واستمر المجتمع الدولي في انحيازه له، فعلى شعبنا أن يعلم أنه ليس أمامه إلا الصبر والثبات، والتوكل على الله عز وجل، ورص الصفوف، والاستعصاء على محاولات كسر إرادته، وتطوير الثقافة الفلسطينية بطريقة تضمن عدم الاقتتال الداخلي واندلاع حرب أهلية.

وبهذا سيخسر الاحتلال، والولايات المتحدة، وحلفاؤها، والاتحاد الأوروبي، الرهان على الاقتتال الداخلي، ولن تجدي الاحتلال لعبة الثلاث ورقات التي يريد بها إنهاك قوى شعبنا.

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ