ـ |
ـ |
|
|
|||||||||||||||
مراجعة
إستراتيجية في السياسة
الأميركية؟ صبحي
غندور* يبدو أنّ الإدارة
الأميركية قد حدّدت لنفسها مهلة
شهرين لدراسة الخيارات البديلة
للنهج الذي سارت عليه سياستها
الفاشلة في الشرق الأوسط. فالحرب الأميركية
في العراق تحوّلت إلى مستنقع
سياسي وأمني تغرق فيه السياسة
الأميركية يوماً بعد يوم. والمراهنات
الأميركية على حروب إسرائيل في
فلسطين ولبنان لم تحقّق أيَّ
نجاحٍ عسكري على الأرض وأدّت
إلى نتائج سياسية معاكسة
للأهداف الأميركية. والتهديدات
الأميركية المتواصلة لإيران لم
تؤدِّ إلى تراجع إيراني أو إلى
تضامن دولي مع الدعوة الأميركية
لعزل إيران ومعاقبتها. أمّا الشعارات
التي أطلقتها إدارة بوش عن
الديمقراطية في الشرق الأوسط،
فقد أخمدتها تطوّرات الأوضاع في
المنطقة وحاجة واشنطن الآن
لأولوية الاستقرار الأمني في
العراق وللمواجهة السياسية مع
إيران. وقد انعكس هذا
الفشل الراهن للسياسة
الأميركية في الشرق الأوسط على
الداخل الأميركي حيث زادت فرص
فوز الحزب الديمقراطي بغالبية
أعضاء الكونغرس بعدما تراجع
التأييد الشعبي الأميركي
لإدارة بوش وللحزب الجمهوري
الحاكم، وبعدما خرجت أيضاً
أصوات من داخل حزب الرئيس بوش
تدعو إلى تعديلات في نهج
الإدارة في حربها بالعراق وفي
سياستها عموماً بالشرق الأوسط. ولعلّ التوصيات
المتوقَّع صدورها عن لجنة بيكر/هاملتون
مع نهاية هذا العام هي التي
ستحمل المؤشّرات الجديدة
للتعديلات القادمة في السياسة
الأميركية. لكن قبل الإعلان
عن هذه التوصيات، فإنّ الإدارة
تمهّد حالياً لسلسلة من
المشاورات مع أطراف دولية
معنيّة بالملفّات المتأزّمة في
الشرق الأوسط، إضافةً إلى
لقاءات واتصالات مع أطراف
محلية، للمساهمة في جعل
الخيارات البديلة القادمة أقل
سوءاً على الإدارة وأكثر نفعاً
للحلفاء المحلّيين بالمنطقة،
وللحزب الجمهوري في السنتين
القادمتين حيث تجري معركة
انتخابات الرئاسة الأميركية
عام 2008 وما يرافقها أيضاً من
انتخابات لكلِّ أعضاء مجلس
النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ. ورغم قلّة
الاهتمامات التي أظهرتها وزارة
الخارجية الأميركية تجاه
التحرّك الأسباني المدعوم
أوروبياً من أجل عقد مؤتمر دولي
جديد للشرق الأوسط على غرار
مؤتمر مدريد عام 1991، فإنَّ هذه
الدعوة الأسبانية ليست مجرّد
غيمة عابرة أو أنّها تنطلق من
فراغ، فقد سبقها أكثر من تصريح
لمسؤولين أوروبيين من أجل عقد
مؤتمر دولي ولفتح الحوار
الأميركي المباشر مع كلٍّ من
إيران وسوريا بشأن العراق
والأوضاع الفلسطينية
واللبنانية. حتى في إسرائيل
نفسها، ظهرت تصريحات وكتابات
مباشرة عقب انتهاء الحرب
الأخيرة على لبنان، تدعو إلى
استئناف المفاوضات الإسرائيلية
مع سوريا وإلى تحريك فكرة
المؤتمر الدولي من جديد. بل إنَّ الفقرة (18)
في قرار مجلس الأمن 1701 الذي أدّى
إلى وقف الحرب على لبنان، دعت
إلى العمل من أجل تسوية شاملة في
المنطقة. وقد كان هذا القرار
خلاصة لجملة مواقف أميركية
وفرنسية وبعد مشاورات مع روسيا
والمجموعة الأوروبية ومع الوفد
العربي الذي انتدبه مؤتمر وزراء
الخارجية العرب في بيروت. ومن الواضح أنَّ
الأطراف العربية تجد مصلحة
كبيرة في عقد مؤتمر دولي ينهي
الصراع مع إسرائيل على الجبهات
اللبنانية والسورية
والفلسطينية، أو يعيد في الحدّ
الأدنى الروح إلى عملية التسوية
السياسية لأزمات المنطقة بعدما
"تعسكرت" التطورّات في
الأراضي الفلسطينية ولبنان
وتراجعت دعوات السلم والتطبيع
مع إسرائيل لصالح تيَّار
المقاومة المسلّحة للاحتلال. إنَّ الإدارة
الأميركية كانت طبعاً – ولا
تزال - تعتبر أنَّ
الأولوية في سياستها بالشرق
الأوسط هي للحرب على العراق،
لكن المواجهة السياسية
الأميركية المفتوحة مع إيران
جعلت واشنطن تتخبّط في سياستها
تجاه الأزمات الأخرى بالمنطقة. كانت واشنطن
تراهن على أنَّ إخراج سوريا
عسكرياً وسياسياً من لبنان،
ثمَّ عزل حركة حماس في فلسطين،
ثمَّ الحرب الإسرائيلية على حزب
الله وكلِّ لبنان، ستؤدّي كلّها
إلى إضعاف إيران بالمنطقة
وعزلها، ومن ثمَّ إلى إمكان
إضعاف نفوذها في العراق،
والتمهيد ربّما لمواجهة محدودة
معها إذا لم تتراجع هي ذاتياً،
فتكون نتائج ذلك كله لصالح
مشروع "الشرق الأوسط الجديد"
الذي دعت له واشنطن. بل ربّما كان
المشروع الأميركي/الإسرائيلي
المشترك في الحرب الأخيرة على
لبنان، أن تنجح إسرائيل في ضرب
"حزب الله" عسكرياً وأن
تقتل قيادته وتشتّت قواه، وأن
تؤلّب الشعب اللبناني ضدّه، ثمّ
تضرب إسرائيل في الوقت نفسه –حسب
ذلك المشروع- بعض المواقع
السورية وبعض مراكز القيادات
الفلسطينية في دمشق، ممّا يؤدّي
عسكرياً وسياسياً إلى إضعاف
النظام السوري والقوى
الفلسطينية المتحالفة مع دمشق.
ولو حدث ذلك، لاضطرّت "حركة
حماس" إلى تراجعاتٍ كثيرة
داخل الأراضي الفلسطينية
المحتلة. وأعتقد أنَّ
نتائج الحرب الأخيرة في لبنان
قد أدَّت عملياً إلى احتمال
تحقيق نوع من الاستقرار
مستقبلاً في المنطقة إذا تراجعت
الإدارة الأميركية عن نهجها
الحالي، وأخذت بتوصيات لجنة
بيكر/هاملتون، وبالدعوة
الأسبانية/الأوروبية لعقد
مؤتمر دولي حول الصراع العربي/الإسرائيلي. فصمود "حزب
الله" في لبنان، وانتصاره في
المواجهة العسكرية المباشرة
على أرض الجنوب اللبناني، أدّيا
إلى تراجعاتٍ كثيرة في الغايات
الموضوعة لهذا العدوان، وأوجدا
عملياً حالة من الاستقرار
الأمني النسبي في المنطقة، فلو
انهزم "حزب الله" عسكرياً
في الحرب الأخيرة، لكانت بعض
الأطراف اللبنانية التي تطالب
الآن بنزع سلاح المقاومة، ستجد
كل المبرّرات للتصادم المباشر
مع "حزب الله" بهدف نزع
سلاحه بالقوة، ومما كان سيؤدي
إلى الدخول في حرب أهلية مدعومة
من قواتٍ إسرائيلية تحتلّ
الجنوب، كما جرى في فترة الحرب
الأهلية اللبنانية والاجتياحات
الإسرائيلية السابقة للأراضي
اللبنانية. ومن لا يجد واقعية
في هذه التقديرات عن الغايات
التي كانت مرجوّةً من الحرب
الإسرائيلية الأخيرة على
لبنان، عليه أن يعيد قراءة
المواقف الإسرائيلية
والأميركية التي أُعلنت بعد بدء
الحرب مباشرةً والتهديدات التي
أُطلِقت ضدَّ سوريا، والتبشير
الأميركي بشرق أوسطي جديد، ثمَّ
كيف تراجعت هذه المواقف بعد
صمود "حزب الله" ونجاحه في
إدارة المواجهة العسكرية. إذن، الإدارة
الأميركية هي الآن أمام معضلتين:
ما يحدث في العراق من عجزٍ
أميركي عن ضبط الأوضاع الأمنية
والتداعيات السياسية، ثمّ
الفشل الأميركي في نتائج
المواجهة العسكرية الإسرائيلية
مع كلٍّ من "حزب الله" و"حركة
حماس". وفي المعضلتين،
ليست إيران هي الطرف الخاسر. لذلك، تصبح
المراجعة السائدة الآن في أوساط
الإدارة الأميركية، مراجعة
للاستراتيجيات وليس فقط
للأساليب التكتيكية. وستكون
الإدارة مخطئة جداً بحقِّ
المصالح الأميركية وبحق الحزب
الجمهوري الذي تحكم باسمه، إذا
لم تقم فعلاً بمراجعة
إستراتيجية للسياسة وليس فقط
لأساليب العمل. صحيحٌ أنَّ كلَّ
الإدارات الأميركية، وليس هذه
الإدارة فقط، كانت تعمل على
حلول انفرادية لملفات الصراع
العربي/الإسرائيلي، لكن هذه
الحلول لم تحسم الصراع ولم
تحقّق الاستقرار السياسي
والأمني في المنطقة. وصحيحٌ أنَّ لهذه
الإدارة أجندة تعمل على تغيير
أنظمة وحكومات وأوضاع سياسية في
بلدان المنطقة، لكن ما يُفترض
أن يكون "نموذجاً" لحركة
التغيير "البوشية" في
المنطقة، أي العراق، أصبح
كابوساً على المنطقة وعلى
السياسة الأميركية نفسها. حتى الآن، لا
مؤشّرات عملية على تغييرٍ قريب
سيحدث في السياسة الأميركية،
لكن التراكم الكمّي لحجم الفشل،
يحتّم التغيير النوعي مستقبلاً. وستكون
الانتخابات الأميركية في
الأسبوع القادم دلالةً هامّة عن
مدى اتجاه رياح التغيير في نهج
الإدارة، ثم زيارة الوزيرة
كونداليسا رايس لأسبانيا في
نهاية نوفمبر/تشرين الثاني هي
أيضاً علامة في طريق التغيير
المنشود، وكذلك هي توصيات لجنة
بيكر/هاملتون المقرَّر إعلانها
مع نهاية العام. لكن خلاصة هذه
المراجعة في سياسة الإدارة
الأميركية قد تظهر عملياً مع
نهاية الشهر الأول من العام
القادم، وهو موعد الخطاب السنوي
للرئيس الأميركي عن حال "الاتحاد
الأميركي". الأمل الكبير
فقط، هو أن يستمرّ وأن يتدعم حال
"الاتحاد الوطني الداخلي"
في بلدان المنطقة العربية!! *(مدير
"مركز الحوار العربي" في
واشنطن) E-mail:
alhewar@alhewar.com المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |